سُورَةُ التَّحْريِمِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ اثْنَتَا عَشَرَةَ آيَةً مدنية و هى اثنتا عشرة اية و فيها ركوعان بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فى الصحيحين عن عطاء انه سمع عبيد بن عمير يقول سمعت عائشة تقول ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يمكث عند زينب بنت جحش يشرب عندها عسلا فتواحيت انا و حفصة ان ايّتنا دخل علينا النبي صلى اللّه عليه و سلم فليقل انى أجد منك ريح مغافير فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال لا بأس شربت عسلا عند زينب بنت حجش و لن أعود له فنزلت _________________________________ ١ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّه لَكَ ج الاية يعنى العسل و الاستفهام للانكار يعنى لا ينبغى ان تحرم الحلال و فى رواية للبخارى عن عطاء بإسناده قال لا و لكن كنت اشرب عسلا عند زينب بنت جحش و قد حلفت لا تخبري بذلك أحدا يعنى بذلك مرضاة أزواجه و اخرج الطبراني و ابن مردوية من طريق ابن ابى مليكة بسند صحيح عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يشرب عند سودة العسل فيدخل على عائشة قالت انى أجد منك ريح مغافير ثم دخل على حفصة فقالت مثل ذلك فقال أراه من شراب شربته عند سودة و اللّه لا اشربه فنزلت الاية قال الحافظ ابن الحجر فى شرح البخاري الراجح ان صاحة العسل زينب لا سودة لان طريق عبيد بن عميرا ثبت من طريق ابن ابى مليكة بكثير و يرجحه ايضا ما روى البخاري عن عائشة ان نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كن حزبين فخرب فيه عائشة و حفصة و صفية و سودة و الحزب الاخر أم سلمة و سائر نساء النبي صلى اللّه عليه و سلم فهذا يرجح ان زينب هى صاحبة العسل و لهذا عارت عائشة منها لكونها من غير حزبها- (فائده) و قد ورد فى صحيح البخاري من حديث عروة عن عائشة ان صاحبة العسل حفصة و ذلك انها قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحب الحلواء و العسل و كان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن فدخل على حفصة فاحتبس عندها اكثر مما كان يحتبس فسالت عن ذلك فقيل لى أهدت امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منه شربة فقلت اما و اللّه لنحتالن له فذكرت ذلك لسودة و قلت إذا دخل عليك فانه سيدنو منك فقولى يا رسول اللّه أكلت مغافير فيقول لا فقولى ما هذه الريح و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يشتد عليه ان يوجد منه الريح فانه سيقول سقتنى حفصة شربة عسل قولى له يا رسول اللّه جرست نحله العرفط و ساقول ذلك و قوليه أنت يا صفية فلما دخل على سودة قالت و اللّه الذي لا اله الا هو لقد كدت ان أناديه بالذي قلت لى و انه على الباب فرقا منك فلما دنى عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالت يا رسول اللّه أكلت مغافير قال لا قالت فما بال هذا الريح قال سقتنى حفصة شربة عسل قالت جرست نحله العرفط فدخل على فقلت له مثل ذلك فدخل على صفية فقالت له مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت يا رسول اللّه الا أسقيك منه قال لا حاجة لى به قالت يعنى عائشة تقول سودة سبحان اللّه لقد حرمناه قالت يعنى عائشة قلت لها اسكتي قال الحافظ ابن حجر و طريق الجمع بين هذا الحديث الدال على ان صاحبة العسل حفصة و بين ما سبق انها زينب الحمل على تعدد الوقعة فلا يمتنع تعدد السبب لامر واحد فان صح الى الترجيح فرواية عبيد بن عمير اثبت لموافقة ابن عباس لها على ان المتظاهرتين حفصة و عائشة فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرره فى المظاهر بعائشة لكن يمكن تعدد القصة فى شرب العسل و تحريمه و اختصاص النزول بالقصة التي فيها ان عائشة و حفصة هما متظاهرتان و يمكن القصة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة و يؤيد هذا الحمل انه لم يقع فى طريق هشام بن عروة التي فيها شرب العسل كان عند حفصة تعرض الاية و لا لذكر سبب النزول قال القرطبي الرواية التي فيها ان المتظاهرتان عائشة و حفصة و سودة ليست بصحيحة لانها مخالفة التلاوة بمجيئها بخطاب الاثنين دون خطاب جمع المؤنث فالتوفيق ما ذكرنا ان قصة شرب العسل عند حفصة كانت سابقة فلما قيل له ما قيل ترك الشرب من غير تصريح بتحريم و لم ينزل فى ذلك شى ء ثم لما شرب فى بيت زينب تظاهرت عائشة و حفصة على ذلك القول حرم العسل فنزلت الاية و اخرج ابن سعد عن عبد اللّه بن رافع قال سالت أم سلمة عن هذه الاية قالت كان عندى عكة من العسل ابيض فكان النبي صلى اللّه عليه و سلم يلعق منها و كان يحبه و قالت عائشة نحلها تجرس عرفظا فحرمها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت الاية كذا اخرج الطبري و رفع فى تفسير السدى قال الحافظ ابن حجر هذا مرجوح لارساله و شذوذه و قال اكثر المفسرين ان الاية نزلت فى تحريم مارية ذكر البغوي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يقسم بين نسائه فلما كانت يوم حفصة استأذنت زيارة أبيها فاذن له فلما خرجت أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى جاريته مارية القبطية فادخلها بيت حفصة فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و