|
١٦ كَمَثَلِ الشَّيْطانِ اى مثل المنافقين عبد اللّه بن ابى بن سلول و أشباهه فى اغترار اليهود على القتال كمثل الشيطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكَ قال البغوي روى عطاء و غيره عن ابن عباس قال كان راهب فى الفترة يقال له برصيصا يعبد فى صومعة له سبعين سنة لم يعص اللّه فيها طرفة و ان إبليس اعياه فى امره الحيل فجمع ذات يوم م ردة الشياطين فقال الا أجد أحدا يكفينى امر برصيصا فقال الأبيض و هو صاحب الأنبياء و هو الذي تصدى للنبى صلى اللّه عليه و سلم و جاءه فى صورة جبرئيل ليوسوس على وجه الوحى فدفعه جبرئيل الى أقصى ارض الهند فقال الأبيض لابليس انا أكفيك فانطلق فتزين بزينة الرهبان و حلق وسط راسه و اتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه و كان لا ينقتل من صلوته الا فى عشرة ايام و لا يفطر الا فى عشرة ايام مرة فلما راى الأبيض انه لا يجيبه اقبل على العبادة فى اصل صومعته فلما انفتل برصيصا اطلع من صومعة فراى الأبيض قايما يصلى فى هيئة حسنة من هيئة الرهبان فلما راى ذلك من حاله ندم فى نفسه حين لم يجبه فقال له انك ناديتنى و كنت مشتغلا عنك فما حاجتك قال حاجتى انى أحببت ان أكون معك فاتاوب بك و اقتبس من علمك و عملك و نجتمع على العبادة فتدعو لى و ادعو لك فقال برصيصا انى لفى شغل عنك فان كنت مؤمنا فان اللّه سيجعل لك فيما ادعو للمؤمنين نصيبا ان استجاب لى ثم اقبل على صلوته و ترك الأبيض و اقبل الأبيض يصلى فلم يلتفت اليه برصيصا أربعين يوما بعدها فلما انفتل راه قايما يصلى فلما راى برصيصا شدة اجتهاده قال ما حاجتك قال حاجتى ان تأذن لى فارتفع إليك فاذن له فارتفع اليه فى صومعته فاقام معه حولا يتعبد لا يفطر الا فى كل أربعين يوما و لا ينفتل عن صلوته الا فى كل أربعين يوما مرة و ربما مد الى الثمانين فلما راى برصيصا اجتهاده تقاصرت اليه نفسه و أعجبه شان الأبيض فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا انى منطلق فان لى صاحبا غيرك ظننت انك أشد اجتهادا مما ارى و كان بلغنا عنك غير الذي رايت فدخل من ذلك على برصيصا امر شديد و كره مفارقته للذى راى منه شدة اجتهاده فلما ودعه قال له الأبيض ان عندى دعوات اعلمكها تدعو بهن فهن خير مما أنت فيه يشفى اللّه به السقيم و يعافى به المبتلى و المجنون قال برصيصا اكره هذه المنزلة لان لى فى نفسى شغلا انى أخاف ان علم به الناس شغلونى عن العبادة فلم يزل به الأبيض حتى علمه ثم انطلق حتى اتى إبليس فقال قد و اللّه أهلكت الرجل قال فانطلق الأبيض فتعرض لرجل فخنقه ثم جاء فى صورة رجل متطيب فقال لاهله ان لصاحبكم جنونا أفا عالجه قالوا نعم فقال لهم انى لا أقوى على جنبته و لكن أرشدكم الى من يدعو اللّه فيعا فيه انطلقوا الى برصيصا قال عنده الاسم الأعظم الذي إذا دعا به أجاب فانطلقوا اليه فسائوه ذلك فدعا بتلك الكلمات فذهب عنه الشيطان فكان الأبيض يفعل مثل ذلك بالناس و يرشدهم الى برصيصا فيعافون و انطلق الأبيض الى جارية من بنات ملوك بنى إسرائيل بين ثلثة اخوة و كان أبوهم ملكهم فمات و استخلف أخاه فكان عمها ملك بنى إسرائيل فجاء الأبيض الى تلك الجارية فعذبها و خنقها ثم جاء إليهم فى صورة متطيب فقال لهم أ تريدون ان أعالجها قالوا نعم قال ان الذي عرض لها مارد و لا يطلق و لكن سارشدكم الى رجل تثقون به تدعونها عنده إذا جاء شيطانها دعالها حتى تعلموا انها قد عوفيت و تردونها صحيحة قالوا و من هو قال برصيصا الزاهد قالوا و كيف لنا ان يجيبنا الى هذا و هو أعظم شانا من هذا قال ابنوا صومعة الى جنب صومعة حتى تشرفوا عليه فان قبلها و الا فضعوها فى صومعة ثم قولوا هى امانة