سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثَ عَشَرَةَ آيَةً

مكّيّة و هى ثلث عشرة اية و فيها ركوعان

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

 ذكر البغوي و غيره ان سارة مولاة ابى عمرو بن صفى بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة من مكة و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتجهز لفتح مكة فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ مسلمة جئت قالت لا قال أ مهاجرة جئت قالت لا قال فما جاء بك قالت كنتم الأهل و العشيرة و الموالي و قد ذهبت موالى فاحتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطونى و تكسونى و تحملوني فقال اين أنت من شبان مكة و كانت مغنية نايحة قالت ما طلب منى شى ء بعد وقعة بدر فحث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بنى عبد المطلب و بنى المطلب فاعطوها نفقة و كسوها و حملوها فاتاها حاطب بن ابى بلتعة حليف بنى اسد بن عبد العزى فكتب معها الى اهل مكة و أعطاها عشرة دنانير و كساها بردا على ان توصل الكتاب الى اهل مكة و كتب فى الكتاب من حاطب بن ابى بلتعة الى اهل مكة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة و نزل جبرئيل فاخبر النبي صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم بما فعل حاطب فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليا و عمارا و الزبير و طلحة و مقداد بن الأسود و أبا مرثد فرسانا فقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن ابى بلتعة الى المشركين فخذوه منها و خلوا سبيلها و ان لم تدفع إليكم فاضربوا عنقها قال فخرجوا حتى أدركوها فى ذلك المكان الذي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا لها اين الكتاب فحلفت باللّه ما معها كتاب فبحثوها و فتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال على و اللّه ما كذبنا و لا كذب رسول اللّه و سل سيفه و قال اخرجى الكتاب و الا لاجزدنك؟؟؟ و لاضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذوابتها قد خباها فى شعرها فخلوا سبيلها و لم يتعرضوا لها و لا لما معها فرجعوا بالكتاب الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فارسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى حاطب فاتاه فقال هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حملك على ما صنعت قال و اللّه ما كفرت منذ أسلمت و لاغششتك منذ نصحتك و لا احببتهم منذ فارقتهم و لكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا و له بمكة من يمنع عشيرته و كنت غريبا فيهم و كان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فاردت ان اتخذ عندهم يدا و قد علمت ان اللّه ينزل بهم بأسه و ان كتابى لا يغنى عنهم من اللّه شيئا فصدقه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عذره فقام عمر بن الخطاب فقال دعنى يا رسول اللّه اضرب عنق هذا المنافق فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما يدريك يا عمر لعل اللّه اطلع على اهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم و فى الصحيحين عن على قال بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا و الزبير و المقداد بن الأسود فقال انطلقوا حتى ناتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فايتونى به فخرجنا حتى اتينا الروضة فاذا نحن بالظعينة فقلنا اخرجى الكتاب فقالت ما معى من الكتاب فقلنا لتخرجن الكتاب او لتلقين الثياب قال فاخرجته عن عقاصها فاتينا به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاذا هو من حاطب بن ابى بلتعة الى ناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض امر النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ما هذا يا حاطب قال لا تعجل على يا رسول اللّه انى كنت امرأ ملصقا من قريش و لم أكن من أنفسها و كان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم و أموالهم بمكة فاحببت إذ فاتنى ذلك من النسب منهم ان ناخذ منهم يدا يحمون بها قرابتى و ما فعلت ذلك كفرا و لا ارتدادا عن دينى و لا رضا بالكفر فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم صدقت و فيه أنزلت هذه السورة

_________________________________

١

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ قيل الباء زائدة كما فى قوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ و المعنى تلقون إليهم بالمودة بالمكاتبة و قال الزجاج معناه تلقون إليهم اخبار النبي صلى اللّه عليه و سلم بالمودة التي بينكم و بينهم و الجملة حال من فاعل لا تتخذوا او صفة لاولياء جرت على غير من هى له فلا حاجة فيها الى إبراز الضمير لانه مشروط فى الاسم دون الفعل وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ج يعنى القران و الجملة حال من فاعل أحد الفعلين يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ من مكة و هو حال من فاعل كفروا استيناف لبيانه أَنْ تُؤْمِنُوا اى لان أمنتم بِاللّه رَبِّكُمْ ط فيه تغليب المخاطب و الالتفات من التكلم الى الغيبة إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ من أوطانكم جهادا فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي علة للخروج و عمدة للتعليق او حال من فاعل خرجتم يعنى خرجتم مجاهدين او ظرف بتقدير الوقت اى خرجتم فى وقت الجهاد او مفعول مطلق من قبيل ضربته سوطا اى خرجتم خروج جهاد و جواب الشرط محذوف دل عليه لا تتخذوا تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ق قال مقاتل بالنصيحة بدل من تلقون او استيناف و الباء زائدة صلة لتسرون او للسببية و المعنى انه لا طايل لكم فى اسرار المودة و إلقاء الاخبار إليهم سرا بسبب المودة وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ و قيل اعلم بفعل مضارع و الباء زائدة و ما موصولة او مصدرية وَ مَنْ يَفْعَلْهُ اى اتخاذ المودة مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى أخطأ طريق الهدى.

