سُورَةُ التَّغَابُنِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ آيَةً

مدنية و هى ثمانى عشرة اية و فيها ركوعان

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

يُسَبِّحُ للّه ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ قد مر تشريحها لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ قدم الظرفان للدلالة على الحصر و الجملة الظرفية حال من اللّه وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ لان نسبة ذاته المقتضية للقدرة الى كل ممكن على السواء.

٢

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ط يعنى خلقكم اللّه تعالى ثم صار بعضكم كافرا و بعضكم مؤمنا يدل على ذلك فاء التعقيب كما فى قوله تعالى و اللّه خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشى على بطنه و منهم من يمشى على رجلين الاية وَ اللّه بِما تَعْمَلُونَ من الايمان و الكفر و الطاعة و المعصية بَصِيرٌ فيجازيكم عليه ليس فى هذه الاية دليل للمعتزلة على ان الايمان و الكفر ليسا بتقدير اللّه تعالى و لا مخلوقا له بل مخلوقا للعبد فان الأشياء كلها مقدرة فى الأزل قال اللّه تعالى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ و افعال العباد التي فيه نوع اختيار للعبد حيث يسمى العبد كاسبا لها و يترتب عليها الثواب او العذاب كلها مخلوقة للّه تعالى قال اللّه تعالى خلقكم و ما تعملون هذا هو المذهب الصحيح الذي انعقد عليه اجماع الصحابة و من بعدهم لا يجوز تاويل الآيات على خلاف هذا المذهب فانها مفضية الى النار قال اللّه تعالى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ عن انس بن مالك قال و كل اللّه بالرحم ملكا فيقول اى رب نطفة اى رب علقة اى رب مضغة فاذا أراد اللّه ان يقضى خلقها قال رب إذ كرام أنثى أشقى أم سعيد فما الرزق فما الاجل فيكتب كذلك فى بطن امه رواه البخاري و فى الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا نحو ذلك و فى آخره فو الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه و بينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيدخلها و روى مسلم عن عبد اللّه بن عمرو مرفوعا كتب اللّه مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات و الأرض بخمسين الف سنة قال و عرشه على الماء و فى الباب أحاديث كثيرة و روى عن ابن عباس فى تفسير الاية انه قال ان اللّه خلق بنى آدم مؤمنا و كافرا ثم يعيدهم كما خلقهم مؤمنا و كافرا يعنى خلقهم مقدرا من بعضهم كفره موجها اليه ما يحمله عليه و من بعضهم إيمانه موفقا لما يدعوه اليه روى البغوي عن ابن عباس عن ابى بن كعب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا و قال اللّه تعالى و لا يلدوا الا فاجرا كفارا.

٣

خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ متلبسا بالحكمة البالغة دالة على صانع حكيم وَ صَوَّرَكُمْ ايها الناس فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ من ساير الحيوانات ظاهرا و باطنا و زينكم بأحسن أوصاف الكائنات صالحا للعلم و العقل و المعرفة وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ فلا تضيعوا استعدادكم باختيار الرذائل فتحشرون على أقبح الصور.

٤

يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ وَ اللّه عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ راى بالاسرار و المعتقدات التي فى الصدور و لا يخفى عليه ما يصلح ان يعلم كليا كان او جزئيا لان نسبته بكل شى ء على السواء قدم ذكر القدرة على العلم لان دلالة المخلوقات على قدرة الخالق اولا و بالذات و على علمه بما فيها من الإتقان و الاختصاص ببعض الانحاء و تكرير ذكر العلم بمنزلة تكرير الوعيد على إتيان ما يخالف امره و رضاه و قوله يعلم مع ما عطف عليه خبر ثالث لقوله هو فى هو الذي خلقكم.

٥

أَ لَمْ يَأْتِكُمْ يا ايها الكفار نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ اى قبلكم قوم نوح و عاد و ثمود و قوم لوط و اصحاب الايكة و غيرهم فَذاقُوا عطف على كفروا و الفاء للسببية وَبالَ أَمْرِهِمْ اى ضرر كفرهم فى الدنيا و أصله الثقل و منه الوبيل للطعام الثقيل و الوابل للمطر الثقيل وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الاخرة.

