٣ وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ الاختلاف فيه كما مر مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا اختلف اهل العلم فى معنى الاية فقال اهل الظاهر معنى الاية يعودون لما قالوا من لفظ الظهار يعنى كرر و الفظ الظهار فلا يجب الكفارة عندهم الا بتكرار اللفظ و هو قول ابى العالية و هذا القول يرده الإجماع و الأحاديث الواردة فى الباب فانه لم يرد فيه شى ء من الأحاديث تعليق الكفارة بتكرار اللفظ و قال مجاهد انهم كانوا فى الجاهلية يظاهرون فمن ظاهر بعد الإسلام فقد عاد الى ما قاله فى الجاهلية اما حقيقة او حكما فانه من اعتقد هذا القول فكانه قاله و يرد على هذا القول ان العطف يقتضى التغاير و كلمة ثم يوجب التراخي فكيف يقال العود هو الظهار بنفسه و فسر ابن عباس العود بالندم يعنى ندموا لما قالوا و أرادوا التحليل و انما فسر العود بالندم لان معنى العود الرجوع الى الشي ء بعد الانصراف عنه كذا فى الصحاح و الرجل كان راضيا بالحل ثم إذا انصرف عنه الى التحريم فاذا ندم عن التحريم فكانه رجع الى الحالة الاصلية من الرضاء بالحل و قال اكثر المفسرين الاية مصروفة عن الظاهر فقيل اللام بمعنى عن و معنى يعودون لما قالوا يرجعون عما قالوا و الرجوع عن هذا القول انما هو ارادة التحصيل فالمعنى أرادوا التحليل و قيل المضاف محذوف و التقدير يعودون لنقض ما قالوا و لتدارك ما قالوا او لضد ما قالوا قال البيضاوي و يعودون لما قالوا اى الى قولهم بالتدارك و منه مثل عاد الغيث على ما أفسدوا معنى العود على هذا التقديرات الصيرورة عن حال اعنى عن حال السخط الى حالة الرضا كما فى قوله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم و حاصل معنى الاية حينئذ ثم يريدون التحليل قال الفراء يقال عاد فلان لما قال اى فيما قال و فى نقض ما قال و هذا القول يحتمل التأويلين المذكورين و عن ثعلب معناه ثم يعودون لتحليل ما حرموا و على هذا التقدير ايضا المضاف محذوف غير انه أراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلا للقول بمنزلة المقول فيه كقوله تعالى و نرثه ما يقول أراد المقول فيه و هو المال لولد و قال ابو مسلم يعودون الى المقول منها بامساكها و استباحتها ثم العود و الرجوع عن القول المذكور يحصل بالوطى على قول الحسن و قتادة و الزهري و طاؤس قالوا لا كفارة عليه ما لم يطاها كما ان لا كفارة بعد اليمين ما لم يحنث و هذا القول يرده قوله تعالى من قبل ان يتماسا فانه يوجب الكفارة قبل الوطي و عند الشافعي رحمه اللّه تعالى إذ أمسكها عقيب الظهار زمانا يمكنه ان يفارقها و لم يطلقها فقد عاد و رجع عن القول المذكور و وجب عليه الكفارة و ان علقها عقيب الظهار فى الحال او مات أحد فى الوقت فلا كفارة عليه لان العود للق ول هو المخالفة و انه قصد بالظهار التحريم فاذا أمسكها فقد خالف قوله و رجع عما قاله فيلزمه الكفارة حتى قال لو ظاهر عن امرأته الرجعية ينعقد ظهاره و لا كفارة عليه حتى يراجعها فان راجعها صار عايدا و لزمه الكفارة قلنا لا نسلم ان مقتضى الظهار التحريم بالطلاق عقيبه حتى يكون عدم إتيانه بالطلاق و إمساكها على النكاح نقضا المقتضى الظهار كما قال و مخالفته لمقتضى الظهار بل كان مقتضى الظهار