٢

إِنْ يَثْقَفُوكُمْ اى ياخذوكم و يظفروا بكم فى القاموس ثقفه كمنعه صادفه او اخذه او ظفر به او أدركه يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً اى لا ينفعكم إلقاء المودة إليهم وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ اى بما يسوئكم كالقتل و الضرب و الشتم وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ط لو للتمنى و الجملة بيان الوداد و الماضي فى جواب ان الشرطية و ان كان يفيد معنى الاستقبال و لكن أورد صيغة الماضي للاشعار بانهم ودوا ذلك قبل كل شى ء و ان ودادهم حاصل بالفعل.

٣

لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ اى قرباتكم وَ لا أَوْلادُكُمْ ج الذين أشركوا و الذين توالون المشركين لاجلهم يَوْمَ الْقِيامَةِ ج فيه رد لعذر الحاطب بن بلتعة و من كان يعتذر بنحو ذلك يَفْصِلُ قرأ عاصم على البناء للفاعل من الثلاثي المجرد و نافع و ابن كثير و ابو عمرو على البناء للفاعل من باب التفعيل و ابن عامر على البناء للمفعول منه بَيْنَكُمْ اى ليفرق اللّه بينكم حين يفر بعضكم من بعض لشدة الهول و يصير الأخلاء يومئذ اعداء الا المتقين او المعنى يفصل بينكم اى يدخل المؤمنين الجنة و المشركين النار فمالكم تتوالونهم اليوم و ترفضون حق اللّه و نبيه وَ اللّه بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم عليه.

٤

قَدْ كانَتْ لَكُمْ ايها المؤمنون أُسْوَةٌ اسم لما يوتسى به اى اقتداء حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين متعلق بالظرف المستقر اعنى لكم الذي هو خبر او صفة ثانية لاسوة إِذْ قالُوا ظرف لخبر كان او خبر لكان لِقَوْمِهِمْ الكفار إِنَّا بُرَآؤُا جمع برى ء كظريف و ظرفاء مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه من الأصنام كَفَرْنا بِكُمْ الكفر بالحقيقة ضد الايمان لانه ستر الحق و النعمة لكن اطلق هاهنا للتبرى كما فى قوله تعالى و يوم القيامة يكفر بعضكم عن بعض وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللّه وَحْدَهُ فينقلب العداوة و البغضاء الفة و محبة إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ

قال البيضاوي و غيره استثناء من قوله أسوة حسنة و فيه إشكال فان أسوة نكرة لا يتيقن دخول المستثنى فيه حتى يكون متصلا و لا عدم دخوله حتى يكون منقطعا نظيره قوله تعالى لو كان فيهما الهة الا اللّه لفسدتا فالاولى ان يقال انه استثناء من محذوف تقديره اتبعوا اقوال ابراهيم الا قوله لابيه لاستغفرن لك كذا قال صاحب البحر المواج و عندى انه استثناء من قوله فى ابراهيم بتقدير المضاف تقديره قد كانت لكم أسوة حسنة فى قول ابراهيم الا قوله لابيه لاستغفرن لك و لعل هذا هو المراد من كلام البيضاوي فان استغفاره لابيه الكافر لا ينبغى فيه التأسي و الاتباع و انما كان ذلك قبل النهى لموعدة وعدها إياه وَ ما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّه مِنْ شَيْ ءٍ ط هذا من تمام المستثنى و لا يلزم من استثناء المجموع استثناء كل جزء منه و كلمة من زائدة و شى ء فى محل النصب على المفعولية لا ملك رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا فى محل النصب بتقدير القول يعنى قال ابراهيم و من معه ربنا عليك توكلنا و هو متصل بما قبل الاستثناء إذ هو امر من اللّه للمؤمنين تتميما لما وصّهم به من قطع العلائق بينهم و بين الكفار تقديره قولوا ربنا عليك توكلنا و تركنا موالاة الكفار و الاستنصار بهم وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ المرجع.

