سُورَةُ الْمَعَارِجِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ أَرْبَعٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً

مكيّة و هى اربع و أربعون اية

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

سَأَلَ قرأ نافع و ابن عامر سال بالألف ساكنة بدلا من الهمزة و الباقون بهمزة و حمزة يجعلها فى الوقف بين بين سائِلٌ اخرج النسائي و ابن ابى حاتم عن ابن عباس انه قال هو النضر ابن حارث قال اللّهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم و كذا اخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال و كان عذابه يوم بدر فالمراد بالسؤال على هذا الدعاء و يدل على ذلك تعديته بالباء و يحتمل ان يكون سال على قراءة نافع من السيلان و المعنى سال واد بعذاب و معنى الفعل لتحقق وقوعه اما فى الدنيا و هو قتل بدر او فى الاخرة و هو عذاب النار

قال البغوي سائل واد من اودية جهنم يروى ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن اسلم

و اخرج ابن المنذر عن الحسن قال نزلت سال سائل بعذاب واقع فقال الناس على من يقع العذاب فانزل اللّه عز و جل على الكافرين ليس له دافع فح يكون السؤال للاستفهام فالباء ح فى قوله تعالى بِعَذابٍ بمعنى عن او يكون تعديته بالباء لتضمن سال معنى أهم واقِعٍ صفة لعذاب.

٢

لِلْكافِرينَ صفة اخرى لعذاب او صلة الواقع و ان كان السؤال عمن يقع به العذاب كان جوابا ليس له دافع صفة اخرى للعذاب او هو فى حيز الجواب اى واقع للكافرين لَيْسَ لَهُ دافِعٌ

٣

مِنَ اللّه من جهة اللّه لتعلق إرادته ذِي الْمَعارِجِ صفة للّه تعالى اى ذى المصاعد قال سعيد بن جبير ذى الدرجات قلت و هى درجات القرب التي لا كيف لها التي تبلغ إليها الأنبياء و الملئكة و الأولياء و درجات القبول يصعد فيها الكلم الطيب و العمل الصالح او المصاعد فى دار الثواب و درجات الجنة عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض و الفردوس أعلاها درجة منها تفجرا نهار الجنة الاربعة و من فوقها يكون العرش فاذا سالتموا اللّه تعالى فاسئلوه الفردوس رواه الترمذي و عن ابى هريرة نحوه و فيه ما بين الدرجتين مائة عام و عن ابى سعيد الخدري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اهل الجنة يتراوون اهل العرف من بينهم كما تراوون الكواكب الدري الغابر فى الأفق من المشرق او المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلك ينال الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى و الذي نفسى بيده رجال أمنوا باللّه و صدقوا المرسلين متفق عليه و قال ابن مسعود ذى السموات سماها معارج لان الملائكة يعرج فيها و قال قتادة ذى الفواضل.

٤

تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ قرأ الكسائي يعرج بالياء على التذكير و الباقون بالتاء على التأنيث و الجملة صفة للمعارج على طريقة و لقد امر على اللئيم يسبنى و الرابط محذوف اى تعرج فيها الملائكة و الروح اليه و الروح جبرئيل عليه السلام و أفرده لفضله او أعظم خلق من الملائكة قلت و يحتمل ان يكون المراد بالروح روح البشر الذي هو من عالم الأمر فان أرواح البشر من الأولياء و الأنبياء تعرج من خفض البعد و الغفلة الى معارج القرب و الحضرة إِلَيْهِ اى الى اللّه سبحانه او الى عرشه فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ج الظرف متعلق بمحذوف دل عليه واقع اى يقع العذاب بهم فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة يعنى يوم القيامة كذا اخرج البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس و قال يمان يوم القيامة فيه خمسين موطنا كل موطن الف سنة روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من صاحب كنز لا يؤدى زكوة الكنز الا احمى عليه فى نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه و جبينه حتى يحكم اللّه بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة و اما الى النار و ما من صاحب ابل لا يودى زكوتها الا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقركا و فرما كانت تستن عليه لا يفقد منها- فصيلا واحدا يطأ بأخفافها و تعضه بأفواهها كلما مر عليه أوليها رد عليه أخريها فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله اما الى الجنة و اما الى النار و ما من صاحب غنم لا يودى زكوتها الأبطح له بقاع فرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء و لا جلجاء و لا غضباء تنطحه بقرونها و تطأه باظلافها كما مر عليه أوليها رد عليه أخريها فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله اما الى الجنة و اما الى النار