وجهه يقطر عرقا و حفصة تبكى فقال ما يبكيك فقالت انما أذنت لى من أجل هذا فدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها فى يومى و على فراشى اما رأيت لى حرمة و حقا ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ ليس هى جاريتى أحلها اللّه لى اسكتي فهى حرام علىّ التمس بذلك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن فلما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قرعت حفصة الجدار التي بينها و بين عائشة فقالت الا أبشرك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد حرّم عليه أمته مارية و قدارا حنا اللّه منها و أخبرت عائشة بما رأت و كانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم فغضبت عائشة فلم يزل نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى حلف ان لا يقربها فانزل اللّه عز و جل هذه الاية و اخرج البزاز بسند صحيح عن ابن عباس قال نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ الاية فى سرية روى ابن الجوزي فى التحقيق بسنده عن ابن عباس قال كانت حفصة و عائشة متحابتين فذهبت حفصة الى أبيها تحدث عنده فارسل النبي صلى اللّه عليه و سلم الى جارية فظلت معه فى بيت فرجعت حفصة فوجدتها فى بيتها فخرجت الجارية و دخلت حفصة و قالت قد رايت من كان عندك و اللّه لقد سويتنى فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لارضيك و انى اسر إليك سرا فاحفظه قالت ما هو قال أشهدك ان سريتى هذه علىّ حرام رضى لك فانزل اللّه هذه الاية و اخرج الحاكم و النسائي بسند صحيح عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كانت له امة يطأ فلم تزل به حفصة حتى جعلها على نفسه حراما فانزل اللّه هذه الاية و اخرج فى المختار من حديث ابن عمر عن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحفصة لا تخبري أحدا ان أم ابراهيم على حرام فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فانزل اللّه قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم و اخرج الطبراني بسند ضعيف من حديث ابى هريرة قال دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بما رية سرية بيت حفضة فجاءت فوجدتها معه فقالت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى بيتي دون بيوت نسائك فقال فانها علىّ حرام ان أمسها يا حفصة و اكتمي هذا علىّ فخرجت حتى أتت عائشة فاخبرتها فانزل اللّه يايها النبي لم تحرم الآيات فهذه الأحاديث تدل على ان الآيات فى تحريمه عليه الصلاة و السلام على نفسه مارية القبطية على خلاف ما سبق من الأحاديث قال الحافظ ابن حجر يحتمل ان الاية نزلت فى السببين معا و يدل على هذا التوفيق ما وقع فى رواية يزيد ابن رومان عن عائشة عند ابن مردوية و فيه ان حفصة أهديت لها عكة فيها عسل و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا دخل عليها حبسته حتى يلعقه او يستقيه منها فقالت عائشة بجارية لها حبشية يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فانظرى ما يصنع فاخبرتها الجارية بشان العسل فارسلت الى صواجها؟؟؟ فقالت إذا دخل عليكن فقلن انا نجد منك ريح مغافير فقال هو عسل و اللّه لا أطعمه ابدا فلما كان يوم حفصة استأذنته ان تأتي أباها فاذن لها فذهبت فارسل الى جارية فادخلها بيت حفصة قالت فرجعت حفصة فوجدت الباب مظقا فخرج و وجهه يقطر و حفصة تبكى و عاينته فقال أشهدك انها علىّ حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة و هى عندك امانة فلما خرج قرعت الجدار الذي بينها و بين عائشة فقالت أبشرك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد حرم أمته قلت هذا الحديث يوجب الجمع بين قصة مارية و قصة شرب العسل عند حفصة قبل ذلك و لعل الراوي جمع فى الرواية قصة شرب العسل عند حفصة و قصة تحريم مارية و ترك ما بين ذلك من قصة شرب العسل عند زينب و تحريم العسل قال الحافظ ابن حجر و الراجح من الأقوال كلها فى سبب نزول الاية قصة مارية لاختصاص عائشة و حفصة بها بخلاف العسل فانه اجتمع فيه جماعة منهن يعنى سودة و صفية مع عائشة رض كما مرو اللّه تعالى اعلم تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ تفسير للتحريم او حال من فاعله او استيناف ببيان الداعي اليه وَ اللّه غَفُورٌ لك هذه الزلة فانه لا ينبغى تحريم ما أحل اللّه بالحلف رَحِيمٌ رحمك فجعل لك مخرجا من التحريم و لم يواخذك به و عاتبك محاماة لك عمالا ينبغى. ٢ قَدْ فَرَضَ اللّه اى شرع لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ اى تحليل ما حرم باليمين او حل عقدة اليمين او المعنى أوجب عليكم ان تكفروا الايمان إذا حنثتم و الكفارة هى ما تحل به اليمين اى يرفع اثم نقضة فان قيل صلة الوجوب تكون كلمة على دون اللام قلنا لما كان وجوب الكفارة جالبا لمنفعة الحل و رفع الإثم أورد كلمة اللام موضع على و الكفارة ما ذكرت فى سورة المائدة وَ اللّه مَوْلاكُمْ ج اى وليكم و ناصركم الجملة حال من فاعل فرض او مستانفة وَ هُوَ الْعَلِيمُ بما يصلحكم الْحَكِيمُ المتقن فى أفعاله و أحكامه اختلفوا فى انه صلى اللّه عليه و سلم هل كفر أم لا فقال مقاتل أعتق رقبة فى تحريم مارية و قال الحسن لم يكفر