٥

رَبَّنا كرّ النداء بربنا لتاكيد المناجاة و الاستعطاف لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعنى لا تسلطهم علينا فيعذبونا فيواخذونا بذلك فتكون فتنة لهم اى سببا لعذابهم و قال الزجاج يعنى لا تظهرهم علينا فيظنوا انهم على الحق

و قال مجاهد لا تعذبنا بايديهم و لا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم ذلك وَ اغْفِرْ لَنا ما فرط منا فان المعاصي قد يكون سببا لتسليط الكفار على المؤمنين رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يقدر أحد على إيصال الشر بمن يجيره و يتوكل عليه الْحَكِيمُ الحاكم العالم المقتدر على اجابة الدعاء.

٦

لَقَدْ كانَ لَكُمْ ايها المؤمنون فِيهِمْ اى فى ابراهيم و من معه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تكرير لتاكيد الحث على التأسي و لذلك صدر بانفسهم لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّه اى يرجوا لقاء اللّه و ثوابه وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ ط اى يرجوا إتيان يوم القيامة و قوله لمن كان بدل من لكم و فيه ايماء الى ان الايمان يقتضى التأسي به عليه السلام و تركه يوذن بسوء العقيدة و لذلك عقبه بقوله وَ مَنْ يَتَوَلَّ عن تأسي الأنبياء و يوالى الكفار فَإِنَّ اللّه هُوَ الْغَنِيُّ عن عبادة و عن تأسي رسله و عن كل شى ء و انما منفعة التأسي بالأنبياء راجع الى المتاسى الْحَمِيدُ ع لاوليائه و لاهل طاعة

قال البغوي قال مقاتل فلما امر اللّه تعالى بعداوة الكفار دعادى المؤمنون اقربائهم و أظهروا لهم العداوة و البراءة علم اللّه تعالى شدة وجد المؤمنين بذلك انزل اللّه بتسليتهم قوله.

٧

عَسَى اللّه أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ يعنى كفار مكة مَوَدَّةً ط فانجز اللّه وعده قريبا فان الاية نزلت قبل الفتح كما ذكرنا و بعد الفتح اسلم كل من كان بمكة و صاروا اولياء الا من قتل منهم يوم الفتح كالحو يرث بن نفيد و غيره و سميناهم فى سورة النصر

فان قيل كلمة الذين عاديتم عام تقتضى موالاة جميعهم و قد قتل منهم كافرا

قلنا قد يطلق العام و يراد به الخاص مجازا ألم تسمع قولهم ما من عام إلا و قد خص منه البعض و قد يسند الفعل الى الكل مجازا لوجود المسند اليه فيهم كما فى قوله تعالى فكذبوه فعقروها وَ اللّه قَدِيرٌ ط على ذلك و على كل شى ء وَ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ لما فرط من موالاتهم قبل النهى و لما بقي من قلوبهم من ميل الرحم اخرج البخاري عن اسماء بنت ابى بكر قالت أتتني أمي راغبة فسالت النبي صلى اللّه عليه و سلم أصلها قال نعم فانزل اللّه تعالى.

٨

لا يَنْهاكُمُ اللّه عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ الاية

و اخرج احمد و البزاز و الحاكم و صححه عن عبد اللّه بن الزبير قال قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها اسماء بنت ابى بكر و كان ابو بكر طلقها فى الجاهلية فقدمت بنتها بهدايا فابت اسماء ان تقبل منها او تدخلها منزلها حتى أرسلت الى عائشة ان سلى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبرته ان تقبل هداياها و تدخلها منزلها فانزل اللّه لا ينهكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ اى تكرموهم و تحسنوا إليهم قولا و فعلا بدل من الذين بدل اشتمال اى لاينهكم اللّه عن مبرتهم وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ط اى تقضوا إليهم القسط و العدل إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ و قال ابن عباس نزلت الاية فى خزاعة كانوا قد صالحوا النبي صلى اللّه عليه و سلم ان لا يقاتلوه و لا يعينوا عليه أحدا فرخص اللّه تعالى فى مبرهم و من هاهنا يظهر انه يجوز دفع الصدقة النافلة الى الذمي و قد مر المسألة فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى ليس عليك هداهم و من ثم امر النبي صلى اللّه عليه و سلم بإعطاء سارة مولاة ابى عمرو كما ذكرنا فى أول السورة و اللّه اعلم.

