سُورَةُ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ آيَةً

مكيّة و هى ثمان و عشرون اية

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ النفر من الثلاثة الى العشرة فقيل كانوا تسعة من جن نصيبين و قيل كانوا سبعة و الجن أجسام ذات أرواح كالحيوان عاقلة كالانسان خفية عن أعين الناس و لذا سميت جنا خلقت من النار كما خلق آدم من طين قال اللّه تعالى و الجان خلقناه من قبل من نار السموم تتصف بالذكورة و الأنوثة و تتوالد و الظاهر ان الشياطين قسم منهم بخلاف الملائكة فانهم لا يتصفون بالذكورة و لا بالانوثة و وجود الجن و الشياطين و الملائكة ثابت بالشرع و أنكره الفلاسفة و ليست العقول العشرة التي اخترعها الفلاسفة من الملائكة من شى حيث يزعمونها مجردات بخلاف الملائكة فانها أجسام ذات أرواح و اللّه تعالى اعلم و سوق هذا الكلام يقتضى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لم ير الجن و انما اتفق حضورهم فى بعض اوقات قراءته فاستمعوها فقص اللّه ذلك على رسوله فيما اوحى اليه اخرج الشيخان و الترمذي و غيرهم عن ابن عباس رض قال ما قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على الجن و لا رايهم و لكنه انطلق مع طائفة من أصحابه عامدين الى سوق عكاظ و قد حيل بين الشياطين و بين خبر السماء و أرسلت عليهم الشهب فقالوا ما هذا الا بشى قد حدث فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها فانظروا هذا الذي حدث فانطلقوا فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامه لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو بنخلة يصلى بأصحابه صلوة الفجر فلما سمعوا القران استمعوا له فقالوا هذا و اللّه الذي حال بينكم و بين خبر السماء فهنالك رجعوا الى قومهم فقالوا يا قومنا انا سمعنا قرانا عجبا إلخ فانزل اللّه تعالى على نبيه قل اوحى الى قول الجن و قال اكثر المفسرين لما مات ابو طالب خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وحده الى الطائف يلتمس من ثقيف النصر و المنعة له من قومه فروى محمد بن اسحق عن يزيد بن زياد عن محمد للقرظى انه قال لما انتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى الطائف عمد الى نفر من ثقيف و هم يومئذ سادت ثقيف و اشرافهم و هم اخوة ثلثة عبد يا ليل و مسعود و حبيب بنو عمير و عند أحدهم امرأة من قريش من بنى جمح فجلس إليهم فدعاهم الى اللّه و كلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام و القيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة ان كان أرسلك اللّه و قال الاخر اما وجد اللّه أحدا يرسله غيرك و قال الثالث و اللّه ما أكلمك ابدا لئن كنت رسولا من اللّه كما تقول لانت أعظم خطرا من ان أرد عليك الكلام و لئن كنت تكذب على اللّه فلا ينبغى لى ان أكلمك فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد يئس من خير ثقيف و قال لهم إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عنّى و كره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يبلغ قومه فيزيد ذلك فى تجرئهم عليه فلم يفعلوا و اغروا به سفهائهم و عبيدهم يسبونه و يصيحون به حتى اجتمع عليه الناس و الجره الى حائط لعتبة و شيبة ابني ربيعة و هما فيه فرجع عنه سفهاء ثقيف و من كان تبعه فعمد الى ظل جنة من عتب فجلس فيه و ابنا ربيعة ينظران اليه و يريان ما لقى من سفهاء ثقيف و قد لقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلك المرأة من بنى جمح فقال لها ماذا لقينا من احمانك فلما اطمئن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّهم انى أشكو إليك ضعف قوتى و قلة حيلتى و هو انى على الناس و أنت ارحم الراحمين و أنت رب المستضعفين فانت ربى الى من تكلنى الى بعيد يتجّهمنى الى او الى عدو ملكته امرى ان لم يكن بك على غضب فلا أبالي و لكن عافيتك هى أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات و صلح عليه امر الدنيا و الاخرة من ان تنزل بي غضبك او يحل علىّ سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول و لا قوة الا بك فلما رأه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب وضعه فى ذلك الطبق ثم اذهب به الى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ففعل عداس ثم اقبل به حتى وضعه بين يدى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما وضع و مد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يده قال باسم اللّه ثم أكل فنظر عداس الى وجهه فقال و اللّه ان هذا الكلام ما يقول اهل هذه البلدة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من اى البلاد أنت يا عداس و ما دينك قال انا نصرانى و انا رجل من اهل نينوى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال و ما يدريك يونس بن متى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذلك أخي كان نبيا و انا نبى فاكب عداس على رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم فقبل راسه و يديه و قدميه قال فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه اما غلامك فقد أفسده عليك فلما جائهما عداس قالا له ويلك يا عداس ما لك تقبل راس هذا الرجل و يديه و قدميه قال يا سيدى ما على الأرض خير من هذا الرجل فقد أخبرني بامر ما يعلمه الا نبى فقال ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فان دينك خير من دينه ثم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انصرف من الطائف راجعا الى مكة حين يئس من خبر ثقيف حتى إذا قام بنخلة قام من جوف الليل يصلى فمر به نفر من جن نصيبين اليمن فاستمعوا له فلما فرغ من صلوته و لوا الى قومهم منذرين قد أمنوا و أجابوا لما سمعو فقص اللّه سبحانه تعالى خبرهم عليه