و اخرج احمد و ابو يعلى و ابن حبان و البيهقي بسند حسن عن ابى سعيد قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن يوم كان مقداره خمسين الف سنة ما أطول هذا اليوم فقال و الذي نفسى بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا قلت فعلى هذا التأويل لا تصادم بين هذه الاية و بين قوله تعالى فى تنزيل السجدة يدبّر الأمر من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون إذ معناه يحكم اللّه تعالى بالأمر و ينزل به جبرئيل من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه جبرئيل فى يوم من ايام الدنيا و كان قدر سيره الف سنة خمسمائة سنة نزوله و خمسمائة عروجه لان ما بين السماء و الأرض خمسمائة عام يعنى لو سار تلك المسافة واحد من بنى آدم لم يقطعه الا فى الف سنة لكن الملائكة يقطعون فى يوم واحد بل فى ادنى زمان اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى تعرج اليه فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون قال هذا فى الدنيا تعرج الملائكة فى يوم كان مقداره الف سنة و فى قوله تعالى فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة قال هذا يوم القيامة جعله اللّه تعالى على الكافرين مقدار خمسين الف سنة و قيل المراد من الآيتين يوم القيامة يكون على بعضهم أطول و على بعضهم اقصر حتى يكون على المؤمنين أهون من الصلاة المكتوبة كما مر

و اخرج الحاكم و البيهقي عن ابى هريرة مرفوعا و موقوفا يكون على المؤمنين كمقدار ما بين الظهر و العصر و حينئذ معنى قوله تعالى يدبّر الأمر من السماء الى الأرض مدة ايام الدنيا ثم يعرج اى يرجع الأمر و التدبير اليه بعد فناء الدنيا و انقطاع امر الأمراء و حكم الحكام فى يوم كان مقداره الف سنة و قيل الظرف فى هذه الاية اعنى قوله تعالى فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة متعلق بيعرج كما هو متعلق فى سورة التنزيل و وجه الجمع بين الآيتين ان المراد فى اية سورة التنزيل انه يدبر الأمر من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه من الأرض الى السماء فى يوم و قدر مسيره الف سنة لان ما بين السماء و الأرض خمسمائة عام فصار نزوله و عروجه الف سنة و المراد فى هذه السورة مدة المسافة من منتهى الأرض السابعة الى منتهى أعلى السموات فوق السماء السابعة

قال البغوي روى ليث عن مجاهد ان مقدار هذا خمسين الف سنة و قال محمد بن اسحق لو سار ابن آدم من الدنيا الى موضع العرش سيرا طبيعنا له سار خمسين الف سنة و من هاهنا قالت الصوافية العلية ان فناء القلب الذي يحصل للصوفى بالجذب من اللّه تعالى بتوسط النبي صلى اللّه عليه و سلم و المشائخ لو أراد واحد ان يحصله بالعبادات و الرياضات من غير جذب من الشيخ فانما يحصل له فى زمان كان مقداره خمسين الف سنة و إذا لم يتصور بقاء أحد بل بقاء الدنيا الى هذه المدة ظهران الوصول الى اللّه تعالى من غير جذب منه تعالى بتوسط أحد من المشائخ كما هو المعتاد و بلا توسط روح رجل كما يكون لبعض الآيسين من الافراد محال و اللّه المستعان.