لانه مغفور له و الصحيح عندى قول مقاتل فان قوله تعالى قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم بعد قوله لم تحرم دليل واضح على افتراض الكفارة على النبي صلى اللّه عليه و سلم بالتحريم المذكورة و كونه مغفورا له لا ينافى وجوب الكفارة كما لا ينافى وجوب سجود السهو و غيرها و ايضا قول مقاتل شهادة على الإثبات فتقبل بخلاف قول الحسن و يؤيد قول المقاتل قول ابن عباس لقد كان لكم فى رسول اللّه أسوة حسنة و اخرج الحارث ابن ابى اسامة فى مسنده عن عائشة رض قالت لما حلف ابو بكر ان لا ينفق على مسطح انزل اللّه تعالى قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم متفق عليه و هذا غريب جدا فى سبب نزولها (مسئلة:) من قال حرمت على نفسى أمتي هذه او طعامى هذا او طعاما كذا يكون يمينا عند ابى حنيفة و احمد و الأوزاعي و هو المروي عن ابى بكر و عائشة رض و الحجة لهذا القول هذه الاية حيث قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّه لَكَ ... قَدْ فَرَضَ اللّه لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ حيث جعل تحريم الحلال يمينا و قال البغوي أخبرنا عن سعيد بن جبير ان ابن عباس قال فى الحرام يكفر لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ و قال الشافعي ره تحريم الحلال ليس بيمين لكن فى صورة تحريم الامة عليه كفارة اليمين بنفس اللفظ لا بالحنث و فى صورة تحريم الطعام لا شى ء عليه و ان قال لزوجته أنت علىّ حرام او حرمتك فان نوى طلاقا فهو طلاق و ان نوى به ظهارا فهو ظهار و ان نوى التحريم و أتتها او اطلق فعليه كفارة اليمين عند الشافعي رح و عند ابى حنيفة هو إيلاء يكفر بعد الفي ء قال البيضاوي و الاحتجاج بهذه الاية على كون التحريم مطلقا او تحريم المرأة يمينا ضعيف إذ لا يلزم من وجوب كفارة اليمين فيه كونه يمينا مع احتمال انه صلى اللّه عليه و سلم اتى بلفظ اليمين و قول البيضاوي هذا لا يخفى ضعفه فان اللّه سبحانه ذكر من النبي صلى اللّه عليه و سلم التحريم مطلقا و من غير ذكر الحلف و من غير تخصيص التحريم بالمرأة ثم سماه يمينا حيث قال قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم فهو دليل واضح على كون التحريم نفسه يمينا و اللّه تعالى اعلم. ٣ وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ كما فى حديث عمر متعلق باذكر إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ يعنى حفصة حَدِيثاً ج هو تحريم العسل كما ورد فى الصحيحين فى حديث عبيد بن عمير عن عائشة رض فى اخر الحديث المذكور أولا و إذا سرّ النّبىّ الى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا او تحريم أمته مارية و هو الأرجح عند اهل التفسير و اللّه اعلم بالحكمة فى الاسرار يظهر الحكمة فى الاسرار فيما رواه ابن سعد من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه قال خرجت حفصة من بيتها يوم عائشة فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بجارية القبطية بيت حفصة فجاءت فرقبته حتى خرجت الجارية فقالت له اما انى قد رأيت ما صنعت قال فاكتمى علىّ و هى حرام فانطلقت حفصة الى عائشة فقالت اما يومى؟؟؟ فتعرس فيه بالقبطية و تسلم لنسائك ساير ايامهن فنزلت الاية فانه يعلم من هذا الحديث ان الاسرار كان لئلا تغضب عائشة بتعريسه صلى اللّه عليه و سلم بالقبطية فى يومها و قال سعد بن جبير عن ابن عباس اسرار الخلافة بعده فحدثت به حفصة قال الكلبي اسر إليها ان أباك و أبا عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي اخرج الواحدي عن ابن عباس قال و اللّه ان امارة ابى بكر و عمر لفى كتاب اللّه تعالى قال اللّه تعالى وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً قال لحفصة أبوك و ابو عائشة اولياء الناس بعدي ماياك ان تخبري به أحدا و له طرق و كذا روى عن على و ميمون بن مهران و حبيب بن ثابت و عن الضحاك و مجاهد و قال ميمون بن مهران أسر أن أبا بكر خليفتى من بعدي فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ الضمير راجع الى بعض أزواجه يعنى أخبرت بذلك اسر حفصة عائشة وَ أَظْهَرَهُ اللّه عَلَيْهِ اى اطلع اللّه نبيّه على افشائها سره فيه دليل على ان عائشة لما غضبت بتعريسه صلى اللّه عليه و سلم بالقبطية لم يقل ان حفصة أطلقتني على هذا الأمر حتى اطلعه اللّه ان حفصة افشأت سره عَرَّفَ بَعْضَهُ قرأ الكسائي بتخفيف الراء جازاه على الفعل الذي فعلت من افشاء السر من قول القائل لمن أساء اليه لاعرفن لك ما فعلت اى لأجازينك عليه و جاز إهابه عليه بان طلقها فلما بلغ ذلك عمر قال لو كان فى ال الخطاب خير لما طلقك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجاء جبرئيل و ابره لمراجعتها و اعتزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نساءه شهرا و قعد فى مشربة أم ابراهيم مارية رض حتى نزلت اية التخيير كذا قال البغوي و قال مقاتل بن حيان لم يطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حفصة و انما هم بطلاقها فاتاه جبرئيل فقال لا تطلقها فانها صوامة قوامة و انها من نسائك فى الجنة فلم يطلقها و قرا الجمهور عرف بالتشديد اى أخبر حفصة ببعض ما قالت بعائشة من سره صلى اللّه عليه