سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ آيَةً

مدنية و هى اثنتان و عشرون اية و ثلث ركوعات

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

 اخرج الحاكم و صححه عن عائشة قالت تبارك الذي وسع سمعه كل شى ء انى لا سمع كلام خولة ابن ثعلبة و يخفى على بعضه و هى تشتكى زوجها الى الرسول صلى اللّه عليه و سلم و هى تقول يا رسول اللّه أكل مالى و نثرت له بطني حتى إذا كبرت سنى و انقطع ولدي ظاهر منى اللّهم انى أشكو إليك فما برحت حتى نزل جبرئيل بهؤلاء الآيات

_________________________________

١

قَدْ سَمِعَ اللّه أدغمت حمزة و الكسائي و ابو عمر و هشام الدال فى السين و كلمة قد لتقريب الماضي الى الحال و يشعر بان الرسول صلى اللّه عليه و سلم او المرأة يتوقع ان اللّه يسمع مجادلتها و شكواها و يفرج عنها كربها قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها و هو أوس بن الصامت و المجادلة الشدة فى الخصومة و المراد هاهنا شدتها فى مراجعة الكلام مثل شدة الخصمين وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّه عطف على تجادلك وَ اللّه يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما ط تراجعكما الكلام و هو على تغليب الخطاب إِنَّ اللّه سَمِيعٌ للاقوال بَصِيرٌ بالأحوال

قال البغوي نزلت فى خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن صامت و كانت حسنة الجسم و كان به لمم فارادها فابت فقال لها أنت على كظهر أمي ثم ندم على ما قال كان الظهار و الإيلاء من طلاق الجاهلية فقال لها ما أظنك الا قد حرمت على فقالت و اللّه ما ذاك طلاق فاتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عائشة رض تغسل شق راسه فقالت يا رسول اللّه ان زوجى أوس بن الصامت تزوجنى و انا شابة غنية ذات مال و اهل حتى أكل مالى و أفنى شبابى و تفرق أهلي و كبرت سنى ظاهر منى و قد ندم فهل من شى ء يجمعنى و إياه تنعشنى به فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حرمت عليه فقالت أشكو الى اللّه فافتى و وحدتي قد طالت صحبتى و نفضت له بطني فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما أراك الا حرمت عليه و لم اومر فى شانك بشى ء فجعلت تراجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و إذا قال صلى اللّه عليه و سلم حرمت عليه امتنعت و قالت أشكو الى اللّه فاقتى و شدة حالى و ان بي صبية صغار ان ضممتهم اليه ضاعوا و ان ضممتهم الىّ جاعوا و جعلت ترفع راسها الى اللّه و تقول اللّهم انى أشكو إليك اللّهم فانزل على لسان نبيك و كان هذا أول ظهار فى الإسلام فقامت عائشة تغسل شق راسه الاخر فقالت انظر فى امرى جعلنى اللّه فداك يا نبي اللّه فقالت عائشة اقصرى حديثك و مجادلتك اما ترين وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا انزل عليه اخذه السبات فلما قضى الوحى ادعى زوجك فجاء فتلى عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد سمع اللّه قول التي تجادلك فى زوجها الآيات قالت عائشة تبارك الذي وسع سمعه الأصوات ان المرأة لتحاور رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و انا فى ناحية البيت اسمع بعض كلامها و يخفى على بعضه إذ انزل اللّه تعالى قد سمع اللّه الاية.

٢

الَّذِينَ يُظاهِرُونَ قرأ عاصم فى الموضعين بضم الياء و تخفيف الظاء و الف بعدها و كسر الهاء من المفاعلة و ابن عامر و حمزة و الكسائي بفتح الياء و تشديد الظاء و الف بعدها من الافاعل أصله يتظاهرون ادغم التاء فى الظاء و الباقون من غير الالف من الافعل أصله تفعل- و الظهار ان يقول الرجل لامرأته أنت على كظهر أمي كان ذلك طلاقا فى الجاهلية مثبتا للحرمة المؤبدة فنقله الشرع الى الحرمة المنتهية بالكفارة مشتق من الظهر و الحق به الفقهاء تشبيها بجزء منها لا يحل له النظر اليه كان يقول أنت على كظهر أمي او فخذها او كفرجها و عند الشافعي لو شبهها بجزء لا يحرم نظره اليه كاليد و العين يكون الظهار ايضا كذا لو شبهها بالجدة او العمة او الخالة او البنت او بامرأة اخرى محرمة عليه بالتابيد و شرط الشافعي ان يكون تحريمها غير طارية فلاظهار عند الشافعي لو قال أنت على كظهر مرضعتى و زوجة ابى و عند ابى حنيفة يكون ظهارا لانها فى الحرمة المؤبدة كالام و كذا لو شبه من امرأته جزءا شايعا او جزأ يعبر به عن الكل كان قال راسك على كظهر أمي او فرجك او وجهك او رقبتك او بدنك او جسمك او روحك او نفسك او نصفك او ثلثك لانها اما يعبر بها عن جميع البدن او يثبت الحكم فى الشائع فيتعدى الى الكل و ان قال يدك او رجلك على كظهر أمي لا يكون ظهارا خلافا للشافعى فى اظهر أقواله و ان قال أنت على كامى او مثل أمي يرجع الى نيته لينكشف حكمه فان قال نويت الكرامة صدق لان التكريم بالتشبيه فاش فى الكلام و ان قال أردت الظهار يكون ظهارا لانه تشبيه بجميعها و فيه تشبيه بالعضو لكنه ليس بصريح فيفتقر الى النية و ان قال أردت الطلاق كان طلاقا بائنا لانه تشبيه بالأم فى الحرمة فكانه قال أنت على حرام و نوى به الطلاق و ان لم ينو أصلا فليس بشى ء لاحتمال الكرامة و قال محمد ظهار و اللّه تعالى اعلم (مسئله) لو قال أنت على كظهر أمي الى شهر مثلا لا يكون ظهارا عند الشافعي فى رواية بل لغوا و فى رواية عنه يكون ظهارا و به قال ابو حنيفة و احمد و يلزم الكفارة على هذا القول بالعزم على الوطي فى المدة و ان لم يعزم حتى مضت المدة فلا كفارة عليه غير انه عند احمد و لو وطى المظاهر المظاهر منها فى المدة قبل الكفارة يا ثم و يستقر عليه الكفارة و عند ابى حنيفة يأثم و لا تستقر عليه الكفارة بل لو عزم الوطي ثانيا فى المدة كفر و لو مضت المدة حلت عليه بلا كفارة و لو أبانها فى المدة لا كفارة عليه و عند مالك و هو رواية عن الشافعي انه ظهار موبد و فى الباب حديث سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال كنت امرا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يوت غيرى فلما دخل رمضان تظهرت من امراتى حتى ينسلخ رمضان فرقا من ان أصيب و فى ليلتى شيئا فاتتابع فى ذلك حتى يدركنى النهار و انا لا اقدر ان انزع فبينما هى تخدمنى إذ تكشف منها شى ء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومى فاخبرتهم خبرى و قلت انطلقوا معى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبروه بامرى فقالوا لا و اللّه لا تفعل نتخرف ان ينزل فينا القران او يقول فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مقالة يبقى علينا عارها و لكن اذهب أنت فاصنع ما بدأ لك فخرجت حتى أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم فاخبرته خبرى فقال لى أنت بذاك فقلت انا بذاك قال أنت بذاك فقلت انا بذاك قال أنت بذاك قلت نعم فقال لى أنت بذاك فقلت انا بذاك فامض فى حكم اللّه عز و جل فانى صابر له قال أعتق رقبه قال فضربت صفحة رقبتى بيدي فقلت لا و الذي بعثك بالحق ما أصبحت املك غيرها قال فصم شهرين قلت يا رسول اللّه و هل اصلبني ما أصابني الا فى الصيام قال فتصدق فقلت و الذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشيا ما لنا عشا قال اذهب الى صاحبه صدقة بنى زريق فقل له فليدفعها إليك فاطعم عنك منها و ستامن تمر ستين مسكينا ثم استعن سايرها عليك و على عيالك قال فرجعت الى قومى فقلت وجدت عندكم الضيق و سوء الرأي و وجدت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم السعة و البركة قد أمرني بصدقتكم الى فادفعوها الى رواه احمد و الحاكم و اصحاب السنن الا النسائي و أعله عبد الحق بالانقطاع و ابن سليمان لم يدرك سلمة حكى ذلك الترمذي عن البخاري و رواه الحاكم و البيهقي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان و ابى سلمة بن عبد الرحمن بلفظ ان سلمة بن صخر جعل امرأته على نفسه كظهر أمي ان غشيها حتى يمضى رمضان فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أعتق رقبة الحديث احتج ابن الجوزي لهذا الحديث على كون الظهار الموقت موقتا و على انه إذا وطى المظاهر قبل التكفير اثم و استقرت الكفارة فى ذمته و ليس فى الحديث حجة على كونها الظهار الموقت لكنه حجة على انه لا يلغو سواء كان فى الشرع موقتا او مويدا ثم احتجاج ابن الجوزي لا يخلو عن المصادرة على المطلوب فانه لو

