سُورَةُ التَّحْريِمِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ اثْنَتَا عَشَرَةَ آيَةً

مدنية و هى اثنتا عشرة اية و فيها ركوعان

بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فى الصحيحين عن عطاء انه سمع عبيد بن عمير يقول سمعت عائشة تقول ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يمكث عند زينب بنت جحش يشرب عندها عسلا فتواحيت انا و حفصة ان ايّتنا دخل علينا النبي صلى اللّه عليه و سلم فليقل انى أجد منك ريح مغافير فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال لا بأس شربت عسلا عند زينب بنت حجش و لن أعود له فنزلت

_________________________________

١

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّه لَكَ ج الاية يعنى العسل و الاستفهام للانكار يعنى لا ينبغى ان تحرم الحلال و فى رواية للبخارى عن عطاء بإسناده قال لا و لكن كنت اشرب عسلا عند زينب بنت جحش و قد حلفت لا تخبري بذلك أحدا يعنى بذلك مرضاة أزواجه

و اخرج الطبراني و ابن مردوية من طريق ابن ابى مليكة بسند صحيح عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يشرب عند سودة العسل فيدخل على عائشة قالت انى أجد منك ريح مغافير ثم دخل على حفصة فقالت مثل ذلك فقال أراه من شراب شربته عند سودة و اللّه لا اشربه فنزلت الاية قال الحافظ ابن الحجر فى شرح البخاري الراجح ان صاحة العسل زينب لا سودة لان طريق عبيد بن عميرا ثبت من طريق ابن ابى مليكة بكثير و يرجحه ايضا ما روى البخاري عن عائشة ان نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كن حزبين فخرب فيه عائشة و حفصة و صفية و سودة و الحزب الاخر أم سلمة و سائر نساء النبي صلى اللّه عليه و سلم فهذا يرجح ان زينب هى صاحبة العسل و لهذا عارت عائشة منها لكونها من غير حزبها- (فائده) و قد ورد فى صحيح البخاري من حديث عروة عن عائشة ان صاحبة العسل حفصة و ذلك انها قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحب الحلواء و العسل و كان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن فدخل على حفصة فاحتبس عندها اكثر مما كان يحتبس فسالت عن ذلك فقيل لى أهدت امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منه شربة فقلت اما و اللّه لنحتالن له فذكرت ذلك لسودة و قلت إذا دخل عليك فانه سيدنو منك فقولى يا رسول اللّه أكلت مغافير فيقول لا فقولى ما هذه الريح و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يشتد عليه ان يوجد منه الريح فانه سيقول سقتنى حفصة شربة عسل قولى له يا رسول اللّه جرست نحله العرفط و ساقول ذلك و قوليه أنت يا صفية فلما دخل على سودة قالت و اللّه الذي لا اله الا هو لقد كدت ان أناديه بالذي قلت لى و انه على الباب فرقا منك فلما دنى عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالت يا رسول اللّه أكلت مغافير قال لا قالت فما بال هذا الريح قال سقتنى حفصة شربة عسل قالت جرست نحله العرفط فدخل على فقلت له مثل ذلك فدخل على صفية فقالت له مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت يا رسول اللّه الا أسقيك منه قال لا حاجة لى به قالت يعنى عائشة تقول سودة سبحان اللّه لقد حرمناه قالت يعنى عائشة قلت لها اسكتي قال الحافظ ابن حجر و طريق الجمع بين هذا الحديث الدال على ان صاحبة العسل حفصة و بين ما سبق انها زينب الحمل على تعدد الوقعة فلا يمتنع تعدد السبب لامر واحد فان صح الى الترجيح فرواية عبيد بن عمير اثبت لموافقة ابن عباس لها على ان المتظاهرتين حفصة و عائشة فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرره فى المظاهر بعائشة لكن يمكن تعدد القصة فى شرب العسل و تحريمه و اختصاص النزول بالقصة التي فيها ان عائشة و حفصة هما متظاهرتان و يمكن القصة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة و يؤيد هذا الحمل انه لم يقع فى طريق هشام بن عروة التي فيها شرب العسل كان عند حفصة تعرض الاية و لا لذكر سبب النزول قال القرطبي الرواية التي فيها ان المتظاهرتان عائشة و حفصة و سودة ليست بصحيحة لانها مخالفة التلاوة بمجيئها بخطاب الاثنين دون خطاب جمع المؤنث فالتوفيق ما ذكرنا ان قصة شرب العسل عند حفصة كانت سابقة فلما قيل له ما قيل ترك الشرب من غير تصريح بتحريم و لم ينزل فى ذلك شى ء ثم لما شرب فى بيت زينب تظاهرت عائشة و حفصة على ذلك القول حرم العسل فنزلت الاية