٩

إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّه عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ و هم الرجال المشركون من اهل مكة بعضهم سعوا فى إخراج المؤمنين و بعضهم أعانوا المخرجين أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ج بدل من الموصول بدل اشتمال و من هاهنا يظهران المنهي عنه انما هو موالاة اهل الحرب دون مبرتهم يشرط ان لا يضربا لمومنين و قد قال اللّه تعالى فى الأسارى من اهل الحرب امامنا بعد و اما فداء و المن نوع من البر فعلى هذا يجوز دفع الصدقة النافلة لاهل الحرب ايضا ان لم يكن فى ذلك تقويتهم على الحرب و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى الكبد الحارة اجر رواه البيهقي بسند صحيح فى شعب الايمان عن سراقة بن مالك و روى عنه احمد بسند صحيح و ابن ماجة بلفظ فى كل ذات كبد حرى اجر و كذا روى احمد عن ابن عمر اما دفع الزكوة الى الكفار فلا يجوز اجماعا و سند الإجماع حديث معاذ و فيه قد فرض عليهم صدقة توخذ من أغنيائهم فترد الى فقرائهم وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ اى اهل الحرب فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ و لا مفهوم لهذه الاية فانه لا يجوز موالاة اهل الذمة ايضا لعموم قوله تعالى لا تتخذوا عدوى و عدوكم اولياء و قوله تعالى لا تتخذوا اليهود و النصارى اولياء و قوله صلى اللّه عليه و سلم المرء مع من أحب و اللّه تعالى اعلم روى البخاري و كذا مسلم عن عروة بن الزبير عن مسور بن مخرمة و مروان بن الحكم يخبر ان عن اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انهم قالوا كان فيما اشترط سهيل بن عمر على النبي صلى اللّه عليه و سلم انه لا يأتيك منا أحد و ان كان على دينك إلا رددته إلينا و خليت بيننا و بينه فكره المؤمنون ذلك و ابى سهيل الا ذلك فكاتبه النبي صلى اللّه عليه و سلم فرده يومئذ أبا جندل الى سهيل بن عمرو لم يأته أحد من الرجال إلا رده فى تلك المدة و ان كان مسلما و جاءت المؤمنات مهاجرات و كانت أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط ممن خرج الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يومئذ و هى عاتق فجاء أهلها يسئلون النبي صلى اللّه عليه و سلم ان يرجعها إليهم فلم يرجعها لما انزل اللّه فيهن.

١٠

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّه أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ ج اى فاختبروهن بما غلب على ظنكم موافقة قلوبهن ألسنتهن فى الايمان فان الايمان صفة القلب و لا يعلم بما فى الصدور الا اللّه تعالى فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ علما يمكنكم تحصيله و هو الظن الغالب بالخلق و ظهور الأمارات و سماه علما إيذانا بان الظن كالعلم فى و جواب العمل به فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى أزواجهن الْكُفَّارِ ط لانه لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ لحصول الفرقة بين الكافر و المسلمة و قد مر فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ انه يقع الفرقة بين المهاجرة و بين زوجها الكافر لمجرد الخروج من دار الحرب عند ابى حنيفة لاختلاف الدارين و عند الائمة الثلاثة بعد ثلث حيض من وقت إسلامه ان دخل بها و الا فمن وقت إسلامها وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ط بتجديد النكاح لعدم جواز نكاح الكافر بالمسلمة و جاز ان يكون التكرير للتاكيد قال عروة فى الحديث السابق فاخبرتنى عائشة رض ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يمتحنهن هذه الاية يا ايها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الى قوله غفور رحيم قال عروة قالت عائشة رض فمن أقرت بهذا الشرط منهن قال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد بايعناك كلاما يكلمها به و اللّه ما مست يده يد امرأة قط فى المبايعة ما بايعهن الا بقوله و

