٢

الَّذِينَ يُظاهِرُونَ قرأ عاصم فى الموضعين بضم الياء و تخفيف الظاء و الف بعدها و كسر الهاء من المفاعلة و ابن عامر و حمزة و الكسائي بفتح الياء و تشديد الظاء و الف بعدها من الافاعل أصله يتظاهرون ادغم التاء فى الظاء و الباقون من غير الالف من الافعل أصله تفعل- و الظهار ان يقول الرجل لامرأته أنت على كظهر أمي كان ذلك طلاقا فى الجاهلية مثبتا للحرمة المؤبدة فنقله الشرع الى الحرمة المنتهية بالكفارة مشتق من الظهر و الحق به الفقهاء تشبيها بجزء منها لا يحل له النظر اليه كان يقول أنت على كظهر أمي او فخذها او كفرجها و عند الشافعي لو شبهها بجزء لا يحرم نظره اليه كاليد و العين يكون الظهار ايضا كذا لو شبهها بالجدة او العمة او الخالة او البنت او بامرأة اخرى محرمة عليه بالتابيد و شرط الشافعي ان يكون تحريمها غير طارية فلاظهار عند الشافعي لو قال أنت على كظهر مرضعتى و زوجة ابى و عند ابى حنيفة يكون ظهارا لانها فى الحرمة المؤبدة كالام و كذا لو شبه من امرأته جزءا شايعا او جزأ يعبر به عن الكل كان قال راسك على كظهر أمي او فرجك او وجهك او رقبتك او بدنك او جسمك او روحك او نفسك او نصفك او ثلثك لانها اما يعبر بها عن جميع البدن او يثبت الحكم فى الشائع فيتعدى الى الكل و ان قال يدك او رجلك على كظهر أمي لا يكون ظهارا خلافا للشافعى فى اظهر أقواله و ان قال أنت على كامى او مثل أمي يرجع الى نيته لينكشف حكمه فان قال نويت الكرامة صدق لان التكريم بالتشبيه فاش فى الكلام و ان قال أردت الظهار يكون ظهارا لانه تشبيه بجميعها و فيه تشبيه بالعضو لكنه ليس بصريح فيفتقر الى النية و ان قال أردت الطلاق كان طلاقا بائنا لانه تشبيه بالأم فى الحرمة فكانه قال أنت على حرام و نوى به الطلاق و ان لم ينو أصلا فليس بشى ء لاحتمال الكرامة و قال محمد ظهار و اللّه تعالى اعلم (مسئله) لو قال أنت على كظهر أمي الى شهر مثلا لا يكون ظهارا عند الشافعي فى رواية بل لغوا و فى رواية عنه يكون ظهارا و به قال ابو حنيفة و احمد و يلزم الكفارة على هذا القول بالعزم على الوطي فى المدة و ان لم يعزم حتى مضت المدة فلا كفارة عليه غير انه عند احمد و لو وطى المظاهر المظاهر منها فى المدة قبل الكفارة يا ثم و يستقر عليه الكفارة و عند ابى حنيفة يأثم و لا تستقر عليه الكفارة بل لو عزم الوطي ثانيا فى المدة كفر و لو مضت المدة حلت عليه بلا كفارة و لو أبانها فى المدة لا كفارة عليه و عند مالك و هو رواية عن الشافعي انه ظهار موبد و فى الباب حديث سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال كنت امرا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يوت غيرى فلما دخل رمضان تظهرت من امراتى حتى ينسلخ رمضان فرقا من ان أصيب و فى ليلتى شيئا فاتتابع فى ذلك حتى يدركنى النهار و انا لا اقدر ان انزع فبينما هى تخدمنى إذ تكشف منها شى ء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومى فاخبرتهم خبرى و قلت انطلقوا معى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبروه بامرى فقالوا لا و اللّه لا تفعل نتخرف ان ينزل فينا القران او يقول فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مقالة يبقى علينا عارها و لكن اذهب أنت فاصنع ما بدأ لك فخرجت حتى أتيت النبي صلى اللّه عليه و سلم فاخبرته خبرى فقال لى أنت بذاك فقلت انا بذاك قال أنت بذاك فقلت انا بذاك قال أنت بذاك قلت نعم فقال لى أنت بذاك فقلت انا بذاك فامض فى حكم اللّه عز و جل فانى صابر له قال أعتق رقبه قال فضربت صفحة رقبتى بيدي فقلت لا و الذي بعثك بالحق ما أصبحت املك غيرها قال فصم شهرين قلت يا رسول اللّه و هل اصلبني ما أصابني الا فى الصيام قال فتصدق فقلت و الذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشيا ما لنا عشا قال اذهب الى صاحبه صدقة بنى زريق فقل له فليدفعها إليك فاطعم عنك منها و ستامن تمر ستين مسكينا ثم استعن سايرها عليك و على عيالك قال فرجعت الى قومى فقلت وجدت عندكم الضيق و سوء الرأي و وجدت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم السعة و البركة قد أمرني بصدقتكم الى فادفعوها الى رواه احمد و الحاكم و اصحاب السنن الا النسائي و أعله عبد الحق بالانقطاع و ابن سليمان لم يدرك سلمة حكى ذلك الترمذي عن البخاري و رواه الحاكم و البيهقي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان و ابى سلمة بن عبد الرحمن بلفظ ان سلمة بن صخر جعل امرأته على نفسه كظهر أمي ان غشيها حتى يمضى رمضان فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أعتق رقبة الحديث احتج ابن الجوزي لهذا الحديث على كون الظهار الموقت موقتا و على انه إذا وطى المظاهر قبل التكفير اثم و استقرت الكفارة فى ذمته و ليس فى الحديث حجة على كونها الظهار الموقت لكنه حجة على انه لا يلغو سواء كان فى الشرع موقتا او مويدا ثم احتجاج ابن الجوزي لا يخلو عن المصادرة على المطلوب فانه لو