٦

ذلِكَ العذاب فى الدنيا و الاخرة بِأَنَّهُ اى بسبب انه كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات و الدلائل الواضحة فَقالُوا أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا البشر اسم جنس يطلق على الواحد و الكثير و لما كان المراد هاهنا الجمع قال يهدوننا و لم يقل يهدينا استفهام للانكار أنكروا و تعجبوا من كون البشر رسلا من اللّه هداة اليه فَكَفَرُوا وَ تَوَلَّوْا عن التدبر فى المبينات وَ اسْتَغْنَى اللّه عن كل شى ء فضلا عن طاعتهم و انما كان إرسال الرسل تفضلا و منة من اللّه تعالى عليهم و الراضي بالضرر لا يستحق النظر وَ اللّه غَنِيٌّ من كل شى ء حَمِيدٌ فى نفسه لا يحتاج الى من يحمده.

٧

زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا تقديره انهم لن يبعثوا ان مع جملتها قائم مقام مفعول زعم و الزعم ادعاء العلم قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ بيان لقوله بلى أكد الجواب بالقسم ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ من الخير و الشر يعنى تحاسبون و تخبرون بأعمالكم وَ ذلِكَ البعث و الحساب عَلَى اللّه يَسِيرٌ لا مكان الموعود و كمال القدرة.

٨

فَآمِنُوا بِاللّه وَ رَسُولِهِ محمد تفريع على وجوب البعث وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا يعنى القران فانه باعجازه ظاهر الحقيقة بنفسه مظهر لغيره من الشرائع و الاحكام و الاخبار وَ اللّه بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مجاز عليكم.

٩

يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ الظرف لمضمون بما تعملون خبير يعنى مجازيكم فى ذلك اليوم او لقوله تعالى لتنبئون او مقدر باذكر قرا يعقوب نجمعكم بصيغة المتكلم لِيَوْمِ الْجَمْعِ يعنى يوم القيامة يجمع فيه الملائكة و الثقلان كلهم أولهم و آخرهم و اللام للتعليل و المعنى يجمعكم لاجل ما يكون فى يوم الجمع من الحساب و الجزاء ذلِكَ اليوم يَوْمُ التَّغابُنِ ط تفاعل من الغبن يغبن فيه بعضهم بعضا لنزول السعداء فى الجنة مكان الأشقياء لو كانوا سعداء و لا عطاء المظلوم من حسنات الظالم عوض مظلمته مستعار من تغابن التجار اللام فيه للعهد يعنى يوم التغابن الحقيقي دون التغابن الدنيوي اخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن جزير و الحاكم و صححه عن ابى هريرة قال يرثون اى المؤمنون مساكنهم و مساكن إخوانهم يعنى الأشقياء التي أعدت لهم لو أطاعوا اللّه

و اخرج سعيد بن منصور و ابن ماجة و ابن جرير و ابن المنذر و ابن ابى حاتم و ابن مردوية و البيهقي فى البعث بسند صحيح عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما منكم من أحد الا و له منزلان منزل فى الجنة و منزل فى النار فاذا مات فدخل النار ورث اهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون و فى الصحيحين من حديث انس ان العبد إذا وضع فى قبره أتاه ملكان فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل محمد صلى اللّه عليه و سلم فاما المؤمن فيقول اشهد انه عبد اللّه و رسوله فيقال له انظر الى مقعدك من النار قد أبدل اللّه به مقعدا من الجنة الحديث

و اخرج ابن ماجة عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من فرمن ميراث وارثه قطع اللّه ميراثه من الجنة و روى مسلم و الترمذي عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال أ تدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع قال ان المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلوة و صيام و زكوة و يأتي قد شتم هذا و قذف هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا فيعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته فان قنت حساته قبل ان يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم و طرحت عليه ثم طرح فى النار و روى البخاري عنه عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال من كان عنده مظلمة لاخيه فليحللّه منها فى الدنيا فانه ليس ثمه دينار و لا درهم ان كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته و ان لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه و فى حديث ابى هريرة مرفوعا عند الطبراني ما يوجد ثمه دوانق و لا قرار يط؟؟؟ و لكن حسنات هذا يدفع الى هذا الذي ظلمه و سيئات هذا الذي ظلمه يوضع عليه وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّه وَ يَعْمَلْ عملا صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ط قرا نافع و ابن عامر نكفر و ندخل بالنون على التكلم و الباقون بالياء التحتية على الغيبة و كذا فى سورة الطلاق يدخله ذلِكَ اى مجموع الامرين الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لانه جامع لدفع المضار و جلب المنفعة.

١٠

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ النار كان الآيتين بيان التغابن و تفصيل له ان تفصيل لغاية الجمع المفهوم من يوم الجمعة تقسيم له.