و سلم وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ج يعنى لم يخبرها به قال الحسن ما استقصى كريم قط قال اللّه تعالى عرف بعضه و اعرض عن بعض و ذلك ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما راى الكراهة فى وجه حفصة لاجل تعريسه صلى اللّه عليه و سلم بالقبطية فى بيتها على فراشها أراد ان يرضيها فاسر إليها الشيئين تحريم الامة على نفسه و بشرها بان الخلافة بعده فى ابى بكر و أبيها عمر فاخبرت به حفصة عائشة و اطلع اللّه عليه نبيه صلى اللّه عليه و سلم عرف حفصة ببعض ما أضمرت به عائشة و هى تحريم الامة و اعرض عن بعض يعنى ذكر الخلافة كره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ينتشر ذلك فى الناس و اخرج ابن مردوية من طريق الضحاك عن ابن عباس قال لما دخلت حفصة على النبي صلى اللّه عليه و سلم بيتها فوجدت معه مارية فقال لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة ان أباك يلى هذا الأمر بعد ابى بكر إذا اقامت فذهبت الى عائشة فاخبرتها فقالت له عائشة ذلك و التمست منه ان يحرم مارية محرمها ثم جاء الى حفصة فقال امرتك ان لا تخبري عائشة فاخبرتها فعاتبها و لم يعاتبها على امر الخلافة فلذا قال اللّه تعالى عرف بعضه و اعرض عن بعض و اخرج الطبراني فى الأوسط و فى عشرة النساء عن ابى هريرة نحوه بتمامها و فى كل منهما ضعف فَلَمَّا نَبَّأَها يعنى اخبر النبي صلى اللّه عليه و سلم حفصة بِهِ اى بما أظهره اللّه عليه من افشائها سره هذه الاية يناسب قراءة الجمهور عرف بالتشديد فانه بمعنى الانباء لكنها لا ينفى قراءة الكسائي بالتخفيف لتحقق الاخبار و المحاذات جمعا و لا منافات بينهما قالَتْ حفصة مَنْ أَنْبَأَكَ هذا ط اى افشاي سرك قالَ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ٤ إِنْ تَتُوبا يعنى عائشة و حفصة فيه التفات من الغيبة الى الخطاب للمبالغة فى المعاتبة و روى فى الصحيحين فى حديث عبيد بن عمير عن عائشة فى اخر الحديث المذكور فى أول السورة قوله ان تتوبا الى اللّه لعائشة و حفصة يعنى تتوبا. إِلَى اللّه من التعاون على النبي صلى اللّه عليه و سلم و افشاء سره و جزاء الشرط محذوف اى أتيتما بالواجب أقيم علة مقامه حيث قال فَقَدْ صَغَتْ اى زاغت و مالت قُلُوبُكُما عن الاستقامة على طريق الحق حيث رضيتما بما كره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من تحريم امة و افشاء سره و الواجب على كل واحد ان يحب ما يحبه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يكره ما يكرهه اطلق القلوب على القلبين و لم يقل قلبا كما استثقالا للجمع بين التثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة و الفاء لتعليل الجزاء فان زيغ القلوب سبب للمعصية و المعصية سبب لوجوب التوبة روى البخاري و غيره عن ابن عباس قال قال لم ازل حريصا على ان أسال عمر بن الخطاب عن المرأتين من ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم التي قال اللّه تعالى ان تتوبا الى اللّه فقد صغت قلوبكما حتى حج و حججت معه و عدل و عدلت معه باداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فقلت له يا امير المؤمنين من المرأتان من ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم اللتان قال اللّه تعالى ان تتوبا الى اللّه فقد صغت قلوبكما قال وا عجبا لك يا ابن عباس هما عائشة و حفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه قال كنت أنا و رجال من الأنصار من بنى امية بن زيد و هم من عوالى المدينة و كنا نتناوب النزول على النبي صلى اللّه عليه و سلم فينزل يوما و انزل يوما فاذا نزلت حدثته مما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحى او غيره و إذا انزل فعل مثله و كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نسائهم فطفق نساؤنا يأخذن من ادب نساء الأنصار فصحت على امرأتى فراجعتنى فانكرت ان تراجعنى قالت و لم تنكران أراجعك فو اللّه ان ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم ليراجعته و ان إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فافزعنى ذلك و قلت قد خابت من فعلت ذلك فيهن ثم جمعت على ثيابى فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها اى حفصة أ تغاضب أحد يكن النبي صلى اللّه عليه و سلم اليوم حتى الليل قالت نعم فقلت قد خبت و خسرت أ فتأمنين ان يغضب اللّه بغضب رسوله فتهلكى لا تستكثرى على النبي صلى اللّه عليه و سلم و لا تراجعيه فى شى و لا تهجريه و سلينى ما بدا لك و لا يغيرنك ان كانت جارتك اوضأ منك و أحب الى النبي صلى اللّه عليه و سلم يريد عائشة رض قال عمر و كنا نتحدثان ان غسان تنعل الخيل لتغزونا فنزل صاحبى الأنصار يوم توبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابى ضربا شديدا فقال إثمه هو ففزعت فخرجت اليه فقال قد حدث اليوم امر عظيم قلت ما هو أجاء غسان قال لابل أعظم من ذلك و أطول طلق النبي صلى اللّه عليه و سلم نسائه فقلت خابت حفصة و خسرت قد كنت أظن ان هذا يوشك ان يكون فجمعت على ثيابى فصليت صلوة الفجر مع النبي صلى اللّه عليه و سلم فدخل النبي صلى اللّه عليه و سلم مشربة له فاعتزل فيها و دخلت على حفصة فاذا هى تبكى فقلت