قال البغوي قال ابن عباس اقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم معتمرا حتى إذا كان بالحديبية صالحه مشركوا مكة على ان ما أتاه من اهل مكة رده إليهم و من اتى اهل مكة من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يردوه اليه و كتبوا عليه كتابا و ختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحارث الا سلميه مسلمة بعد الفراغ من الكتاب فاقبل زوجها مسافر من بنى مخزوم و قيل صيفى بن الراهب فى طلبها و كان كافرا فقال يا محمد اردد علىّ امراتى فانك قد شرطت ان ترد علينا من أتاك منا و هذا طينة الكتاب و لم تجف بعد فانزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مهاجرات من دار الكفر الى دار الإسلام فامتحنوهن قال ابن عباس امتحانهن ان نستحلف ما خرجت لبغض زوجها و لا عشقا لرجل من المسلمين و لا رغبة عن ارض الى ارض و لا لحدث أحدثته و لا التماس للدنيا و لاخرجت الا رغبة فى الإسلام و حبا للّه و لرسوله صلى اللّه عليه و سلم فاستحلفها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ذلك فحلفت فلم يردها و اعطى زوجها مهرها و ما أنفق عليها فتزوجها عمر و كان يرد من جاءه من الرجال و يحبس من جاءه من النساء بعد الامتحان و يعطى أزواجهن مهورهن

و اخرج الطبراني بسند ضعيف عن عبد اللّه بن ابى احمد قال هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط فى الهدنة فخرج أخواها عمارة و الوليد بن عقبة حتى قد ما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كلماه فى أم كلثوم ان يردها إليهم فنقض اللّه العهد بينه و بين المشركين فى النساء خاصة و منع ان يردون الى المشركين فانزل اللّه اية الامتحان

و اخرج ابن ابى حاتم عن يزيد بن ابى حبيب انه بلغه انها نزلت فى اميمة بنت بشر او امرأة ابى حسان بن الدحداحة

و اخرج عن مقاتل ان امرأة تسمى سعيدة كانت تحت صيفى بن الراهب و هو مشرك جاءت زمن الهدنة فقالوا ردها علينا

و اخرج ابن جرير عن الزهري انها نزلت عليه و هو بأسفل الحديبية كان صالحهم انه من أتاه منهم رد إليهم فلما جاءت النساء نزلت هذه الاية وَ آتُوهُمْ الضمير عايد الى الكفار و المراد أزواجهن ما أَنْفَقُوا عليهن يعنى المهور التي دفعوا إليهن و ذلك لان الصلح كان جرى على ردهن فلما تعذر ردهن لو رود النهى عنه لزم رد مهورهن فلو راى الامام مصلحة على صلح مثل ما صالح النبي صلى اللّه عليه و سلم بالحديبية وجب رد مهر مهاجرة جاءت من الكفار

قال البغوي قال الزهري و لو لا الهدنة و العهد الذي كان بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين قريش يوم الحديبية لامسك النساء لم يرد الصداق و كذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد و اللّه تعالى اعلم وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ ايها المؤمنون أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ اى المهاجرات و ان كان لهن ازواج فى دار الحرب لوقوع الفرقة بينهم و بينهن و الاية تدل على عدم اشتراط مضى العدة كما هو فى مذهب ابى حنيفة رح خلافا لصاحبه إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ اى مهورهن شرط إيتاء المهر فى نكاحهن إيذانا بان اعطى أزواجهن الكفار لا يقوم مقام المهر اخرج ابن ابى منيع من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال اسلم عمر بن الخطاب و تأخرت امرأته فى المشركين فانزل اللّه تعالى وَ لا تُمْسِكُوا قرأ ابو عمر و يعقوب بالتشديد من التفعيل و الباقون بالتخفيف من الافعال بِعِصَمِ جمع عصمة و هو ما اعتصم به من عقد الموالات و النكاح و نحو ذلك الْكَوافِرِ جمع الكافرة نهى اللّه سبحانه عن المقام على نكاح المشركات

قال البغوي قال الزهري فلما نزلت هذه الاية طلق عمر بن الخطاب امرأتين بمكة مشركتين قرينة بنت ابى امية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن ابى سفيان و هما على شركهما بمكة و الاخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جردل الخزاعية أم عبد اللّه بن عمر فتزوجها ابو جهيم بن حذافة ابن غانم و هما على شركهما و كانت اروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب تحت طلحة بن عبيد اللّه فهاجر طلحة و هى على دين قومها ففرق الإسلام بينهما فتزوجها فى الإسلام خالد بن سعد بن العاص بن امية قال الشعبي و كانت زينب بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امرأة ابى العاص بن الربيع أسلمت و لحقت بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و اقام ابو العاص بمكة مشركا ثم اتى المدينة و اسلم فردها على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وَ سْئَلُوا ايها المسلمون ما أَنْفَقْتُمْ من مهر امرأة منكم لحقت بالمشركين مرتدة إذا منعوها ممن تزوجها منهم وَ لْيَسْئَلُوا اى الكفار من مهور أزواجهم المهاجرات ما أَنْفَقُوا ط ممن تزوجها منكم ذلِكُمْ اى جميع ما ذكر فى الاية حُكْمُ اللّه يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ استيناف او حال من الحكم على حذف الضمير او جعل الحكم حاكما على المبالغة و الضمير فى يحكم عايد اليه وَ اللّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ يشرع ما يعلم خيرا لكم و ما تقتضيه الحكمة