٥

فَاصْبِرْ يا محمد على تكذيبهم صَبْراً جَمِيلًا لا يشعر به استعجال و اضطراب و جزع و الفاء للسببية متعلق بسال فان السؤال عن تعنت و استهزاء و ذلك مما نضجر به فالمعنى فاصبر و لا نضجر عن سوالهم و لا تستعجل فى عقوبتهم او متعلق بسال على قراءة نافع او بمحذوف متعلق به فى يوم على معنى فاصبر فقد سال بهم العذاب و قرب وقوعه يقع.

٦

إِنَّهُمْ اى الكفار يَرَوْنَهُ اى العذاب بَعِيداً من الإمكان او مستبعدا فى العقل محتملا احتمالا ضعيفا.

٧

وَ نَراهُ قَرِيباً فى الوقوع فان كل ما هو ات قريب و القرب فى الوقوع يستلزم على تقدير كونه متعلقا بمحذوف و ان كان هو متعلقا بيعرج فهذا متعلق بمضمر دل عليه واقع.

٨

يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ المذاب من النحاس و غيره من الفلزات او دردى الزيت اخرج البيهقي عن ابن مسعود قال السماء يكون الوانا تكون كالمهل و تكون وردا كالدهان و تكون واهية تشقق فيكون حالا بعد حال.

٩

وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ اى كالصوف المصبوغ الوانا لان الجبال مختلفة الألوان فاذا بسطت و طيرت فى الهواء اشتبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح.

١٠

وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً لا يسئل قريب لشدة ما يقع على نفسه معطوف على تكون أضيف اليه يوم بواسطة حرف العطف قرا البراء عن ابن كثير لا يسال بضم الياء على بناء المفعول اى لا يطلب حميم من حميم او لا يسال منه حاله و هذا الاختلاف ليس فى المشهور و لم يذكره فى التيسير.

١١

يُبَصَّرُونَهُمْ ط اى يرونهم صفة لحميم او استيناف يدل على ان المانع من السؤال ليس الخفاء بل اما تشاغل كل عن السؤال عن غيره لشدة على نفسه او الغيبة عن السؤال بمشاهدة الحال كبياض الوجه و سواده و نحو ذلك و جمع الضميرين لعموم الحميم لوقوعه نكرة فى حيز النفي

قال البغوي ليس فى القيامة مخلوق الا و هو نصب عين صاحبه من الجن و الانس فيكون للرجل أباه و أخاه و قرابته و يبصر حميمه فلا يكلمه لاشتغاله بنفسه و قيل معنى يبصرونهم يعترفونهم اما المؤمن فبياض الوجه و اما الكافر فبسواد الوجه يَوَدُّ يتمنى الْمُجْرِمُ المشرك الجملة حال من فاعل يبصرونهم او من مفعوله و العائد وضع المظهر موضع الضمير او مستأنفة فى جواب ما يصنع المجرم يعنى ان المجرم يشتغل بنفسه عن غيره بحيث يتمنى ان يفتدى بأقرب الناس و أحبهم اليه فى الدنيا فضلا ان يهتم بحاله و يساله و على هذا قوله تعالى لا يسئل حميم حميما مختص بالكفار و اما المؤمنون فيسالون احمامهم و يشفعون لهم و قد تواتر فى ذلك الأحاديث بالمعنى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذي نفسى بيده ما منكم من أحد باشد منا شدة فى الحق قد تبين لكم من المؤمنين للّه تعالى يوم القيامة لاخوانهم الذين فى النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا الحديث متفق عليه و فى حديث طويل عن ابى سعيد الخدري لَوْ يَفْتَدِي اى المجرم او المتمنى و الجملة بيان للوداد مِنْ عَذابِ متعلق بيفتدى مضاف الى يَوْمِئِذٍ قرأه الجمهور مجرورا بالاضافة

و قرا نافع و الكسائي بفتح الميم لاكتسابه البناء من المضاف اليه بِبَنِيهِ مع ما عطف عليه متعلق بيفتدى.