و اخرج ابن الجوزي فى كتاب الصفوة بسنده عن سهل بن عبد اللّه قال كنت فى ناحية و زاعا و إذا رايت مدينة من حجر منقور فى وسطها قصر من حجارة تأويه الجن فدخلت فاذا شيخ عظيم الخلق يصلى الى الكعبة و عليه جبة صوف فيها طراوة فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبى من طرارة جبته فسلمت عليه فرد على السلام و قال يا سهل ان الأبدان لا يخلق الثياب و انما يخلقها روايح الذنوب و مطاعم السحت و ان هذه الجبة على منذ سبع مائة سنة لقيت بها عيسى و محمدا عليهما السلام فامنت بهما فقلت له و من أنت قال من الذين نزلت فيهم قل اوحى الى نفر من الجن و قال جماعه بل امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ينذر الجن و يدعوهم الى اللّه يقرأ عليهم القران فصرفوا اليه نفر من الجن من نينوى و جمعهم له فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى أمرت ان اقرأ على الجن الليلة فايكم يتبعنى فاطرقوا ثم استتبعهم فاتبعه عبد اللّه بن مسعود رض قال عبد اللّه و لم يحضر معنا غيرى فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة دخل بنى اللّه صلى اللّه تعالى عليه و على اله و أصحابه و سلم شعبا يقال له شعب الحجون و خط الى خطا ثم أمرني ان اجلس فيه و قال لا يخرج منه حتى أعود إليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القران فجعلت ارى مثل النسور تهوى و سمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبى اللّه صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم و غشيته اسودة كثيرة حالت بينى و بينه حتى ما اسمع صوته ثم طفقوا ينقطعون مثل قطع السحاب الذاهبين ففرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مع الفجر فانطلق الى فقال أ نمت قلت لا و اللّه يا رسول اللّه و لقد هممت مرارا ان استغيث بالناس حتى سمعتك تقرع بعصاك تقول اجلسوا قال لو خرجت لم أمن عليك ان يتخطفك بعضهم ثم قال رأيت شيئا قلت نعم رأيت رجلا اسود مشتفرى ثياب بيض قال أولئك جن نصيبين سألونى المتاع و المتاع الزاد فمنعتهم لكل عظم عايل و روث و بعرة فقال يا رسول اللّه يقذرها الناس فنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يستنجى بالعظم و الروث قال فقلت يا رسول اللّه و ما يغنى ذلك عنهم قال انهم لا يجدون عظما الا وجدوا عليه لحمه يوم يوكل و لا روثة الا وجدوا فيها حبها يوم أكلت فقلت يا رسول اللّه سمعت لغطا شديدا فقال ان الجن تدارت فى قتيل قتل منهم فتحاكموا الى فقضيت بينهم بالحق قال ثم تبرز رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم أتاني فقال هل معك ماء قلت يا رسول اللّه معى اداوة فيها بشئ من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يديه فتوضأ فقال تمرة طيبة و ماء طهور و روى مسلم عن على بن محمد حدثنا اسمعيل بن ابراهيم عن داود عن عامر قال سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و على اله و أصحابه و سلم ليلة الجن قال فقال علقمة انا سألت ابن مسعود عنه فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليلة الجن قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذات ليلة تفقدناه فالتمسناه فى الاودية و الشعاب فقلنا استطير أو اغتيل قال بشر ليلة بات بها قوم فقال أتاني داعى الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القران قال فأنطلق بنا فارانا اثارهم و اثار نيرانهم قال الشعبي و سألوه الزاد و كانوا من جن جزيرة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لكم كل عظم ذكر اسم اللّه عليه يقع فى ايديكم او ما يكون فيه لحم و ذلك بعرة علف دوابكم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلا تستنجوا بهما فانهما طعام إخوانكم من الجن و روى عن ابن مسعود انه رأى قوما من الزط فقال هؤلاء أشبه ما رايت من الجن ليلة الجن قلت و الظاهر عندى ان استماع الجن القران من النبي صلى اللّه عليه و سلم عامدا الى سوق عكاظ و قافلا من الطائف كان اولا و هو المحكي عنه بقوله تعالى قل اوحى الى و اما ليلة الجن التي رواها ابن مسعود فكانت بعد ذلك

قال البغوي فى تفسير سورة الأحقاف انه قال ابن عباس فاستجاب لهم اى تفر من الجن بعد ما استمعوا القران من النبي صلى اللّه عليه و سلم بنخلة و رجعوا الى قومهم منذرين من قومهم سبعين رجلا من الجن فرجعوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوافقوه فى البطحاء فقرأ عليهم القران و أمرهم و نهاهم و ذكر الخفاجي انه قد دلت الأحاديث على ان وفادة الجن كانت ستة مرات و هذا يدل على انه صلى اللّه عليه و اله و سلم كان مبعوثا الى الجن و الانس جميعا و قال مقاتل لم يبعث قبله نبى الى الانس و الجن و اللّه تعالى اعلم فَقالُوا هؤلاء النفر من الجن حين رجعوا الى قومهم إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً بديعا مباينا لكلام المخلوق مصدر وصف به للمبالغة.

٢

يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ الى الحق و الصواب من التوحيد و الإحسان الذي يقتضيه العقل و البرهان صفة اخرى للقران فَآمَنَّا بِهِ ط اى بالقران وَ لَنْ نُشْرِكَ فى العبادة بِرَبِّنا أَحَداً من خلقه حيث نهى اللّه سبحانه عنه.

٣

وَ أَنَّهُ الضمير عائد الى ربنا او للشان قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو و شعبة بكسر الهمزة عطفا على مقولة قالوا يعنى انا سمعنا و هكذا فى أحد عشر موضعا غيره الى قوله و انا منا المسلمون و هذا ظاهر غير ان فى قوله تعالى و انه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن الاية التفات من المتكلم الى الغيبة و فى قوله تعالى و انهم ظنوا كما ظننتم التفات من الغيبة الى الخطاب

و قرا ابو جعفر و انه و انهم فى ثلثة مواضع بالفتح على انه استمع نفر بمعنى لوحى الى انه تعالى جد ربنا و اوحى الى انه كان و اوحى الى انهم ظنوا و فى تسعة مواضع الباقية بالكسر لما ذكرنا

و قرا ابن عامر و حفص و حمزة و الكسائي بفتح الهمزة فى المواضع كلها قال المفسرون فى توجيه هذه القراءات انه معطوف على انه استمع يعنى اوحى الى انه تعالى جد ربنا و هذا لا يستقيم الا الى الثلاثة الذي قرأها ابو جعفر بالفتح دون البواقي و قيل انه معطوف على حمل الجار و المجرور فى أمنا به يعنى صدقنا انه تعالى جد ربنا و هذا ايضا لا يستقيم الا فى بعض المواضع كما هو الظاهر و لو لا هذه القراءة فى المتواترات لما احتجنا الى تكلفات فى توجيهها لكنها من المتواترات فوجب ارتكاب التكلفات و اللّه تعالى اعلم تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجملة خبر لان و العائد وضع المظهر موضع المضمر على تقدير كون الضمير عائدا الى تقديره انه تعالى جده فوضع المظهر موضع الضمير للتصريح على الربوبية فان الربوبية تقتضى ان يكون عظمته و شانه أعلى و ارفع عن شان المربوبين و معنى جد ربنا جلاله و عظمته كذا قال مجاهد و عكرمة و قتادة و منه قول انس كان الرجل إذا قرا بقرة و ال عمران- جد فينا اى عظم قدره و قال السدى جد ربنا امر ربنا و قال الحسن غنا ربنا و قال ابن عباس قدرة ربنا و قال الضحاك فعله و قال القرطبي آلاؤه و نعمائه على خلقه و قال الأخفش ملك ربنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً خبر بعد خبر لان كانه تأكيد و بيان للجزاء الاول يعنى تعالى جلاله عن اتخاذ الصاحبة و الولد كما هو شان المربوبين كانهم سمعوا من القرآن ما ينههم على خطاء ما اعتقدوه من الشرك فى العبادة و نسبة الصاحبة و الولد اليه تعالى.

