سُورَةُ الْقَمَرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ آيَةً

مكيّة و هى خمس و خمسون اية و ثلث ركوعات

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

 روى البغوي عن انس بن مالك ان اهل مكة سالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يراهم اية فاراهم القمر شقتين حتى راى حراء بينهما و كذا اخرج الشيخان فى الصحيحين و

قال البغوي قال شيبان عن قتادة فاراهم انشقاق القمر مرتين كذا اخرج الترمذي بلفظ فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت اقتربت الساعة و الشق القمر الى قوله سحر مستمر

و اخرج الشيخان و الحاكم و اللفظ له عن ابن مسعود قال رايت القمر منشقا شقتين بمكة قبل مخرج النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا سحر القمر فنزلت اقتربت الساعة و انشق القمر و كذا اخرج البغوي من طرق البخاري بلفظ انشق القمر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرقتين فرقة فوق الجبل و فرقة دونه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اشهدوا

قال البغوي و قال ابو الضحى عن مسروق عن عبد اللّه انشق القمر بمكة و قال انشق القمر ثم التأم بعد ذلك و روى ابو الضحى عن مسروق عن عبد اللّه قال انشق القمر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال سحركم ابن ابى كبشة فاسالوا السفار فسألوهم فقالوا نعم قد رايناه فانزل اللّه تعالى

_________________________________

١

اقْتَرَبَتِ اى دنت السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ يعنى قد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر.

٢

وَ إِنْ يَرَوْا يعنى الكفار آيَةً معجزة دالة على صدق النبي صلى اللّه عليه و سلم يُعْرِضُوا عن التأمل و الايمان وَ يَقُولُوا هذا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ اى ذاهب سوف يذهب و يبطل من قولهم مر الشي ء و استمر بمعنى ذهب كقولهم قر و استقر كذا قال مجاهد و قتادة و قال ابو العالية و الضحاك مستمر بمعنى قوى شديد يعلو كل سحر من قولهم مر الحبل إذا صلب و اشتدوا مررته إذا أحكمت قتله و استمر الشي ء إذا قوى و استحكم و قيل معناه سحر مطرد يوجد متتابعا كثيرا و قيل معناه مستبثع من استمر إذا اشتد مرارته و الجملة الشرطية معترضة لبيان عادة الكفار و قوله تعالى.

٣

وَ كَذَّبُوا عطف على انشق يعنى كذبوا النبي صلى اللّه عليه و سلم و القران و ما عاينوا من قدرة اللّه تعالى وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ و لم يتبعوا الوحى بعد ظهوره ذكرهما بلفظ الماضي للاشعار بانهما من عادتهم القديمة وَ كُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ اى منبة؟؟؟ اى غاية من خذلان او نصر فى الدنيا و سعادة او شقاوة فى الاخرة فان الشي ء إذا انتهى الى غايت ثبت و استقر و كذا قال مقاتل لكل حديث منتهى و قيل معناه كل امر مقدر مستقر يعنى كاين واقع لا محالة و كل امر وعد اللّه واقع كاين لا محالة و قال الكلبي لكل امر حقيقة ما كان منهم فى الدنيا فسيظهر و ما كان منه تعالى فى الاخرة فسيعرف و قال قتادة و كل امر مستقر فى الخير يستقر باهل الخير و كل امر مستقر فى الشر يستقر باهل الشر و قيل كل امر من خير او شر مستقر قراره فالخير مستقر باهله فى الجنة و الشر مستقر باهله فى النار و قيل يستقر قول المصدقين و المكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب و العقاب قرا ابو جعفر مستقر بالجر على انه صفة امر و كل معطوف على الساعة يعنى اقتربت الساعة و اقتربت كل امر مستقر باهله.

٤

وَ لَقَدْ جاءَهُمْ يعنى كفار مكة فى القران مِنَ الْأَنْباءِ انباء القرون الخالية او انباء الاخرة.

ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ ما موصولة او موصوفة أصله من تجر بقلب تاء الافتعال مع الزاء و الا للتناسب و كذا مع الذال فان التاء حرف مهموس و الدال و الذال و الزاء مهجورات و مخرج التاء و الذال واحد مصدر ميمى بمعنى الأزد جار يعنى جائهم ما فيه نهى و عظة بحيث يقتضى الانتهاء من المعاصي و الاتعاظ فان هلاك الأمم الطاغية الماضية المواعيد بالنار يقتضى ذلك.

٥

حِكْمَةٌ بالِغَةٌ غايتها لا خلل فيها بدل من ما فاعل جاء او خبر لمبتداء محذوف اى هو فَما تُغْنِ النُّذُرُ نفى او استفهام للانكار اى فلم تغن النذر او فاى غناء يغنى النذر و هو جمع نذير بمعنى المنذر اى الرسول او المصدر منه او مصدر بمعنى الانذار-.

٦

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حيث لا ينفعهم إنذارك نسختها اية القتال يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ قرأ البزي الداعي بإثبات الياء وصلا و وقفا و ابو عمرو دورش فى الوصل فقط و يوم منصوب با ذكر و الجملة مستانف و جملة يخرجون حال من مفعول بدعوا المحذوف تقديره يوم يدعوهم الداعي يخرجون او الظرف متعلق يخرجون و جملة تخرجون مستانفة و ذلك يوم القيامة- الداعي اسرافيل عليه السلام يقف على صخرة بيت المقدس يقول يا أيتها العظام النخرة و الجلود المتمزقة و الاشعار المنقطعة ان اللّه يأمر كن ان تجمعين لفصل الخطاب رواه ابن عساكر عن زيد بن جابر الشافعي إِلى شَيْ ءٍ نُكُرٍ قرأ ابن كثير بإسكان الكاف و الباقون بضمه اى شى ء منك قطيع لم تعهد مثله تنكره النفوس استعظاما.

٧

خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ قرأ ابو عمرو و حمزة و الكسائي و يعقوب خاشعا بفتح الخاء و الف بعد و كسر الشين على الافراد و التذكير لان فاعله ظاهر غير حقيق التأنيث

و قرا ابن مسعود رض خاشعة على الأصل

و قرا ابن كثير و نافع و ابن عامر و عاصم و ابو جعفر خشعا على صيغة جمع التكسير و حسن ذلك و لا يحسن مررت برجال قايمين غلمانهم لانه ليس على صيغة يشبه الفعل يعنى ذليلا أبصارهم حال من فاعل يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ اى القبور كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ فى الكثرة و التموج و الانتشار فى الامكنة الجملة ايضا حال من فاعل يخرجون.

٨

مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ قرأ ابن كثير الداعي بإثبات الياء فى الحالين و نافع و ابو عمرو فى الوصل فقط يعنى مسرعين مادى أعناقهم الى صوت الداعي او ناظرين اليه يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ صعب شديد جملة مستانفة.

٩

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ اى قبل قومك قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا نوحا عليه السلام تنازع الفعلان فى المفعولية فاعمل الثاني و حذف من الاول و المعنى كذبت قوم نوح نوحا عليه السلام فكذبوه تكذيبا بعد تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب جاء قرن اخر فكذبوه و هذا الى الف سنة الا خمسين عاما و جازان يقدر المحذوف غير المذكور فلا يكون من باب التنازع و المعنى كذبوه بعد ما كذبوا الرسل و جاز ان ينزل الفعل منزلة اللازم و لا يقدر المفعول فلا يكون من باب التنازع و المعنى صدر التكذيب قبلهم من قوم نوح فكذبوا نوحا و الفاء حينئذ للتفصيل بعد الإجمال وَ قالُوا عطف على كذبوا مَجْنُونٌ خبر مبتدا محذوف اى هو وَ ازْدُجِرَ اما عطف على مجنون يعنى قالوا هو مجنون و ازدجرته الجن فخبطته و ذهب بعقله كذا قال مجاهد او عطف على قالوا يعنى و ازدجروه عن التبليغ بانواع الاذية و قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين- اخرج عبد بن حميد عن مجاهد واحدا منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا عليه فيفيق و يقول اللّهم اغفر لى لقومى فانهم لا يعلمون و كذا اخرج احمد فى الزهد من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير.