فى الجاهلية الحرمة المطلقة المنافية للحل الثابت بالنكاح كما هو مقتضى الطلاق ثم صار فى الشرع مقتضاه حرمة الوطي مع بقاء النكاح المنتهية بالكفارة و شرع الكفارة رفع ذلك الحرمة فالسكوت بعد الظهار إرادته استباحة المرأة و العزم على وطيها و يمكن ان يقال المراد بالعود الوطي كما قال الحسن و من معه لكن لما جعل اللّه تعالى الكفارة شرطا لحل الوطي لقوله تعالى من قبل ان يتماسا ظهران معنى قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا يريدون العود لما قالوا كما فى قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ المعنى إذا أردتم القيام الى الصلاة فلا يجوز القول بانه لا كفارة عليه مالم يطاها فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ اى فعليهم تحرير رقبة شرطا للوطى و الفاء للتعقيب المجرد دون السببية و قال اكثر العلماء انها للسببية و اختلفوا فى ان سبب وجوب كفارة الظهار ماذا فقال الشافعي هو الظهار و العود يعنى إمساكها عقب الظهار زمانا يمكنه ان يفارقها شرط لان فى الاية ترتب الحكم على الامرين و الكفارة يتكرر بتكرر الظهار فهو السبب و قالت الحنفية الظهار لا يصلح سببا للكفارة لانها عبادة او يغلب فيها العبادة و الظهار منكر من القول و زورا و لا يكون الحظور سببا للعبادة و اللّه سبحانه علق وجوبها بالأمرين الظهار و العود فالسبب مجموعهما و الظهار معصية يصلح ان يكون سببا للعقوبة و العود الذي هو إمساك بالمعروف عبادة و الكفارة دايرة بين العقوبة و العبادة مجموع الامرين يصلح ان يكون سببا لها و قال فى المحيط سبب وجوبها العود فقط فانه هو المستأخر من المذكورين و عليه رتب الكفارة و الظهار شرط و إذا أمكن البساطة فى العلة صير إليها لانها الأصل بالنسبة الى التركيب و الحكم قد يتكرر بتكرر الشرط كما يتكرر صدقة الفطر و سببها راس يمونه و يلى عليه و يرد هاهنا انه لو كان العزم على الوطي فقط سببا لوجوب الكفارة او الظهار و العزم مجموعهما سببا للوجوب لزم ان يجب الكفارة على من ظاهر ثم عزم على الوطي ثم أبانها او ماتت بعد العزم لوجوب السبب لكن لا يجب إذ لو وجبت لما سقطت و قد نص فى المبسوط انه لو أبانها او ماتت بعد العزم لا كفارة عليه و التحقيق ان اطلاق الواجب فى مثل هذا المقام انما هو مجازى و قد ذكر فى اصول الفقه فى تعريف الحكم انه خطاب اللّه تعالى المتعلق بافعال المكلفين للاقتضاء او التخيير او الوضع فخطاب الاقتضاء الإيجاب او الندب و خطاب التخيير الإباحة و خطاب الوضع جعل الشي ء شرطا لشى ء او سببا له او ركنا له او مانعا عنه و خطاب الوضع دون الاقتضاء فان اللّه سبحانه جعل بهذه الكفارة سببا لرفع الحرمة الثابتة بالظهار و شرطا لاباحة الوطي كما جعل بقوله تعالى إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الوضوء شرطا لاباحة الصلاة و سببا للطهارة عن الحدث و بقوله تعالى إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجولكم صدقة الصدقة شرطا لاباحة المناجاة فليس الظهار فى الحقيقة سببا لوجوب الكفارة بل هو سبب لرفع حرمة الوطي و لا ارادة الوطي سبب لها بل النكاح سبب لوجوب حقوق الزوجية و منها الوطي و الحرمة الثابتة بالظهار مانع عنها و ما هو مانع عن الحقوق