و اخرج ابن سعد عن عبد اللّه بن رافع قال سالت أم سلمة عن هذه الاية قالت كان عندى عكة من العسل ابيض فكان النبي صلى اللّه عليه و سلم يلعق منها و كان يحبه و قالت عائشة نحلها تجرس عرفظا فحرمها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت الاية كذا اخرج الطبري و رفع فى تفسير السدى قال الحافظ ابن حجر هذا مرجوح لارساله و شذوذه و قال اكثر المفسرين ان الاية نزلت فى تحريم مارية ذكر البغوي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يقسم بين نسائه فلما كانت يوم حفصة استأذنت زيارة أبيها فاذن له فلما خرجت أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى جاريته مارية القبطية فادخلها بيت حفصة فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و وجهه يقطر عرقا و حفصة تبكى فقال ما يبكيك فقالت انما أذنت لى من أجل هذا فدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها فى يومى و على فراشى اما رأيت لى حرمة و حقا ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ ليس هى جاريتى أحلها اللّه لى اسكتي فهى حرام علىّ التمس بذلك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن فلما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قرعت حفصة الجدار التي بينها و بين عائشة فقالت الا أبشرك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد حرّم عليه أمته مارية و قدارا حنا اللّه منها و أخبرت عائشة بما رأت و كانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم فغضبت عائشة فلم يزل نبى اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى حلف ان لا يقربها فانزل اللّه عز و جل هذه الاية

و اخرج البزاز بسند صحيح عن ابن عباس قال نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ الاية فى سرية روى ابن الجوزي فى التحقيق بسنده عن ابن عباس قال كانت حفصة و عائشة متحابتين فذهبت حفصة الى أبيها تحدث عنده فارسل النبي صلى اللّه عليه و سلم الى جارية فظلت معه فى بيت فرجعت حفصة فوجدتها فى بيتها فخرجت الجارية و دخلت حفصة و قالت قد رايت من كان عندك و اللّه لقد سويتنى فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لارضيك و انى اسر إليك سرا فاحفظه قالت ما هو قال أشهدك ان سريتى هذه علىّ حرام رضى لك فانزل اللّه هذه الاية

و اخرج الحاكم و النسائي بسند صحيح عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كانت له امة يطأ فلم تزل به حفصة حتى جعلها على نفسه حراما فانزل اللّه هذه الاية

و اخرج فى المختار من حديث ابن عمر عن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لحفصة لا تخبري أحدا ان أم ابراهيم على حرام فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فانزل اللّه قد فرض اللّه لكم تحلة ايمانكم

و اخرج الطبراني بسند ضعيف من حديث ابى هريرة قال دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بما رية سرية بيت حفضة فجاءت فوجدتها معه فقالت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى بيتي دون بيوت نسائك فقال فانها علىّ حرام ان أمسها يا حفصة و اكتمي هذا علىّ فخرجت حتى أتت عائشة فاخبرتها فانزل اللّه يايها النبي لم تحرم الآيات فهذه الأحاديث تدل على ان الآيات فى تحريمه عليه الصلاة و السلام على نفسه مارية القبطية على خلاف ما سبق من الأحاديث قال الحافظ ابن حجر يحتمل ان الاية نزلت فى السببين معا و يدل على هذا التوفيق ما وقع فى رواية يزيد ابن رومان عن عائشة عند ابن مردوية و فيه ان حفصة أهديت لها عكة فيها عسل و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا دخل عليها حبسته حتى يلعقه او يستقيه منها فقالت عائشة بجارية لها حبشية يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فانظرى ما يصنع فاخبرتها الجارية بشان العسل فارسلت الى صواجها؟؟؟

فقالت إذا دخل عليكن فقلن انا نجد منك ريح مغافير فقال هو عسل و اللّه لا أطعمه ابدا فلما كان يوم حفصة استأذنته ان تأتي أباها فاذن لها فذهبت فارسل الى جارية فادخلها بيت حفصة قالت فرجعت حفصة فوجدت الباب مظقا فخرج و وجهه يقطر و حفصة تبكى و عاينته فقال أشهدك انها علىّ حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة و هى عندك امانة فلما خرج قرعت الجدار الذي بينها و بين عائشة فقالت أبشرك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد حرم أمته قلت هذا الحديث يوجب الجمع بين قصة مارية و قصة شرب العسل عند حفصة قبل ذلك و لعل الراوي جمع فى الرواية قصة شرب العسل عند حفصة و قصة تحريم مارية و ترك ما بين ذلك من قصة شرب العسل عند زينب و تحريم العسل قال الحافظ ابن حجر و الراجح من الأقوال كلها فى سبب نزول الاية قصة مارية لاختصاص عائشة و حفصة بها بخلاف العسل فانه اجتمع فيه جماعة منهن يعنى سودة و صفية مع عائشة رض كما مرو اللّه تعالى اعلم تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ تفسير للتحريم او حال من فاعله او استيناف ببيان الداعي اليه وَ اللّه غَفُورٌ لك هذه الزلة فانه لا ينبغى تحريم ما أحل اللّه بالحلف رَحِيمٌ رحمك فجعل لك مخرجا من التحريم و لم يواخذك به و عاتبك محاماة لك عمالا ينبغى.

﴿ ١