١٠

فَدَعا نوح رَبَّهُ بعد ما اوحى اليه انه لن يؤمن من قومك الا من قدا من فلا تبتئس بما كانوا يفعلون أَنِّي مَغْلُوبٌ اى بانى مغلوب غلبنى قومى فَانْتَصِرْ اى فانتقم لى منهم لعذاب لبعتهم و قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا الا فاجرا كفارا.

١١

فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ منصب انصبابا شديدا لم ينقطع أربعين يوما و قيل معناه بماء طبق ما بين السماء و الأرض.

١٢

وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً تميز من النسبة و المعنى فجرنا عيون الأرض لكن غير للمبالغة كانه قال جعلنا الأرض كلها عيونا منفجرة فَالْتَقَى الْماءُ يعنى الافتعال بمعنى التفاعل و ذلك يقتضى تعدد الفاعل لكن الماء اسم يطلق على الواحد و الكثير و أريد هاهنا فالتقى الماء ان يعنى ماء السماء و ماء الأرض كذا قرا عاصم الجحدري عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ج اى على حسب امر قد قدره اللّه تعالى فى الأزل و كتب فى اللوح او على حال قدرت و سويت و هو ان قدر ما انزل من السماء على قدرنا اخرج من الأرض او على امر قدره اللّه و هو هلاك قوم نوح بالطوفان.

١٣

وَ حَمَلْناهُ يعنى نوحا عَلى سفينة ذاتِ أَلْواحٍ أخشاب عريضة وَ دُسُرٍ اى مسامير دسارا و دسير ذكر النعت و أقيمت مقام الاسم.

١٤

تَجْرِي حال من ذات ألواح بِأَعْيُنِنا ج اى محفوظة بحفظنا جَزاءً اى فعلنا ذلك جزاء او جزينا قوم نوح جزاء لِمَنْ كانَ كُفِرَ اى لاجل نوح لانه نعمة كفروها فان كل نبى نعمة من اللّه و رحمة على أمته و قيل من بمعنى ما اى جزاء لما كان كفر من أيادي اللّه و نعمة عند الكافرين او المعنى حاجزا لما صنع بنوح و أصحابه او المعنى فعلنا ذلك اى أغرقنا قوم نوح و أنجينا نوحا جزاء و ثوابا لنوح .

١٥

وَ لَقَدْ تَرَك ْناها اى الفعلة المذكورة يعنى أبقينا قصتها آيَةً على قدرتنا و صدق الأنبياء يعتبر بها من بعدهم و قال قتادة الضمير المنصوب عايد الى السفينة و لقد أبقى اللّه السفينة بأرض الجزيرة و قيل بالجودي دهرا طويلا حتى نظرها أوائل هذه الامة و هذه جملة معترضة و كذا قوله تعالى فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ اى معتبر الاستفهام للاغراء و التحريض على الادكار و الاتعاظ و الفاء للسببية أصله مدتكر مفتعل من الدكر قلبت التاء دالا للتناسب ثم أدغمت الدال فى الدال لقرب المخرج.

١٦

فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ الاستفهام للتعظيم و التهويل و الفاء للسببية فان القصة السابقة سبب للتهويل و نذر جمع نذير و قال الفراء الانذار و النذر مصدر ان كالانفاق و النفقة و الإيقان و اليقين و كيف خبر كان قدمت لاقتضائها صدر الكلام قرا ورش عذابى و نذرى بإثبات الياءات فى ستة مواضع من هذه السورة.