الواجبة يجب إزالتها فالنكاح كما هو سبب لوجوب حقوق الزوجية سبب لازالة ما هو مانع عنها و الكفارة سبب لازالة الحرمة فالنكاح السابق صار بعد الظهار سببا لوجوب الكفارة كما ان اليمين سبب للمنع عن المحلوف عليه و بعد الحنث يكون سببا للكفارة و بهذه العلاقة يطلق على الظهار انه سبب للكفارة كما يطلق على الحنث انه سبب للكفارة و لا تزوج ثان حتى لو طلقها بعد الظهار ثلاثا فعادت عليه بعد زوج اخر او كانت امة فملكها بعد ما ظهر منها لا يحل قربانها حتى يكفر فيها- (مسئله) يحرم على المظاهر دواعى الوطي ايضا كالقبلة و اللمس عندنا و عند مالك و الشافعي قولان الجديد الاباحة و عن احمد روايتان اظهرهما التحريم لنا ان الوطي إذا حرم حرم بدواعيه كيلا يقع فيه كما فى الاستبراء و الإحرام بخلاف الحائض و الصائم لانه يكثر وجودهما و لو حرم الدواعي يفضى الى الحرج و لا كذلك الظهار و الاستبراء و الإحرام و لان الحرمة الثابتة بالظهار مشابهة بحرمة المحارم فيحرم الدواعي ايضا كما فيهن (مسئله) للمرأة ان يطالبه بالوطى و عليها ان تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفر و على القاضي ان يجره على التكفير دفعا للضرب عنها بحبسه فان ابى يضربه و لا يضرب فى الدين و لو قال قد كفرت صدق مالم يعرف بالكذب كذا فى الفتح القدير (مسئله) يجزء الرقبة الكافرة و المسلمة و الذكر و الأنثى و الصغيرة و الكبيرة لاطلاق الرقبة و قال مالك و الشافعي و احمد فى رواية لا يجزى اعتاق الرقبة الكافرة حملا للمطلق هاهنا على المقيد الوارد فى كفارة القتل قلنا المطلق يجرى على إطلاقه و المقيد على تقييده و لا وجه لحمل أحدهما على الاخرى و بسط هذا الكلام فى اصول الفقه (مسئله) لا يجزى العميا و لا مقطوعة اليدين او الرجلين او يد و رجل من جهة واحدة او مقطوعة ابهامى اليدين او مقطوعة ثلث أصابع سوى الإبهام من كل يد و مقطوعة احدى اليدين واحدي الرجلين من خلاف و الصماء التي تسمع إذا صيح يجزى و الا لا و الحاصل ان فائت جنس المنفعة لا يجزى و المختلة تجزى (مسئله) لا يجوز عتق المدبر من الكفارة و لا أم الولد لكون رقهما ناقصا و كذا المكاتب الذي ادى بعض كتابت و ان لم يرد شيئا جاز خلافا للشافعى (مسئله) من اشترى أباه او ابنه ينوى بالشراء الكفارة جاز عنها و كذا لو وهب له و نوى عند قبول الهبة خلافا للشافعى و لو ورث و نوى عند موت مورثه لا يجوز اتفاقا و الحاصل انه إذا دخل فى ملكه بصنعه و نوى عند صنعه ذلك انه للكفارة اجزاء و الا لا مسئله لو قال ان دخلت الدار فانت حرونوى عن الكفارة فان نوى وقت اليمين جاز و ان نوى وقت الدخول لا يجوز مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا الضمير يرجع الى ما دل عليه الكلام من المظاهر و المظاهر منها المراد بالتماس المجامعة و فيه دليل على ان الكفارة شرط لحل الاستمتاع و ان الظهار يوجب الحرمة ذلِكُمْ اى الحكم بالكفارة قبل المسيس تُوعَظُونَ بِهِ أ يزيل الحرمة الثابتة بالظهار او لئلا يعودوا الى الظهار مخافة الفرقة او لان إيجاب الكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيتعظوا بايجاب الكفارة عن ارتكاب الظهار وَ اللّه بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ |
﴿ ٣ ﴾