٤

وَ أَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا جاهلنا قال قتادة و مجاهد هو إبليس و قيل المراد به مردة الجن عَلَى اللّه شَطَطاً اى قولا ذا شطط و هو ابعد اى قولا بعيدا عن شانه و الجور فى الحكم او التجاوز عن الحد فى القاموس شط عليه فى حكم جار فى سلعته جاوز القدر و الحد و تباعد عن الحق اى كان يقول على اللّه تعالى و يحكم بالجور و التباعد عن الحق و هو نسبة الصاحبة و الولد اليه تعالى.

٥

وَ أَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلَى اللّه كَذِباً اعتذار عن اتباع بعضهم السفيه فى ذلك بظنهم انه لا يكذب على اللّه أحد و كذبا منصوب على المصدرية لانه نوع من القول او على المفعولية على انه مقولة تقول او على انه وصف لمحذوف اى قولا مكذوبا

و قرا ابو جعفر تقول بفتح الواو و التشديد و على هذا مصدر البتة لان التقول لا يكون الا كذبا و ان بعد الظن مصدرية او مخففة و معنى الآيتين على تقدير فتح همزة ان و كونها معطوفة على به فى أمنا به- انه تيقنا انه كان قول سفيهنا بعيدا عن الحق حوازا فى الحكم و ان زعمنا بعدم كذب الجن كان باطلا

فان قيل كان الجن قبل مبعث النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم يقعدون من السماء مقاعد السمع فيستمعون كلام الملائكة من التسبيح و غير ذلك فما الوجه فى اتباعهم سفيههم و ظنهم انهم لا يقولون كذبا و عدم ايمانهم مع استماعهم كلام الملائكة كثيرا و ايمانهم لما سمعوا القران من النبي صلى اللّه عليه و سلم مرة واحدة قلت الايمان امر وهبى لا يتصور وجوده فهذه تلقى الهداية من اللّه الهادي على الإطلاق و ذلك التلقي لا يكون الا بواسطة يأخذ الفيض من اللّه تعالى لمناسبة المعنوية به تعالى بعلو استعداده و يفيض على العالمين لمناسبة بهم صورية و ذلك الواسطة هى من الأنبياء عليهم السلام فان لهم مع اللّه مناسبة معنوية لاجل كون مبادى تعيناتهم و مربياتهم الصفات العاليات و لهم على قدر كمالهم فى مراتب النزول مناسبة صورية بالاسفلين و اما الملاء الا على من الملائكة فلهم مناسبة مع اللّه كهيئة الأنبياء و لا مناسبة لهم بالاسفلين لكونهم متصاعدين مراتب غير محصلين كمالات النزول و كذلك لم يتاثر الجن منهم هداية و لا إيمانا و ان سمعوا منهم كلمات الهداية و تأثروا من سفهاء الجن و الشياطين لكمال المناسبة و كذا لم يتاثر من المكلفين من نوح عليه السلام و غيره من الأنبياء الذين لم يبلغوا فى مراتب النزول غاية و تأثروا من سيد الأنبياء فانه كان هاديا لكمالات الفروع و الأصول محدد الدرجات العروج و النزول لاجل ذلك بعثه اللّه تعالى الى الناس كافة بل الى الجن و الانس عامة فاستنار بنور هدايته العالمين و استضاء بضوع إرشاده جماهير المكلفين الا من ختم اللّه على قلبه و سمعه و جعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد اللّه حيث لم يخلق فيه استعداد قبول الحق و اللّه يهدى من يشاء الى صراط مستقيم و هذا معنى قول الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح لما كان من الفرقان و أجابوا دعوة محمدا كان من القران صلى اللّه عليه و على اله و سلم و على جميع إخوانه من الأنبياء و المرسلين و بارك و سلم.

٦

وَ أَنَّهُ الضمير الشان كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ اخرج ابن المنذر و ابن ابى حاتم و ابن ابى الشيخ عن كروم بن السائب الأنصاري قال خرجت مع ابى المدينة فى حاجة و ذلك أول ما ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاوانا المبيت الى راعى غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فاخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال يا عامر الوادي جارك فنادى منادى لا نراه يا سرحان أرسله فاتى الحمل يشتد حتى دخل فى الغنم و لم تصبه كدمته فانزل اللّه تعالى على رسوله بمكة و انه كان رجال من الانس الاية

و اخرج ابن سعد عن ابى رجاء العطاردي قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد رعيت على أهلي و كفيت فبهتهم فلما بعث النبي صلى اللّه عليه و سلم خرجنا هرابا فاتينا على قلاة من الأرض و كنا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا انا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة فقال ذلك فقيل لنا انما السبيل لهذا الرجل شهادة ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه من أقربها أمن على دمه و ماله فرجعنا فى الإسلام قال ابو رجاء انى لارى هذه الاية نزلت فى و فى أصحابي و انه كان رجال من الانس الاية