١٢

وَ صاحِبَتِهِ زوجته وَ أَخِيهِ

١٣

وَ فَصِيلَتِهِ اى عشيرته الذين فصل عنهم الَّتِي تُؤْوِيهِ عند الشدائد.

١٤

وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من الثقلين و الخلائق ثُمَّ يُنْجِيهِ ذلك الافتداء معطوف على يفتدى عطف بثم للاستبعاد.

١٥

كَلَّا لا ينجيه من عذاب اللّه شى ء ردع المجرم عن الوداد إِنَّها الضمير لغير مذكور و هى النار يدل عليه العذاب او ضمير مبهم يفسره لَظى و هو خبر او بدل او الضمير للقصة و لظى مبتداء و خبره ما بعده على تقدير كونه مرفوعا و اللظى اللّهب الخالص

قال البغوي هو اسم من اسماء الجهنم و قيل هى الدركة الثانية سميت بذلك لانها تتلظى اى تتلهب امال الحمزة و الكسائي لظى و للشوى و تولىّ و فاوعى و ورش و ابو عمر بين بين و الباقون بالفتح.

١٦

نَزَّاعَةً لِلشَّوى اى الأطراف اليدان و الرجلان او جمع شواة و هى لجلدة الراس كذا قال مجاهد و روى ابراهيم بن مهاجر عنه اللحم دون العظام قال سعيد بن جبير عن ابن عباس العصب و العقب و قال الكلبي يأكل الدماغ كله ثم يعود كما كان قرا حفص عن عاصم نزاعة بالنصب على الاختصاص او الحال الموكدة مرادف او المنتقلة على ان لظى بمعنى ملتظية و الباقون بالرفع.

١٧

تَدْعُوا اى النار خبر بعد خبر لان او للظى مَنْ أَدْبَرَ عن الحق وَ تَوَلَّى عن الطاعة فيقول النار الىّ يا مشرك الىّ يا منافق الىّ الىّ- قال ابن عباس يدعو الكافرين و المنافقين بأسمائهم بلسان فصيح ثم يلتقطهم كما يلتقط الطير الحب.

١٨

وَ جَمَعَ المال فَأَوْعى اى جعله فى وعاء و امسكه و لم يود حق اللّه تعالى عنه.

١٩

إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً حال مقدرة ان أريد اتصافه بالهلع بالفعل و محققة ان أريد اشتماله على مبدأ تلك الصفة فانها من امور الجبلية التي هى من رذائل النفس المقتضى للاتصاف به بالقوة و جملة ان الإنسان فى محل التعليل لقوله أدبر إلخ و الهلوع الحريص على ما لا يحل له رواه السدى عن ابى صالح عن ابن عباس و قال سعيد بن جبير الشحيح و قال عكرمة الضجور و قال قتادة الجزوع و قال مقاتل ضيق القلب و الهلع شدة الحرص و قلة الصبر و قال عطية عن ابن عباس تفسيره ما بعده و هو قوله تعالى.

٢٠

إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً لا يصبر.

٢١

وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ المال مَنُوعاً لا ينفق فى سبيل اللّه و لا يشكر عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم الا التراب و يتوب اللّه على من تاب متفق عليه و عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يهرم ابن آدم و يشب منه اثنان الحرص على المال و الحرص على العمر متفق عليه.

