سُورَةُ الْقَلَمِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ آيَةً

مكيّة و هى اثنتان و عشرون اية

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

ن من الحروف المقطعة و قد مر البحث عنها فى أوائل سورة البقرة و قيل اسم للحوت و المراد به الجنس او البهموت و هو الذي عليه الأرض او الدوات فان بعض الحيتان يستخرج منه أشد سوادا من النفس يكتب به لكن كتابته بصورة الحروف قراءته بالسكون وصلا و وقفا يؤيد القول الاول و يابى عن غيره من الأقوال قرا ابن عامر و الكسائي و يعقوب بإخفاء النون اجراء للواو المنفصل كالمتصل و الباقون بالإظهار وَ الْقَلَمِ الواو للقسم و القلم هو الذي خط اللوح عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان أول ما خلق اللّه القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب القدر فكتب ما كان و ما هو كائن الى الابد رواه الترمذي و قال هذا حديث غريب و عن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتب اللّه مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات و الأرض بخمسين الف سنة قال و عرشه على الماء رواه مسلم

قال البغوي هو قلم من نور طوله ما بين السماء و الأرض و يحتمل ان يراد جنس القلم اقسم به لكثرة فوايده وَ ما يَسْطُرُونَ و الضمير للقلم بالمعنى الاول على التعظيم او بالمعنى الثاني بارادة الجنس و أسند الفعل الى الآلة و أجريت مجرى اولى العلم بإقامتها مقامهم او لاصحابه على المعنى الثاني او بغير المذكور اى الحفظة الذين يكتبون اعمال بنى آدم او العلماء الذين يكتبون علوم الدين.

٢

ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ اى ملتبسا بنعمة ربك من النبوة و المروة و كمال العقل و الفهم و جلال الفضل و انواع المكارم و العلوم و العامل فى الحال معنى النفي و قيل مجنون و الباء لا يمنع كونه عاملا فيما قبله لكونه زائدة لكنه ضعيف من حيث المعنى بِمَجْنُونٍ

قال البغوي هذا جواب لقول الكفار يا ايها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون و كذا اخرج ابن المنذر عن ابن جريج و انما قالوا ذلك استبعادا منهم ما ادعاه النبي صلى اللّه عليه و سلم من الرسالة من اللّه تعالى و ما ارتكبه النبي صلى اللّه عليه و سلم من مخالفة جميع الناس فى ايام العسرة و استيلاء ظلمة الكفر و لما كان هذا الاستبعاد منهم مستقرا قويا فى زعمهم أكدوا قولهم انك لمجنون بان و لام القسم و بناء على شدة انكارهم أكد اللّه سبحانه الجواب بالقسم و زيادة الباء فى خبر بالتاكيد النفي و فيه نفى المجنون عنه صلى اللّه عليه و سلم بحال تلبسه بنعمة اللّه ليكون هذا القيد بمنزلة البينة و البرهان على النفي فانه من كان بهذه المثابة من العلم و العقل و الفهم و الكمال فالقول فيه بانه مجنون سفسطة لا يقول به الا من هو ابلد من الحمار و أحمق من ابن حنيفة الم تسمع ان الأتان سجدت الى الكعبة ثلثا حين ركبت حليمة مع النبي صلى اللّه عليه و سلم عليها و قالت الأتان على ظهره خير النبيين و سيد المرسلين و خير الأولين و الآخرين و حبيب رب العالمين صلى اللّه عليه و سلم كذا ذكر فى المواهب اللدنية فى حديث طويل فالكفار ابلد من الحمار.

٣

وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً على احتمال الأذى و تبليغ الرسالة و التنكير للتعظيم غَيْرَ مَمْنُونٍ اى مقطوع او ممنون به عليك من الناس فان اللّه يعطيك و على الناس منة منك و الجملة معطوفة على جواب القسم او حال من أنت و كذلك قوله تعالى.

٤

وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فانك تحتمل من قولك ما لا يحتمل امثالك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما أوذي أحد ما أوذيت فى اللّه رواه ابو نعيم فى الحلية عن انس و ابن عساكر عن جابر نحوه و عن ابى هريرة قال يا رسول اللّه ادع على المشركين قال انى ما ابعث لعانا و انما بعثت رحمة رواه مسلم و الكفار لما رموه صلى اللّه عليه و سلم بالجنون و الجنون لا يستحق اجرا او لا يكون له حق حسن فايراد هذين الجملتين على العطف و الحال تأكيد لما سبق من نفى الجنون ورد لقول الكفار على ابلغ الوجوه قال ابن عباس و مجاهد خلق عظيم دين عظيم و لا دين أحب الى و لا ارضى عندى منه و هو دين الإسلام قال الحسن هو آداب القران سئلت عايشة عن خلق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت كان خلقه القران الست تقرأ القران قد أفلح المؤمنون إلخ رواه مسلم و أخرجه البخاري فى الأدب المفرد و قال قتادة هو ما كان يأتمر به من امر اللّه و ينتهى عنه من ما نهى اللّه عنه يعنى انك على الخلق الذي أمرك اللّه به فى القران و قال جند الخلق العظيم ان لا يكون همته غيره تعالى فصل فى أخلاقه صلى اللّه عليه و سلم عن البراء قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم احسن الناس وجها أحسنه خلقا ليس بالطويل البائن و لا بالقصير عن انس قال خدمت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عشر سنين فما قال لى ان قط و ما قال لشئ صنعته لم صنعت و لا لشئ تركته لم تركت و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم احسن الناس خلقا و لا مسست خزا و لا حريرا و لا شيئا ألين من كف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لا شممت مسكا و لا عطرا كان أطيب من عرق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم متفق عليه و عن انس ان امرأة كانت فى عقلها شيئا قالت يا رسول اللّه ان لى إليك حاجة فقال يا أم فلان اجلسي فى اى سلك المدينة شئت اجلس إليك فقعد إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى قضت حاجتها رواه مسلم و عنه قال كانت الامة من إماء المدينة لياخذ بيد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فينطلق به حيث شاءت رواه البخاري و عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده و لا يصرف وجهه عن وجهه و لم ير مقدما ركبتيه بين يدى جليس رواه الترمذي و عن عائشة قالت ما ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيده شيئا قط الا ان يجاهد فى سبيل اللّه و لا ضرب خادما و لا امرأة و لا ينسل شيئا منه قط فينتقم من صاحبه الا ان ينهتك لشئ من محارم اللّه فينتقم للّه رواه مسلم و عن انس قال كنت امشى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبرد نجرانى غليظ الحاشية فادركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة حتى نظرت الى صفحة عاتق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد اثرت بها حاشية البرد من شدة جذبه ثم قال يا محمد صلى اللّه عليه و سلم مولى من مال اللّه الذي عندك فالتفت اليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم ضحك ثم امر له بعطاء متفق عليه و عنه قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم احسن الناس و أجود الناس و أشجع الناس الحديث متفق عليه و عن جابر قال ما سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شيئا فقال لا متفق عليه و عن جبير بن مطعم بينما هو يسير مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مقفله من حنين فعلقت الاعراب يسالونه حتى اضطروه الى سمرة فخطفت ردائه فوقف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال أعطوني ردائى لو كان لى عدد هذا العصاة نعم لقسمته بينكم لا تجدونى بخيلا و لا كذوبا و لا جبانا رواه البخاري و عن عائشة قالت لم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاحشا و لا متفحشا و لا سخابا فى الأسواق و لا يجيز بالسيئة السيئة و لكن يعفو و يصفح و فى الباب أحاديث لا تكاد تحصى فى فضل حسن الخلق عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعثت لاتمم حسن الخلق رواه احمد و فى الموطإ بلاغا و عن ابى الدرداء عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ان أثقل شى ء يوضع فى الميزان للمومن يوم القيامة خلق حسن و ان اللّه يبغض الفاحش البزي رواه الترمذي و قال حسن صحيح و روى ابو داود عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لاصحابه أ تدرون ما اكثر ما يدخل الناس الجنة قالوا اللّه و رسوله اعلم قال فان اكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى اللّه و حسن الخلق و عن عائشة قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل و صائم النهار رواه ابو داود و عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان من أحبكم الى أحسنكم أخلاقا رواه البخاري و فى الصحيحين بلفظ ان من خياركم أحسنكم أخلاقا و عن رجل من مزلة و عند البيهقي فى شعب الايمان و عن اسامة بن شريك فى شرح السنة قالوا يا رسول اللّه ما خير ما اعطى الإنسان قال الخلق الحسن و عن معاذ قال كان آخر ما وصّانى به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين وضعت رجلى فى الفرزان قال يا معاذ احسن خلقك للناس رواه مالك.