قلنا ان الظهار الموقت لا يكون موقتا بل يكون مويدا فلا يكون الحديث حجة على استقرار الكفارة بالوطى قبل الكفارة لجواز ان النبي صلى اللّه عليه و سلم امره بالكفارة لتحصيل الحل بعد رمضان و لفظنا ان الكفارة لا تستقر فى الذمة بالوطى قبل التكفير بل التكفير انما هى لرفع الحرمة الثابتة بالظهار و الوطي قبل التكفير موجب للاثم فقط و الحرمة باقية بعد ذلك و لا يحتاج الى التكفير الا من عزم على الوطي و أراد الاستباحة بعد ذلك و اما من طلقها بعد الوطي فلا حاجة الى الكفارة كما هو مذهب ابى حنيفة رح فالحديث حجة على كون الظهار الموقت موبدا لانه صلى اللّه عليه و سلم امره بصيام شهرين ان صيام شهرين لا يتصور منه الا بعد انقضاء رمضان الذي ظاهر فيه موقة الى انسلاخه فلو كان حرمة الظهار منتهية بانتهاء رمضان لا يحتاج الى الكفارة بعد ذلك فلا يصح قول ابى حنيفة فى الظهار الموقت ان يكون موقتا و اللّه تعالى اعلم (مسئله) الظهار المعلق بشرط يصح احتج الرافعي بحديث سلمة بن صخر المذكور على صحة تعليق الظهار و تعقبه ابن الرافعة بان الذي فى السنن لا حجة فيه على جواز التعليق و انما هو ظهار موقت لا تعليق فيه لكن اللفظ المذكور عند البيهقي يشهد بما قال الرافعي (مسئله) لو علق الظهار بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط فى العدة لا يصير مظاهرا كذا قال ابن همام (مسئله) يصح الظهار بشرط النكاح عند ابى حنيفة فاذا قال لاجنبية ان تزوجتك فانت على كظهر أمي فتزوجها و لزم كفارة الظهار و لو قال أنت على كظهر أمي فى رجب و رمضان و كفر فى رجب أجزأه عنها (مسئله) لو ظاهر فجن ثم أفاق فهو على حكم الظهار و لا يكون عائدا بالافاقة ما لم يعزم على الوطي خلافا لاجد الوجهين للشافعى و اللّه تعالى اعلم- (مسئله) من قال لنسائه أنتن على كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا اجماعا و هل يتعدد الكفارة فعند ابى حنيفة و الشافعي يتعدد بتعدد هن و به قال الحسن و الطبراني و الثوري و غيرهم و قال مالك و احمد كفارة واحدة روى ذلك عن عمر رواه البيهقي من رواية سعيد بن المسيب عنه و من رواية مجاهد عن ابن عباس عنه و كذا روى عن على و عروة و طاؤس اعتبروه باليمين باللّه فى الإيلاء

قلنا الكفارة لرفع الحرمة الثابتة بالظهار و هى متعددة بتعدد هن و كفارة اليمين لهتك حرمة اسم اللّه تعالى و هى واحدة (مسئله) لو كرر الظهار من امرأة واحدة فى مجلس واحد او مجالس متعددة يتكرر الكفارة عند ابى حنيفة و غيره لان الظهار يثبت الحرمة و النكاح باق فيصح الظهار الثاني و الثالث و لا منافاة فى اجتماع اسباب الحرمة كالخمر يحرم على الصائم بعينها و للصوم و اليمين الا انه إذا نوى بما بعد الاول تأكيدا فيصدق قضاء و ديانة بخلاف الطلاق بانه لو نوى تأكيد الا يصدق قضاء لان حكم الظهار بينه و بين اللّه تعالى و أورد عليه انه لما ثبت بالظهار الاول الحرمة فلا يثبت بالثاني و الا يلزم تحصيل الحاصل و الأسباب إذا كانت من جنس واحد لا يستدعى تعدد الحرمة فلا بد ان ترتفع حرمة الظهارات المتعددة بكفارة واحدة كما ان الحدث الثابت بأسباب متعددة ترفع بوضوء واحد و اللّه تعالى اعلم مِنْكُمْ حال من فاعل تظاهرون و فيه تهجين لعادة العرب فانه كان من ايمان اهل الجاهلية قيل التقييد بقوله منكم يفيد انه لا يصح الظهار من الذمي و به قال ابو حنيفة و مالك خلافا للشافعى و احمد و هى رواية البرامكة عن ابى حنيفة لان الكافر ليس منا و الحاقة بالقياس متعذر لان الظهار جناية حكمها تحريم يرتفع بالكفارة و شرك الكافر يمنع من رفع اثر الجنابة عنه بالكفارة و لانه ليس أهلا للكفارة لانها عبادة حتى اشترطت النية فلا يصح من الكافر فيبقى تحريما مؤبدا او هو غير حكمه بالنص و لقائل ان يقول ان هذه الاية غير موجبة للتحريم و لا للكفارة بل تقتضى اثم المظاهر و ارتكابه منكرا من القول و زورا و انما يوجب التحريم و الكفارة الاية التالية اعنى قوله تعالى الذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا و ليس فيه التقييد بقوله منكم و يلزم منه صحة ظهار الذمي فالاولى ان يقال ان الحرمة بالظهار لا يمكن إثباتها الا حقا للشرع و هم غير مخاطبين بحقوق الشرع فلا يصح ظهاره كما يجوز نكاحه بلا شهودا و فى عدة كافر و إذا لم يثبت الحرمة وقت الظهار لكفره فان اسلم بعد ذلك لا يثبت الحرمة بفقد سببه و اللّه تعالى اعلم- مِنْ نِسائِهِمْ التقييد بالنساء المضافة الى المظاهرين يفيد انه لاظهار الا بالمنكوحة دون الامة المملوكة موطؤة كانت او غيرها و هو مذهبنا و مذهب الشافعي و احمد و جمع كثير من الصحابة و التابعين خلافا لمالك و الثوري فى الامة مطلقا و سعيد بن جبير و عكرمة و طاؤس و قتادة و الزهري فى الامة الموطوءة لنا ان اطلاق نسائهم على الإماء و ان صح لغة لكن صحة الإطلاق لا يستلزم الحقيقة بل اضافة النساء الى رجل او رجال حقيقة انما يتحقق فى الزوجات لانه المتبادر و لانه يصح ان يقال لهؤلاء جواريه لا نساءه و لانه قال اللّه تعالى يايها النبي قل لازواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن و المراد بنساء المؤمنين الزوجات دون الإماء فان أولاء الجلباب على الإماء غير واجب كيف و قد قال عمر رض ألقي عنك الخمار يا دفار أ تشبهين بالحرائر و لان الظهار كان فى الجاهلية طلاقا فنقل عنه الى تحريم منته بالكفارة و لاطلاق فى الامة ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ط على الحقيقة حتى يحرمن عليكم كما تحرم الأمهات إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي

و قرا قالون و قنبل هاهنا و فى الأحزاب و الطلاق اللاء بالهمزة من غير ياء و ورش اللائي بياء مختلفة الكسر خلفا عن الهمزة و إذا وقف صيرها ياء ساكنة و البذي و ابو عمرو بياء ساكنة بدلا من الهمزة فى الحالين و الباقون بالهمزة و ياء بعدها فى الحالين و حمزة إذا وقف ساكنة و البذي ساكنة بدلا من الهمزة فى الحالين و الباقون جعل الهمزة بين بين على أصله وَلَدْنَهُمْ تعليل لقوله ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ... وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ فان الشرع أنكره وَ زُوراً ط كذبا

فان قيل الزور الكذب انما يطلق على الخبر و الظهار إنشاء للتحريم لا يحتمل الصدق و الكذب

قلنا الظهار و ان كان إنشاء لكنه فى الأصل اخبار لزعمه حرمة مويدة اطلق على قوله بالزور و اللّه تعالى اعلم وَ إِنَّ اللّه لَعَفُوٌّ غَفُورٌ لما سلف منه مطلقا و إذا أنيب عليه.