١٧

وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا اى سهلنا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ اى للاذكار و الاتعاظ بان ذكرنا فيه انواع المواعظ و العبر و الوعيد و احوال الأمم السابقة للاعتبار و المعنى يسرنا القران للحفظ بالاختصار و عذوبة اللفظ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ

١٨

كَذَّبَتْ عادٌ قوم هود عليه السلام هودا و جميع الأنبياء فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ اى انذاراتى لهم بالعذاب قبل نزوله او لمن بعدهم فى تعذيبهم.

١٩

إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً باردا شديد الهبوب و شديد الصوت فِي يَوْمِ نَحْسٍ شوم على الأعداء مُسْتَمِرٍّ اى استمر شومه او استمر عليهم حتى اهلكهم اللّه او على صغيرهم و كبيرهم فلم يبقى منهم أحدا او أشد مرارته

قال البغوي قيل كان يوم الأربعاء اخر شهر.

٢٠

تَنْزِعُ النَّاسَ اى تقلعهم من أماكنهم ثم ترمى بهم على رؤسهم فتدق رقابهم و

قال البيضاوي روى انهم دخلوا فى الشعاب و الحفر و تمسك بعضهم ببعض فنزعهم الريح منها و صرعتهم موتى و

قال البغوي روى انها كانت تنزع الناس من قبورهم كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ اى اصول نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ منقلع من مكانه ساقط على الأرض ذكر الصفة حملا على اللفظ و التأنيث فى قوله اعجاز نخل خاوية و نخل باسقات للمعنى

قال البغوي انما قال اعجاز نخل و هى أصولها التي قطعت فروعها لان الريح كانت تبين رؤسهم من أجسادهم فتبقى الأجسام بلا رؤس.

٢١

فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ كرر للتهويل و قيل الاول لما حاق بهم فى الدنيا و الثاني لما يحيق بهم فى الاخرة كما قال ايضا فى قصتهم لنذيقهم الخزي فى الحيوة الدنيا و لعذاب الاخرة اخزى.

٢٢

وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ

٢٣

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ بالإنذارات و المواعظ و الرسل.

٢٤

فَقالُوا أَ بَشَراً آدميا منصوب على المفعولية بفعل مضمر يفسره ما بعده مِنَّا صفة لبشر اى من جنسنا او من جملتنا لا فضل له علينا بالمال و الجاه واحِداً بدل من بشرا و عطف بيان له اى منفرد الا تبع له او من احادنا دون اشرافنا نَتَّبِعُهُ الاستفهام للانكار و الإنكار على كون متبوعهم مثلهم فى الجنسية و دونهم فى الانفراد لا على فعل الاتباع فانه لو كان المتبوع من الملائكة او ملوك البشر لم ينكروا اتباعه فلا بد تقدير الفعل موخرا من المفعول فى الإضمار و التفسير تأكيد الإنكار الاتباع إِنَّا إِذاً اى إذا نتبعه لَفِي ضَلالٍ اى خطاء ذهاب عن الصواب وَ سُعُرٍ قال وهب معناه بعد من الحق و قال الفراء جنون يقال ناقة مسعودة إذا كانت خفيفة الراس هايمة على وجهها و قال قتادة معناه عناء و عذاب مما يكره منا من طاعة و قيل سعر جمع سعير قال ابن عباس معناه عذاب و قال الحسن شدة عذاب و كانهم عكسوا قول صالح عليه السلام لما قال ان تتبعونى كنتم فى ضلال عن الحق و سعير و نيران فقالوا ان اتبعناك انا إذا لفى ضلال و سعير.

٢٥

أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ الكتاب و الوحى مِنْ بَيْنِنا و فينا من هو أحق بذلك يعنون انه لم يلق عليه الذكر من بيننا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ يكذب على اللّه أَشِرٌ بطر منكر يريد ان يتعظم علينا بادعاء النبوة إضراب من نفى الفضيلة الى ادعاء الرذيلة فيه .