ما يبكيك الم أكن حذرتك هذا طلقكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالت لا أدرى ما هو ذا معتزل فى المشربة فخرجت فجئت الى المنبر فاذا حوله رهط يبكى بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبنى ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى اللّه عليه و سلم فقلت لغلام له استاذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي صلى اللّه عليه و سلم ثم رجع فقال كلمت البنى صلى اللّه عليه و سلم فذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذي عند المنبر ثم غلبنى ما أجد فقلت الغلام استاذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي صلى اللّه عليه و سلم ثم رجع فقال كلمت النبي صلى اللّه عليه و سلم فذكرتك له فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذي عند المنبر ثم غلبنى ما أجد فجئت الغلام فقلت استاذن لعمر فدخل ثم رجع الى فقال ذكرت له فصمت فلما وليت منصرفا فاذا الغلام يدعونى فقال قد اذن لك النبي صلى اللّه عليه و سلم فدخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاذا مضطجع على رمال حصير ليس بينه و بينه فراش قد اثر الرمال فى جنبه متكيا على و سادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت و انا قايم يا رسول اللّه أطلقت نساءك فرفع الىّ بصره فقال لا اللّه اكبر ثمّ قلت و انا قائم استانس برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو رايتنى و كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساءهم فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم قلت يا رسول اللّه لو رايتنى و دخلت على حفصة فقلت لها لا يغيرنك ان جارتك اوضاء منك و أحب الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يريد عائشة فتبسم النبي صلى اللّه عليه و سلم تبسمته اخرى فجلست حين رأيته يتبسم فرفعت بصرى فى بيته فو اللّه ما رايت فيه شيا يرد البصر غير اهبة ثلثة فقلت يا رسول اللّه ادع اللّه فليتوسع على أمتك فان فارس و الروم قد وسع عليهم و اعطوا من الدنيا و هم لا يعبدون اللّه فجلس النبي صلى اللّه عليه و سلم و كان متكيا فقال او فى هذا أنت يا ابن الخطاب ان أولئك قوم عجلوا طيباتهم فى الحيوة الدنيا فقلت يا رسول اللّه استغفر لى فاعتزل النبي صلى اللّه عليه و سلم لنسائه من أجل ذلك الحديث حين افشته حفصة الى عائشة تسعا و عشرين ليلة و كان قال ما انا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدة عليهن حين عاتبه اللّه فما مضت تسع و عشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة يا رسول اللّه انك كنت أقسمت ان لا تدخل علينا شهرا و انما أصبحت من تسع و عشرين ليلة أعدها عدا فقال الشهر تسع و عشرون و كان ذلك الشهر تسعا و عشرين ليلة قالت ثم انزل اللّه اية التخيير فبدأ بي؟؟؟ أول مرة من نسائه فاخترته ثم خير نسائه كلهن فقلن ما قالت عائشة رض و روى البخاري عن عائشة رض ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لها انى ذاكر لك امرا فلا عليك ان تستعجلى حتى تستامرى أبويك و قد علم ان أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال ان اللّه قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ الى تمام الآيتين فقلت اوفى هذا استامر أبوي فانى أريد اللّه و رسوله و الدار الاخرة هذا الحديث يدل على ان سبب اعتزال النبي صلى اللّه عليه و سلم نسائه الشهر كان افشاء حفصة سرها الى عائشة و ما أخرجه مسلم عن جابر انه دخل ابو بكر رض يستاذن على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوجد الناس جلوسا بباب البنى صلى اللّه عليه و سلم لم يوذن لاحد منهم فاذن لابى بكر فدخل ثم جاء عمر فاستاذن فاذن له فوجد النبي صلى اللّه عليه و سلم جالسا و حوله نساءه واجما ساكتا قال فقال عمر لا قولن شيئا اضحك البنى صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه لو رايت بيت خارجة سالتنى النفقة إليها فوجأت عنقها فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال هن حولى كما ترى تسالنى النفقة فقام ابو بكر الى عائشة يجأ عنقها و قام عمر الى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقولان لا تسالين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابدا ما ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا او تسعا و عشرين ليلة ثم نزلت اية التخيير فبدا؟؟؟ بعائشة الحديث قال الحافظ ابن حجر و يحتمل ان يكون مجموع هذه الأشياء يعنى قصة عسل و قصة مارية و افشاء حفصة السر و قصة سوال النفقة و قصة رد زينب الهدية ثلثا و زيادة النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هديتها كل مرة كما رواه ابن سعد من طريق عمرة و من طريق عروة عن عائشة كان سببا لاعتزالهن و هذا هو اللائق بمكارم أخلاقه صلى اللّه عليه و سلم و سعة صدره و كثرة صفحه ان ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن و رضى عنهن صلى اللّه عليه و سلم و اللّه اعلم وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ قرأ الكوفيون بتخفيف الظاء بحذف أحد التاءين و الباقون بالتشديد و ادغام أحد التاءين فى الظاء و أصله تظاهرا اى تتعاونا على البنى صلى اللّه عليه و سلم بما يسويه من الافراط فى الخيرة و افشاء سره و لم تتوبا و هذا شرط حذف جزائه اعنى لا تظفرا عليه فَإِنَّ اللّه يعنى لان اللّه علة لعدم الظفر هُوَ ضمير فصل مَوْلاهُ ناصره وَ جِبْرِيلُ رئيس الكروبين قرينه و ناصره وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ج صالح صيغة المفرد أريد به الجنس و لذلك عم بالاضافة او صيغة جمع أسقط عنه الواو لالتقاء الساكنين و خطا ايضا باتباع اللفظ يعنى من صلح من المؤمنين أجمعين اتباعه و أعوانه و حواليه قال الكلبي هم الذين هم مخلصون ليسوا بمنافقين و روى عن ابن مسعود و ابى بن كعب ان صالحوا المؤمنين ابو بكر و عمر و كذا روى ابن مسعود و ابو امامة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و عن ابن عمرو ابن عباس و سعيد بن جبير انها نزلت فى ابى بكر و عمر قوله جبريل و صالح المؤمنين اما معطوف على اللّه مرفوع حملا على محله و اما مبتداء خبره مع ما عطف عليه ظهير و هذا اولى لان اللّه وحده كفى به ناصرا و انما ذكر جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة من جملة ما ينصره اليه به تعظيما لهؤلاء و خص جبرئيل من الملائكة لتعظيمه وَ الْمَلائِكَةُ مع كثرتهم بَعْدَ ذلِكَ اى بعد نصرة اللّه و جبرئيل و صالح المؤمنين ظَهِيرٌ اى متظاهرون قال البغوي هذا من الواحد الذي يودى من الجمع كقوله تعالى وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً و هذه الاية تدل على ان جبرئيل الذي هو من خواص الملائكة أفضل من عوام البشر و هم صالح المؤمنين أفضل من عوام الملائكة روى البخاري عن عمر بن الخطاب قال لما اعتزل البنى صلى اللّه عليه و سلم نسائه و ذكر الحديث و قال دخلت عليه و قلت يا رسول اللّه ما يشق عليك من شان النساء فان كنت طلقتهن فان اللّه معك و الملائكة و جبرئيل و ميكائيل و ابو بكر و المؤمنون معك و قلما تكلمت و احمد اللّه بكلام الا رجوت ان يكون اللّه يصدق قولى الذي أقول فنزلت. ٥ عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ خيرا منكن الجملة جواب الشرط قرا نافع و ابو عمر و يبد له بالتشديد و الباقون بالتخفيف أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ على التغليب فان الخطاب مع حفصة و عائشة او على تعميم الخطاب و ليس فى الاية ما يدل على انه لم يطلق حفصة و ان فى النساء خيرا منهن لان تعليق طلاق الكل لا ينافى تطليق واحدة و المعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه قال البغوي هذا اخبار عن القدرة لا عن الكون مُسْلِماتٍ خاضعات للّه تعالى مُؤْمِناتٍ مصدقات للرسل قانِتاتٍ مواظبات على الطاعة او مصليات او داعيات تائِباتٍ عن الذنوب او راجعات الى اللّه تعالى و الى امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عابِداتٍ متعبدات للّه تعالى او متذللات لامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سائِحاتٍ صائمات سمى الصائم سائحا لان السائح لا زاد معه فلا يزال متمسكا حتى يجد من يطعمه فشبه به الصائم فى إمساكه الى وقت إفطاره و قال بعضهم الصوم ضربان حقيقى و هو ترك المطعم و المنكح و حكى و هو حفظ الجوارح من السمع و البصر و اللسان و الأيدي و الأرجل و غيرها عن المعاصي فالسائح الصائم الذي يصوم هذا الصوم او مهاجرات فى سبيل اللّه و قيل اللاتي يسحن مع النبي صلى اللّه عليه و سلم حيث ساح و قيل السائحون الذين يسيرون على ما اقتضاه قوله تعالى أ فلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او أذان يسمعون بها ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً وسط العاطف بينهما لتنافيهما و لانهما فى حكم صفة واحدة إذا المعنى مشتملات على الثيابة فى بعضهن و البكارة فى بعض اخر. ٦ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ بأداء الواجبات و ترك المعاصي وَ أَهْلِيكُمْ بالتعليم و التأديب و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ صفة للنار يعنى تتقد بهما كما تتقد غيرها بالحطب عَلَيْها مَلائِكَةٌ صفة ثانية لنارا يعنى خزنتها غِلاظٌ فظاظ على اهل النار شِدادٌ قوياء يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا في النار و هم الزبانية اخرج الضياء المقاسى فى صفة النار عن انس قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول و الذي نفسى بيده لقد خلقت ملايكة جهنم قبل ان يخلق جهنم بألف عام فهم فى كل يوم يزدادون قوة الى قوتهم حتى يفيضوا على من فيضوا عليه بالنواصي و الاقدام و اخرج القعنبي فى عيون الاخبار عن طاؤس ان اللّه تبارك و تعالى خلق مالكا و خلق له أصابع على عدد اهل النار لا يعذب الا و مالك يعذب به بإصبع من أصابع فو اللّه لو وضع إصبعا من أصابعه على السماء لاذابها لا يَعْصُونَ اللّه ما أَمَرَهُمْ بدل اشتمال من اللّه و التقدير فيما أمرهم وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ اى لا تمنعون من قبول الأوامر و التزامها و يوادون ما يؤمرون به. ٧ يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ علة للنهى من الاعتذار يقال لهم ذلك عند دخولهم النار و النهى عن الاعتذار لهم حقيقة و ما يعتذرون به من قولهم و