٣

وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ الاختلاف فيه كما مر مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا اختلف اهل العلم فى معنى الاية فقال اهل الظاهر معنى الاية يعودون لما قالوا من لفظ الظهار يعنى كرر و الفظ الظهار فلا يجب الكفارة عندهم الا بتكرار اللفظ و هو قول ابى العالية و هذا القول يرده الإجماع و الأحاديث الواردة فى الباب فانه لم يرد فيه شى ء من الأحاديث تعليق الكفارة بتكرار اللفظ

و قال مجاهد انهم كانوا فى الجاهلية يظاهرون فمن ظاهر بعد الإسلام فقد عاد الى ما قاله فى الجاهلية اما حقيقة او حكما فانه من اعتقد هذا القول فكانه قاله و يرد على هذا القول ان العطف يقتضى التغاير و كلمة ثم يوجب التراخي فكيف يقال العود هو الظهار بنفسه و فسر ابن عباس العود بالندم يعنى ندموا لما قالوا و أرادوا التحليل و انما فسر العود بالندم لان معنى العود الرجوع الى الشي ء بعد الانصراف عنه كذا فى الصحاح و الرجل كان راضيا بالحل ثم إذا انصرف عنه الى التحريم فاذا ندم عن التحريم فكانه رجع الى الحالة الاصلية من الرضاء بالحل و قال اكثر المفسرين الاية مصروفة عن الظاهر فقيل اللام بمعنى عن و معنى يعودون لما قالوا يرجعون عما قالوا و الرجوع عن هذا القول انما هو ارادة التحصيل فالمعنى أرادوا التحليل و قيل المضاف محذوف و التقدير يعودون لنقض ما قالوا و لتدارك ما قالوا او لضد ما قالوا

قال البيضاوي و يعودون لما قالوا اى الى قولهم بالتدارك و منه مثل عاد الغيث على ما أفسدوا معنى العود على هذا التقديرات الصيرورة عن حال اعنى عن حال السخط الى حالة الرضا كما فى قوله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم و حاصل معنى الاية حينئذ ثم يريدون التحليل قال الفراء يقال عاد فلان لما قال اى فيما قال و فى نقض ما قال و هذا القول يحتمل التأويلين المذكورين و عن ثعلب معناه ثم يعودون لتحليل ما حرموا و على هذا التقدير ايضا المضاف محذوف غير انه أراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلا للقول بمنزلة المقول فيه كقوله تعالى و نرثه ما يقول أراد المقول فيه و هو المال لولد و قال ابو مسلم يعودون الى المقول منها بامساكها و استباحتها ثم العود و الرجوع عن القول المذكور يحصل بالوطى على قول الحسن و قتادة و الزهري و طاؤس قالوا لا كفارة عليه ما لم يطاها كما ان لا كفارة بعد اليمين ما لم يحنث و هذا القول يرده قوله تعالى من قبل ان يتماسا فانه يوجب الكفارة قبل الوطي و عند الشافعي رحمه اللّه تعالى إذ أمسكها عقيب الظهار زمانا يمكنه ان يفارقها و لم يطلقها فقد عاد و رجع عن القول المذكور و وجب عليه الكفارة و ان علقها عقيب الظهار فى الحال او مات أحد فى الوقت فلا كفارة عليه لان العود للق ول هو المخالفة و انه قصد بالظهار التحريم فاذا أمسكها فقد خالف قوله و رجع عما قاله فيلزمه الكفارة حتى قال لو ظاهر عن امرأته الرجعية ينعقد ظهاره و لا كفارة عليه حتى يراجعها فان راجعها صار عايدا و لزمه الكفارة

قلنا لا نسلم ان مقتضى الظهار التحريم بالطلاق عقيبه حتى يكون عدم إتيانه بالطلاق و إمساكها على النكاح نقضا المقتضى الظهار كما قال و مخالفته لمقتضى الظهار بل كان مقتضى الظهار فى الجاهلية الحرمة المطلقة المنافية للحل الثابت بالنكاح كما هو مقتضى الطلاق ثم صار فى الشرع مقتضاه حرمة الوطي مع بقاء النكاح المنتهية بالكفارة و شرع الكفارة رفع ذلك الحرمة فالسكوت بعد الظهار إرادته استباحة المرأة و العزم على وطيها و يمكن ان يقال المراد بالعود الوطي كما قال الحسن و من معه لكن لما جعل اللّه تعالى الكفارة شرطا لحل الوطي لقوله تعالى من قبل ان يتماسا ظهران معنى قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا يريدون العود لما قالوا كما فى قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ المعنى إذا أردتم القيام الى الصلاة فلا يجوز القول بانه لا كفارة عليه مالم يطاها فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ اى فعليهم تحرير رقبة شرطا للوطى و الفاء للتعقيب المجرد دون السببية و قال اكثر العلماء انها للسببية و اختلفوا فى ان سبب وجوب كفارة الظهار ماذا فقال الشافعي هو الظهار و العود يعنى إمساكها عقب الظهار زمانا يمكنه ان يفارقها شرط لان فى الاية ترتب الحكم على الامرين و الكفارة يتكرر بتكرر الظهار فهو السبب و قالت الحنفية الظهار لا يصلح سببا للكفارة لانها عبادة او يغلب فيها العبادة و الظهار منكر من القول و زورا و لا يكون الحظور سببا للعبادة و اللّه سبحانه علق وجوبها بالأمرين الظهار و العود فالسبب مجموعهما و الظهار معصية يصلح ان يكون سببا للعقوبة و العود الذي هو إمساك بالمعروف عبادة و الكفارة دايرة بين العقوبة و العبادة مجموع الامرين يصلح ان يكون سببا لها و قال فى المحيط سبب وجوبها العود فقط فانه هو المستأخر من المذكورين و عليه رتب الكفارة و الظهار شرط و إذا أمكن البساطة فى العلة صير إليها لانها الأصل بالنسبة الى التركيب و الحكم قد يتكرر بتكرر الشرط كما يتكرر صدقة الفطر و سببها راس يمونه و يلى عليه و يرد هاهنا انه لو كان العزم على الوطي فقط سببا لوجوب الكفارة او الظهار و العزم مجموعهما سببا للوجوب لزم ان يجب الكفارة على من ظاهر ثم عزم على الوطي ثم أبانها او ماتت بعد العزم لوجوب السبب لكن لا يجب إذ لو وجبت لما سقطت و قد نص فى المبسوط انه لو أبانها او ماتت بعد العزم لا كفارة عليه و التحقيق ان اطلاق الواجب فى مثل هذا المقام انما هو مجازى و قد ذكر فى اصول الفقه فى تعريف الحكم انه خطاب اللّه تعالى المتعلق بافعال المكلفين للاقتضاء او التخيير او الوضع فخطاب الاقتضاء الإيجاب او الندب و خطاب التخيير الإباحة و خطاب الوضع جعل الشي ء شرطا لشى ء او سببا له او ركنا له او مانعا عنه و خطاب الوضع دون الاقتضاء فان اللّه سبحانه جعل بهذه الكفارة سببا لرفع الحرمة الثابتة بالظهار و شرطا لاباحة الوطي كما جعل بقوله تعالى إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الوضوء شرطا لاباحة الصلاة و سببا للطهارة عن الحدث و بقوله تعالى إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجولكم صدقة الصدقة شرطا لاباحة المناجاة فليس الظهار فى الحقيقة سببا لوجوب الكفارة بل هو سبب لرفع حرمة الوطي و لا ارادة الوطي سبب لها بل النكاح سبب لوجوب حقوق الزوجية و منها الوطي و الحرمة الثابتة بالظهار مانع عنها و ما هو مانع عن الحقوق الواجبة يجب إزالتها فالنكاح كما هو سبب لوجوب حقوق الزوجية سبب لازالة ما هو مانع عنها و الكفارة سبب لازالة الحرمة فالنكاح السابق صار بعد الظهار سببا لوجوب الكفارة كما ان اليمين سبب للمنع عن المحلوف عليه و بعد الحنث يكون سببا للكفارة و بهذه العلاقة يطلق على الظهار انه سبب للكفارة كما يطلق على الحنث انه سبب للكفارة و لا تزوج ثان حتى لو طلقها بعد الظهار ثلاثا فعادت عليه بعد زوج اخر او كانت امة فملكها بعد ما ظهر منها لا يحل قربانها حتى يكفر فيها- (مسئله) يحرم على المظاهر دواعى الوطي ايضا كالقبلة و اللمس عندنا و عند مالك و الشافعي قولان الجديد الاباحة و عن احمد روايتان اظهرهما التحريم لنا ان الوطي إذا حرم حرم بدواعيه كيلا يقع فيه كما فى الاستبراء و الإحرام بخلاف الحائض و الصائم لانه يكثر وجودهما و لو حرم الدواعي يفضى الى الحرج و لا كذلك الظهار و الاستبراء و الإحرام و لان الحرمة الثابتة بالظهار مشابهة بحرمة المحارم فيحرم الدواعي ايضا كما فيهن (مسئله) للمرأة ان يطالبه بالوطى و عليها ان تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفر و على القاضي ان يجره على التكفير دفعا للضرب عنها بحبسه فان ابى يضربه و لا يضرب فى الدين و لو قال قد كفرت صدق مالم يعرف بالكذب كذا فى الفتح القدير (مسئله) يجزء الرقبة الكافرة و المسلمة و الذكر و الأنثى و الصغيرة و الكبيرة لاطلاق الرقبة و قال مالك و الشافعي و احمد فى رواية لا يجزى اعتاق الرقبة الكافرة حملا للمطلق هاهنا على المقيد الوارد فى كفارة القتل