٢٢

إِلَّا الْمُصَلِّينَ اى المؤمنين الكاملين عبر بالمصلى عن المؤمن اى المؤمن الكامل كما عبر بالايمان عن الصلاة فى قوله تعالى ان اللّه لا يضيع ايمانكم فان الصلاة أعلى مقامات المؤمن و هى معراج المؤمن و عماد الدين قال المجدد حقيقة الصلاة فوق سائر المقامات التي يمكن حصولها للبشر و الاستثناء متصل ان كان اللام فى الإنسان للجنس او للاستغراق فهو مفرد فى معنى الجمع او المعنى ان المجرم أدبر و تولى إلخ لان جنس الإنسان او كل فرد منه خلق مقدرا منه الهلع الا المؤمنين الكاملين الموصوفين بالصفات المذكورة الدالة على الاستغراق فى طاعة اللّه تعالى و الإشفاق على الخلق و الايمان بالجزاء و الخوف من العقوبة و كسر الشهوة و عدم إيثار العاجل على الاجل فانهم لم يخلقوا هلوعا بل خلقوا مقدرا منهم الصبر على الضراء و الشكر على السراء الموجبين للاكرام فى الجنات روى مسلم عن حبيب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله له خير و ليس ذلك لاحد الا المؤمن ان أصابته السراء شكر فكان خير اله و ان أصابته ضراء صبر فكان خيرا فعلى هذا التأويل وزان هذه الاية وزان قوله تعالى ان الإنسان لفى خسر الا الذين أمنوا إلخ و يجوز ان يكون الاستثناء منقطعا ان كان اللام فى الإنسان للعهد و المعنى ح المجرم الذي أدبر و تولى إلخ خلق هلوعا لكن المؤمن الموصوف بتلك الصفات لم يخلق كذلك بل خلق مستعدا للاكرام فى الجنات و على كلا التأويلين تدل هذه الاية على ان استعدادات الإنسان مختلفة فى اصل الخلقة كما قال به المجدد ان مبادى تعينات المؤمن جزئيات للاسم الهادي و مبادى تعينات الكفار جزئيات لاسم المضل و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه خلق للجنة أهلا خلقهم لها و هم فى أصلاب ابائهم و خلق للنار أهلا خلقهم لها و هم فى أصلاب ابائهم رواه مسلم و فى الباب أحاديث كثيرة جدا.

٢٣

الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ اى مقبلون فى الصلاة بقلوبهم الى اللّه تعالى و بأبصارهم الى موضع السجود دائما ما داموا فى الصلاة فهذا بمعنى ما أورد فى سورة المؤمنين الذين هم فى صلوتهم خاشعون فلا يلزم التكرار بقوله تعالى و الذين هم على صلوتهم يحافظون إذ المراد بالدوام دوام الحضور بالمحافظة التحرز عن فواتها و فوات شرائطها و أركانها و آدابها روى البغوي بسنده عن ابى الخير انه قال سالنا عقبة بن عامر عن قول اللّه عز و جل الذين هم على صلوتهم دائمون الذين يصلون ابدا قال لا و لكنه إذا صلى لا يلتفت عن يمينه و لا عن شماله و لا خلفه و روى احمد و ابو داود و النسائي و الدارمي عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يزال اللّه عز و جل مقبلا على العبد و هو فى صلوته ما لم يلتفت فاذا التفت انصرف عنه و روى البيهقي فى السنن الكبير عن انس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يا انس اجعل بصرك حيث تسجد و روى الترمذي عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الالتفات فى الصلاة هلكة (فائدة) فى جعل البصر حيث يسجد تأثير عظيم لدفع الخطرات و حضور القلب.

٢٤

وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ كالزكوة و الصدقات الموظفة.

٢٥

لِلسَّائِلِ الذي يسال وَ الْمَحْرُومِ الذي لا يسال فيحرم عن العطاء غالبا قوله للسائل إلخ صفة لحق بعد صفة.

٢٦

وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ فان التصديق بيوم الدين لو كان على حقيقة لا يكون الإنسان جزوعا فى الشر بل صابرا تحسبا و لا منوعا فى الخير فتقف طالبا للثواب.

٢٧

وَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ج خائفون على أنفسهم فان مقتضى التصديق و الايمان الخوف و الرجاء.

٢٨

إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ص لا يقدر على منعه أحد.

٢٩

وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ قدم المفعول لرعاية الفواصل و زيدت اللام لتقوية عمل المشتق و الفرج اسم سوئة الرجل و المرأة و حفظ الفرج عدم استعماله فيما يشتهيه.