٢٦

سَيَعْلَمُونَ غَداً حين ينزل هم العذاب و قال الكلبي يعنى يوم القيامة مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ أهم أم صالح عليه السلام قرا ابن عامر و حمزة ستعلمون عذابنا الخطاب على الالتفات و الباقون بالياء على الغيبة و الجملة استيناف فى جواب ما شانهم و لما سالوا معجزة من الصالح عليه السلام على صدقه و قالوا تعنتا ان يخرج لهم ناقة حمراء عشراء من صخرة عينوها قال اللّه تعالى.

٢٧

إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ اى مخرجوها و باعثوها فِتْنَةً لَهُمْ اى لاجل امتحانهم او حال كونها امتحاناتهم فَارْتَقِبْهُمْ اى فانتظر يا صالح ما يصنعوا بها وَ اصْطَبِرْ على اذاهم او اصبر على ارتقابهم.

٢٨

وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ اى مقسوم بَيْنَهُمْ يعنى بين قومك و بين الناقة لها يوم و لهم يوم أورد ضمير الجمع المذكر العاقل تغليبا كُلُّ شِرْبٍ اى نصيب من الماء مُحْتَضَرٌ يحضره من كان نوبته فاذا كان يوم الناقة حضرت شربها و إذا كان يوم نوبتهم حضروه دون الناقة و احتضر و حضر بمعنى واحد

و قال مجاهد يحتضرون الماء إذا غابت الناقة فاذا جاءت الناقة حضر و اللبن.

٢٩

فَنادَوْا ثمود صاحِبَهُمْ قدار بن سالف فَتَعاطى فتناول الناقة بسيغه فَعَقَرَ فعذبناهم.

٣٠

فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ ثم بين عذابهم فقال.

٣١

إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً صاح بهم جبرئيل عليه السلام فَكانُوا اى صاروا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ قال ابن عباس المحتظر الرجل يجعل لغنمه حظيرة من الشجر و الشوك دون السباع فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم و قيل هو الشجر اليابس الذي يتخذه من الحظير لاجل الحظيرة او الحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لما شيته فى الشتاء و قال قتادة معناه كالعظام النخرة المحترقة و قال سعيد بن جبير هو التراب يتناشر من الحائط.

٣٢

وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ

٣٣

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ

٣٤

إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً اى ريحا ترميهم بالحصباء و هى الحصى الصغار و قيل الحصباء هى الحجر الذي دون ملأ الكف و قد يكون الحاصب الرامي فيكون على هذا انا أرسلنا عليهم حاصبا يحصبهم اى يرميهم بالحجارة إِلَّا آلَ لُوطٍ استثناء من الضمير المجرور فى عليهم نَجَّيْناهُمْ يعنى ال لوط بِسَحَرٍ اى فى سحر و هى اخر الليل او مسحرين الجملة تعليل للاستثناء.

٣٥

نِعْمَةً اى انعاما علة لنجينا مِنْ عِنْدِنا ط صفة لنعمة كَذلِكَ نَجْزِي

مَنْ شَكَرَ نعمة اللّه بالايمان و الطاعة يعنى من وحد اللّه و شكر نعمة نجزيه جزاء ....

كما جزينا ال لوط و لم نعذبهم مع المشركين كذا قال مقاتل.

٣٦

وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ يعنى انذر لوط قومه بَطْشَتَنا اى أخذتنا إياهم بالعذاب ان لم يؤمنوا مفعول ثان لانذر فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ يعنى كذبوا لوطا و شكوا بالإنذار.

٣٧

وَ لَقَدْ راوَدُوهُ اى طلبوا لوطا ان يعرض عَنْ ضَيْفِهِ و يسلمهم إليهم حين قصدوا الفجور بهم و كانوا الملائكة فيهم جبرئيل عليه السلام على صورة الامارد أرسلهم اللّه على قوم لوط ليرسلوا عليهم حجارة من طين مسومة للمسرفين فلما قصد قوم لوط داره و عالجوا الباب ليدخلوا قالت الرسل للوط خل بينهم و بين الدخول فانا رسل ربك لن يصلوا إليك فدخلوا الدار و