قلنا المطلق يجرى على إطلاقه و المقيد على تقييده و لا وجه لحمل أحدهما على الاخرى و بسط هذا الكلام فى اصول الفقه (مسئله) لا يجزى العميا و لا مقطوعة اليدين او الرجلين او يد و رجل من جهة واحدة او مقطوعة ابهامى اليدين او مقطوعة ثلث أصابع سوى الإبهام من كل يد و مقطوعة احدى اليدين واحدي الرجلين من خلاف و الصماء التي تسمع إذا صيح يجزى و الا لا و الحاصل ان فائت جنس المنفعة لا يجزى و المختلة تجزى (مسئله) لا يجوز عتق المدبر من الكفارة و لا أم الولد لكون رقهما ناقصا و كذا المكاتب الذي ادى بعض كتابت و ان لم يرد شيئا جاز خلافا للشافعى (مسئله) من اشترى أباه او ابنه ينوى بالشراء الكفارة جاز عنها و كذا لو وهب له و نوى عند قبول الهبة خلافا للشافعى و لو ورث و نوى عند موت مورثه لا يجوز اتفاقا و الحاصل انه إذا دخل فى ملكه بصنعه و نوى عند صنعه ذلك انه للكفارة اجزاء و الا لا مسئله لو قال ان دخلت الدار فانت حرونوى عن الكفارة فان نوى وقت اليمين جاز و ان نوى وقت الدخول لا يجوز مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا الضمير يرجع الى ما دل عليه الكلام من المظاهر و المظاهر منها المراد بالتماس المجامعة و فيه دليل على ان الكفارة شرط لحل الاستمتاع و ان الظهار يوجب الحرمة ذلِكُمْ اى الحكم بالكفارة قبل المسيس تُوعَظُونَ بِهِ أ يزيل الحرمة الثابتة بالظهار او لئلا يعودوا الى الظهار مخافة الفرقة او لان إيجاب الكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيتعظوا بايجاب الكفارة عن ارتكاب الظهار وَ اللّه بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

٤

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الرقبة و لا يقدر على اكتسابها بالشراء اما بفقد قيمتها او بفقد رقبة يمكن تملكها بالشراء او لكون ماله مشغولا بالدين او محتاجا اليه لنفقته او لنفقة عياله عند ابى حنيفة و الشافعي و احمد خلافا لمالك و الأوزاعي فعندهما من ملك قيمة رقبة و يمكنه شراها يلزمه الاعتاق و ان كانت قيمة مشغولة بدينه او محتاجا اليه لنفقته و لا يجوز له الانتقال الى الصوم لنا انه مشغول بحاجة الاصلية فكانه ليس فى ملكه (مسئله) و من كانت له رقبة لكنه محتاج الى خدمته فعند الشافعي و احمد له ان ينتقل الى الصوم اعتبارا بالماء المعد للعطش يجوز له التيمم و المال المشغول بالدين و عندنا يلزمه الاعتاق و لا يجوز الانتقال الى الصوم و الفرق لنا ان الماء مامور بامساكه لعطشه و استعماله محظور عليه و كذا الدين مامور بادائه بخلاف الخادم فانه غير مامور بامساكه لخدمته (مسئله) المعتبر اليسار و العسار وقت التكفير اى الأداء و به قال مالك و قال احمد و الظاهرية وقت الوجوب و للشافعى اقوال كالقولين و الثالث يعتبرا غلظ الحالين فَصِيامُ شَهْرَيْنِ اى فعليه صيام شهرين ليس فيها رمضان و لا يوم الفطر و النحر و ايام التشريق لان صوم رمضان لا يقع من الظهار لما فيه من ابطال ما أوجبه اللّه و صوم الأيام المنهية لا ينوب عن الوجوب الكامل و قد قيد اللّه تعالى مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ط فان فاتت التتابع بعذرا و بلا عذر يجب الاستيناف اجماعا و ان وطى المظاهر فى خلال الشهرين ليلا عامدا او نهارا ناسيا لا يجب الاستيناف عند الشافعي و ابى يوسف رحمهما اللّه تعالى و هى رواية عن احمد لعدم فوات التتابع و هو الشرط و ان كان تقديمه على المسيس شرطا ففى عدم الاستيناف تقديم البعض و فى الاستيناف تأخيرا لكل عنه و قال ابو حنيفة و مالك و احمد فى اظهر رواية يستانف لان الشرط فى الصوم ان يكون قبل المسيس و ان يكون خاليا عن الجماع فيستانف فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصيام لمرض او كبرا و فرط شهوة لا يصبر عن الجماع او خوف حدوث مرض فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ط كل مسكين مدان عند اهل العراق و هو نصف صاع من اى جنس كان

قال البغوي يروى ذلك عن عمرو على و عند ابى حنيفة نصف صاع من بر او صاع من شعيرا و تمرو هو قول الشعبي و النخعي و سعيد بن جبير و الحاكم و مجاهد و الكرخي بإسناده الى مجاهد انه قال كل كفارة فى القران فهو نصف صاع من برو قال مالك مد و هو رطلان بالبغدادي و قال احمد مد بغدادى من حنطة او دقيق و مدان من شعيرا و تمر و رطلان من خبزاى خبز حنطة و قال الشافعي مد بمد النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو رطل و ثلث رطل من غالب قوت البلد روى ابن الجوزي فى التحقيق بسنده عن سليمان بن يسار قال أدركت الناس و هم يعطون فى طعام المساكين مدا مدا و يروى ان ذلك يجزى عنهم و الحجة لابى حنيفة مامر من حديث سلمة بن صخر و فيه اطعم منك و سقا من تمر ستين مسكينا لكن الحديث منقطع كما ذكرنا و قد روى الترمذي من حديث ابى سلمة ان سلمة بن صخر البياضي جعل امرأته كظهر امه حتى يمضى رمضان الحديث و فيه قال اطعم ستين مسكينا قال لا أجد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعروة بن عمر و اعطه الفرق و هو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا ليطعم ستين مسكينا و يمكن ان يقال ان قوله و هو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا او ستة عشر صاعا من كلام الراوي و المرفوع انما هو أعطه الفرق و الفرق فى اللغة الزنبيل سواء كان صغيرا او كبيرا و عند الطبراني فى حديث أوس بن الصامت قال فاطعم ستين مسكينا ثلثين صاعا قال لا املك ذلك الا ان تعينينى فاعانه النبي صلى اللّه عليه و سلم بخمسة عشر صاعا و أعانه الناس حتى بلغ ثلثين صاعا و روى ابو داود عن خولة بنت مالك قالت ظاهر منى زوجى أوس بن الصامت فجئت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أشكو اليه و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يجادلنى فيه و يقول اتقى اللّه فانه ابن عمك فما برحت حتى نزل القران قد سمع اللّه قول التي تجادلك الاية فقال يعتق رقبة فقلت لا يجد فقال يصوم شهرين متتابعين قلت يا رسول اللّه انه شيخ كبير ما به من صيام قال فيطعم ستين مسكينا قلت ما عنده شى ء يتصدق به قال فانى ساعينه بفرق من تمر قلت يا رسول اللّه و انى ساعينه بفرق من تمر قلت يا رسول اللّه انى ساعينه بفرق اخر قال قد أحسنت فاذهبى فاطعمى هما عنه ستين مسكينا و ارجعي الى ابن عمك قال و الفرق ستون صاعا و قيل هو مكتل يسع ثلثين صاعا قال ابو داود و هذا أصح قال ابن همام وجه الاصحية انه لو كان ستين لم يحتج الى معاونتها بفرق اخرى فى الكفارة و احتج الشافعي و من معه بحديث ابى هريرة فى كفارة الصوم جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم أفطر فى رمضان الحديث قال فاتى بفرق قدر خمسة عشر صاعا قال كله أنت و أهلك و صم يوما و استغفر اللّه رواه ابو داود من طريق هشام بن سعد عن ابى سلمة بن عبد الرحمن عنه و هشام بن سعد ضعفه النسائي و غيره و رواه ابو داود من حديث اسمعيل قال وقعت امرأتى الحديث و فيه قال خمسة عشر صاعا و كذا وقع فى رواية ابن ابى حفصة و مومل قال البخاري منكر الحديث لكن قال الذهبي و محمد بن ابى حفصة او سلمة ضعفه النسائي و غيره و قواه غير واحد و فى رواية حجاج بن ارطاة عن الزهري عند الدارقطني بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا و حجاج بن ارطاة ضعيف مدلس و روى عبد اللّه بن احمد عن أبيه عن يحى انه لم ير الزهري و يؤيد هذا الحديث حديث على رض عند الدارقطني يطعم ستين مسكينا لكل مسكين مدو فيه فان بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين

قلنا قال البخاري فى الحديث اضطراب ففى بعض الروايات خمسة عشر صاعا و عند ابن خزيمة من طريق مهران خمسة عشر او عشرون فى الصحيحين ذكر حديث ابى هريرة و ليس فيه تقدير الصيعان بل فيه اتى بفرق فيه تمرو الفرق المكتل الضخم و فى مرسل سعيد بن المسيب ما بين خمسة عشر الى عشرين و فيه عطاء الخراسانى ذكره العقيلي فى الضعفاء و قال البخاري عامة أحاديثه مقلوبة و فى بعض الروايات عشرون صاعا بالجزم كذا عند الدارمي فى مرسل سعيد بن المسيب و فى حديث عائشة عند ابن خزيمة اتى بفرق فيه عشرون صاعا و هذه الأحاديث واردة فى كفارة الصوم ما احتج به ابو حنيفة وارد فيما نحن فيه و الشافعي رحمه اللّه تعالى ذهب الى اقل ما ورد فى مقدار الطعام احتياطا و لكن أصح ما ورد فى تقدير طعام المسكين حديث كعب بن عجرة الذي ذكرناه فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ او نسك رواه الشيخان فى الصحيحين و فيه امره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يطعم فرقا بين ستة مساكين او يهدى شاة او يصوم ثلثة ايام و الفرق ثلثة أصوع و فى هذا الحديث عند الطبراني لكل مسكين نصف صاع تمر و لاحمد عن نهر نصف صاع طعام و لبشر بن عمر عن شعبة نصف صاع حنطة و رواية الحكم عن ابن ابى ليلى يقتضى نصف صاع من زبيب فانه قال يطعم فرقا من زبيب بين ستة مسالكين قال ابن حزم لا بد من ترجيح احدى الروايات لانها قصة واحدة فى مقام واحد قال الحافظ المحفوظ عن شعبة نصف صاع من طعام و الاختلاف على كونه تمر او حنطة لعله من تصرف الرواة اما الزبيب فلم أره الا فى رواية الحكم و قد أخرجها ابو داود و فى اسناده ابو اسحق و هو فى المغازي لا فى الاحكام إذا خالف و قيل المحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق ابى قلابة و لم يختلف فيه على ابى قلابة و كذا اخرج الطبراني من طريق الشعبي عن كعب و قال الحافظ و ما وقع فى بعض النسخ عند مسلم لكل مسكين صاع تحريف فمن دون مسلم و الصواب ما فى النسخ الصحيحة لكل مسكين نصف صاع و لما كان الإطعام فى الاية مجملا فى مقدار الواجب و ما ورد من الأحاديث فى باب الظهار و الصوم مضطربة فى المقدار فالحمل على هذا الحديث الصحيح المتفق عليه اولى من الحمل على صدقة الفطر فان الأمر فيه بالأداء دون الإطعام فعلى هذا مذهب اهل العراق أقوى و مذهب ابى حنيفة أحوط و اللّه تعالى اعلم (مسئله) لو غداهم و عشاهم اكلتين مشبعتين بخبز حنطة و لو بغير ادام او بخبز شعير بادام سواء كانت غداء و عشاء او غدائين او عشائين بعد اتحاد ستين جاز و لو غدا ستين و عشا آخرين لم يجز و لو كان ممن اطعم صبيا فطيما او رجلا شبعان لم يجز و يشترط الإشباع قليلا أكلوا او كثيرا و لا يشترط التمليك خلافا للشافعى و لو اعطى مسكينا واحدا ستين يوما جاز عند ابى حنيفة خلافا للجمهور و قد مرت المسائل اختلافا و استدلالا فى كفارة اليمين فى سورة المائدة (فائدة) لم يذكر اللّه تعالى قيد من قبل ان يتماسا فى الإطعام كما ذكر فى أخويه و من هاهنا قال ابو حنيفة انه جامع المظاهر التي ظاهر منها فى خلال الإطعام لا يجب عليه الاستيناف لان اللّه سبحانه ما شرط فى الإطعام ان يكون قبل المسيس و نظر الى عدم تقيد الإطعام بقبلية المسيس قال مالك انه من أراد التكفير بالاطعام جاز له الوطي و الج مهور على انه لا يجوز له ذلك و الوطي قبله الجمهور على انه يجوز له ذلك و الوطي قبل التكفير حرام مطلقا لان الظهار موجب للحرمة و الكفارة سبب لازالة الحرمة فما لم توجد الكفارة لا يحل له الوطي سواء كانت بالاطعام او غير ذلك لعموم قوله صلى اللّه عليه و سلم فاعتزلها حتى يكفر فيما روى اصحاب السنن الاربعة عن ابن عباس رض ان رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل ان يكفر فقال عليه السلام ما حملك على هذا قال رايت خلخالها فى ضوء القمر و فى لفظ بياض ساقيها قال فاعتزلها حتى تكفر قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب قال المنذر رجاله ثقات مشهور سماع بعضهم عن بعض

قال البغوي الإطلاق فى الطعام محمول على المقيد فى العتق و الصيام و هذا مبنى على أصلهم من حمل المطلق على المقيد قلت قوله تعالى من قبل ان يتماسا فى الاعتاق و الصيام ليس شرطا لجواز الكفارة و إلا لزم ان من جامع امرأته بعد الظهار قبل الكفارة ثم كفر بعد ذلك لا يجوز كفارته و لا تحل له المرأة بل هو بيان لحرمة الوطي قبل الكفارة و لعله سبحانه ترك القيد بعد الإطعام حذرا من التطويل و اكتفاء بما سبق فى أخويه و لم يقتصر على أحدهما لدفع توهم اختصاصه بالخصلة الاولى لو اقتصر عليه معها و توهم اختصاصه لو اقتصر معها فذكره مرتين تنبيه على ارادة تكريره مطلقا و اللّه تعالى اعلم (مسئله) لو جامع المظاهر قبل التكفير استغفر اللّه لوقوعه فى الحرم و يكفر بعد ذلك ليحصل له الحل بعد ذلك و يرتفع الحرمة الثابتة بالظهار و لا يجب عليه بالجماع قبل التكفير كفارة اخرى و قال بعض اهل العلم يجب عليه كفارتان لنا ما مر من حديث سلمة بن صخران النبي صلى اللّه عليه و سلم أمرها بكفارة واحدة بعد ما جامعها قبل التكفير و حديث ابن عباس مثل ذلك و روى الترمذي و ابن ماجة حديث سلمة بن صخر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى مظاهر يواقع قبل ان يكفر قال كفارة واحدة و قال الترمذي حديث حسن غريب و قال مالك فى المؤطأ فيمن يظاهر ثم يمسها قبل ان يكفر يكف عنها حتى يستغفر اللّه و يكفر ثم قال و ذلك احسن ما سمعت ذلِكَ منصوب بفعل مقدر اى بينا ذلك الاحكام لِتُؤْمِنُوا بِاللّه وَ رَسُولِهِ ط ذكر اللّه سبحانه الايمان و أراد به شرايعه كما فى قوله تعالى ان اللّه لا يضيع ايمانكم اى صلوتكم يعنى لتعملوا بشرائع الإسلام ترفضوا ما كنتم عليه فى الجاهلية وَ تِلْكَ الكفارات حُدُودُ اللّه ط يمتنع بها المكلف عن إتيان المحرمات من الظهار و نحوه او المعنى تلك الاحكام حدود اللّه لا يجوز تعديها وَ لِلْكافِرِينَ الذين لا يقبلون احكام اللّه تعالى و لا يمتنعون عن المحرمات و يتجاوزون عن حدوده عَذابٌ أَلِيمٌ و هو نظير قوله تعالى و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين.