و اخرج الجزائفى فى كتاب هو هواتف الجن بسنده عن سعيد بن جبير ان رجلا من بنى تميم يقال له رافع بن عمير يحدث عن بدأ إسلامه قال اتى لاسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبنى النوم فنزلت على راحلتى و أنختها و نمت و قد تعوذت قبل نومى فقلت أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن فرأيت فى منامى رجلا بيده حربة يريدان يضعها فى نحر ناقتى فانتبهت فزعا فنظرت يمينا و شمالا فلم ار شيأ فقلت هذا حلمهم ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتى فلم ار شيأ فاذا ناقتى ترعد ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرايت ناقتى تضطرب و التفت فاذا انا برجل شاب كالذى رايته فى المنام بيده حربة و رجل شيخ ممسك بيده يرد عنها فبينما هما يتنازعان إذا طلعت ثلثة أثوار من الوحش فقال الشيخ للفتى قم فخذايها شئت فداء ناقة جا الانسى فقام الفتى فاخذ منها ثورا عظيما و انصرف ثم التفت الى الشيخ فقال يا هذا إذا نزلت واديا من الاودية فخفت هو له فقل أعوذ باللّه رب محمد من هول هذا الوادي و و لا تعد بأحد من الجن فقد بطل أمرها قال فقلت له من محمد هذا قال نبى عربى لا شرقى و لا غربى بعث يوم الاثنين قلت فاين مسكنه قال يثرب ذات النخل فركبت راحلتى حين برق الصبح و جددت السير حتى أتيت المدينة فراتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحدثنى بحديثي قبل ان اذكر له شيئا و دعانى الى الإسلام فاسلمت قال سعيد بن جبير و كنا نرى انه هو الذي انزل اللّه فيه و انه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فَزادُوهُمْ اى زاد الانس الجن باستعاذتهم بقادتهم رَهَقاً قال ابن عباس اثما و قال المجاهد طغيانا و قال مقاتل غيا و قال الحسن شرا و قال ابراهيم عظمة و ذلك ان الجن كانوا يقولون سدنا الجن و الانس او المعنى فزاد الجن الانس غيابان أضلوهم حتى استعاذوا بهم و الرهق غشيان الشي ء و المراد هاهنا غشيان المحارم و الإثم و فى هذه الجملة ايضا اعتراف بسوء عقيدتهم فيما قيل.

٧

وَ أَنَّهُمْ اى الانس ظَنُّوا ظنا كَما ظَنَنْتُمْ يا معشر الجن أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللّه أَحَداً بعد موته ان لن يبعث قائم مقام المفعولين يعنى نزل القران أمنوا بالغيب بعد فساد ظنهم فانتم ايضا ايها الجن أمنوا بالبعث كايمانهم قال ذلك بعضهم لبعض هذا على قراءة كسر ان و اما على تقدير فتحها فهذه الجملة و ما قبلها اعنى كان رجال إلخ معترضات من كلام اللّه تعالى معطوفتان على انه استمع يعنى اوحى الى هذين الامرين و تاويل الاية على هذا التقدير انهم اى الجن ظنوا كما ظننتم ايها الكفار من قريش مكة عدم البعث فلما نزل القران و استمع الجن أمنوا بالبعث فعليكم ايها الكفار ان تؤمنوا كما أمنوا.

٨

وَ أَنَّا لَمَسْنَا أردنا المس السَّماءَ بعد مبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم و الظاهر ان المراد بالسماء السحاب فان السماء يطلق على ما هو فوقك و يدل على هذا التأويل حديث عائشة رضى اللّه تعالى عنها قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ان الملائكة تنزل فى العنان و هو السحاب فتذكر لامر الذي قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتتوجه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري

فان قيل قد وقع فى بعض الاخبار بلفظ يدل على حقيقة السماء عن ابى هريرة رض ان النبي صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم قال إذا قضى اللّه الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها فضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فرغ عن قولهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الذي قال الحق و هو العلى الكبير فسمعها مسترقوا السمع هكذا بعضه فوق بعض و وضع سفيان بكفه ليستمع الكلمة فيلقها الى من تحته ثم يلقها الاخر الى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل ان يلقيها و ربما ألقيها قبل ان يدركه فيكذب معه مائة كذبة الحديث رواه البخاري و فى حديث ابن عباس ربنا تبارك و تعالى إذا قضى امرا سبح حملة العرش ثم سبح اهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح اهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يحملون العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ما قال فبستخبر بعض اهل السموات بعضا حتى يبلغ هذا السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون الى أوليائهم و يرمون فما جاؤا به على وجهه فهو حق و لكنهم يغرقون فيه و يزيدون رواه مسلم

قلنا ليس فى هذين الحديثين و ما فى معناهما ان الجن يخطف من السماء الدنيا و لعل معناه حتى يبلغ الخبر هذا السماء الدنيا ثم اهل السماء الدنيا ينزلون الى العنان فتذكر الأمر الذي قضى فى السماء فيخطف الجن مسترقو السمع و هم بعض فوق بعض الى العنان فحينئذ يدركه الشهاب الثاقب من نجوم السماء و اللّه تعالى اعلم فَوَجَدْناها اى السماء مُلِئَتْ حَرَساً حراسا اسم الجمع كالخدم شَدِيداً قويا من الملائكة الذين يمنعون هم عنها وَ شُهُباً جمع شهاب و هو شعلة نار انتشرت من النجوم.

٩

وَ أَنَّا كُنَّا قبل ذلك نَقْعُدُ مِنْها اى من السماء اى من السحاب حال من مَقاعِدَ خالية عن الحرس و الشهب صالحة للترصد و الاستماع ظرف لتقعد لِلسَّمْعِ متعلق بنقعد او صفة لمقاعد فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يعنى بعد مبعث النبي صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً اى رصدا له و لاجله يمنعه من الاستماع بالرجم او ذوى شهاب راصدين على انه جمع للراصد فصار هذا معجزة للنبى صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم لاجل الجن أمنوا به.

١٠

وَ أَنَّا لا نَدْرِي يعنى انا كنا لا ندرى قبل ذلك أَ شَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ بحراسة أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً فاما الان إذا سمعنا القران ان الذي حال بينكم و بين خبر السماء هو بعث هذا النبي حتى يكون معجزة له يعجزه الكهنة عن إتيان خبر السماء مثله فظهر ان اللّه سبحانه تعالى انما أراد للعالمين هداية و رشدا ففى هذه الجمل الثلث احتجاج على حقية القران و رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم و الشر و الخير و ان كانا جميعا بخلقه تعالى و إرادته لكنهم اسندوا ارادة الخير اليه تعالى صريحا و ارادة الشر كناية بذكره على صيغة المجهول رعاية الأدب.