٣٠

إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ استثناء مفرغ و انما صح فى الإثبات لتضمن الحفظ معنى النفي و على صلة للحافظين من قولك احفظ على عنان فرسى اى يحفظون فروجهم على النساء الا على أزواجهم فهى حينئذ بمعنى من او حال اى حفظوها فى كافة الأحوال الا فى حال التزوج او التسرى و يحتمل ان يكون الاستثناء من فعل منفى مقدر دل عليه الحفظ اى يحفظون فروجهم لا يبذلونها على امرأة الا على أزواجهم أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ اى سرياتهم و انما قال ما بإجراء المماليك مجرى غير العقلاء فان الشرع ألحقهم بها عقابا على كفرهم فاجاز بيعهم و استخدامهم و المراد بها ملكت ايمانهم السرايا دون العبيد فانه لا يجوز للرجال إتيان العبد فى دبره لما بيّنا حرمته فى سورة البقرة بالسنة و القياس فى تفسير قوله تعالى و يسئلونك عن المحيض قل هو أذى

فان قيل كيف يقدم السنة و القياس على نص الكتاب الوارد هاهنا لعموم قوله تعالى ما ملكت ايمانهم العبيد و الإماء

قلنا ليس على هذا اجماعا فانه لا يجوز وطى امرأة فى حالة الحيض و الظهار و لا وطى امة محرمة عليه بالرضاع فيجوز تخصيص هذا النص بخبر الآحاد و القياس و لا يجوز للمرأة الاستمتاع بفرج عبده فان كلمة على فى قوله تعالى على أزواجهم و كلمة ما التي هى لغير العقلاء تدلان على جواز استعمال المماليك استعمال المفترش لا على عكس ذلك فى و طى الامة دون تمكين العبد فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ج تعليل لمضمون الاستثناء فان عدم حفظ الفرج عن الزوجة و السرية و إتيانهن على وجه مشروع لا يلام عليه فانه مباح ضرورة ابقاء النسل و سياق الكلام يدل على ان الأصل فى الجماع الحرمة كما ذكرنا فى سورة البقرة و انما صح بشرائط من النكاح او ملك اليمين و عدم الجزئية و الطهارة من الحيض و النفاس و الإتيان فى محل الولد دون الدبر.

٣١

فَمَنِ الفاء للسببية ابْتَغى اى طلب الإتيان وَراءَ ذلِكَ اى وراء الزوجات و السرايا فَأُولئِكَ المبتغين وراء ذلك هُمُ العادُونَ ج الكاملون فى العدوان حيث اتى بفعل حرام مع الكفاية بما أحل اللّه تعالى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أيما رجل راى امرأة تعجبه فليقم الى اهله فان معها مثل الذي معها رواه الدارمي عن ابن مسعود (مسئلة:) و هذه الاية تدل على انه لا يجوز متعة النكاح فان المرأة لا تدخل بالمتعة فى الزوجات حتى ان القائلين بإباحتها لا يقولون بجريان التوارث بالمتعة و

قال البغوي و فيه دليل على ان الاستمناء باليد حرام و هو قول العلماء قال ابن جريح سالت عطاء عنه فقال مكروه سمعت ان قوما يحشرون و أيديهم حبالى فاظن انهم هؤلاء و عن سعيد بن جبير قال عذب اللّه امّة كانوا يعبثون بمذاكيرهم قلت و فى الباب حديث انس رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ملعون من نكح يده رواه الأزدي فى الضعفاء و ابن الجوزي من طريق الحسن بن عرفة فى جزئية المشهور بلفظ سبعة لا ينظر اللّه إليهم فذكر الناكح يده و اسناده ضعيف.