٥

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّه وَ رَسُولَهُ اى يعادون اللّه و رسوله و يشاقون و يخالفون أمرهما فان كلا من المتعادين فى حد غير حد الاخر و المعنى يضعون او يختارون حدودا غير حدودهما كُبِتُوا قال فى القاموس كبته يكبته صرعه و أخزاه و صرفه و كسره ورد العد و بغيظه إذ له المكت الممتلى غما كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الكفار الأمم الماضية وَ قَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ دالة على صدق الرسول صلى اللّه عليه و سلم وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ يذهب عزهم و تكبرهم.

٦

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّه منصوب بالظرف المستقر اعنى للكافرين او بمهين او باضمارا ذكر تعظيما لليوم جَمِيعاً تأكيد للضمير المنصوب فى يبعثهم او حال منه اى مجتمعين فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا ط على رؤس الاشهاد تفضيحا لهم و تقريرا لعذابهم أَحْصاهُ اللّه يعنى أحاط اللّه ما عملوا علما لم يغب منه شى ء وَ نَسُوهُ ط لكثرته او لتهاونهم به عند ارتكابه و انما يحفظ من الأمور ما يستعظم وَ اللّه عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ ع لا يعزب عنه شى ء.

٧

أَ لَمْ تَرَ استفهام انكار بمعنى تعلم أَنَّ اللّه يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ط كليا و جزئيا ما يَكُونُ من كان التامة اى ما يقع مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ قرأ ابو جعفر تكون بتاء التأنيث نجوى و الباقون بالياء لاجل الفصل بمن الزائدة و النجوى اسم مصدر كذا فى القاموس مشتق من النجوة و هى ما ارتفع من الأرض فان السرائر مرفوع الى الذهن لا يتيسر لكل أحد ان يطلع عليه و المعنى ما يقع من تناجى من الرجال و يجوز ان يقدر مضاف او باول نجرى بمتناجين و يجعل صفة لها إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ استثناء مفرغ حال من ثلثة يعنى فى حال من الأحوال إلا حال كون اللّه تعالى جاعلهم اربعة من حيث انه معهم معية غير متكيفة و شريكهم فى الاطلاع وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ تخصيص العددين اما لخصوص الواقعة فان الاية نزلت فى تناجى المنافقين او لان اللّه و ترو اللّه يحب الوتر و الثلاثة أول الأوتار التي يمكن فيها التشاور لان التشاور لا بد له غالبا من المتنازعين و واحد يتوسط بينهما و يرجح راى أحدهما و المتنازعين اما يكون من كل جانب واحدا فالمجموع ثلثة و اما يكون جماعة و ادنى الجماعات اثنان فالمجموع خمسة فذكر العددين و أشار الى غيرهما من الاعداد بقوله وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ يعنى اقل عددا من الثلاثة كالاثنين وَ لا أَكْثَرَ من الثلاثة او من الخمسة كالاربعة و الستة و ما فوقها قرا يعقوب بالرفع عطفا على محل نجوى قبل دخول من او محل ادنى ان جعلت لا لنفى الجنس إِلَّا هُوَ يعنى اللّه سبحانه مَعَهُمْ معية غير متكيفة مقتضية للاطلاع على ما يجرى بينهم أَيْنَ ما كانُوا ج فان علمه تعالى ليس لقرب المكاني حتى يتفاوت باختلاف الامكنة ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ط تفضيحا لهم و تقريرا لما يستحقونه من الجزاء إِنَّ اللّه بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ فانه تعالى هو الخالق للذات و الصفات من العلوم و غيرها و المقلب للاحوال اخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل بن حبان قال كان بين اليهود و بين النبي صلى اللّه عليه و سلم موادعة فكانوا إذا مر بهم رجل من اصحاب جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن انهم يتناجون بقتله او بما يكره و ذكر البغوي نحوه و زاد و ان المؤمنين حين يرونهم يتناجون كانوا يقولون ما نريهم الا و قد بلغتهم من إخواننا الذين خرجوا فى السرايا بقتل او موت او هزيمة فيقع ذلك فى قلوبهم فيحزنهم فلما طال ذلك و كثر شكوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنهاهم النبي صلى اللّه عليه و سلم عن النجوى فلم ينتهوا فانزل اللّه تعالى.

٨

أَ لَمْ تَرَ الم تنظرنا يا محمد إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى اى المناجاة ثُمَّ يَعُودُونَ مضارع بمعنى الماضي اى عادوا عطف على نهوا و إيراد صيغة المضارع لاستحضار صورة العود الشنيعة لِما نُهُوا عَنْهُ و لم ينتهوا يَتَناجَوْنَ عطف على يعودون قرا حمزة يتنجون و هو يفتعلون من النجوى و الباقون على وزن يتفاعلون بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ اى بما هو اثم عند اللّه و عدوان على المؤمنين و تواص بمعصية الرسول و كان نفس النجوى ايضا معصية للرسول فانه عليه الصلاة و السلام نهاهم عنه اخرج احمد و البزاز بسند جيد عن ابن عمران اليهود كانوا يقولون لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سام عليكم ثم يقولون فى أنفسهم لو لا يعذبنا اللّه بما نقول فنزلت هذه الاية وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّه و هو قولهم السام عليكم و السام الموت و هم يوهمونه انهم يقولون السلام عليكم وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ يعنى فيما بينهم إذا خرجوا من عند النبي صلى اللّه عليه و سلم او يقولون فى قلوبهم لَوْ لا هلا يُعَذِّبُنَا اللّه بِما نَقُولُ من التحية و انه ليس نبى ان كان نبيا لعذبنا اللّه به قال اللّه عز و جل حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ ج عذابا يَصْلَوْنَها ج حال من ضمير حسبهم فَبِئْسَ الْمَصِيرُ جهنم عن عائشة قالت استاذن رهط من اليهود على النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال السام عليكم فقلت بل عليكم السام و اللعنة فقال يا عائشة ان اللّه رفيق يحب الرفق فى الأمر كله قلت او لم تسمع ما قالوا قال قد قلت و عليكم و فى رواية عليكم و لم يذكر الواو متفق عليه و فى رواية البخاري قالت ان اليهود أتوا النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا السام عليكم قال و عليكم فقالت عائشة السام عليكم و لعنكم اللّه و غضب عليكم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مهلا يا عائشة عليك بالرفق و إياك و العنف و الفحش قالت او لم تسمع ما قالوا قال او لم تسمعى ما قلت رددت عليهم فيستجاب لى فيهم و لا يستجاب لهم فى و فى رواية لمسلم لا تكونى فاحشة فان اللّه لا يحب الفحش و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذ اسلم عليكم اليهود فانما يقول أحدهم السام عليكم فقل و عليك متفق عليه و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا و عليكم متفق عليه.

٩

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قال مقاتل يعنى الذين أمنوا بألسنتهم دون قلوبهم و هم المنافقون و قال عطاء يريد الذين أمنوا بزعمهم إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ كما يفعله اليهود وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ بأداء الفرائض و الطاعات و ما يتضمن خير المؤمنين وَ التَّقْوى ج اى الاحتراز من معصية الرسول وَ اتَّقُوا اللّه الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فيما تفعلون و تتركون فانه مجازيكم اخرج ابن جرير عن قتادة قال كان المنافقون يتناجون بينهم و كان ذلك يغيظ المؤمنين و يكبر عليهم فانزل اللّه تعالى.

١٠

إِنَّمَا النَّجْوى الذي يأتونه لغيظ المؤمنين و حزنهم مِنَ الشَّيْطانِ فانه المزين لها و حاملهم عليها لِيَحْزُنَ متعلق بفعل محذوف تقديره يتناجون ليحزن او يزين الشيطان النجوى ليحزن او متعلق بالظرف المستقر يعنى كاين من الشيطان ليحزن الَّذِينَ آمَنُوا بتوهمهم لوصول مكروه وَ لَيْسَ النجوى او الشيطان بِضارِّهِمْ اى المؤمنين شَيْئاً من الضرر- إِلَّا بِإِذْنِ اللّه ط اى بقضائه و مشيته الجملة حال من فاعل الظرف المستقر وَ عَلَى اللّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ الفاء فى فليتوكل جواب اما المحذوفة تقديره و اما على اللّه فليتوكل المؤمنون و لا يبالوا بنجوهم عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم إذا كنتم ثلثة فلا تتناجى اثنان دون الثالث الا باذنه فان ذلك يحزنه رواه البغوي و روى احمد و الشيخان و الترمذي و صححه و ابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعا إذا كنتم ثلثة فلا تتناجى رجلان دون الاخرى حتى يختلطوا بالناس فان ذلك يحزنه

قال البغوي قال مقاتل بن حبان كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يكرم اهل بدر من المهاجرين و الأنصار فجاء الناس منهم يوما و قد سبقوا الى المجلس فقاموا حيال النبي صلى اللّه عليه و سلم فرد عليهم ثم سلموا على القوم فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون ان يوسع لهم فلم يفسحوا لهم فشق ذلك على النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال لمن حوله قم يا فلان و أنت يا فلان فاقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من اهل بدر فشق ذلك من أقيم من مجلسه و عرف النبي صلى اللّه عليه و سلم الكراهية فى وجوههم فانزل اللّه تعالى.