١١

وَ أَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ عنوا بهم الذين كانوا منهم مؤمنين بالتورية و غيره من الكتب السماوية و الأنبياء السابقين عليه السلام وَ مِنَّا قوم دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ اى ذوى طرائق اى مذاهب او مثل طرائق فى اختلاف الأحوال او كانت طرائق قِدَداً متفرقة مختلفة و هذه الجملة اعنى قولهم كنا طرائق قددا تأكيد لمضمون ما سبق من قولهم انا منا الصالحون إلخ و قددا جمع قدة بمعنى القطعة من الشي ء قال الحسن و السدى الجن أمثالكم فمنهم قدرية و مرجية و رافضية و غير ذلك و قولهم فيما بينهم انا منا الصالحون إلخ تمهيد لما سياتى من قولهم انا ظننا ان لن نعجز اللّه الاية و انا لما سمعنا الهدى الاية يعنى ان الايمان و التصديق ليس امرا مبدعا منا بل كان الجن قبل ذلك طرائق قددا بعضهم كانوا صالحين و بعضهم دون ذلك و انا ان اتبعنا السفيه فى القول فى الشطط لكنا لما سمعنا قرانا ظننا ان لن نعجز اللّه و سمعنا الهدى و أمنا به كما كان بعض أسلافنا مومنين.

١٢

وَ أَنَّا ظَنَنَّا اى علمنا و تيقنا بتعليم اللّه تعالى فى القران و هدايته او المعنى كنا نظن ذلك قبل هذا او المعنى كنا نتيقن ذلك بعلمنا ما فى التورية أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللّه اى لن تفوته ان أراد بنا سوأ و كائنا فِي الْأَرْضِ وَ لَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً اى هاربين من الأرض الى السماء ان طلبنا مهربا و هذا على كونه حالا من فاعل نعجز و يحتمل ان يكون مفعولا مطلقا بمعنى تهرب هربا او مفعولا له اى نعجزه للّهرب او ظرفا اى نعجزه فى الهرب او تميزا من نسبة الفاعل اى نعجزه هربها.

١٣

وَ أَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى اى القران فانه موجب للّهدى آمَنَّا بِهِ فامنوا به أنتم ايضا يا قومنا معاشر الجن فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ شرط و الفاء للسببية و الجزاء ما بعده فَلا يَخافُ خبر مبتداء محذوف اى فهو لا يخاف بَخْساً نقصا فى الثواب وَ لا رَهَقاً اى و لا ان ترهقه و تغشياه ذلة او المعنى لا يخاف جزاء نقص فى الطاعات و لا جزاء له رهوق ظلم اى غشيان ظلم لان من حق الايمان بالقران ان يحبب ذلك.

١٤

وَ أَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ الأبرار وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ ط اى الجائرون عن الحق يقال اقسط الرجل إذا عدل و قسط إذا جار فهو قاسط انما ذكر هذه الجملة مع ذكر مفهون فيما سبق بقوله و انا منا الصالحون و منا دون ذلك ليكون تمهيد التفصيل حال الفريقين و المقصود هاهنا تفصيل الحال و فيما سبق التفرق فحسب لدفع كون الإسلام امرا مبدعا و يحتمل ان يكون الذين يستمعون القران بعضهم اسلموا و بعضهم لم يسلموا و هذا مقولة المسلمين منهم لما رجعوا الى قومهم فَمَنْ أَسْلَمَ باللّه و رسله فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً قصدوا طريقا موصلا الى الفلاح.

١٥

أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً توقد بهم جهنم كما توقد النار بالحطب و هذه الجمل السبعة من قوله تعالى و انا لمسنا السماء الى قوله و انا منا المسلمون فمن اسلم إلخ لا شك انها من كلام الجن فلا غبار على قراءة انا بالكسر و اما على قراءة الفتح فلا بد ارتكاب تكلف بان يقال انها معطوفة بهاء به فى أمنا به و المعنى أمنا بالقران و يتبعنا بمعجزاته فى الآفاق من ان لمسنا السماء الاية و انا كنا نقعد منها مقاعد الاية و انا لا ندرى ما أراد اللّه بالشهب حتى سمعناه و بمعجزاته و تأثيراته فى الأنفس و انا كنا منا الصالحون و منا دون ذلك و لان تيقنا ان لن نعجز اللّه و انا لما سمعنا الهدى أمنا به و تيقنا ان المسلمين منا تحروا رشدا و اما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا و اللّه تعالى اعلم بمراده و لا يتصور عطف هذه الجمل السبعة على انه استمع نفر من الجن كما لا يخفى (مسئلة:) اتفقت الائمة على ان الكفار من الجن يعذبون بالنار كما يدل عليه قوله تعالى و اما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا و اختلفوا فى ثواب المؤمنين منهم فقال قوم ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار و تأولوا قوله تعالى يا قومنا أجيبوا داعى اللّه و أمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم و يجركم من عذاب اليم-

قال البغوي و اليه ذهب ابو حنيفة و حكى سفيان عن ليث قال الجن ثوابهم ان يجاروا من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل بهائم و عن ابى الزياد قال إذا قضى بين الناس قيل لمومنين الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا و عند ذلك يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا و قيل مذهب ابى حنيفة فيه التوقف لقوله عليه السلام أبهموا ما أبهم اللّه- و قد ذكر اللّه تعالى عذاب الكفار منهم و لم يذكر ثواب المطيعين منهم الا المقر و الجوار من النار و قال الآخرون يكون لهم ثواب فى الإحسان كما يكون لهم عذاب فى الاساءة كالانس و اليه ذهب مالك و ابن ابى ليلى و قال جرير عن الضحاك الجن يدخلون الجنة و يأكلون و يشربون اخرج ابو الشيخ و ذكر النقاش فى تفسيره حديثا انهم يدخلون الجنة فقيل له هل يصيبون من نعمها قال يلههم اللّه تسبيحه و ذكره فيصيبون من لذته ما يصيبون بنو آدم من نعيم الجنة قلت كانه الحق المؤمنين من الجن بالملائكة و قال الطاءة ابن المنذر سألت حمزة بن حبيب هل للجن ثواب قال نعم

و قرا لم يطمثهن انس قبلهم و لا جان قال فالانسيات للانس و الجنيات للجن- أخرجه ابو الشيخ من طريق الضحاك عن ابن عباس رض قال الخلق باركة فخلق فى الجنة كلهم و هم الملائكة و خلق فى النار كلهم و هم الشيطان و خلقان فى الجنة و النار و هم الجن و الانس لهم العذاب و الثواب