١١

ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ من زائدة و مصيبة فى محل الرفع فاعل أصاب يعنى ما أصاب مصيبة أحدا من الناس بشئ إِلَّا بِإِذْنِ اللّه ط اى بتقديره و إرادته وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّه و يصدق انه ما أصابه من مصيبة الا بإذن اللّه و يعلم ان ما أصابك لم يكن ليخطيك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك يَهْدِ اللّه قَلْبَهُ ط اى يوفقه للصبر و الرضا و التسليم عن ابن الديلمي قال أتيت ابى بن كعب فقلت له قد وقع فى نفسى شى ء من القدر فحدثنى لعل اللّه يذهبه من قلبى فقال ان اللّه لو عذب اهل سمواته و اهل ارضه عذبه و هو غير ظالم لهم و لو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم و لو أنفقت مثل أحد ذهبا فى سبيل اللّه ما قبله اللّه منك حتى تؤمن بالقدر و تعلم ان ما أصابك لم يكن ليخطيك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك و لو مت على غير هذا لدخلت النار ثم أتيت عبد اللّه بن مسعود فقال مثل ذلك قال ثم أتيت حذيفة بن اليماني فقال مثل ذلك ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثنى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم مثل ذلك رواه احمد و ابو داود و ابن ماجة وَ اللّه بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ حتى القلوب و أحوالها.

١٢

وَ أَطِيعُوا اللّه وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ ج عطف على قوله أمنوا باللّه و ما بينهما معترضات فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن طاعة اللّه و رسوله و الفاء للسببية فان تبلغ الأمر بالايمان و الطاعة سبب لقوله ان توليتم فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا محمد الْبَلاغُ الْمُبِينُ يعنى توليكم لا يضر محمدا شيئا إذ ليس الواجب عليه الا التبليغ و قد بلغ و ضرر التولي يعود عليكم.

١٣

اللّه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الجملة فى محل التعليل للامر بالايمان و الطاعة وَ عَلَى اللّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ عطف على أمنوا و أطيعوا او فيه التفات من الخطاب الى الغيبة تقديره أمنوا و أطيعوا اللّه و عليه فليتوكلوا قدم الظرف للحصر فان حصر الخير و الشر كما كان بتقديره وجب حصر التوكل عليه دون غيره و غير الأسلوب للدلالة على ان الايمان يقتضى التوكل لما ذكرنا هذا على تقدير كون الظرف متعلقا بما بعده و جواز تقديم الظرف على الفاء الجزائية لتوسع فى الظرف و الا فهو متعلق بفعل مقدر يفسره ما بعده و تقديره و ان كنتم متوكلين على أحد فتوكلوا على اللّه فليتوكل المؤمنون عليه فحينئذ تكرير الأمر بالتوكل تأكيد او اشعار بان الايمان يقتضى التوكل اخرج الترمذي و الحاكم و صححاه عن ابن عباس أن رجالا من اهل مكة اسلموا فابوا أزواجهم و أولادهم ان يدعوهم يعنى للّهجرة الى المدينة

قال البغوي منعهم أزواجهم و أولادهم و قالوا صبرنا على إسلامكم و لا نصبر على فراقكم فاطاعوهم فتركوا الهجرة فانزل اللّه تعالى.

١٤

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ حيث يشغلكم عن طاعة اللّه فَاحْذَرُوهُمْ ج و لا تامنهم غوايلهم و شرهم و لا تطيعوهم حتى تدعوا الهجرة قال ابن عباس فيما روى عنه الترمذي و الحاكم ثم انهم لما أتوا المدينة و قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم راوا الناس قد فقهوا فى الدين فهموا ان يعاقبوهم يعنى الأزواج و الأولاد و الذين ثبطوهم عن الهجرة فانزل اللّه تعالى وَ إِنْ تَعْفُوا منهم إذا اطلعتم على عداوة و لا تقاتلوهم بمثلها وَ تَصْفَحُوا اى تعرضوا عن التوبيخ وَ تَغْفِرُوا ذنوبهم و جملة ان تعفوا مع ما عطف عليه معطوفة على جملة ان من أزواجكم و أولادكم فَإِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ يعنى ان تعفوا و تغفروا يغفر اللّه لكم و يرحمكم اخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال نزلت سورة التغابن كلها بمكة الا هؤلاء الآيات يايها الذين أمنوا ان من أزواجكم و أولادكم نزلت فى عوف بن ملك الأشجعي كان ذا اهل و ولد و كان إذا زاد الغزو بكوا اليه و رققوه فقالوا الى من تدعنا فرق و يقيم فنزلت هذه الاية و بقية الآيات الى اخر السورة بالمدينة ينى؟؟؟ انهم اعداء لكم يحملكم على ترك الطاعة و الجهاد فاحذروهم ان تقبلوا منهم و ان تعفوا و تصفحوا و تغفروا فلا تعاقبوهم على خلافهم إياكم يغفر اللّه ان اللّه غفور رحيم.