قال البغوي فى قول الزهري فلما نزلت هذه الاية أقر المؤمنون بحكم اللّه عز و جل وادوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم و ابى المشركون ان يقروا بحكم اللّه فبما أمروا من أداء نفقات المسلمين فانزل اللّه.

١١

وَ إِنْ فاتَكُمْ اى ان سبقكم و انفلت منكم شَيْ ءٌ اى أحد مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فلحقت بهم مرتدة و إيقاع شى ء موقع أحد للتحقير و المبالغة فى التعميم او المعنى شى ء من مهور أزواجكم الى الكفار فلم يودوها اخرج ابن ابى حاتم عن الحسن قال نزلت هذه الاية فى أم الحكم بنت ابى سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفى و لم ترتد امرأة من قريش غيرها فَعاقَبْت ُمْ

قال البغوي قال المفسرون معناه غنمتم فاصبتم من الكفار عقبى و هى الغنيمة و قيل معناه ظفرتم و كانت العاقبة لكم و قيل معناه اجتمعوهم فى القتال بعقوبة حتى غنمتم فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مرتدات الى الكفار منكم من الغنائم التي صارت فى ايديكم من الكفار مِثْلَ ما أَنْفَقُوا اى مثل ما أنفق المؤمنون الذين ذهب أزواجهم مرتدات عليهن

قال البغوي روى ابن عباس انه قال لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة رجعن الى الإسلام فاعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أزواجهن مهورهن من الغنيمة أم الحكم بنت ابى سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري و فاطمة بنت ابى امية بن المغيرة اخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر ان يهاجر أبت و ارتدت و بروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان و عزة بنت عبد العزى بن فضلة و تزوجها عمر بن عبد ود و هندة بنت ابى جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل و أم كلثوم بنت خردل كانت تحت عمر بن الخطاب و

قال البيضاوي و فى تفسير الاية فعاقبتم اى فجاءت عقبتكم اى نوبتكم لاداء المهر شبه الحكم بأداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة و أداء أولئك مهور نساء هؤلاء اخرى بامر يتعاقبون فيه كما يتعاقب فى الركوب و غيره فاتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من المهر المهاجرة و لا توتوا زوجها الكافر قلت و الصحيح هو التفسير الاول

قال البغوي اختلف القول فى ان أداء مهر من أسلمت أزواجهن هل كان واجبا او مندوبا و أصله ان الصلح هل كان وقع على رد النساء اولا فيه قولان أحدهما انه وقع على رد الرجال و النساء جميعا لما روى انه لا يأتيك منا أحد إلا رددته ثم صار الحكم فى رد النساء منسوخا بقوله تعالى فلا ترجعوهن الى الكفار فعلى هذا كان رد المهر واجبا عوضا عن المرأة ثانيهما ان الصلح لم يقع على رد النساء لما روى انه لا يأتيك منا رجل و ان كان على دينك إلا رددته ذلك لان الرجل لا يخشى عليه من الفتنة فى الرد ما يخشى على المرأة من إصابة المشرك إياها و انه لا يؤمن عليها الردة إذا خوفت و أكرهت عليها لضعف قلبها و قلة هدايتها الى المخرج فيه بإظهار كلمة الكفر تقية مع إخفاء الايمان فعلى هذا كان الرد مندوبا قلت و الظاهر ان الصلح على رد الرجال و النساء جميعا و من ثم إذا هاجرت نساء مؤمنات نزل قوله تعالى لا ترجعوهن الى الكفار و لو لا ذلك فلم يكن وجه لارجاعهن الى الكفار و لا لنزول الحكم و ان رد المهر كان واجبا كما يدل عليه صيغ الأمر و قوله تعالى ذلك حكم اللّه الاية و قوله تعالى وَ اتَّقُوا اللّه الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فان الايمان يقتضى إتيان ما امر اللّه به

فان قيل فعلى هذا يلزم نقض العهد و هو حرام و

قلنا نسخت حرمة نقض العهد فى مادة مخصوصة بقوله تعالى لا ترجعوهن الى الكفار او تقول هذا من قبيل نبذ العهد على السؤال

قال البغوي و اختلفوا فى انه هل يجب العمل به اليوم فى رد المهور إذا شرط رد النساء فى معاقدة الكفار فقال يوم لا يجب و زعموا ان الاية منسوخة و هو قول عطاء و مجاهد و قتادة قلت لا وجه لهذا القول ما لم يثبت بهذا الحكم ناسخ مثله فى القوة و قال قوم غير منسوخة و يرد إليهم ما أنفقوا.

