سُورَةُ الطَّلَاقِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ اثْنَتَا عَشَرَةَ آيَةً

مدنية و هى اثنتا عشرة اية و فيها ركوعان بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الحاكم عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد ابو ركانة أم ركانة ثم نكح امرأة مزينة فجاءت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت يا رسول اللّه ما يغنى عنى الا ما يغنى هذه الشعرة فنزلت

_________________________________

١

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قال الذهبي الاسناد واه و الخبر خطاء و عبد يزيد لم يدرك الإسلام

و اخرج ابن ابى حاتم من طريق قتادة عن انس قال طلق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صفية فاتت أهلها فانزل اللّه تعالى هذه الاية فقيل لها راجعها فانها صوامة قوامة

و اخرج ابن جرير عن قتادة مرسلا و ابن المنذر عن ابن سيرين مرسلا

و اخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل فى هذه الاية قال بلغنا انها نزلت فى عبد اللّه بن عمرو بن العاص و طفيل بن عمرو بن سعيد بن العاص و اللّه تعالى اعلم قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ خص النداء بالنبي صلى اللّه عليه و سلم و عم الخطاب بالحكم لانه امام امة فندائه كندائهم او لان الكلام معه و الحكم يعمهم و قيل مجازة يا ايها النبي قل لامتك إذا طلقتم النساء اى أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له بمنزلة الشارع كما فى قوله تعالى إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و إذا قرأت القران فاستعذ باللّه فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قال الشافعية اللام بمعنى الوقت اى وقت عدتهن و أيده البغوي بانه كان ابن عباس و ابن عمر على ان الطلاق فى الحيض حرام لحديث ابن عمر انه طلق امرأته و هى حائض فى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذكر عمر لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فتغيظ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فان بدأ له ان يطلقها فليطلقها طاهرا قبل ان يمسها فتلك العدة التي أمرها اللّه ان يطلق بها النساء متفق عليه

قال البغوي نزلت هذه الاية فى هذه القصة يعنى طلاق ابن عمر امرأته فى الحيض فيظهر بذلك ان العدة بالاطهار دون الحيضات و المراد بالقروء فى العدة الاطهار و قالت الحنفية اللام للوقت بمعنى فى غير معهود فى الاستعمال و سيلزم ذلك تقديم العدة الطلاق او مقارنته لاقتضائه وقوعه فى وقته بل اللام هاهنا للعاقبة على طريقة لدو للموت و ابنوا للخراب يعنى طلقوهن حتى تعقبه العدة او اللام صلة لمحذوف و التقدير طلقوهن مستقبلات لعدتهن يقال فى التاريخ بإجماع اهل العربية خرجت لثلث يقين من رمضان و فى حديث ابن عمر المذكور فى رواية مسلم انه صلى اللّه تعالى عليه و سلم تلى إذا طلقتم النساء فيطلقوهن لقبل عدتهن و معنى قراءة ابن عباس و ابن عمرو طلقوهن فى قبل عدتهن اى فى استقبال عدتهن فظهر ان العدة بالحيضات دون الاطهار و قد مر الخلاف فى مسئلة العدة بالحيضات او الاطهار و مسئلة حرمة الطلاق فى الحيض فى سورة البقر (مسئله) اجمع العلماء ايضا على ان الطلاق فى الطهر الذي جامعها فيه حرام ايضا لقوله صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم فيطلقها طاهرا قبل ان يمس و على انه لا يحرم طلاق امرأة حائض لم يدخل بها و لاطلاق صغيرة لم تحض و لا آيسة بعد ما جامعها لان الحرمة لتطويل العدة و لا عدة على غير المدخول بها و عدة الصغيرة و الآئسة بالأشهر و ذا لا يمتد بالطلاق بعد الجماع ايضا وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ يعنى اضبطوها بالحفظ و امكثوها ثلثة قروء كوامل لئلا يقع الرجعة بعد العدة او التزوج بزوج اخر قبل انقضاء العدة و كل ذلك لا يجوز وَ اتَّقُوا اللّه رَبَّكُمْ ج فى تطويل العدة و الإضرار بهن لا تُخْرِجُوهُنَّ اى المطلقات رجعيات كن او بوائن مِنْ بُيُوتِهِنَّ اى من مساكنهن فى وقت الطلاق و هى بيوت الأزواج حتى تنقضى عدتهن وَ لا يَخْرُجْنَ باختيارهن و من هذه الاية يثبت انه لا يجوز للمطلقة مطلقا رجعية كانت او بائنة الخروج من بيت الزوج ليلا و نهارا الا بضرورة فان الضرورة مستثناة فى العبادات و هى تبيح المحذورات و الضرورة مثل انهدام البيت او خوف السرقة او عدم وجدان كراء البيت او ضيق المنزل عليهما او كون الزوج فاسقا و الطلاق بائنا و لم يكن هناك قادر على حيلولة او نحو ذلك و قال احمد يجوز للمطلقة البائنة ان تخرج من بيتها فى حوايجها نهارا و عن الشافعي كالمذهبين