٥

فَسَتُبْصِرُ يا محمد و السين للتحقيق وَ يُبْصِرُونَ اى الكفار يوم القيامة.

٦

بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أيكم مبتداء و الباء زايدة و المفتون بمعنى المجنون خبره او المفتون مصدر بمعنى الجنون كالمعقول و المجلود مبتداء و الخبر مقدم او المعنى باى الفريقين منكم الجنون بفريق المؤمنين او بفريق الكافرين فى أيهما من يستحق هذا الاسم و الجملة الاستفهامية بتأويل المفرد مفعول للفعلين السابقين على سبيل التنازع و الحاصل ان الجنون ليس بالكفار فانه لا شك ان مقتضى العقل انه من خبر بين الخبرين اختارا خبرهما و من ابتلى ببليتين اختار أهونهما و المؤمنون اختاروا الاشتغال باللّه سبحانه الجميل المتصف بجميع الكمالات المنزه عن جميع النقائص أنصار النافع و بذلوا همتهم فى ابتغاء مرضاته و اجتنبوا موجبات سخطه و اختاروا نعم الاخروية القوية الابدية على النعم الدنيوية الدنية الزائلة الكائنة كان لم تكن و الكفار اختاروا الممكنات التي لا تضر و لا تنفع الا بإذن اللّه بل اختاروا للعبادة الحجارة و تركوا اللّه الواحد القهار القيام و اختاروا الحظوظ العاجلة لا تدرك منها الا ما شاء اللّه على النعم الابدية و اختاروا النار على الجنة.

٧

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ضمير فصل أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ متعلق بأعلم عَنْ سَبِيلِهِ فهم المجانين على الحقيقة فان مقتضى الجنون الضلال عن سبيل الحق وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ الفائزين بكمال العقل الواصلين الى الجميل المطلق.

٨

فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ الفاء للسببية يعنى إذا ظهر انك على الهدى و المكذبين على الضلال فلا تطعهم.

٩

وَدُّوا حال بتقدير قد من المكذبين لَوْ تُدْهِنُ لو للتمنى بيان للوداد و الادهان اللين المشتق من الدهن فَيُدْهِنُونَ الفاء للعطف و التعقيب هى ودوا المداهنة من الجانبين لكن يحبون ان يكون ادهانهم بعد ادهانك او للسببية اى ودوا لو تدهن فهم يدهنون ودوا ادهانك فهم الان يدهنون طمعا فيه يعنى لو تلين لهم بترك نهيهم عن الشرك او توافقهم فى بعض الأمور أحيانا فينالونك بترك الطعن و الموافقة فى بعض الأمور- (مسئله) و هذه الاية تدل على ان المداهنة فى امر الدين حرام.

١٠

وَ لا تُطِعْ تخصيص بعد تعميم قال قتادة نزلت فى الوليد بن المغيرة

و اخرج المنذر عن الكلبي و ابن ابى حاتم عن السدى نزلت فى الأخنس بن شريق و كذا ذكر البغوي قول عطاء و قال ابن ابى حاتم عن مجاهد نزلت فى الأسود بن عبد يغوث كُلَّ حَلَّافٍ لفظه كل ورد لتاكيد شمول النهى كل فرد بقرينة المقام فلا يدل على جواز إطاعة البعض و المراد بالحلاف كثير الحلف بالباطل و قد مر فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَ لا تَجْعَلُوا اللّه عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ مسئله ان الإكثار بالحلف مكروه مَهِينٍ حقير فعيل من المهانة بمعنى الحقارة و هى قلة الرأي و التميز.

١١

هَمَّازٍ عياب مغتاب و قيل من يشير بعينه و حاجبه الى عيوب الناس مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ فعال للحديث على وجه السعاية.

١٢

مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يمنع الناس عن الخير من الايمان و الانفاق و العمل الصالح مُعْتَدٍ متجاوز عن الحد فى الظلم أَثِيمٍ كثير الإثم.