قال البغوي

و اخرج ابن إسحاق و ابن عساكر من طريق جرير و مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ان لوطا اغلق بابه دون أضيافه و أخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما راى الملائكة ما على لوط قالوا انا رسل ربك لن يصلوا إليك فصعقهم جبرئيل بجناحه بإذن اللّه فتركهم عمياء يترددون متحيرين لا يهتدون الى الباب فاخرجهم لوط عميانا لا يبصرون و ذلك قوله تعالى فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ اى صيرناها كساير الوجه لا يرى له شق كذا قال اكثر المفسرين و قال الضحاك طمس اللّه أبصارهم فلم يروا الرسل فقالوا قد رأيناهم حين دخلوا البيت فاين ذهبوا فلم يرواهم فرجعوا فقال اللّه تعالى على السنة الرسل فَذُوقُوا عَذابِي وَ نُذُرِ اى ما أنذرتكم به على لسان لوط من العذاب.

٣٨

وَ لَقَدْ صَبَّحَهُمْ اى جاءهم وقت الصبح بُكْرَةً أول النهار عَذابٌ رمى الحجارة مُسْتَقِرٌّ اى يستقر بهم بعد الموت عذاب القبر حتى يسلمهم الى النار المؤبدة-.

٣٩

فَذُوقُوا عَذابِي وَ نُذُرِ

٤٠

وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ع و فائدة التكرير بعد كل قصة ان يستانفوا تنبيها و اتعاظا و استيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك و البعث عليه.

٤١

وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ج يعنى موسى و هارون عليهما السلام و من معهما و قيل هى الآيات التي انذرهم بها موسى و اكتفى بذكر ال فرعون عن ذكره للعلم بانه اولى بذلك.

٤٢

كَذَّبُوا بِآياتِنا يعنى الآيات التسعة كُلِّها عن صفوان بن عسال قال قال يهودى لصاحبه اذهب بنا الى هذا النبي فقال له صاحبه لا تقل نبى انه لو سمعك لكان له اربع أعين فاتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسالا عن تسع آيات بينات فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تشركوا باللّه شيئا و لا تسرقوا و لا تزنوا وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّه إِلَّا بِالْحَقِّ و لا تمشوا ببرى الى ذى سلطان ليقتله و لا تسحروا و لا تأكلوا الربوا و لا تقذفوا محصنة و لا تولوا للفرار يوم الزحف و عليكم خاصة اليهود ان لا تعتدوا فى السبت قال فقبلا يديه و رجليه و قالا نشهد انك بنى قال فما يمنعكم ان تتبعونى قالا ان داود عليه السلام دعى ربه ان لا يزال فى ذريته نبى و انا نخاف ان تبعناك ان يقتلنا اليهود رواه ابو داود و الترمذي و النسائي فَأَخَذْناهُمْ بالعذاب يعنى أغرقناهم فى اليم ثم أدخلناهم فى النار أَخْذَ عَزِيزٍ غالب لا يغلب مُقْتَدِرٍ على الانتقام لا يعجزه ما أراد و لا يمنعه شى ء عما أراد.

٤٣

أَ كُفَّارُكُمْ يعنى كفار قومكم ايها المؤمنون من قريش خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ يعنى من قوم نوح و عاد و ثمود و قوم لوط و ال فرعون المذكورين بحلول العذاب بهم قوة و عددا او مكانة و دينا عند اللّه و الاستفهام للانكار يعنى ليسوا خيرا منهم فكيف أمنوا من مثل ما حل بهم من العذاب أَمْ لَكُمْ يا اهل مكة بَراءَةٌ و أمان من العذاب فِي الزُّبُرِ ج اى فى الكتب السماوية ان من كفر منكم و كذب الرسل لا يعذب حتى أمنوا من العذاب.