و اخرج عن ابن وهب انه سئل هل للجن تواب و عقاب قال نعم قال اللّه تعالى أولئك الذين حق عليهم القول فى امم قد خلت من قبلهم من الجن و الانس انهم كانوا خاسرين و لكل درجات فيما عملوا و قال عمرو بن العزيز ان مومن الجن حول الجنة فى ربض و رحاب و ليسوا فيها احتج القائلون بثواب الجن بالعمومات ان الذين أمنوا و عملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا و نحو ذلك بالخطابات الواردة فى سورة الرحمن حيث قال اللّه تعالى و لمن خاف مقام ربه جنتان فباى آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات فى الخيام فباى آلاء ربكما تكذبن لم يطمئهن انس قبلهم و لا جان فباى آلاء ربكما تكذبان قالت الحنفية فى الجواب ان العمومات محمولة على الانس بدلالة العرف فان اهل العرف لا يفهمون منه الا الانس و اما الخطابات فى سورة الرحمن بقوله فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ط توبيخ للجن و للانس على مطلق التكذيب بآلاء اللّه سبحانه لايما ذكر قبل تلك الاية خاصة كيف و ذلك لا يتصور فى مثل قوله تعالى يرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران فباى آلاء ربكما تكذبان يعرف للجرمون بسيماهم فيوخذ بالنواصي و الاقدام فباى آلاء ربّكما تكذبان و نحو ذلك و قد ذكر من الآلاء ما هى مختصة بالانس دون الجن حيث قال و له الجوار المنشأت فى البحر كالاعلام فباى آلاء ربكما تكذبان فيحتمل ان يكون نعيم الجنة مختصة بالانس و خوطب الثقلين بها توبيخا على تكذيب الطائفتين مطلق الآلاء و الصحيح عندى ما قاله الجمهور و به قال ابو يوسف و محمد رحمهما اللّه تعالى قال من اثبت الثواب فقوله مبنى على دليل و شهادة على الإثبات فيقبل بخلاف قول ابى حنيفة فانه متوقف بناء على عدم بدليل و لا شك ان قول ابن عباس و اقوال عمرو بن عبد العزيز و نحوه من ثقات الصحابة و التابعين لها حكم الرفع و قد اخرج البيهقي عن انس رض عن النبي صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم مرفوعا ان مومنى الجن لهم ثواب و عليهم عقاب فسالنا عن ثوابهم و عن مومنهم فقال على الأعراف و ليسوا فى الجنة فسألنا و ما الأعراف قال خارج الجنة تجرى فيه الأنهار و تنبت فيه الأشجار و الأثمار و اللّه تعالى اعلم.

١٦

وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا ان مفتوحة بإجماع القراء مخففة من المثقلة و اسمها ضمير الشأن محذوف و جملة الشرطية خبرها و الجملة معطوفة على انه استمع نفر من الجن و المعنى انه اوحى الى انه لو استقاموا اى الجن و الانس عَلَى الطَّرِيقَةِ المرضية للّه تعالى و هى دين الإسلام و الفطرة التي فطر الناس عليها لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً اى كثيرا قال مقاتل نزلت هذه الاية بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين و قيل المراد من الماء الغدق الرزق الواسع على التجوز لان الماء سبب للرزق كما أريد من الرزق المطر فى قوله تعالى و ما انزل اللّه من السماء من رزق فاحيا به الأرض و المعنى لاعطينهم مالا كثيرا و عيشا رغدا و هذه الاية فى المعنى قوله تعالى و لو انهم أقاموا التورية و الإنجيل و ما انزل إليهم من ربهم لاكلون من فوقهم و من تحت أرجلهم و قوله تعالى و لو ان اهل القرى أمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السما.

١٧

لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ط متعلق باسقيناهم اى لنختبرهم كيف شكرهم و هذا التأويل قول سعيد بن المسيب و عطاء بن ابى رباح و الضحاك و قتادة و مقاتل و الحسن و قيل معناه ان لو استقاموا على طريقة الكفر لاعطيناهم مالا كثيرا لنفتنهم فيه عقوبة لهم و استدراجا حتى يفتنوا بها فتذهب بهم نحو قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شى ء و هذا قول الربيع بن انس و زيد بن اسلم و الكلبي و ابن كيسان و هذا القول ليس بسديد و الا يلزم ان يكون الكفر موجبا لسعة الرزق و حسن المعيشة و يابى ذلك قوله تعالى و لو انهم أقاموا التورية و الإنجيل الاية و قوله تعالى و لو ان اهل القرى أمنوا الاية و كذا قوله تعالى و لو لا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان سقفا من فضة الاية فان كلمة لو لا لامتناع الثاني لا لاجل امتناع الاول و اما قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم واقعة حال ماضى لا يدل على العموم و الا يلزم التعارض فيما لا يحتمل النسخ و ايضا وقائع اهل مكة حالة على صحة التأويل الاول دون الثاني فان أبا جهل و غيره من كفار مكة الذين لم يومنوا ابتلوا بالقحط سبع سنين حتى أكلوا الروث ثم قتلوا ببدر فى أقبح حال و الذين أمنوا مع النبي صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم و استقاموا على الطريق أعطاهم اللّه ملك كسرى و قيصر و غيرهما و ايضا يدل على صحة التأويل الاول مقابلته بقوله تعالى وَ مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ حيث حكم بلزوم العذاب بالاعراض عن الذكر و ذلك يقتضى الحكم بضد ذلك اى بحسن العيش على هذا الاعراض و هو المراد بالاستقامة على الشريعة كما هو عادة اللّه سبحانه فى كتابه و اللّه تعالى اعلم يَسْلُكْهُ قرأ اهل كوفة و يعقوب بالياء على الغيبة اى يدخله ربه و آخرون بالنون على التكلم عَذاباً صَعَداً شاقا يعلو المعذب و يغلبه معهد وصف به و المراد بالعذاب منها اما عذاب الدنيا او عذاب القبر او عذاب الاخرة و كذلك فى قوله تعالى و من اعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى و الظاهر ان المراد به هاهنا عذاب الدنيا بدليل المقابلة و كذلك من ضنك المعيشة هنالك لعطف قوله و نحشره كما ان المراد بالحياة الطيبة فى قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر او أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون روى عن ابن عباس رض انه قال كل مال قل او كثر فلم؟؟؟