١٣

عُتُلٍّ قال فى فى القاموس الأكول المنيع الجافي الغليظ بَعْدَ ذلِكَ الظرف متعلق بزنيم و كلمة بعد بمعنى مع او المعنى بعد ما عدت من رزائله زَنِيمٍ قال فى القاموس الزنيم المستلحق فى قوم ليس منهم و الدعي و فيه ايضا الدعي كغنى من تبنيته و المتهم فى النسبة

قال البيضاوي الزنيم ماخوذ من زنمتى الشاه و هما المتدليتان من اذنها و حلفها و كان الوليد بن مغيرة ادعاه أبوه بعد ثمانى عشر سنة من مولده و الأخنس بن شريق أصله من ثقيف و عداده فى زهرة

قال البغوي فى الدنيا معصما فكان الناس ظلوما قال فذلك العقل الزنيم مرسل له شواهد روى عن عكرمة عن ابن عباس قال فى هذه الاية لعنت اللّه فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف و كان له زنمة فى عنقه يعرف بها

و اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال نزل على النبي صلى اللّه عليه و سلم و لا قطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم فلم نعرفه حتى نزل عليه بعد ذلك زنيم فعرفناه كان له زنمة كزنمة الشاة و قال سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قال يعرف بالشر كما يعرف الشاة بزنمتها قلت و لعله لما كان هذه الصفة اعنى كونه زنيما ادنى فى القبح من الرذائل المقدمة ذكره بقوله بعد ذلك زنيم و اللّه تعالى اعلم عن الحارث بن وهب الخزاعي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف لو يقسم على اللّه لابره الا أخبركم باهل النار كل عتل جواظ متكبر رواه البغوي و روى ابو داود و الطبراني عن الدرداء نحوه.

١٤

أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ قرأ ابو جعفر و ابن عامر و حمزة و ابو بكر و يعقوب ان كان بهمزتين أحدهما للاستفهام ثم حمزة و ابو بكر يخففان الهمزتين بلا مد و بمد الهمزتين الاولى ابو جعفر و ابن عامر و يعقوب و يلينون الثانية

و قرا الآخرون بهمزة واحدة بلا استفهام و تقديره لان كان متعلق بالنهى فى لا تطع فالمعنى على تقدير عدم الاستفهام لا يكن منك إطاعة من كان هذا شانه لكونه ذا مال و بنين كما ان عادة الناس إطاعة اصحاب المال و الثروة و على تقدير الاستفهام أ تطيعه لكونه ذا مال و بنين فالاستفهام للانكار او متعلق بمدلول جملة بعده اى كفر و كذب القران لاجل الغنى تكبرا و بطرا و المعنى كان الغنى موجبا للشكر فكفر على عكس ما ينبغى.

١٥

إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اى شى ء كتبوه كذبا من قصص الأولين فى القاموس الأساطير الأحاديث لا نظام لها إذا متعلق بقال اى قال ذلك ح.

١٦

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ على الالف كانه شبهه بالفيل و الخنزير و انفه بالخرطوم جملة مستأنفة بالوعيد و التهديد قال الفراء المراد به الوجه فان بعض الشي ء يعبر به عن الكل و قال ابو العاليه و مجاهد يسود وجهه فيجعل له علما فى الاخرة يعرف به و هو سواد الوجه و قال ابن عباس سخطه بالسيف و فعل ذلك يوم البدر.

١٧

إِنَّا بَلَوْناهُمْ يعنى اهل مكة بالقحط و الجوع لما دعى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليهم و قال اللّهم اجعل عليهم سنين كسنى يوسف حتى أكلوا العظام و الجيف جملة مستانفة فى جواب سوال مقدر اى ما فعل لهم حين كذبوا النبي صلى اللّه عليه و سلم و قالوا مجنون كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ صفة مصدر محذوف و الاضافة و اللام للعهد اخرج ابن ابى حاتم عن ابن جريح ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا فاربطوهم فى الجبال و لا تقتلوا منهم أحدا فنزلت انا بلوناهم فى قدرتهم عليهم كما باونا اصحاب الجنة فى اقتدارهم عليهم روى محمد بن مروان عن الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس قال كان بستان اليمن يقال له الصروان دون صنعاء بفرسخين غرسه رجل صالح و كان يترك للمساكين إذ اصرموا تخلهم كل شى ء تعداه المنجل فاذا طرح من فوق النخل الى البساط فكل شى ء يسقط عن البساط يترك ذلك ايضا للمساكين و إذا حصدوا زرعهم فكل شى ء تعداه المنجل فهو للمساكين و إذا داسوه كان لهم كل شى ء ينتشره ايضا فلما مات الرجل ورثه ثلثة بنيه فقالوا و اللّه ان المال لقليل و ان العيال كثير و انما كان هذا الأمر يفعل إذا كان المال كثير او العيال قليلا فاذا قل المال و كثر العيال فانا لا نستطيع ان نفعل هذا فتحالفوا بينهم إِذْ أَقْسَمُوا اى حلفوا متعلق ببلونا لَيَصْرِمُنَّها جواب قسم اى ليقطعن ثمرها اى الجنة مُصْبِحِينَ داخلين فى الصباح قبل ان يعلم المساكين حال من فاعل ليصرمنها.

١٨

وَ لا يَسْتَثْنُونَ حال من فاعل اقسموا اى اقسموا غبر مستثنين اى قائلين ان شاء اللّه و انما سماه استثناء لما فيه م ن الإخراج غير ان المخرج به خلاف المذكور و المخرج بالاستثناء عينه او لان افعل ان شاء اللّه و لا افعل الا ان شاء اللّه واحد و يحتمل ان يكون جملة لا يستثنون معطوفة على ليصر منها داخلة فى جواب القسم و المعنى و لا يستثنون حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم او يكون جملة مستانفة اى كان شانهم ذلك.

١٩

فَطافَ معطوف على اقسموا عَلَيْها على جنتهم طائِفٌ بلاء نازل بالليل و هو نار نزلت من السماء فاحرقتها مِنْ رَبِّكَ من ابتدائية وَ هُمْ نائِمُونَ قال.