١٢

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ حال من المؤمنات عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللّه شَيْئاً متعلق بيبايعنك وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ على عادة الجاهلية فانهم كانوا يوادون البنات وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ اى بكذب يبهت السامع يَفْتَرِينَهُ اى يختلقته بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ يعنى لا يكون له مصداق تختلقه من عند أنفسها قبل قيد بهذا توبيخا و تخويفا بان الأيدي و الأرجل يشهدون يوم القيامة بما صدر من اللسان من المعاصي فلا تفترين بين الشهود قيل المراد به ان تلتقط ولدا و تقول لزوجها هذا ولدي منك فهو البهتان بين الأيدي و الأرجل لان الولد تحمله أمها فى بطنها بين يديها و تضعه من فرجها بين رجليها وصفه بصفة الولد الحقيقي و اللفظ يعم كل بهتان وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ يعنى فى إتيان حسنة فامرهن بها او لانتهاء عن سيئة تنهاهن و التقييد بالمعروف مع ان الرسول صلى اللّه عليه و سلم لا يأمر بالمعروف تنبيها على انه لا يجوز طاعة المخلوق فى معصية الخالق قال مجاهد المراد بالمعروف ان لا يخلو المرأة بالرجال و قال سعيد بن المسيب و الكلبي و عبد الرحمان بن زيد هو النهى عن النوح و الدعاء بالويل و تحريق الثياب و حلق الشعر و نتفه و خمش الوجه عند المصيبة و لا تحدث المرأة الرجال الا ذا محرم و لا تخلوا برجل غير ذى محرم و لا تسافر الا مع ذى محرم