٤٤

أَمْ يَقُولُونَ اى هؤلاء الكفار نَحْنُ جَمِيعٌ اى جماعة أمرنا مجتمع مُنْتَصِرٌ ممتنع لا نرام او منتصر من الأعداء لا تغلب او متناصر بعضنا بعضا و التوحيد حملا على لفظ الجميع و موافقة لرؤس الاى اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قالوا يوم بدر نحن جميع منتصر فنزلت.

٤٥

سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ قرأ يعقوب سنهزم بالنون على صيغة المتكلم المعروف و الجمع منصوبا على المفعولية و الباقون على صيغة الواحد الغائب المجهول و الجمع مرفوعا على انه مسند اليه أورد الدبر مفردا فى محل الأدبار بارادة الجمع الجنس موافقة لرؤس الاى كما يقال ضربنا منهم الراس او لان كل واحد منهم يولى دبره روى البخاري عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال و هو فى قبة يوم بدر أنشدك عهدك و وعدك اللّهم ان تشاء لا تعبد بعد اليوم فقال ابو بكر و أخذ بيده حسبك يا رسول اللّه ألححت على ربك فخرج و هو يثب فى الدرع و هو يقول سيهزم الجمع و يولون الدبر كنت لا أدرى اى جمع يهزم فلما كان يوم بدر رايت النبي صلى اللّه عليه و سلم يثب فى درعه و يقول سيهزم الجمع و يولون الدبر ذكره البغوي قول سعيد بن المسيب قال سمعته من عمرو اخرج عبد الرزاق و ابن جرير و ابن ابى حاتم و ابن مردوية فى تفاسيرهم من مرسل عكرمة و رواه الطبراني فى مجمعه الأوسط.

٤٦

بَلِ السَّاعَةُ إضراب على طريقة الانتقال الى الأهم مَوْعِدُهُمْ جميعا للعذاب و ما يحيق بهم فى الدنيا فمن طلايعه و كان ليس بعذاب بالنسبة الى ما يحيق بهم يوم القيامة و لذلك لا يعذب بعض الكفار فى الدنيا مع استحقاقهم جميعا للعذاب- وَ السَّاعَةُ أَدْهى اى أشد داهية و الداهية امر فظيع لا يهدى الى دفعه وَ أَمَرُّ فذاقا من عذاب الدنيا.

٤٧

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ اى الكافرين تعميم بعد تخصيص لبيان حال الكفار مطلقا بعد التخصيص بذكر كفار مكة فِي ضَلالٍ عن الحق فى الدنيا وَ سُعُرٍ نيران فى الاخرة و قيل معنى الاية فى ضلال اى ذهاب من طريق الجنة فى الاخرة و سعر اى نار مسعرة كذا قال الحسن بن فضل و قال قتادة فى عناء و عذاب.

٤٨

يَوْمَ يُسْحَبُونَ اى يجرون فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ يقال لهم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ اى حر النار و المها فان مسها سبب لالمها.

٤٩

إِنَّا كُلَّ شَيْ ءٍ منصوب بفعل مضمر يفسره خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ و الجملة معترضة بين ذكر الكفار نزلت رد المخاصمة قريش روى مسلم و الترمذي عن ابى هريرة قال جاءت مشركوا قريش يخاصمون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى القدر فنزلت ان المجرمين فى ضلال و سعر الى قوله انا كل شى ء خلقناه بقدر يعنى خلقنا كل شى ء بتقدير سابق او مقدرا مكتوبا فى اللوح المحفوظ معلوما قبل كونه قد علمنا حاله و زمانه قال الحسن قدر اللّه لكل شى ء من خلقه قدره الذي ينبغى له اى يقتضيه الحكمة عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول كتب اللّه مقادير الخلائق كلها قبل ان يخلق السموات و الأرض بخمسين الف سنة قال و كان عرشه على الماء- رواه مسلم و روى البغوي بسنده عن طاؤس بن مسلم اليماني قال أدركت ناسا من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقولون كل شى ء بقدر حتى العجز و الكيس و عن على بن ابى طالب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد ان لا اله الا اللّه و انى رسول اللّه بعثني بالحق و يومن بالبعث بعد الموت و يومن بالقدر رواه الترمذي و ابن ماجة عن ابن عمر قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول يكون فى أمتي خسف و مسخ و ذلك على المكذبين بالقدر رواه ابو داود و روى الترمذي نحوه و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم القدرية مجوس هذه الامة ان مرضوا لا تعودوهم و ان ماتوا لا تشهدوهم رواه احمد و ابو داود و عن ابى خزامة عن أبيه قال قلت يا رسول اللّه ارايت رقى تسترقى بها و دواء نتداوى بها و تقاة نتقيها هل ترد من قدر اللّه شيئا قال هى من قدر اللّه رواه احمد و الترمذي و ابن ماجة و فى الباب أحاديث كثيرة و انعقد عليه اجماع الصحابة و من بعدهم من من اهل السنة و الجماعة.