٢٠

فَأَصْبَحَتْ الجنة كَالصَّرِيمِ اى كالبستان الذي صرم ثمارها بحيث لم يبق فيها شى ء فعيل بمعنى المفعول او كالليل باحتراقها و اسودادها او كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس سمى بالصريم لان كلا منها ينصرم عن صاحبه اى ينقطع و قال الحسن اى صرم منها الخير فليس فيها شى ء و قال ابن عباس كالرماد الأسود بلغة خزيمة و الجملة معطوفة على فطاف.

٢١

فَتَنادَوْا اصحاب الجنة مُصْبِحِينَ الجملة معطوفة على أصحت.

٢٢

أَنِ اغْدُوا ان مفسرة لفعل معناه القول اعنى تنادوا عَلى حَرْثِكُمْ متعلق باغدوا اى اخرجوا الى حرثكم و تعديته بعلى اما لتضمنه بمعنى الإقبال او لتشبيه الغدو للصرام الغدو الغدو المتضمن بمعنى الاستيلاء و يحتمل ان اغدوا ناقصة و على حرثكم خبره إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ قاطعين شرط استغنى عن الجزاء بما مضى.

٢٣

فَانْطَلَقُوا اى اصحاب الجنة وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ اى يقولون بينهم سر او خفى و خفت و خفه بمعنى كتم.

٢٤

أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا اى الجنة و ان مفسرة لقوله تعالى يتخافتون فانه فى معنى القول الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ نهى للمسكين عن الدخول موكدا و المراد به المبالغة فى النهى عن تمكينه عن الدخول كقوله لا أتيتك هاهنا.

٢٥

وَ غَدَوْا عطف على انطلقوا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ على حرد متعلق بقادرين و هو خبر لغدوا او الجملة معطوفة على انطلقوا او الحرد فى اللغة يكون بمعنى القصد و المنع و الغضب فقال الحسن و القتادة و ابو العالية على جد و جهد و قال القرطبي و مجاهد و عكرمة على امر مجمع قد أسسوه بينهم و كل ذلك راجع الى المقصد و قال ابو عبيدة على منع المساكين و قول الشعبي و سفيان على غضب فى المساكين و قال ابن عباس على قدرة عند أنفسهم على جنتهم و ثمارها.

٢٦

فَلَمَّا رَأَوْها اى الجنة محترقة قالُوا لما ظرف متعلق بقالوا إِنَّا لَضَالُّونَ الطريق فليس هذا جنتنا و انا لمخطئون حيث منعنا المساكين و تركنا الاستثناء.

٢٧

بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قد حرمنا خير الجنة.

٢٨

قالَ أَوْسَطُهُمْ سنا او أعد لهم و اعقلهم و الجملة مستانفة أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ استفهام تقرير لَوْ لا هلا تُسَبِّحُونَ اى تستثنون سمى الاستثناء تسبيحا لانه تعظيم للّه تعالى و اقرار بانه لا يقدر أحدكم على شى ء الا بمشيته و قال ابو صالح كان استثناؤهم سبحان اللّه تعالى او هلا تسبحون اللّه و تشكروه على ما اعطاكم و لا تمنعوا المساكين فان الشكر صرف النعمة فى رضاء و قيل هلا تستغفرونه من فعلكم.

٢٩

قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا جملة مستأنفة نزهوا اللّه سبحانه من ان يكون ظالما فى ما فعل و اقرار على أنفسهم بالظلم و قالوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ بمنع المساكين عن حقهم.

٣٠

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ عطف على قالوا يَتَلاوَمُونَ حال من فاعل اقبل و مفعوله على طريقة لقيه راكبين اى يلوم بعضهم بعضا فى منع المساكين حقوقهم.

٣١

قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ جملة مستانفة اى أعطينا نعم اللّه فلم نشكرها كما شكر أبونا و لما ندموا على ما فعلوا و تابوا عنه و عزموا على الشكر و الانفاق رجعوا على أنفسهم و قالوا رجاء.

٣٢

عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا جنة خَيْراً مِنْها من ذلك الجنة التي أحرقت إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ الى الانتهاء الرغبة او لتضمنها معنى الرجوع و الجملة فى مقام التعليل للرجاء فان الرغبة الى اللّه تعالى يوجب الانعام

قال البغوي قال ابن مسعود بلغني ان القوم أخلصوا و عرف اللّه منهم الصدق فابدلهم جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا.

٣٣

كَذلِكَ خبر ما بعده مبتداء اى كما فعلنا باهل مكة و اصحاب الجنة الْعَذابُ فى الدنيا على ترك الشكر وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ على الكفر و المعاصي و ترك الشكر و منع الزكوة أَكْبَرُ أشد و أبقى من عذاب الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ شرط استغنى عن الجزاء بما مضى اى لو كانوا يعلمون العذاب ما فعلوا فعلهم.

٣٤

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ فى جوار القدس جَنَّاتِ النَّعِيمِ اى ليس فيها الا التنعيم الخالص جملة مستانفة سبقت الوعد للمتقين بعد وعيد المجرمين و لما قال المشركون من اهل مكة انا نعطى فى الاخرة على تقدير ثبوتها أفضل مما تعطون او مثله كما أعطينا فى الدنيا قال اللّه تعالى تكذيبا لهم.

٣٥

أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ الاستفهام لانكار مساوات المجرمين بالمسلمين و يوجب انكار تفضيل المجرمين بالطريق الاولى و الجملة معطوفة محذوف الا نفضل المسلمين المطيعين على المجرمين فنجعل المسلمين كالمجرمين.

٣٦

ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ كيف حال من فاعل تحكمون قدم عليه لاقتضائه صدر الكلام و تحكمون حال من معنى ما لكم تقديره ما تصنعون حال كونكم حاكمين كائنين على كيفية عجيبة مستبعدة جدا على خلاف العقل فان العقل يحكم ان المطيع يكون احسن حالا من العاصي و فيه التفات من الغيبة الى الخطاب.

٣٧

أَمْ لَكُمْ كِتابٌ نزل عند اللئام أم منقطعة بمعنى بل للاضراب من الحكم على وفق العقل و الهمزة للانكار عن الدليل السمعي المنزل من السماء فِيهِ اى الكتاب تَدْرُسُونَ تقرءون.

٣٨

إِنَّ لَكُمْ فِيهِ اى فى ذلك الكتاب لَما تَخَيَّرُونَ ما تختارون لانفسكم و تشتهونه حذف أحد التاءين من تخيرون و الجملة مفعول لتدرسون اما بتأويل القول اى تدرسون هذا القول او لانه كان فى الأصل ان مفتوحة فلما جيئت باللام على ما تخيرون كسرت و يحتمل ان يكون استينافا على سبيل الإنكار.