١٥

َّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ يعنى ابتلاء من اللّه تعالى و اختبار لكم فمن ادى حقوق اللّه تعالى و حقوق الناس مع كثرة العلائق و العوائق بعثه اللّه تعالى على منازل الأبرار و كان أفضل ممن أذى بلا عوايق و من ثم راجع اهل السنة ان خواص البشر اعنى الأنبياء أفضل من خواص الملائكة و عوامهم اعنى الأولياء و الصلحاء أفضل من عوامهم إذ لا عايق للملائكة عن طاعة اللّه تعالى و من شغله الأموال و الأولاد عن طاعة اللّه تعالى و أداء الحقوق و بعثه على ارتكاب المعاصي و ناول الحرام رده اللّه الى أسفل السافلين اللّه عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ فاطلبوه و اثروا محبته على محبة الأموال و الأولاد و السعى لهم فائده ذكر اللّه سبحانه عداوة الأزواج و الأولاد و أورد هناك من التبعيضية لان بعض الأزواج و الأولاد ليسوا كذلك و لم يورد من التبعيضية فى كونهم فتنة و اختبارا لانها لا يخلو عن اشتغال القلب و قد ذكرنا فى سورة الجمعة فى حديث بريدة نزوله صلى اللّه عليه و سلم حين راى الحسن و الحسين يمشيان و يعثران و حمله إياهما و قوله صدق اللّه انما أموالكم و أولادكم فتنة اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال لما نزلت اتقوا اللّه حق تقاته اشتد على القوم العمل فقاموا حتى و رمت عراقيبهم و تفزحت جباههم فانزل اللّه تعالى تخفيفا للمسلمين.

١٦

فَاتَّقُوا اللّه مَا اسْتَطَعْتُمْ عطف على أمنوا و أطيعوا و الفاء للسببية فان الايمان سبب للتقوى يعنى ابذلوا فى تقواه جهدكم و طاقتكم وَ اسْمَعُوا مواعظه وَ أَطِيعُوا أوامره وَ أَنْفِقُوا أموالكم فى سبيله خالصة لوجهه خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ط منصوب بفعل مقدر يعنى افعلوا ما هو خير لانفسكم من اموال و أولاد فهو تأكيد للحث على امتثال ما سبق من الأوامر او منصوب على المفعولية بانفقوا الخير المال كما فى قوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خير الوصية او هو صفة لمصدر محذوف يعنى إنفاقا او خبر لكان المقدر جوابا للامر وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سبق تفسيره فى سورة الحشر.

١٧

إِنْ تُقْرِضُوا اللّه اما تقدير المضاف يعنى ان تقرضوا عباد اللّه و المراد به صرف المال فى طاعة اللّه و رجاء من اللّه تعالى الثواب و الجزاء قَرْضاً حَسَناً يعنى مقرونا بالإخلاص و طيب النفس بريا من الريا و السمعة و المن و الأذى منصوب على المصدرية يُضاعِفْهُ لَكُمْ اى يجعله لكم عشرا الى سبع مائة او اكثر قال اللّه تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل اللّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة ماية حبة و اللّه يضاعف لمن يشاء و اللّه واسع عليم قرا ابن كثير و ابن عامر و يعقوب يضعف من التفعيل و الباقون من المفاعلة وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ببركة الانفاق جملة ان تقرضوا تعليل الأمر بالاتفاق وَ اللّه شَكُورٌ يعطى الجزيل بالقليل حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة.

١٨

عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ يعنى لا يخفى عليه شى ء مما غاب عن الناس و ما يشاهدونه او ما هو موجود الان و ما وجد قبل ذلك و ما سيوجد و لم يوجد بعد الْعَزِيزُ الغالب تام القدرة و العلم الاخبار الخمسة محمولة على اسم اللّه تعالى و جاز ان يكون عالم الغيب و الشهادة خبر المبتدأ المحذوف اعنى هو الْحَكِيمُ.

﴿ ٠