٣٢

وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ قرأ ابن كثير لاماناتهم هاهنا و فى المؤمنين بغير الف على التوحيد و الباقون على الجمع وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ حافظون اى يحفظون الأمانات و يودونها الى أهلها فمنها ما هى بينه و بين اللّه تعالى كالصلوة و الصوم و الغسل من الجنابة و غير ذلك و الفرائض الواجبة حقا للّه تعالى و من هذا الباب اضافة الكمالات من الوجود و توابعها و النعماء الظاهرة و الباطنة كله الى اللّه تعالى فيجب العلم و الإقرار بانها كلها من عواردى اللّه المستودعة حتى يجد نفسه فقرا خاليا عنها حين وجودها كلابس ثوب العارية عارى فى الحقيقة فيعلم ان الكبرياء و العظمة رداء اللّه تعالى و إزاره لا يجوز لاحد التنازع فيه و يشكر عند وجود النعم و يصير عند سلبها و لا يجزع و منها ما هى بين العباد كالودائع و البضائع و العواري فعلى العبد الوفاء لجميعها و يحفظون العهود التي عاهدوا اللّه تعالى يوم الميثاق و غير ذلك كما ان اللّه تعالى أخذ العهد من اهل الكتاب ان بينو نعت النبي صلى اللّه عليه و سلم و لا يكتمونه و العهود التي عاهدوا فيما بينهم فى المعاملات و المعاشرات فابقاء كلها واجب روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اية المنافق ثلث زاد مسلم و ان صام و صلى و زعم انه مسلم ثم اتفقا إذا حدث كذب و إذا وعد خلف و إذا ائتمن خان و عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اربع من كن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان و إذا حدث كذب و إذا عهد غدر و إذا خاصم فجر و روى ابو داود عن عبد اللّه بن ابى الحسماء قال بايعت النبي صلى اللّه عليه و سلم قبل ان يبعث و بقيت له بقية فوعدته ان اتيه بها فى مكانه فنسيت فذكرت بعد ثلث فاذا هو فى مكانه فقال لقد شققت على انا هاهنا منذ ثلث انتظرك.

٣٣

وَ الَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قرأ حفص عن عاصم و يعقوب بشهادات على الجمع و الباقون بالإفراد قائِمُونَ اى يقومون فيها بالحق فلا يكتمونها و لا يغيرونها و لا يخافون لومة لائم سواء كانت الشهادة قط خالصا للّه تعالى كالشهادة على التوحيد و الرسالة و شهادة اهل الكتاب على ما فى التوراة من نعت النبي صلى اللّه عليه و سلم و الشهادة بهلال رمضان و بالحدود و نحو ذلك او كانت الشهادة حقا للعباد بالمداينات و نحوها على أنفسهم او الوالدين و الأقربين.

٣٤

وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ط اى يراعون أوقاتها و أركانها و سننها و آدابها و يحترزون عن فواتها و تكرير ذكر الصلاة و وصفهم بها اولا و آخرا بوجهين مختلفتين للدلالة على فضلها على غيرها من اركان الإسلام.

٣٥

أُولئِكَ اى أهلي هذه الصفات فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ع خبر لاولئك و فى جنات ظرف متعلق به قدم عليه لرعاية الفواصل.

٣٦

فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا الفاء للسببية و ما استفهامية للتوبيخ مبتداء خبره ما بعده

قال البغوي نزلت فى جماعة من الكفار كانوا يجتمعون حول النبي صلى اللّه عليه و سلم يستمعون كلامه و يستهزؤن به و يكذبونه فقال اللّه تعالى توبيخا ما لهم ينظرون إليك و يجلسون عندك و لا ينتفعون بما يستمعون منك قِبَلَكَ ظرف متعلق بما بعده مُهْطِعِينَ حال من الذين كفروا و عامله معنى الفعل اى ما يصنع الكافرون مهطعين قبلك اى مسرعين مقبلين إليك مادى أعناقهم و مدى النظر إليك متطلعين إليك كذا

قال البغوي و فى القاموس هطع كمنع هطوعا و هطعا اسرع مقبلا خائفا و اقبل يبصره على الشي ء لا يقلع عنه و اهطع مدعنقه و صوب راسه.