اللّه ربنا ما كنا مشركين و قولهم ربنا أبصرنا و سمعنا فارجعنا نعمل صالحا لا ينفعهم. ٨ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّه من المعاصي تَوْبَةً نَصُوحاً ط بفتح النون على قراءة العامة اى بالغة فى النصح و النصح تحرى قول او فعل فيه صلاح صاحبه فهو صفة للتائب فانه ينصح نفسه بالتوبة وصف به التوبة مجازا مبالغة او بالغة فى النصاحة بمعنى الخياطة فان التوبة تنصح ما افترق من الدين و التقوى بالذنب او النصح بمعنى الإخلاص يقال عسل ناصح إذا خلص و المعنى توبة خالصة من الريا و السمعة و قرا ابو بكر بضم النون فهو مصدر بمعنى النصح كالشكر و الشكور او النصاحة كالثبات و الثبوت تقديره ذات نصوح او تنصح نصوحا او توبوا نصوحا لانفسكم قال البغوي قال عمر و ابى معاذ التوبة النصوح ان يتوب ثم لا يعود الى الذنب كما لا يعود اللبن الى الضرع و قال الحسن هى ان يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على ان لا يعود و قال الكلبي هى ان يستغفر باللسان و يندم بالقلب و يمسك بالبدن و قال القرظي يجمع اربعة أشياء الاستغفار باللسان و الإقلاع بالأبدان و إضمار ترك العود بالجنان و مهاجرة سئ الاخوان و قال البيضاوي سئل على رض عن التوبة فقال يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندم و للفرائض الاعادة ورد المظالم و استحلال الخصوم و ان تعزم على ان لا تعود و ان تزكى نفسك على طاعة اللّه كما رايتها فى المعصية عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذكر بصيغة الاطماع اشعارا بانه تفضل و التوبة غير موجبة إذ لا يجب على اللّه شى ء و ان العبد لا بد من ان يكون بين خوف و رجاء اخرج ابو نعيم عن على رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه تبارك و تعالى اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم نانى لا اناصب عبد الحساب يوم القيامة لا أشاء ان أعذبه إلا عذبته و قل لاهل معصيتى من أمتك لا تلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة و لا أبالي و اخرج البزاز عن انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح و ديوان فيه ذنوبه و ديوان فيه النعم من اللّه تعالى يقول اللّه لاصغر نعمة فى ديوان النعم خذى منك من العمل الصالح فتستوعب له الصالح فيقول و عزتك ما استوعبت و تبقى الذنوب و قد ذهب العمل الصالح كله فاذا أراد اللّه ان يرحم عبدا قال يا عبدى فاضاعفت لك حسناتك و تجاوزت عن سياتك و ذهبت لك نعمتى و فى الصحيحين عن ابى هريرة رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لن ينجى أحدا منكم عمله قالوا و لا أنت يا رسول اللّه قال و لا انا الا ان يتغمدنى اللّه برحمة منه و فضل و فى الباب أحاديث كثيرة يَوْمَ لا يُخْزِي اللّه النَّبِيَّ ظرف ليدخلكم وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ج عطف على البنى احمادا لهم و تعريضا لمن ناواهم و على هذا جملة نُورُهُمْ يَسْعى علة لعدم اخزائهم و قيل الموصول مبتداء خبره نورهم يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ يكون بِأَيْمانِهِمْ على الصراط يَقُولُونَ مستانف او خبر بعد خبر للموصول يقولون ذلك إذا انطفى نور المنافقين رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ تعليل للاتمام لتفاوة أنوارهم بحسب أعمالهم فيسالون إتمامه تفضلا و قد ذكرنا تفاوة الأنوار و الأعمال الموجبة للنور فى سورة الحديد. ٩ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْك ُفَّارَ بالسيف و الحجة وَ الْمُنافِقِينَ بالرد و التفضيح إذا ظهر نفاقهم وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ اى استعمل الخشونة فيما تجاهدهم و لا ترحمهم وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ط حال مقدرة من الكفار و المنافقين وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ جهنم او ما و لهم. ١٠ ضَرَبَ اللّه مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ اسمها واعلة وَ امْرَأَتَ لُوطٍ اسمها واهلة امراة نوح و امراة لوط بدلان من مثلا بحذف المضاف اى مثل امراة نوح و امراة لوط و كذا قوله امرأة فرعون فى الجملة التالية مثل اللّه تعالى حال الكفار فى انهم يعذبون بكفرهم و لا ينفعهم ما بينهم و بين النبي صلى اللّه عليه و سلم من القرابات و الواصلات كما لم ينفع المرأتين وصلتهما بالنبيين حيث كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ جملة مستانفة مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ يريد به تعظيم نوح و لوط مدحهما بالصلاح فان كمال الصلاح بالعصمة التي هى من النبوة- فَخانَتاهُما بالكفر و النفاق قال ابن عباس ما بغت امرأة بنى قط و انما كانت خيانتهما انهما كانتا على غير دينهما فكانت امرأة نوح تقول للناس انه مجنون و إذا أمن به أحد أخبرت الجبابرة و اما امرأة لوط كانت تدل قومه على أضيافه إذا نزل به ضيف بالليل أوقدت نارا و إذا انزل بالنهار دخنت ليعلم قومه انه نزل به ضيف و قال الكلبي اسرتا النفاق و أظهرتا الايمان فَلَمْ يُغْنِيا اى لم يدفعا عَنْهُما مع نبوتيهما مِنْ عذاب اللّه شَيْئاً او لم يغنيا بحق الأزواج شيئا من الأغنياء وَ قِيلَ للمرأتين عند