٣٩

أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ فاعل لكم عَلَيْنا اى عهود مؤكدة بالايمان بالِغَةٌ متناهية فى التوكيد إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ متعلق بمقدر فى لكم اى ثابتة لكم علينا الى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى تحكم بحكمكم فى ذلك اليوم او متعلق ببالغة اى ايمان تبلغ ذلك اليوم إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ جواب للقسم المفهوم من ذكر الايمان يعنى أم اقسمنا لكم ان لكم ما تحكمون.

٤٠

سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ الحكم زَعِيمٌ قائم يدعيه و يصححه فليقدرونه فقد نبه سبحانه فى هذه الآيات على نفى كل ما يمكن ان يثبت به من عقل او نقل يدل عليه لاستحقاق او وعدا و تقليد لمن يقدر على اثبات ما يدعيه ثم لما نفى تسوية الكفار بالمؤمنين من اللّه تعالى نفى ان يكون هذا من الشركاء الذين يشركونها مع اللّه تعالى بنفي الشركاء فقال.

٤١

أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ تجعلهم مثل المؤمنين فى الاخرة فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ و يثبتوا كونهم شركاء اللّه تعالى مماثلا له فى العلم و القدرة و الارادة و التكوين الفاء للسببية و الأمر للتعجيز إِنْ كانُوا صادِقِينَ فى دعوتهم شرط مستغنى عن الجزاء بما معنى.

٤٢

يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ الظرف متعلق باذكر و كشف الساق عبارة عن نوغ من تجلياته سبحانه تعالى فى الموقف روى الشيخان فى الصحيحين و غيرهما عن ابى سعيد الخدري ان ناسا قالوا يا رسول اللّه هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نعم هل تضارون فى روية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب و هل تضارون روية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول اللّه قال ما تضارون فى روية اللّه تعالى يوم القيامة الا كما تضارون فى روية أحدهما إذا كان يوم القيامة اذن موذن ليتبع كل امة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد بغير اللّه من الأصنام و الأنصاب ان يتساقطون فى النار حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد اللّه من بر و فاجر و فى رواية غير اهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير ابن اللّه فيقال كذبتم ما اتخذ اللّه من صاحبة و لا ولد فيقال ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم الا ترون فيحشرون الى جهنم كانها سراب يحطم لبعضها بعضا فيتساقطون فى النار ثم يدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن اللّه فيقال لهم كذبتم فذكر كما ذكر فى اليهود

و فى رواية مسعود عند الحاكم و صححه الدار قطنى و غيرهما انه يمثل لكل من يعبد غير اللّه ما كانوا يعبدون من الشمس و القمر و الأوثان و يمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير و ان كان يعبد المسيح شيطان المسيح فينطلقون معه الى جهنم

و فى رواية عن ابى هريرة عند الطبراني و ابى يعلى و البيهقي و غيرهم ان يجعل ملكا من الملائكة على صورة عزير و ملكا من الملائكة على صورة عيسى بن مريم و يتبع هذا اليهود و يتبع هذا النصارى ثم تقودهم الهتهم الى النار و هم الذين يقولون لو كان هؤلاء الهة ما وردوها و كل فيها خالدون رجعنا الى رواية الصحيحين حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد اللّه من بر و فاجر أتاهم رب العالمين قال فماذا تنظرون يتبع كل امة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس فى الدنيا أفقر ما كنا إليهم و لم نصاحبهم فيقول انا ربكم فيقول نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه شيئا مرتين او ثلثا حتى ان بعضهم يكاد ان ينقلب فيقول هل بينكم و بينه اية لتعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه الا اذن له بالسجود و لا يبقى من كان يسجد نفاقا و رياء الا جعل اللّه ظهره واحدة كلما أراد ان يسجد خر على قفاه ثم يضرب الجسر على جهنم و فى رواية قيل يا رسول اللّه ما الجسر قال و حض مزلة فيه خطاطيف و كلاليب و حكة تكون بنجد فيها شويكة يقال له السعدان و تحل الشفاعة و يقول الأنبياء اللّهم سلم سلم فيمر المؤمنون كطرف العين و كالريح و كالطير و كاجاويد الخيل و الركاب فناج مسلم و مخدوش مرسل و مكدوش فى نار جهنم حتى إذا أخلص المؤمنون من النار فو الذي نفسى بيده ما من أحد منكم باشد منا شدة فى الحق قد تبين لكم من المؤمنين للّه لاخوانهم الذين فى النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا و يصلون و يحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتم فيحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن امرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال نصف دينار من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال ذرة من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها خيرا فيقول شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون و لم يبق الا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقهم فى عمر من أفواه الجنة يقال له نهر الحيوة فيخرجون كما يخرج الحبة فى حميل السيل فيخرجون كاللؤلؤ فى رقابهم خواتم فيقول اهل الجنة عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم و مثله معه و قد وقع كشف الساق فى حديث ابن مسعود عند الحاكم و غيره و فى رواية عن ابى هريرة فى الصحيحين فياتيهم اللّه فى غير الصورة التي يعرفونها و قال اللالكائى فى السنة و الآجري فى كتاب الروية عن ابى موسى الأشعري قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فى دار الدنيا فيذهب كل قوم الى كل ما يعبدون و يبقى اهل التوحيد فيقال لهم و قد ذهب الناس فيقولون ان لنا ربا كنا نعبده فى الدنيا لم نره قال و تعرفونه إذا رايتموه فيقولون نعم فيقال لهم كيف تعرفونه و لم تروه قالوا انه لا شبه له فيكشف لهم عن الحجاب فينظرون الى اللّه تعالى فيخرون له سجدا و يبقى أقوام فى ظهورهم مثل صياصى البقر يريدون السجود فلا يستطيعون فيقول اللّه تبارك و تعالى ارفعوا رؤسكم قد جعلت بدل كل رجل منكم بدلا من اليهود و النصارى و هذه الأحاديث تدل على ان للّه سبحانه تجليات على انواع شتى منها تجليات صورته و ذلك فى عالم المثال و ليس هى روية فى الحقيقة كما رأى النبي صلى اللّه عليه و سلم ربه فى المنام على صورة امرد شاب شطط فى رجليه نعلا الذهب و عند ذلك التجلي يقول القائلون فى الموقف نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه شيئا و منها ما يكون على غير شبه و مثال فى الموقف و فيه شائبة من الظلية و لعل من هذا النوع ما أراد اللّه تعالى بقوله يكشف عن ساق فح راه المؤمنون الأبرار و الفجار بلا حجاب كما ترون الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب و القمر ليلة البدر كما روينا من قبل و لا نصيب للكفار من هذا التجلي لقوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و قوله عليه السلام حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد اللّه من برو فاجراتاهم رب العالمين الحديث الى قوله فيكشف عن ساق و الساق من المتشابهات كاليد و الوجهة لا يعلم تأويله الا اللّه و الراسخون فى العلم يقولون أمنا به و منها ما يكون فى الجنة بلا شائبة الظلية المعبر عنها بقوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى و زيادة وَ يُدْعَوْنَ اى المؤمنون الأبرار و الفجار الى السجود و هذه الدعوة إِلَى السُّجُودِ ليس من باب التكليف إذ ليس الاخرة دار تكليف بل هى دعوة طبيعية تقتضيه افتقار الحقيقة الامكانية عند كشف سرادقات العظمة و الجلال ما لم يمنع مانع