فيه فلا خير فيه و هو الضنك فى المعيشة و ان قوما اعرضوا عن الحق و كانوا أول سعة من الدنيا مكثرين فكانت معيشتهم ضنكا و ذلك انهم يرون ان اللّه ليس بمخلف عليهم فاشتدت عليهم معائشهم من سوء ظنهم باللّه و قال سعيد بن جبير رض تسلبه القناعة حتى لا يشبع قلت و هذا الأمر ظاهر فان اهل الدنيا لما سلب منهم القناعة فهم دائمون فى جد و اجتهاد لاجل اكتساب المال و حفظه خائفون على فواته متحاسدون متباغضون فيما بينهم لاجله غير امنين على أنفسهم لكثرة الأعداء و الحساد و لا شك ان هذا عذاب صعد و معيشة ضنك و لو يعلمون ما للصوفية من الحيوة الطيبة و طمانينة القلب بذكر اللّه و شرح الصدور و رفع الحاجة بالقليل و الاستغناء عن الخلق و الشفقة على خلق اللّه تعالى كلهم أجمعين و الشكر و السرور فى الضراء رجاء لكفارة المعاصي و حسن الجزاء فضلا عن الرخاء و السراء ليتحاسدوهم على ذلك و اللّه يؤتى من يشاء من الدنيا و الاخرة.

١٨

وَ أَنَّ الْمَساجِدَ للّه عطف على ان لو استقاموا على الوحى به قيل المراد بالمساجد المواضع التي بنيت للصلوة- فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّه أَحَداً قال قتادة كانت اليهود و النصارى إذا دخلوا بيعتهم و كنائسهم أشركوا باللّه فأمر اللّه تعالى المؤمنين ان يخلصو اللّه الدعوات إذا دخلوا المساجد و أراد به المساجد كلها و امر بتطهيرها فقال طهرا بيتي للطائفين الاية و امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال جنبوا مساجدنا صبيانكم و مجانينكم و شركائكم و بيعكم و خصوماتكم و رفع أصواتكم و اقامة حدودكم و سل سيوفكم و اتخذوا على ابوابها المطاهر و جمروها فى الجمع رواه ابن ماجة عن واصلة مرفوعا و نهى عن تناشد الاشعار فى المسجد و عن البيع و الشراء فيه و ان يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة فى المسجد رواه ابو داود و الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده و قال البزاق فى المسجد خطيئة و كفارتها دفنها متفق عليه عن انس رض قال عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد رواه ابو داود و الترمذي عنه و قال من سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فيقول لا ردها اللّه عليك فان المساجد لم تبن لهذا رواه مسلم عن ابى هريرة رض و روى الترمذي و الدارمي و زاد إذا رأيتم من يبيع او يبتاع فى المسجد فقولوا لا اربح اللّه تجارتك و اللّه تعالى اعلم و قال الحسن أراد بها البقاع كلها لان الأرض جعلت كلها مسجدا لهذه الامة يعنى لا تدعوا مع اللّه أحدا فى شى ء من البقاع

و اخرج ابن ابى حاتم من طريق ابى صالح عن ابن عباس رض قال قالت الجن أ تأذن لنا فنشهد معك الصلاة فى مسجدك فانزل اللّه تعالى ان المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدا

و اخرج ابن جرير عن جبير قال قالت الجن للنبى صلى اللّه عليه و سلم كيف لنا ان ناتى المسجد و نحن ما دون عنك او كيف نشهد الصلاة و نحن ما دون عنك فنزلت و قيل المراد بالمسجد أعضاء السجود يعنى انها مخلوقة للّه تعالى فلا تسجدوا عليها غيره عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمرت ان اسجد على سبعة أعظم على الجبهة و اليدين و الركبتين و أطراف القدمين و لا يكفت الثياب و لا الشعر.

١٩

وَ أَنَّهُ الضمير للشان قرا نافع و ابو بكر بكسر الهمزة على الاستيناف و الباقون بالفتح عطفا على الموحى به لَمَّا قامَ عَبْدُ اللّه محمد صلى اللّه عليه و سلم انما ذكر لفظ العبد دون الرسول او النبي او غير ذلك للتواضع فانه واقع موقع كلامه عن نفسه و الاشعار بما هو المقتضى لقيامه و قال المجدد العبودية أقصى مراتب الكمال يَدْعُوهُ حال من عبد اللّه اى يعبده و يذكره كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ع قرا هشام لبد بضم اللام و الباقون بالكسر و هو جمع لبدة و اصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض و معناه على ما قال الحسن و قتادة و ابن زيد انه لما قام عبد اللّه بالدعوة الى التوحيد كاد الجن و الانس يكونوا مجتمعين لابطال امره يريدون ان يطفؤا نور اللّه بأفواههم و يابى اللّه الا ان يتم نوره و ينصره على من عاداه و يحتمل ان يكون معناه انه لما قام عبد اللّه يدعوه و يقرأ القران بنخلة كان الجن يكون عليه لبدا متراكمين من ازدحامهم عليه شوقا لاستماع القرآن.

٢٠

قُلْ كذا قرا عاصم و حمزة و ابو جعفر بصيغة الأمر موافقا لما بعده و الباقون بصيغة الماضي اى قال عبد اللّه إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً فما لكم يجتمعون على ابطال امرى او المعنى قال عبد اللّه حين اشتاق الجن الى كلامه انما ادعوا ربى فادعوا أنتم ايضا كدعائى و لا تشركوا به أحدا و قال مقاتل قال كفار مكة للنبى صلى اللّه عليه و سلم لقد جئت بامر عظيم فارجع عنه فنحن بخيرك فنزلت هذه الاية و ما بعدها.

٢١

قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً يعنى ضرا و لا نفعا او غيا و لا رشدا عبر عن أحدهما باسم و عن الاخر باسم سببه او مسببه اشعارا بالمعنيين.

٢٢

قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّه أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ملتجأ أميل اليه ان أرادني سوء و هذين الجملتين المستانفتين كانهما فى جواب ما أقول حين يقول الكفار الذين اجتمعون لابطال امرى انك لن كنت نبيا فاتنا بعذاب من عند اللّه او يقول الكفار ارجع عن دينك فنحن بخيرك و يحتمل ان يكون الجملة الاولى فى جواب ما أقول فى وقت اشتياق الجن الى رويتى و لقائى فان ازدحامهم عليه دليل على زعمهم بان النبي صلى اللّه عليه و سلم يملك لهم ضرا و رشدا او الجملة الثانية تأكيد لمضمون السابقة على عجز النبي صلى اللّه عليه و سلم

و اخرج ابن جرير عن حضرمى انه ذكر له ان جنيا من الجن من اشرافهم إذا تبع قال انما يريد محمد ان نجيره و انا أجيره فانزل اللّه تعالى قل لن يجيرنى الاية.