٥٠

وَ ما أَمْرُنا فى تكوين الأشياء و إعدامها و إعادتها إِلَّا واحِدَةٌ اى إلا فعلة واحدة و هى الإيجاد و الامحاء بلا معالجة و معناه او إلا كلمة واحدة و هى قوله تعالى كن فى الإيجاد و الصيحة فى الاعدام و البعث كاينة فى اليسر و السرعة كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ قال الكلبي عن ابن عباس و ما أمرنا بمجى ء الساعة فى السرعة الا كطرف البصر نظيره قوله تعالى و ما امر الساعة الا كلمح البصر او هو اقرب.

٥١

وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ جمع شيع معناه المثل كذا فى القاموس يعنى أهلكنا اشباهكم فى الكفر ممن قبلكم يا اهل مكة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ متعظ بالاعتبار ممن قبله الفاء للسببية و الاستفهام للحث و التحريض بمعنى الأمر يعنى لقد أهلكنا يا اهل مكة اشباهكم فاذكروا و اتعظوا متصل بما سبق فى توبيخ اهل مكة و ما بينهما معترضات.

٥٢

وَ كُلُّ شَيْ ءٍ فَعَلُوهُ صفة لشى ء فعله المكلفون ثابت مكتوب فِي الزُّبُرِ اى فى صحائف الحفظة التي لا يغادر صغيرة و لا كبيرة الا أحصاها فيجازى بها يوم القيامة او فى اللوح المحفوظ.

٥٣

وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ من اعمال المكلفين او من الخلائق و أعمالهم و اجالهم مُسْتَطَرٌ اى مسطور مكتوب فى صحائف الحفظة او فى اللوح المحفوظة فهذه الجملة بيان و تفسير و تأكيد لما سبق او المراد بأحد الجملتين كونها مكتوبا فى صحائف الحفظة و بالأخرى فى اللوح المحفوظ و اللّه تعالى اعلم.

٥٤

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ اى انهار الجنة من الماء و الخمر و العسل و اللبن او رد لفظ المفرد اكتفاء باسم الجنس موافقة لروس الاى و قال الضحاك يعنى فى الضياء السعة و منه النهار

قال البغوي قرا الأعرج و نهر بالضمتين جمع نهار يعنى لا ليل لهم.

٥٥

فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ اى فى مكان لا لغو فيه و لا تأثيم يعنى الجنة او فى مكان مرضى قال الجوهري يعبر عن فعل فاضل ظاهرا و باطنا بالصدق و منه قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ الاية و قوله تعالى لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عند ربهم

و قوله تعالى أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ و أخرجني مخرج صدق

قال البغوي قال الصادق رض مدح اللّه المكان بالصدق فلا يقعد فيه الا اهل الصدق عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ اى عند اللّه مالك الأشياء كلها و ملكها قادر لا يعجزه شى ء عندية غير متكيفة لا تدركه العقول و الافهام الا من فتق اللّه غشاوة بصيرته من الكرام و فايدة التكبير فيها الإيماء الى ان ما من شى ء الا تحت ملكه و قدرته و اللّه تعالى اعلم-.

﴿ ٠