عندك فاحتسب فيها قال انطلقوا اليه فسالوه فابى عليهم فبنوا صومعة على ما أمرهم به الأبيض فوضعوا الجارية فى صومعة فقالوا هذه أختنا هذه امانة فاحتسب فيها ثم انصرفوا فلما انفتل برصيصا من صلوته عاهن الجارية و ما بها من جمال فوقعت فى قلبه و دخل عليه امر عظيم فجاءها شيطان فخنقها فدعا برصيصا بتلك الدعوات فذهب الشيطان ثم اقبل على صلوته ثم جاءها فخنقها و كانت تكشف عن نفسها فجاءه الشيطان و قال واقعها فستتوب بعد ذلك و اللّه تعالى غفار الذنوب و الخطايا فتدرك ما تريد من الأمر فلم يزل به حتى واقعها فلم يزل على ذلك يأتيها حتى حملت فظهر حملها فقال له الشيطان ويحك قد افتضحت يا برصيصا فهل لك ان تقتلها و تتوب فان سالوك فقل ذهب بها شيطانها فلم اقدر عليه فقتلها ثم انطلق بها فدفنها الى جانب الجبل فجاء الشيطان و هو يدفنها ليلا فاخذ بطرف إزارها فبقى طرفة خارجها من التراب ثم رجع برصيصا الى صومعة فاقبل على صلوته إذ جاءه إخوتها يتعاهدون أختهم و كانوا يجيئون فى فرط الأيام يسألون عنها و يصونه بها فقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال قد جاء شيطانها فذهب بها و لم أطقه فصدقوه فانصرفوا فلما أمسوا و هم مكروبون جاء الشيطان الى أكبرهم فى منامه فقال ويحك ان برصيصا قد فعل بأختك كذا و كذا و انه دفنها فى موضع كذا فقال الأخ فى نفسه هذا حلم و هو من عمل الشيطان فان برصيصا خير من ذلك قال فتتابغ عليه ثلث ليال مرات ليلا فلم يكترث فانطلق الى الأوسط بمثل ذلك فقال الأوسط مثل ما قال الأكبر فلم يخبربه أحدا فانطلق الى أصغرهم بمثل ذلك فقال أصغرهم لاخويه و اللّه لقد رايت كذا و كذا و قال الأوسط و انا و اللّه قد رايت مثله ... فانطلقوا الى برصيصا و قالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال أ ليس قد أعلمتكم بحالها فكانكم اتهمتموني فقالوا و اللّه ما نتهمك و استحيوا منه فانصرفوا فجائهم الشيطان و قال و يحكم انها لمدفونة فى موضع كذا و ان طرف إزارها خارج من التراب فانطلقوا فرأوا أختهم على ما رأوا فى النوم فمشوا فى مواليهم و غلمانهم معهم الفئوس و المساجى فهدموا صومعة فانزلوه ثم كتفوه فانطلقوا به الى الملك فاقر على نفسه و ذلك ان الشيطان أتاه فقال تقتلها ثم تكابر يجتمع عليك أمران قتل و مكابرة اعترف فلما اعترف امر الملك بقتله و صلبه على خشية فلما صلب أتاه الأبيض قال يا برصيصا أ تعرفني قال لا قال انا صاحبك الذي علمتك الدعوات فاستجيب لك ويحك ما اتقيت اللّه فى أمانتك خنت أهلها فانك زعمت انك اعبد بنى إسرائيل اما استحييت فلم يزل يعيره ثم قال فى اخر ذلك الم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك و فضحت نفسك و فضحت اشياهك من الناس فان مت على هذه الحالة فلم يفلح أحد من نظرايك قال فكيف اصنع قال تطيعنى فى خصلة واحدة حتى انجيك مما أنت فيه فاخذ باعينيهم و اخرجك من مكانك قال و ما هى قال تسجد لى قال افعل فسجد له فقال يا برصيصا هذا الذي أردت منك صار عاقبة أمرك الى ان كفرت بربك انى برى ء منك إِنِّي أَخافُ اللّه رَبَّ الْعالَمِينَ انما قال ذلك رياء و الا فالخشية من اللّه تعالى لم يخلق فى الشياطين و قيل المراد بالإنسان الجنس و يقول الشيطان اكفر اغراءه على الكفر إغراء الأمر المأمور و قوله انى برى ء بقوله فى الاخرة مخافة ان يشاركه فى العذاب و ينفعه ذلك نظيره قوله تعالى و قال الشيطان لما قضى الأمر إِنَّ اللّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ و قيل المراد بالإنسان ابو جهل قال له إبليس يوم بدر لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّه يعنى من الهلاك فى الدنيا. |
﴿ ١٦ ﴾