١١

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ الاية

و اخرج ابن ابى حاتم عنه انها أنزلت يوم جمعة و قد جاء ناس من اهل بدر فذكر نحوه و

قال البغوي قال الكلبي نزلت فى ثابت بن قيس بن شماس و قد ذكر فى سورة الحجرات قصته

و اخرج ابن جرير عن قتادة قال كانوا إذا راوا من جائهم مقبلا بمجلسهم عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا توسعوا و ليقسحوا بعضكم عن بعض من قولهم افسح عنى اى تنح فِي الْمَجالِسِ قرأ عاصم على صيغة الجمع بالألف و الباقون المجلس بغير الف على التوحيد و المراد بالمجلس حينئذ الجنس او مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانهم كانوا يتنافسون على القرب من النبي و يحرصون على استماع كلامه فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّه لَكُمْ ج مجزوم فى جواب الأمر اى يوسع اللّه لكم فيما تريدون الوسعة من المكان و الرزق و الصدر و يوسع لكم الجنة روى البغوي بسنده عن عبد اللّه ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه و لكن تفسحوا و توسعوا و روى ايضا من طريق الشافعي عن جابر بن عبد اللّه ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة و لكن ليقل افسحوا و قال ابو العالية و القرظي و الحسن هذا فى مجالس الحرب و مقاعد القتال كان الرجل يأتي القوم فى الصف فيقول توسعوا فيابون عليه لحرصهم على القتال و رغبتهم فى الشهادة وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا قرأ نافع و ابن عمرو و عاصم بخلاف عن ابى بكر بضم الشين فيها و يبتدون بهمزة الوصل و الباقون بكسر الشين و يبتدون بكسر الهمزة و المعنى ارفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لاخوانكم و

قال البغوي قال عكرمة و الضحاك كان رجال يتناقلون عن الصلاة إذا نودى بها فانزل اللّه هذه الاية معناه إذا نودى للصلوة فانهضوا لها

و قال مجاهد و اكثر المفسرين معناه إذا قيل لكم انهضوا الى الصلاة و الى الجهاد و الى كل خير و حق فقوموا لها و لا تقصروا يَرْفَعِ اللّه مجزوم فى جواب الأمر الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ بالنصر و حسن الذكر و مهابتهم فى أعين الناس و غير ذلك فى الدنيا و ايوائهم فى غرف الجنان فى الاخرة الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ العلماء منهم خاصة دَرَجاتٍ ط تميز من نسبة الرفع الى المفعول تقديره يرفع اللّه درجات الذين أمنوا فى الجنة بما جمعوا من العلم و العمل فان العمل إذا صدر من اهل العلم يوتى من الاجر ما لا يوتى غيره لانه يقتدى به دون الجاهل فله اجره و اجر من يقتدى به من غير ان ينقص من أجورهم شيئا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها و اجر من عمل بها من بعده من غير ان ينقص من أجورهم شى الحديث رواه مسلم من حديث جرير قال عليه الصلاة و السلام فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب و ان العلماء ورثة الأنبياء و ان الأنبياء لم يورثوا دينار او لا درهما و انما ورثوا العلم فمن اخذه أخذ بحظ وافر رواه احمد و اصحاب السنن عن كثير بن قيس و سماه الترمذي قيس ابن كثير قال قال عليه الصلاة و السلام فضل العالم على العابد كفضل الأعلى على أدناكم رواه الترمذي من حديث ابى امامة الباهلي عن عبد اللّه بن عمر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من مجلسين فى مسجده فقال كلاهما على خير واحدهما أفضل من صاحبه اما هؤلاء فيدعون اللّه و يرغبون اليه فان شاء أعطاهم و إنشاء منعهم اما هؤلاء فيتعمون الفقه او العلم و يعلمون الجاهل فهم أفضل و انما بعثت معلما ثم جلس فيهم رواه الدارمي قال الحسن قرا ابن مسعود هذه الاية و قال ايها الناس افهموا هذه الاية و لترغبكم فى العلم فان اللّه يقول يرفع اللّه المؤمن العالم فوق الذي لا يعلم درجات و فى هذه الاية اشارة الى ان النفر من اهل بدر مستحقون لما عوملوا من الإكرام و النبي صلى اللّه عليه و سلم مصيب فيما امر و أولئك المؤمنون مثابون فيما ايتمروا وَ اللّه بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فيجازيكم عليه فيه ترغيب لمن عمل و تهديد لمن لم يمتثل الأمر و استكرهه اخرج ابن ابى حاتم عن طريق على بن ابى طلحة عن ابن عباس ان مسلمين أكثروا المسائل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى شقوا عليه فاراد اللّه ان يخفف عن نبيه فانزل اللّه تعالى.

١٢

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ اى إذا أردتم مناجاته فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ الرسول صَدَقَةً ط

قال البغوي قال مقاتل بن حبان نزلت فى الأغنياء و ذلك انهم يأتون النبي صلى اللّه عليه و سلم فيكثرون مناجاته و يغلبون الفقراء على المجالس حتى كره النبي صلى اللّه عليه و سلم طول جلوسهم و مناجاتهم و قال ابن عباس فى رواية ابن ابى حاتم انه لما نزلت هذه الاية صبر كثير من الناس و كفوا عن المسألة

قال البغوي انتهوا عن مناجاته فاما اهل العسرة فلم يجدوا شيئا و اما اهل اليسرة فضنوا و اشتد ذلك على اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت الرخصة قال مجاهد نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه الا على رض تصدق بدينار و ناجاه ثم نزلت الرخصة و كان على يقول اية فى كتاب اللّه لم يعمل بها أحد قبلى و لا يعمل أحد بعدي و هى اية المناجاة و روى ابن ابى شيبة فى مصنفه و الحاكم فى المستدرك عن على رض ان فى كتاب اللّه اية فما عمل بها أحد غيرى كان بي دينارا فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم و ذكر فى المدارك عن على رض عنه قال كنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم و سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عشر مسائل فاجابتنى عنها قلت يا رسول ما الوفا قال التوحيد و شهادة ان لا اله الا اللّه قلت ما الفساد قال الكفر باللّه و الشرك قلت ما الحق قال الإسلام و القران و الولاية و إذا اهتبت إليك قلت ما الحيلة قال ترك الحيلة قلت ما علىّ قال طاعة اللّه و رسوله قلت و كيف ادعو اللّه قال بالصدق و اليقين قلت و ماذا أسأل قال العافيه قلت ما اصنع لنجاة نفسى قال كل حلالا و قل صدقا قلت ما السرور قال الجنة قلت ما الراحة قال لقاء اللّه فلما فرغت منها نزلت نسخها ذلِكَ التصدق خَيْرٌ لَكُمْ من حب المال وَ أَطْهَرُ ط لذنوبكم فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا الصدقة لاجل الفقر فَإِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ رخص للفقراء و أجاز لهم المناجاة من غير تصدق كان هذه الجملة مخص ص لما سبق من عموم الحكم

و اخرج الترمذي و حسنه عن على رض قال لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال لى النبي صلى اللّه عليه و سلم ما ترى دينار قلت لا يطيقونه قال فنصف دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت شعيرة قال انك لزهيه فنزلت.

١٣

أَ أَشْفَقْتُمْ الاستفهام للتقرير و المعنى خفتم الفقر من أَنْ تُقَدِّمُوا او المعنى خفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ط ما جمع الصدقات لجمع المخاطبين او لكثرة التناجي قال على فيما روى الترمذي عنه فخفف اللّه عن هذه الاية فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا التصدق لاجل الفقر او البخل وَ تابَ اللّه عَلَيْكُمْ تجاوز عنكم و لم يعاقبكم او المعنى رجع بكم عنها و خفف بنسخ الصدقة و رخص لكم ان لا تفعلوه و فيه اشعار بان اشفاقكم ذنب تجاوز اللّه عنه و إذ هنا بمعناه و قيل تقدير الكلام فاذ لم تفعلوا و تاب اللّه عليكم تجاوز عنكم و نسخ الصدقة قال مقاتل بن حبان كان ذلك عشر ليال و قال الكلبي ما كانت الا ساعة من النهار- فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ المكتوبة وَ آتُوا الزَّكاةَ المفروضة و لا تهاونوا فى أدائها وَ أَطِيعُوا اللّه وَ رَسُولَهُ فى ساير الأوامر و دوموا عليها فان القيام بها كالجابر للتفريط فى ذلك وَ اللّه خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ع ظاهرا و باطنا فيجازيكم عليه روى احمد و البزاز و ابن جرير و الطبراني و الحاكم من حديث ابن عباس رض انه صلى اللّه عليه و سلم كان فى حجرة من حجراته و فى رواية كان فى ظل حجرة و قد كان الظل يتقلص فقال يدخل عليكم رجل جبار و فى رواية قلبه قلب جبار و ينظر بعيني الشيطان فاذا جاءكم فلا تكلموه فلم يلبثوا ان طلع عليهم رجل ازرق اعور فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال حين راه على ما تشتمتى أنت و أصحابك فقال ذرنى آتك فانطلق فدعاهم فحلفوا له ما قالوا و ما فعلوا فانزل اللّه هذه الاية.