٣٧

عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ متعلق بمهطعين عِزِينَ جماعات فى تفرقة واحدتها عزة كذا فى الصحاح و فى القاموس عزة كعدة العصبة من الناس.

٣٨

أَ يَطْم َعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ بلا ايمان و عمل صالح استفهام انكار ردا لقولهم مع زعمهم كون البعث مستحيلا لو كان كما يقول محمد لنكون فيها أفضل حظا منهم كما فى الدنيا.

٣٩

كَلَّا ط ردع من ذلك الطمع الباطل إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ استدلال بالنشأة الاولى على إمكان النشأة الثانية و بطلان دعوى استحالة البعث و تعليل لبطلان طمعهم فى دخول الجنة بلا ايمان و المعنى انا خلقناهم من نطفة مستقذرة ثم من علقة كذلك ثم من مضغة لا يقتضى شى ء منها للاكرام و لا يناسب عالم القدس فمن لم يستكمل نفسه بالايمان و الطاعة و لم يتخلق بالأخلاق المرضية للّه سبحانه لم يستعد دخولها روى البغوي بسنده عن بسر بن حجاش قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يصق يوما فى كفه و وضع عليها إصبعه فقال يقول اللّه ابن آدم انى تعجزنى و قد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك و عدلتك و مشيت بين يردين و الأرض منك وئيد فجمعت و منعت حتى إذا بلغت التراقى قلت الصدق فانى او ان الصدق او المعنى انا خلقناهم من أجل ما تعملون حيث قال اللّه تعالى و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون اى ليعرفون فمن لم يستكمل نفسه بالعلم و العمل كيف يطمع منازل الكاملين.

٤٠

فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ يعنى مشارق الكواكب و مغاربها و مشرق الشمس و القمر كل يوم من ايام السنة و مغربها إِنَّا لَقادِرُونَ

٤١

عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ اى نهلكهم و ناتى بخلق أمثل منهم او نعطى محمدا صلى اللّه عليه و سلم بدلكم من هو خير منكم و هم المؤمنون الأنصار للّه و لرسوله وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ بمغلوبين ان أردنا ان نهلكهم معطوف على انا لقادرون و فى ذكره بوب المشارق و المغارب الاستدلال بقدرته تعالى على خلق السموات و ما فيها من الشمس و القمر و الكواكب و اختلاف مشارق كل منها كل يوم و مغاربها على قدرته تعالى و عدم عجزه من تبديلهم عمن هم خير منهم.

٤٢

فَذَرْهُمْ الفاء للسببية يعنى إذا علمت قدرتنا على إهلاكهم فلا تهتم بهم فانما أردنا استدراجهم و تعذيبهم أشد العذاب يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا فى دنياهم الفعلان مجزومان على جواب الأمر حَتَّى يُلاقُوا متعلق بقوله ذرهم يعنى ذرهم كى يلاقوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ العذاب فيه.

٤٣

يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ اى القبور بدل من يومهم سِراعاً جمع سريع ككراما جمع كريم حال بما أسند اليه يخرجون كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ متعلق بما بعده اى يُوفِضُونَ اى يسرعون حال بعد حال قرا ابن عامر و حفص بضم النون و الباقون بفتح النون و اسكان الصاد قال مقاتل و الكسائي يعنى الى أوثانهم الذي كانوا يعبدونها من دون اللّه يعنى انهم كما كانوا يسرعون الى أوثانهم أيهم يستلمها اولا كذلك يسرعون من الأجداث الى المحشر ليرو جزاء أعمالهم و قال الكلبي الى علم و إرادته يعنى كما ان اهل العسكر يسرعون الى اعلامهم.

٤٤

خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ حال ايضا تَرْهَقُهُمْ تغشاهم ذِلَّةٌ ط القليل للخشوع او بيان له ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ فى الدنيا و ينكرونها تأكيد لما سبق او استيناف- و اللّه اعلم.

﴿ ٠