فَلا يَسْتَطِيعُونَ اى العصاة منهم لصيرورة ظهرهم طبقة واحدة لما يحملون أوزارهم فالضمير راجع الى بعض المدعوين الى السجود دون الكل كما فى قوله تعالى و بعولتهن أحق بردهن بعد قوله و المطلقات و بدل على هذا الأحاديث المذكورة فالذين لا يستطيعون السجود هم المؤمنون الذين لم يكونوا مصلين أصلا او لم يكونوا مصلين بجماعة الا اتقاء كأهل الهواء من الروافض و غيرهم او كانوا يسجدون رياءا للناس من غير اخلاص فى العمل

فان قيل قد ورد فى بعض طرق حديث ابى هريرة و غيره فاذا لم يبق الا المؤمنون و فيهم المنافقون جاءهم اللّه الحديث الى قوله فيكشف لهم عن ساق و يتجلى لهم من عظمته ما يعرفون انه ربهم فيخرون ساجدين على وجوههم و يخر كل منافق على قفاه و يجعل اللّه أصلابهم كصياصى البقر

قلنا الظاهر بالمنافق هاهنا المنافق فى الأعمال و فروع العقائد دون المنافق فى اصول الاعتقادات إذ المنافق فى اصول الاعتقادات أولئك هم الكافرون حقا بل أشد كفراوهم فى الدرك الأسفل من النار و هم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فكيف يكون لهم ذلك الكرامة من روية اللّه تعالى و قد ورد فى الأحاديث لفظ المنافق فى حق العصاة حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اربع من كن فيه منافق خالصا و من كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان و إذا حدث كذب و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجر متفق عليه من حديث عبد اللّه بن عمرو فى الصحيحين عن ابى هريرة مرفوعا اية المنافق ثلث رواه مسلم و ان صام و صلى و زعم انه مسلم ثم اتفقا إذا حدث كذب و إذا وعد خاف و إذا ائتمن خان.

٤٣

خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ الخشوع صفة للذوات أسند الى الابصار تجوز الظهوره فيها تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ اى يلحقهم ذلة وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فى الدنيا فلم يسجدوا كما أمرهم اللّه بالإخلاص وَ هُمْ سالِمُونَ عن كون ظهورهم طبقة واحدة حال من فاعل يدعون الثاني و قوله تعالى خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة و قد كانوا يدعون كلها احوال من فاعل يدعون الاول و فى قوله تعالى و قد كانوا يدعون الى السجود و هم سالمون تعليل لعدم استطاعتهم على السجود فى الاخرة.

٤٤

فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ معطوف على الضمير المنصوب فى ذرنى او مفعول بِهذَا الْحَدِيثِ القران جملة فذرنى معترضة لوعيد الكفار و تسلية النبي صلى اللّه عليه و سلم اى لا تغتم و كله الى فانى أكفيكه سَنَسْتَدْرِجُهُمْ الضمير المنصوب راجع الى من اعتبارا بمعناه الدرج طى الكتاب و الثوب يقال للمطوى و رجى استعير الدرج للموت كما استعير الطى له كذا قال الجوهري و قال قوله تعالى سنستدرجهم قيل معناه سنطويهم طى الكتاب عبارة عن إغفالهم و قيل معناه ناخذهم درجة فدرجة و ذلك ادنائهم من امسى شيئا فشيئا كالمراتى و المنان و الحاصل سنأخذهم بالعذاب بتدريج و امهال مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ كيف يجئ العذاب بهم.

٤٥

وَ أُمْلِي لَهُمْ اى امهلهم إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ قوى لا يطاق دفعه جملة مستانفة و الكيد المكر و الحيلة و اظهار خلاف ما أضمر من السوء فالكيد من اللّه الانتقام بصورة الانعام قال الجوهري فى قوله تعالى ان كيدى متين قال بعضهم أراد بالكيد العذاب و الصحيح هو الاملاء و الامهال يعنى ليس ما نعطيهم فى الدنيا من النعم تفضلا لهم على المؤمنين كما زعموا بل كيد و استدراج لهم (فائدة) من ارتكب المعصية فعوقب عليها بمصيبة فى الدنيا يرجى مغفرة ذنبه و من ارتكب المعصية ثم يرى عليه ازدياد النعمة يخشى عليه المكر و الاستدراج نعوذ باللّه منه.

٤٦

أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً على التبليغ أم منقطعة بمعنى بل و الهمزة معطوفة على قوله تعالى أم لهم شركاء و ما بينهما معترضات فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ فيعرضون عنك بلا حجة دفعا للغرامة الجملة الاسمية معطوفة بالفاء السببية على العقلية اى تسئلهم.