قلنا ان الظهار الموقت لا يكون موقتا بل يكون مويدا فلا يكون الحديث حجة على استقرار الكفارة بالوطى قبل الكفارة لجواز ان النبي صلى اللّه عليه و سلم امره بالكفارة لتحصيل الحل بعد رمضان و لفظنا ان الكفارة لا تستقر فى الذمة بالوطى قبل التكفير بل التكفير انما هى لرفع الحرمة الثابتة بالظهار و الوطي قبل التكفير موجب للاثم فقط و الحرمة باقية بعد ذلك و لا يحتاج الى التكفير الا من عزم على الوطي و أراد الاستباحة بعد ذلك و اما من طلقها بعد الوطي فلا حاجة الى الكفارة كما هو مذهب ابى حنيفة رح فالحديث حجة على كون الظهار الموقت موبدا لانه صلى اللّه عليه و سلم امره بصيام شهرين ان صيام شهرين لا يتصور منه الا بعد انقضاء رمضان الذي ظاهر فيه موقة الى انسلاخه فلو كان حرمة الظهار منتهية بانتهاء رمضان لا يحتاج الى الكفارة بعد ذلك فلا يصح قول ابى حنيفة فى الظهار الموقت ان يكون موقتا و اللّه تعالى اعلم (مسئله) الظهار المعلق بشرط يصح احتج الرافعي بحديث سلمة بن صخر المذكور على صحة تعليق الظهار و تعقبه ابن الرافعة بان الذي فى السنن لا حجة فيه على جواز التعليق و انما هو ظهار موقت لا تعليق فيه لكن اللفظ المذكور عند البيهقي يشهد بما قال الرافعي (مسئله) لو علق الظهار بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط فى العدة لا يصير مظاهرا كذا قال ابن همام (مسئله) يصح الظهار بشرط النكاح عند ابى حنيفة فاذا قال لاجنبية ان تزوجتك فانت على كظهر أمي فتزوجها و لزم كفارة الظهار و لو قال أنت على كظهر أمي فى رجب و رمضان و كفر فى رجب أجزأه عنها (مسئله) لو ظاهر فجن ثم أفاق فهو على حكم الظهار و لا يكون عائدا بالافاقة ما لم يعزم على الوطي خلافا لاجد الوجهين للشافعى و اللّه تعالى اعلم- (مسئله) من قال لنسائه أنتن على كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا اجماعا و هل يتعدد الكفارة فعند ابى حنيفة و الشافعي يتعدد بتعدد هن و به قال الحسن و الطبراني و الثوري و غيرهم و قال مالك و احمد كفارة واحدة روى ذلك عن عمر رواه البيهقي من رواية سعيد بن المسيب عنه و من رواية مجاهد عن ابن عباس عنه و كذا روى عن على و عروة و طاؤس اعتبروه باليمين باللّه فى الإيلاء