موتهما او يوم القيامة ادْخُلَا النَّارَ مَعَ سائر الدَّاخِلِينَ من الكفرة الذين لا وصلة بينهم و بين الأنبياء او أحد من المؤمنين قطع اللّه تعالى بهذه الاية طمع من يكفر ان ينفعه ايمان غيره ثم اخبر ان كفر غيره لا يضره إذا كان مؤمنا بقوله. ١١ وَ ضَرَبَ اللّه مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ و هى آسية بنت مزاحم فانها كانت تحت اعداء اللّه و لم يضرها كفره قال المفسرون لما غلب موسى السحرة امنت امرأة فرعون فلما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها و رجليها بأربع أوتاد و القاها فى الشمس قال سليمان امرأة فرعون تعذب فى الشمس فاذا انصرفوا عنها أظلها الملائكة إِذْ قالَتْ الظرف متعلق بكائن و هو صفة لمثل امرأة فرعون أي مثل امرأة فرعون كاين وقت قولها رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ عندية لا كيف لها فانه منزه من المكان بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فكشف اللّه لها من بيتها فى الجنة حتى راته وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ يعنى تعذيبه و قال مقاتل أرادت بعمله الشرك و قال ابو صالح عن ابن عباس أرادت به جماعة وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ على أنفسهم بالكفر و المعاصي على عباد اللّه التعذيب من القبط التابعين له فى القصة ان فرعون امر يصخرة عظيمة لتلقى عليها فلما أتوه بالصخرة قالت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فابصرت بيتها فى الجنة من درة و انتزع روحها فالقيت الصخرة على جسد لا روح فيه و لم تجدا لما و قال الحسن ابن كيسان رفع اللّه امرأة فرعون الى الجنة فهى فيها تأكل و تشرب. ١٢ وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ عطف على امرأة فرعون الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الرجال فَنَفَخْنا فِيهِ اى نفخ جبرئيل عليه السلام بامرنا فى جيب درعها نفخا و أصلا الى فرجها فحملت بعيسى عليه السلام و الضمير عايد الى الفرج و لما كان النفخ بامر اللّه تعالى و افعال العباد كلها بخلق اللّه أسند اللّه تعالى النفخ الى نفسه مِنْ رُوحِنا اى روحا خلقناه بلا توسط اصل و من زائدة فى الإثبات على قول الأخفش و هو الظاهر و قال سيبويه للتبعيض يعنى بعض هذا النوع كما فى قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم وَ صَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها اى بصحفه المنزلة او بما اوحى الى أنبيائه و المراد شرايع اللّه تعالى لعباده وَ كُتُبِهِ قرأ ابو عمر و حفص على الجمع و الباقون بالإفراد و المراد به ما كتب فى اللوح او جنس الكتب المنزلة و قرا بكلمة اللّه و كتابه يعنى بعيسى و إنجيل وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ اى من جملة مواظبين على الطاعة و التذكير للتغليب و لاشعاران رتبتها لم تقصر عن رتبة الرجال الكاملين حتى عدت من جملتهم عن ابى موسى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كمل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء الا آسية امرأة فرعون و مريم بنت عمران و ان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام رواه احمد و الشيخان فى الصحيحين و الترمذي و ابن ماجة و رواه الثعلبي و ابو نعيم فى الحلية بلفظ كمل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء الا اربع آسية بنت مزاحم امرأة فرعون و مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد صلى اللّه عليه و سلم و فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام قلت لعل المراد بالكمال البلوغ الى كمالات النبوة و ما فوقها و رواية الصحيحين كانها اخبار عن الأمم الماضية حيث كثر الأنبياء فيهم و لم يبلغ درجة كمالات النبوة من النساء الا آسية و مريم و عن انس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد صلى اللّه عليه و سلم و آسية امرأة فرعون و عن على قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول خير نسائها مريم بنت عمران و خير نسائنا خديجة بنت خويلد متفق عليه و فى رواية قال كريب و أشار الى السماء و الأرض و عن أم سلمة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دعا فاطمة عام الفتح فناجاها فبكت ثم حدثها فضحكت فلما توفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سالتها عن بكائها و ضحكها قالت أخبرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه يموت فبكيت ثم أخبرني انى سيدة نساء اهل الجنة الا مريم بنت عمران فضحكت رواه الترمذي و قد ذكرنا بحث تفاضل مريم و آسية و خديجة و فاطمة و عائشة رض فى سورة ال عمران فى تفسير قوله يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّه اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (فائده) فى هاتين التمثيلتين تعريض لحفصة و عائشة رض فيما فرط منهما من التظاهر على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بما كرهه و توبيخ لهما على اغلظ الوجوه و اشارة الى ان حقهما ان تكونا فى الايمان كهاتين المؤمنين و ان لا تتكلا على انهما زوجا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم |
﴿ ٠ ﴾