٤٧

أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ اى اللوح المحفوظ او المغيبات فَهُمْ يَكْتُبُونَ منه ما يحكمون جملة أم عندهم معطوفة على أم تسئلهم ذكر اللّه سبحانه فيما سبق نفى الدليل التحقيقى العقلي و السمعي و التقليد الذي يستدلون به العوام و ذكر هاهنا نفى الكشف عن المغيبات و الإلهام الذي هو سبب لحصول العلم للخواص من الأنبياء و الملائكة و بعض الأولياء فان اللّه تعالى يكشف عليهم اللوح المحفوظ و المغيبات إذا شاء يعنى ليس شى ء مما ذكرنا عندهم فما يحكمون به ليس الا باطلا لغوا.

٤٨

فَاصْبِرْ يا محمد صلى اللّه عليه و سلم على اذاهم فانهم لا يقولون ما يقولون الا بلا حجة لِحُكْمِ رَبِّكَ لقضائه بأخذ الكفار بالامهال و الاستدراج و لا تضجر و لا تعجل وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ فى الضجر و الاستعجال معطوف على فاصبر قال وهب ان يونس بن متى عليه السلام كان عبدا صالحا و كان فى خلقه ضيق فلما حمل عليه أثقال النبوة تضح تحتها تفسح الربع تحت الحمل الثقيل يقذفها بين يديه و يخرج هاربا منها فلذلك أخرجه اللّه من اولى العزم و قال للنبى صلى اللّه عليه و سلم فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل و لا تكن كصاحب الحوت و قصته على ما ذكره ابن مسعود و سعيد بن جبير و وهب ان اللّه تعالى أرسله الى اهل نينوى من ارض الموصل و هم مائة الف او يزيدون فدعاهم الى اللّه تعالى فابوا فاخبرهم ان العذاب صبحهم الى ثلث فقالوا لم يحزب عليه كذبا فانظروا فان بات فيكم تلك الليلة فليس بشئ و ان لم يبت فاعلموا ان العذاب مصبحكم فخرج يونس عليه السلام فى جوف تلك الليلة من بينهم فلما أصبحوا لفشاهم العذاب فكان فوق رؤسهم على قدر ميل و غامت السماء غيما اسودها بل يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشى مدينتهم و اسودت سطوحهم فلما رأوا ذلك تيقنوا بالهلاك فطلبوا يونس بينهم فلم يجدوه فقذف اللّه فى قلوبهم التوبة فخرجوا الى الصعيد بانفسهم و نسائهم و صبيانهم و دوابهم و لبسوا المسوح و أظهروا الايمان و التوبة و أخلصوا النية و فرقوا بين كل والدة و ولدها من الناس و الانعام فحسن بعضهم الى بعض و علت أصواتها و تضرعوا الى اللّه عز و جل و قالوا أمنا بما جاء به يونس فرحمهم ربهم و استجاب دعائهم فكشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم و ذلك يوم عاشوراء و كان يونس قد خرج ينتظر العذاب و هلاك قومه فلم ير شيئا و كان من كذب و لم يكن له بينة قبل فقال يونس عليه السلام كيف ارجع الى قومى و قد كذبتم فانطلق فاتى البحر فاذا قوم يركبون سفينة فعرفوه فحملوه بغير اجر فوقعت السفينة لا ترجع و لا يتقدم فقالوا ان لسفينتنا لشانا قال يونس عليه السلام قد عرفت شانها ركبها رجل ذو خطيئة قالوا و من هو قال انا اقذفونى فى البحر قالوا ما كنا نطرحك من هاهنا حتى نفداك فى شانها فاستهموا فاعترفوا ثلث مرات فادحض سهمه و الحوت عند رجل السفينة فاغرقاه منتظرا امر ربه فيه فقال يونس عليه السلام انكم و اللّه لتهلكن جميعا او لتطرحونى فيها فقذفوه فيه فانطلقوا و أخذته الحوت و فى رواية ابن عباس انه قال الملاحون حين احتبست السفينة هاهنا رجل عاص او عبد ابق هذا رسم السفينة و من رسمنا ان نقرع فاقترعوا ثلثا و وقعت القرعة على يونس فالقى نفسه فى الماء فابتلعه الحوت و ابتلع هذا الحوت حوت اخر اكبر منه اوحى اللّه تعالى الى الحوت انا لم نجعل يونس لك قوتا انما جعلنا بطنك حرزا و مسجد او فى رواية سجنا و روى ان اقام قبل القرعة و قال انا العبد العاصي الآبق فقالوا لا نلقينك يا رسول اللّه حتى نستاهم فوجب القرعة عليه فالقى نفسه فى الماء و روى فى القصة انه لما وصل الى البحر كانت معه امرأته و ابنان له فجاء مركب و أراد ان يركب فقدم امرأته لتركب بعدها فحال الموج بينه و بين المركب ثم جاءت موجة اخرى و أخذت ابنه الأكبر و جاء ذئب و أخذ الابن الأصغر فريدا فجاء مركب اخر فركبه فاحتبست السفينة إلخ قال ابن مسعود و ابتلعه الحوت فاهوى به الى قرار الأرض السابعة و كان فى بطنه أربعين ليلة فسمع تسبيح الحصى فنادى فى الظلمات ان لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين و ذلك قوله تعالى إِذْ نادى وَ هُوَ مَكْظُومٌ اى حملوا غيظا و غما لاجل الوقوع فى المعصية و التعب و الظرف متعلق بمحذوف اى اذكر لا بالنهى لان ندائه سبحانه امر حسن لا يمكن ان يكون منهيا عنه و تقدير الكلام لا تكن كصاحب الحوت مستعجلا فى عقوبة الكفار و اذكر إذ نادى بالتوبة و هو مكظوم حيث لم يكظم الغيظ الا لاستعجاله و عدم صبره.