١٤

أَ لَمْ تَرَ اى تنظر استفهام للانكار و انكار النفي تقدير للاثبات إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّه عَلَيْهِمْ ط و المراد بالموصول المنافقون و هم عبد اللّه ابن نبتل و أصحابه و بقوم غضب اللّه عليهم اليهود فهم والوا اليهود و ناصحوهم و نقلوا أسراء النبي صلى اللّه عليه و سلم ما هُمْ يعنى المنافقين مِنْكُمْ فى الدين و الولاية وَ لا مِنْهُمْ اى اليهود جملة ما هم منكم حال من الموصول وَ يَحْلِفُونَ عطف على تولوا عَلَى الْكَذِبِ و هو ادعاء الإسلام وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ج حال من فاعل يحلفون يعنى يحلفون عالمين بانهم كاذبون لا كمن يحلف خطاء زعما منه انه صادق فيما يقول قال السدى و مقاتل نزلت فى عبد اللّه المنافق كان يجالس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم يرفع حديثه الى اليهود فبينما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى حجرة فذائر نحو حديث ابن عباس المذكور و فيه فحلف باللّه ما فعل و جاء بأصحابه فحلفوا باللّه ما سبوه.

١٥

أَعَدَّ اللّه لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً ط نوعا من العذاب متفاقما إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ج فى الماضي فتحزنوا على سوء العمل و أصروا عليه.

١٦

اتَّخَذُوا جملة مستانفة او حال من فاعل يحلفون بتقدير قد أَيْمانَهُمْ الكاذبة جُنَّةً وقاية لدمائهم و أموالهم فَصَدُّوا الناس فى خلال امنهم عَنْ سَبِيلِ اللّه عن طاعته و الايمان به و قيل المعنى فصدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل و أخذ أموالهم فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وعيد ثان بوصف اخر بعذابهم او وعيد اخر بعذابهم فوق عذابهم الاول لكفرهم و الثاني لصدهم كما فى قوله تعالى الذين كفروا و صدوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابا فوق العذاب و قيل الاول عذاب القبر و هذا عذاب الاخرة.

١٧

لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ يوم القيمة أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللّه اى من عذابه شَيْئاً ط من الإغناء جملة لن تغنى صفة اخرى بعذاب بحذف الرابط تقديره لهم عذاب مهين لن تغنى عنهم فى دفعه أموالهم او مستانفة أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

١٨

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّه جَمِيعاً الظرف متعلق بقوله فلهم عذاب مهين فَيَحْلِفُونَ لَهُ اى للّه تعالى يقولون و اللّه ربنا ما كنا مشركين كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ انهم منكم وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْ ءٍ ط من الحيلة للنجاة و يزعمون ان الايمان الكاذبة ترفع على اللّه كما تروح عليكم فى الدنيا أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ البالغون الغاية فى الكذب فانهم يكذبون مع عالم الغيب حيث لا ينفعهم الكذب.

١٩

اسْتَحْوَذَ غلب و استولى عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ جملة مستانفة فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّه ط و اغفلهم عند تعالى بحيث لا يخافون عذاب اللّه و لا يزعمون ان اللّه مجازيهم و انه يعلم سرهم و خفاياهم أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ ط جنوده و اتباعه أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ لانهم فوتوا حظهم و بدلوا نصيبهم من الجنة بالنار الموبدة و قد ورد فى الحديث الطويل عن ابى هريرة مرفوعا ان الكافر فى القبر يفرج له فرجه قبل الجنة فينظر الى زهرتها و ما فيها فيقال له انظر الى ما صرفه اللّه عنك ثم يفرج له فرجة الى النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له هذا مقعدك رواه ابن ماجة و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل فى الجنة و منزل فى النار فاذا مان فدخل النار ورث اهل الجنة منزلته فذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون.

٢٠

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّه وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ اى فى جملة من هو أذل خلق اللّه تعالى لا يرى أحد أذل منهم.

٢١

كَتَبَ اللّه فى اللوح قضاء ثابتا لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي قرأ نافع و ابن عامر بفتح الياء و الباقون بالإسكان قوله لاغلبن جواب قسم محذوف او يقر لما كان كتب لافادة اللزوم بمعنى القسم أورد فى جواب اللام قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب فى الحرب و من لم يومر بالحرب فهو غالب بالحجة إِنَّ اللّه قَوِيٌّ لا يمتنع عنه ما يريد عَزِيزٌ لا يغلب عليه أحد.

٢٢

لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مفعول ثان لتجدلن كان بمعنى العلم و ان كان بمعنى المصادفة فهو حال او صفة مَنْ حَادَّ اللّه وَ رَسُولَهُ هذه الاية تدل على ان ايمان المؤمن يفسد بموادة الكافرين و ان المؤمن لا يوالى الكفار و ان كان قريبه قيل نزلت الاية فى ابى حاطب بن بلتعة حين كتب الى اهل مكة و سياتى القصة فى سورة الممتحنة إنشاء اللّه تعالى

و اخرج ابن المنذر عن ابى جريج قال حدثنا ان أبا قحافة سب النبي صلى اللّه عليه و سلم فصكه ابو بكر صكة فسقط فذكر ذلك للنبى صلى اللّه عليه و سلم فقال أفعلت يا أبا بكر فقال و اللّه لو كان السيف قريبا منى لضربته به فنزلت لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّه و رسوله وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ اخرج ابن ابى حاتم عن ابن شودة قال نزلت هذه الاية فى ابى عبيدة بن الجراح حين قتل أباه يوم الهدر و أخرجه الطبراني و الحاكم فى المستدرك بلفظ جعل والد أبي عبيدة بن الجراح يتصدى لابى عبيدة يوم بدر و جعل ابو عبيدة تحيد عنه فلما كثر قصده ابو عبيدة فقتله فنزلت و روى مقاتل بن حبان عن مرة الهمداني عن عبد اللّه بن مسعود فى هذه الاية و لو كانوا ابائهم يعنى أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد اللّه بن الجراح يوم أحد أَوْ أَبْناءَهُمْ يعنى أبا بكر دعا ابنه يوم بدر الى البراز فقال دعنى يا رسول اللّه أكن فى الرعلة الاولى فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم متعناه بنفسك يا أبا بكر أَوْ إِخْوانَهُمْ يعنى مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ط يعنى عمر قتل خاله العاص بن هشام ابن المغيرة يوم بدر و عليا و حمزة و عبيدة قتلوا يوم بدر عتبة و شيبة ابني ربيعة و الوليد بن عتبة أُولئِكَ الذين لم يوادوهم كَتَبَ اى اثبت فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ اى التصديق فهى موقنة لا تدخل فيها الشك وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ اى بنور من عند اللّه و بنصره سمى بنصره إياهم روحالان أمرهم يحيى به و قال السدى يعنى بالايمان و قال الربيع يعنى بالقران و حججه و قيل برحمة منه و قيل أيدهم لجبرئيل وَ يُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللّه عَنْهُمْ بطاعة و الجملة بتقدير قد حال من فاعل يدخلهم او من مفعوله وَ رَضُوا عَنْهُ بثوابه بحسبهم فى الاخرة او بما قضى اللّه تعالى عليهم فى الدنيا أُولئِكَ حِزْبُ اللّه و جنده و أنصار دينه يتبعون امره و ينهون عما نهى عنه أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّه هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بخير الدنيا و الاخرة الآمنون من كل مرهوب فى الصحيحين عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس رض سورة الحشر قال قل سورة النضير

و اخرج البخاري عنه ان سورة أنفال نزلت فى بدر و سورة الحشر نزلت فى بنى النضير.

﴿ ٠