قلنا الكفارة لرفع الحرمة الثابتة بالظهار و هى متعددة بتعدد هن و كفارة اليمين لهتك حرمة اسم اللّه تعالى و هى واحدة (مسئله) لو كرر الظهار من امرأة واحدة فى مجلس واحد او مجالس متعددة يتكرر الكفارة عند ابى حنيفة و غيره لان الظهار يثبت الحرمة و النكاح باق فيصح الظهار الثاني و الثالث و لا منافاة فى اجتماع اسباب الحرمة كالخمر يحرم على الصائم بعينها و للصوم و اليمين الا انه إذا نوى بما بعد الاول تأكيدا فيصدق قضاء و ديانة بخلاف الطلاق بانه لو نوى تأكيد الا يصدق قضاء لان حكم الظهار بينه و بين اللّه تعالى و أورد عليه انه لما ثبت بالظهار الاول الحرمة فلا يثبت بالثاني و الا يلزم تحصيل الحاصل و الأسباب إذا كانت من جنس واحد لا يستدعى تعدد الحرمة فلا بد ان ترتفع حرمة الظهارات المتعددة بكفارة واحدة كما ان الحدث الثابت بأسباب متعددة ترفع بوضوء واحد و اللّه تعالى اعلم مِنْكُمْ حال من فاعل تظاهرون و فيه تهجين لعادة العرب فانه كان من ايمان اهل الجاهلية قيل التقييد بقوله منكم يفيد انه لا يصح الظهار من الذمي و به قال ابو حنيفة و مالك خلافا للشافعى و احمد و هى رواية البرامكة عن ابى حنيفة لان الكافر ليس منا و الحاقة بالقياس متعذر لان الظهار جناية حكمها تحريم يرتفع بالكفارة و شرك الكافر يمنع من رفع اثر الجنابة عنه بالكفارة و لانه ليس أهلا للكفارة لانها عبادة حتى اشترطت النية فلا يصح من الكافر فيبقى تحريما مؤبدا او هو غير حكمه بالنص و لقائل ان يقول ان هذه الاية غير موجبة للتحريم و لا للكفارة بل تقتضى اثم المظاهر و ارتكابه منكرا من القول و زورا و انما يوجب التحريم و الكفارة الاية التالية اعنى قوله تعالى الذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا و ليس فيه التقييد بقوله منكم و يلزم منه صحة ظهار الذمي فالاولى ان يقال ان الحرمة بالظهار لا يمكن إثباتها الا حقا للشرع و هم غير مخاطبين بحقوق الشرع فلا يصح ظهاره كما يجوز نكاحه بلا شهودا و فى عدة كافر و إذا لم يثبت الحرمة وقت الظهار لكفره فان اسلم بعد ذلك لا يثبت الحرمة بفقد سببه و اللّه تعالى اعلم- مِنْ نِسائِهِمْ التقييد بالنساء المضافة الى المظاهرين يفيد انه لاظهار الا بالمنكوحة دون الامة المملوكة موطؤة كانت او غيرها و هو مذهبنا و مذهب الشافعي و احمد و جمع كثير من الصحابة و التابعين خلافا لمالك و الثوري فى الامة مطلقا و سعيد بن جبير و عكرمة و طاؤس و قتادة و الزهري فى الامة الموطوءة لنا ان اطلاق نسائهم على الإماء و ان صح لغة لكن صحة الإطلاق لا يستلزم الحقيقة بل اضافة النساء الى رجل او رجال حقيقة انما يتحقق فى الزوجات لانه المتبادر و لانه يصح ان يقال لهؤلاء جواريه لا نساءه و لانه قال اللّه تعالى يايها النبي قل لازواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن و المراد بنساء المؤمنين الزوجات دون الإماء فان أولاء الجلباب على الإماء غير واجب كيف و قد قال عمر رض ألقي عنك الخمار يا دفار أ تشبهين بالحرائر و لان الظهار كان فى الجاهلية طلاقا فنقل عنه الى تحريم منته بالكفارة و لاطلاق فى الامة ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ط على الحقيقة حتى يحرمن عليكم كما تحرم الأمهات إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي

و قرا قالون و قنبل هاهنا و فى الأحزاب و الطلاق اللاء بالهمزة من غير ياء و ورش اللائي بياء مختلفة الكسر خلفا عن الهمزة و إذا وقف صيرها ياء ساكنة و البذي و ابو عمرو بياء ساكنة بدلا من الهمزة فى الحالين و الباقون بالهمزة و ياء بعدها فى الحالين و حمزة إذا وقف ساكنة و البذي ساكنة بدلا من الهمزة فى الحالين و الباقون جعل الهمزة بين بين على أصله وَلَدْنَهُمْ تعليل لقوله ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ... وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ فان الشرع أنكره وَ زُوراً ط كذبا

فان قيل الزور الكذب انما يطلق على الخبر و الظهار إنشاء للتحريم لا يحتمل الصدق و الكذب

قلنا الظهار و ان كان إنشاء لكنه فى الأصل اخبار لزعمه حرمة مويدة اطلق على قوله بالزور و اللّه تعالى اعلم وَ إِنَّ اللّه لَعَفُوٌّ غَفُورٌ لما سلف منه مطلقا و إذا أنيب عليه.

﴿ ٢