٤٩

لَوْ لا امتناعية أَنْ تَدارَكَهُ فعل ماض بمعنى أدركه و حسن تذكير القول للفصل او مضارع منصوب بحذف تاء التفاعل حكاية عن الحال الماضي مبتداء بتأويل المصدر نِعْمَةٌ فاعل للفعل مِنْ رَبِّهِ صفة له اى رحمته و توفيق التوبة و قبولها و خبر المبتدا محذوف تقديره لو لا تدارك و نعمة ربه إياه موجود لَنُبِذَ جواب لو لا بِالْعَراءِ اى الأرض الخالية عن الشجر و البناء وَ هُوَ مَذْمُومٌ حال من فاعل نبذ يعتمد عليه الجواب و يتوجه النفي الى ذلك اى لو لا الرحمة لنبذ مذموما على عدم التثبت و الخروج من اظهر القوم بغير اذن من اللّه و ترك الاولى يعد ذنبا بالنسبة الى الأنبياء لعظمة شانهم و ان لم يكن ذنبا فى الحقيقة منافيا للعصمة لكن تداركه الرحمة لما نادى اللّه تعالى و تاب فنبذ بالعراء و هو سقيم كما فى سورة الصافات محمودا مرحوما وقع فى رواية العوفى و غيره عن ابن عباس قال كان يونس و قومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة و نصفا من الأسباط و بقي سبطان و نصف فاوحى اللّه تعالى الى شعيا النبي ان اسر الى حزقيا الملك و قل له حتى يوجهه متينا قويا فانى القى فى قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بنى إسرائيل و كان فى مملكته خمسة من الأنبياء فدعى الملك يونس و امره ان يخرج فقال يونس هل أمرك اللّه باخراجى قال لا قال فهل سمانى قال لا قال فههنا غيرى أنبياء أقويا فالحوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا فاتى بحر الروم فركبها الى اخر القصة.

٥٠

فَاجْتَباهُ رَبُّهُ ورد الوحى اليه فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ عطف على اجتباه اى جعله من الكاملين فى الصلاح بالعصمة من ان يقول ما تركه اولى لا بد للصوفى الصبر على إيذاء الخلق و لا يجوز له ان يدعو على من أنكره فان اللّه سبحانه و تعالى لم يأذن بالدعاء على الكفار و امر بالصبر فكيف على منكر الولي من المؤمنين و اللّه اعلم

قال البغوي أراد الكفار ان يصيبوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالعين فنظر اليه قوم من قريش قالوا ما راينا مثله و مثل حججه و قيل كانت العين من بنى اسد حتى كانت الناقة و البقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول يا جارية خذى المكتل و الدرهم فأتينا بشئ من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر و قال الكلبي كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين او ثلثة ثم يرجع خبائه فتمر به الإبل و الغنم فيقول لم ار كاليوم ابلا و لا غنما احسن من هذه فما يذهب قليلا الا يسقط منها طائفة و عدة فسال الكفار هذا الرجل ان يصيب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالعين و يفعل مثل ذلك فعصم اللّه نبيه و انزل.

٥١

وَ إِنْ مخففة من المثقلة يدل عليه اللام فى الخبر يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ خبر يكاد قرا نافع بفتح الياء من المجرد و الباقون بالضم من الافعال و هما لغتان يقال زلقه يزلقه ازلاقا و معناه ينفذ ذلك يقال زلق ألسنتهم إذا نفذ قال السدى يصيبونك بعيونهم و قيل يزلقونك و قال الكلبي يصرعونك بِأَبْصارِهِمْ متعلق بيزلقون و كذا قوله لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم ان العين ليدخل الرجل القبر و الجمل القدر أخرجه ابو نعيم فى الحلية و ابن عدى عن ابى ذر نحوه رواه ابن عدى و فى الصحيحين و غيرهما عن ابى هريرة العين حق و عند احمد و مسلم عن ابن عباس العين حق و لو كان شى ء سابق القدر سبقته العين و إذا استغسلتم فاغسلوا و فى رواية عن ابى هريرة العين حق يحضرها الشيطان و حسد ابن آدم و عن صبيد بن رفاعة ان اسماء بنت عميس قالت يا رسول اللّه ان بنى جعفر يصيبهم العين فاسترق لهم قال نعم فلو كان شى ء يسبق القضاء يسبقه العين رواه البغوي و اللّه تعالى اعلم و قال ابن قتيبة ليس اللّه يريد انهم يصيبونك بأعينهم كما نصيب العائن بعينه أراد انهم ينظرون إليك إذا قرأت القران نظرا شديدا بالعداوة و البغضاء يكاد يسقطك يقال نظر الى نظرا يكاد يصرعنى و نظيرا يكاد يأكلني كناية عن العداوة و يدل على صحة هذا المعنى تقييده بسماع القران فانهم كانوا عنه ذلك كارهين أشد الكراهة و يجدون اليه النظر بالبغضاء وَ يَقُولُونَ إذ يسمعونه يقرأ القرآن إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ جملة يقولون معطوفة على معنى ان يكاد الذين كفروا.

٥٢

وَ ما هُوَ اى القران إِلَّا ذِكْرٌ موعظة لِلْعالَمِينَ يعنى ما هو بمجنون و القران ليس مما يتكلم به المجانين بل القران ذكر عام لا يدركه و لا يناطاه الا من كان من أكمل الناس و امتنهم رأيا قال شيخى و امامى مولانا يعقوب الكرخي رض يحتمل ان يكون الضمير هو راجعا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم اى ما هو اى النبي الا ذكرا اى مذكرا للعالمين على طريق زيد عدل عن حنظلة قال لقينى ابو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قلت نافق حنظلة قال سبحان اللّه ما تقول قلت فكون عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يذكرنا بالنار و الجنة كانا راى عين فاذا خرجنا من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عافينا الأزواج و الأولاد و الضيعات نسينا كثيرا قال ابو بكر انا لنلقى مثل هذا فانطلقت انا و ابو بكر حتى دخلنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت نافق حنظلة يا رسول اللّه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ما ذاك قلت يا رسول اللّه نكون عندك تذكرنا بالنار و الجنة كان رأى عين فاذا خرجنا من عندك عافينا الأزواج و الأولاد و الضيعات نسينا كثيرا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذي نفسى بيدي لو تدومون على ما تكونون عندى فى الذكر لصافحتكم الملئكة على فرشكم و فى طرقكم و لكن يا حنظلة ساعة و ساعة ثلث مرات رواه مسلم-

(فائده) و هذه علامة اولياء اللّه تعالى ان اللّه يذكر برويتهم و ذكرهم و قد ورد فى بعض الاخبار المرفوعة ان النبي صلى اللّه عليه و سلم سئل من اولياء اللّه تعالى قال الذين إذا رأوا ذكر اللّه و يروى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال اللّه تعالى ان أوليائي من عبادى الذين يذكرون بذكرى و اذكر بذكرهم و اللّه تعالى اعلم-

(فائده) قال الحسن دواء إصابة العين ان يقرأ الإنسان وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ الاية و اللّه تعالى اعلم بالصواب.

﴿ ٠