و اخرج ابن الجرير و الترمذي و حسنه و ابن ماجة عن أم سلمة و لا يعصينك فى معروف قال النوح روى البخاري عن أم عطية قالت بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقرأ علينا لا تشركن باللّه شيئا و نهانا عن النياحة فقبضت امرأة يدها فقالت أسعدتني فلانة أريد ان اجزيها فما قال لها النبي صلى اللّه عليه و سلم شيئا فانطلقت و رجعت و بايعها و روى مسلم عن ابى مالك الأشعري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اربع من أمتي من امر الجاهلية لا يتركونهن الفخر فى الاحساب و الطعن فى الأنساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة و قال النياحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة و عليها سربال قطران و درع من جرب و فى الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس منا من ضرب الخدود و شق الجيوب و دعى بدعاء الجاهلية و روى ابو داود عن ابى سعيد الخدري قال لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم النائحة و المستمعة فَبايِعْهُنَّ بضمان الثواب على الوفاء بهذه الشروط جزاء لقوله إذا جاءك المؤمنات وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّه عما مضى إِنَّ اللّه غَفُورٌ يمحق ما سلف من العبد عصيانه رَحِيمٌ يوفق فيما يأتي روى البخاري عن عائشة قالت كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يبايع النساء بالكلام بهذه الاية لا يشركن باللّه شيئا قالت و ما مست يد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يد امرأة الا امرأة يملكها و روى البغوي بسنده عن محمد بن المنكدر انه سمع اميمة بنت رقيقة تقول بايعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى نسوة فقال فيما استطعتن و اطقتن فقلت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ارحم بنا من أنفسنا قلت يا رسول اللّه صافحنا فقال انى لا أصافح النساء انما قولى لامرأة كقوله لمائة امرأة قيل نزلت هذه الاية يوم الفتح و ليس كك لما ذكرنا فى تفسير اية الامتحان حديث عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يمتحنهن بهذه الاية يا ايها النبي إذا جاءك المؤمنات الى قوله غفور رحيم و اية الامتحان قد نزلت بعد صلح الحديبية و لكن النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم فتح مكة فرغ من بيعة الرجال و هو على الصفاء بايع النساء و عمر بن الخطاب أسفل منه و هو يبايع النساء بامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبلغهن عنه و هند بنت عتبة امرأة ابى سفيان مقنعة متنكرة مع النساء خوفا من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يعرفها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبايعكن على ان تشركن باللّه شيئا فرفعت هند راسها فقالت و اللّه انك لتاخذ امرا ما رايناك أخذته على الرجال و بايع الرجال يومئذ على الإسلام و الجهاد فقط فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم و لا يسرقن فقالت هند ان أبا سفيان رجل شحيح و انى أصبت من ماله هناة فلا أدرى أ تحل لى أم لا فقال ابو سفيان ما أصبت من شى ء فيما مضى و فيما غبر فهو لك حلال فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال لها و انك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف عفا اللّه عنك فقال و لا تزنين فقالت هند او تزنى الحرة فقال و لا تقتلن أولادهن فقالت هند ربيناهم صغارا و قتلتموهم كبارا فانتم و هم اعلم و كان ابنها حنظلة بن ابى سفيان قد قتل يوم بدر فضحك فضحك عمر حتى استلقى و تبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال و لا تأتين ببهتان يغترينه بين أيديهن و أرجلهن فقالت هند و اللّه ان البهتان قبيح و ما تأمرنا الا بالرشد و مكارم الأخلاق فقال و لا يعصينك فى معروف قالت هند ما جلنا مجلسنا هذا ولى أنفسنا ان تعصينك فى شى ء فاقر النسوة بما أخذ عليهن و انما خصت النساء فى البيعة بهذا التفصيل مع ان بيعة الرجال على الإسلام يشتمل انقياد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى جميع ما امر به لضعف عقلهن و قلة تفقههن لاستنباط التفصيل من الإجمال و لكثرة وقوع الأمور المذكورة من النساء الا ترى الى كثير من النساء المسلمات يعتقدن ما يستلزم الشرك و يسرقن كثيرا من اموال الأزواج و يقتلن أولادهن بالواد و الزنا من النساء أقبح من الرجال غالبا لان فيه تفويت حق الزوج مع حق اللّه تعالى و نسبة أولاد الغير الى أزواجهن و ايراثهن إياهم اموال الأزواج و انهن تأتين كثيرا بالبهتان و الكذب و يكثرن اللعن و يكفرن العشير و يكثرن النياحة الدعاء بالويل و ضرب الخدود و شق الجيوب و نحو ذلك مالا يفعله الرجال غالبا فلذا خصهن بتفصيل هذه الشروط كما خص الرجال بشرط الجهاد الذي يختص به و اللّه تعالى اعلم اخرج ابن المنذر من طريق ابن إسحاق عن محمد عن عكرمة او سعيد عن ابن عباس قال كان عبد اللّه بن عمرو زيد بن الحارث يوادون رجالا من يهود فانزل اللّه تعالى.

١٣

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّه عَلَيْهِمْ يعنى اليهود كما يدل عليه قول ابن عباس المذكور و كذا

قال البغوي ان ناسا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود اخبار المسلمين يتواصلونهم فيصيبون من ثمارهم فنهاهم اللّه تعالى عن ذلك و قيل المراد به عامة الكفار قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ ان كان المراد بهم اليهود فهم ليعلمهم يكون محمد صلى اللّه عليه و سلم نبيا حقا مؤيدا بالمعجزات مكتوبا عندهم فى التورية و كفرهم به صلى اللّه عليه و سلم عنادا و حسدا بتسلط الشيطان و ما كتب اللّه عليهم الشقاوة يئسوا من نعماء الاخرة و علموا يقينا انه لا حظ لهم فى الاخرة مع اعتقادهم بالاخرة و نعمائها فما أصبرهم على النار أعوذ باللّه منها و ان كان المراد به عامة الكفار فهم يئسوا من الاخرة بعدم ايمانهم بالغيب و الثواب و العذاب كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ اى المشركين مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ ان يبعثوا و يثابوا او ينالهم خيرا بينهم و على تقدير كون المراد بقوم غضب اللّه عليهم عامة الكفار وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ان الكفرا يسهم فالجار و المجرور ظرف لغو متعلق بيئس و قيل هو ظرف مستقر بيان للكفار حال منه و المعنى كما يئس الكفار الذين صاروا فى القبور من ان يكون لهم حظ و ثواب فى الاخرة كذلك يئس اليهود من الاخرة حيا فى الدنيا كذا قال مجاهد و سعيد بن جبير و اللّه تعالى اعلم.

﴿ ٠