قال البغوي ان كانت لها حاجة من بيع غزل او شراء قطن او نحو ذلك يجوز لها الخروج نهارا و لا يجوز ليلا اجماعا احتجوا بحديث جابر قال طلقت خالته فارادت ان تجد نخلها فزجرها رجل ان تخرج فاتت النبي صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم فقال بلى تجدى نخلك فانه عسى ان تصدقى او تفعلى معروفا رواه مسلم قال ابو حنيفة حديث الآحاد لا يعارض الاية القطعية غير انها تخرج فى ضرورة ملجئة اجماعا (مسئله) إذا لزمت العدة فى السفر فى غير موضع الاقامة ان لم يكن بينها و بين مصرها الذي خرجت منه مسيرة سفر رجعت و ان كانت تلك فى كل جانب خيرت بين الرجوع و التوجه الى القصد سواء كان معها ولى او لا و الرجوع اولى ليكون الاعتداء فى منزل الزوج و قيل يختار أقربها و ان كانت هاهنا و بين مصرعا مسيرة سفر و بينها و بين المقصد اقل يتوجه الى المقصد و ان كانت فى موضع الاقامة تعتد ثمه عند ابى حنيفة رحمه اللّه تعالى و عند ابى يوسف رح و محمد رح ان كان معها ولى جاز له الرجوع الى الوطن و المسير الى المقصد على التفصيل المذكور (مسئله) يجوز للمتوفى عنها زوجها فى العدة الخروج من بيت زوجها نهارا و لا يجوز ليلا و قال الشافعي يجوز مطلقا و قد مر المسألة فى سورة البقر

قال البغوي ان رجالا استشهدوا بأحد فقالت نسائهم نستوحش فى بيوتنا فاذن لهن النبي صلى اللّه عليه و سلم ان يتحدثن عند إحداهن فاذا كانت وقت النوم تلوى كل امرأة الى بيتها و ذكر فى سورة البقر حديث اخت ابى سعيد الخدري قال لها النبي صلى اللّه عليه و سلم فى عدة وفاة زوجها امكثى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب اجله إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ط استثناء مفرغ فى محل الظرف اى لا تخرجوهن فى وقت من الأوقات الا وقت ان يأتين قال ابن عمرو السدى و ابراهيم النخعي يجوز للفاحشة خروجها من بيتها قبل انقضاء العدة و به أخذ ابو حنيفة رح قال ابن همام هذا أبدع و اغرب يقال فى الخطابيات لا تزنى الا ان تكونى فاحشة و لا تشتم انك الا ان تكون قاطع رحم و نحوه و على هذا التأويل استثناء من الثاني و قال ابن مسعود الفاحشة الزنا فتخرج لاقامة الحد عليها ثم ترد الى منزلها و به أخذ ابو يوسف قال ابن همام و هذا اظهر من جهة وضع اللفظ لان إلا غاية و الشي ء لا يكون غاية لنفسه و قال ابن عباس الفاحشة المبينة ان تبذوا على اهل زوجها فيحل إخراجها و كذا قال قتادة ان معناه ان يطلقها على نشوزها و على هذين التأويلين استثناء من الاول يعنى لا تخرجوهن وَ تِلْكَ الاحكام المذكورة حُدُودُ اللّه وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّه فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بان عرضها للعقاب لا تَدْرِي ايها الخاطب و جملة لَعَلَّ اللّه يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فى تاويل المفرد مفعول للاتدرى اى لا تدرى حدوث امر بعد ذلك تعليل لقوله احصوا العدة و لا تخرجوهن و المعنى لعل اللّه يحدث بعد بغضها و ارادة فراقها و الرغبة عنها فى قلب زوجها محبتها و الرغبة فيها فتندمون على الطلاق و تريدون الرجعة.

﴿ ١