٢٣

إِلَّا بَلاغاً كائنا مِنَ اللّه وَ رِسالاتِهِ عطف على بلغا و الاستثناء اما من قوله لا املك فان التبليغ ارشاد و إنفاع و ما بينهما اعتراض موكد لنفى الاستطاعة فلا يلزم الفصل بأجنبي يعنى لا املك لكم من رفع الضرر او إيصال الرشد الا التبليغ و الرسالة فانى أملكه و اما من قوله أحد او ملتحدا على سبيل التنازع و اعمال الثاني يعنى لا يجيرنى من اللّه أحد من دونه ملتحدا الا التبليغ و الرسالة فان التبليغ و الرسالة فريضة على من اللّه تعالى يجيرنى من عذاب اللّه و يعذبنى اللّه ان لم افعل كذلك قال الحسن و مقاتل قيل المعنى لا املك لكم خيرا و لا شرا و لا رشدا و لكن بلاغا من اللّه و رسالة ثابت و قيل الا مركب من ان الشرطية و لا النافية و جزاء الشرط محذوف اكتفاء بما مضى يعنى ان لا أبلغكم بلاغا كائنا من اللّه و رسالاته لن يجيرنى من اللّه أحد وَ مَنْ يَعْصِ اللّه وَ رَسُولَهُ فى الأمر بالتوحيد و لم يؤمن به فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أفرد ضمير يعص اللّه و ضمير له نظرا الى لفظة من و جمع ضمير خالدين نظرا الى معناه و جملة و من يعص اللّه معطوفة على مقدر يعنى ملك لكم بلاغا من اللّه و رسالاته فمن يطع اللّه و رسوله فاولئك تحروا رشدا و من يعص اللّه و رسوله الاية حتى إذا رأوا اى الكفار غاية لقوله تعالى يكونون عليه لبدا ان كان المراد به اجتماع الكفار لابطال امر النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و الا فهو غاية لمحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار له و عصيانهم له كانه قيل لا يزالون يعصونه و يستضعفونه.

٢٤

حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ اما العذاب فى الدنيا كوقعة بدر و اما الساعة ساعة الموت فان من مات فقد قامت له القيامة المشتملة على جهنم و الساعة أدهى و امر فَسَيَعْلَمُونَ حين حلوله بهم مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً أهم أم النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم جملة استفهامية قائمة مقام المفعولين لقوله تعالى فسيعلمون فقال بعض الكفار متى هذا الوعد فنزل.

٢٥

قُلْ يا محمد إِنْ أَدْرِي لا أدرى أَ قَرِيبٌ خبر مبتداء بعده او مبتداء من القسم الثاني و ما بعده فاعله ما تُوعَدُونَ من العذاب او الساعة أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي قرأ نافع و ابن كثير و ابو عمرو بفتح الياء و الباقون بالسكون أَمَداً غاية و أجلا لتطول مدتها لا يعلمه الا اللّه و الجملة الاستفهامية قائم مقام مفعولى ان أدرى.

٢٦

عالِمُ الْغَيْبِ صفة ربى او خبر مبتداء محذوف اى هو عالم الغيب لا غيره فكانه تعليل لقوله لا أدرى و المراد بالغيب ما لم يوجد بعد كاخبار المعاد او العدم بعد الوجود كاخبار المبدأ و القصص الماضية التي انقطعت الرواية عنها و اما ما غاب عن العباد من اسماء اللّه تعالى و صفاته التوقيفية التي لا يدل عليه البرهان و اما ما قام عليه الدليل و البرهان كوجوده تعالى و وجوبه و توحده و كونه متصفا بصفات الكمال منزها عن سمات النقص و الزوال فليس من الغيب بل من الشهادة لشهود ما يدل عليه من العالم و كذا مسئلة حدوث العالم مثلا ليس من الغيب بل من الشهادة لمشاهدة قابلية التغير الدال على الحد وث و هذه الاقسام من الغيب لا يمكن العلم بها الا بتوفيق من اللّه تعالى و من الغيب ما هو غيب بالنسبة الى بعض دون بعض كاحوال الجن و احوال بعض أشياء البعيدة غيب بالنسبة الى الانس دون الجن و من ثم زعم الانس ان الجن يعلمون الغيب و هم لا يعلمون الا ما يشهدونه قال اللّه تعالى فى قصة سليمان عليه السلام فلما خر تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين و كاحوال السموات بالنسبة الى اهل الأرض دون اهل السماء و احوال المشرق بالنسبة الى اهل المغرب و هذا القسم من علم الغيب قد يحصل بالوحى و الإلهام و قد يحصل برفع الحجب و جعلها مثل الحجب الزجاجة روى مسلم عن ابى هريرة رض انه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال لقد رايتنى فى الحجر و قريش سالنى عن مسراى فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله فرفعه اللّه الى النظر اليه ما يسألنى عن شى ء الا انبأتهم و روى البيهقي عن ابى عمران عمر بعث جيشا و امر عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح يا سارية الجبل و روى ابو داود عن عائشة قالت لما مات النجاشي كنا نتحدث انه لا يزال يرى على قبره نور و عند رفع الحجب لا يكون هذا من علم الغيب بل من علم الشهادة و ان كان من قبيل المعجزة او الكرامة فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً من الخلق.

٢٧

إِلَّا مَنِ ارْتَضى العائد الى الموصول محذوف فانه يطلع من ارتضاه أحيانا ليكون معجزة و يبشر المطيعين و منذر العاملين مِنْ رَسُولٍ أعم من البشر و الملائكة و يشتمل لفظة الرسول الأنبياء ايضا قال اللّه تعالى أرسلهم الى الناس لتبليغ الاحكام و تخصيص لفظ الرسول بمن أرسله اللّه بشريعة جديدة و كتاب اصطلاح و قيل بل يشتمل الأولياء ايضا بعموم المجاز قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم العلماء ورثة الأنبياء رواه احمد و الترمذي و ابو داود و ابن ماجة و الدارمي فى حديث عن كثير بن قيس و ابن البخاري عن انس و ابن عدى عن على بلفظ العلماء مصابيح الأرض و خلفاء الأنبياء او ورثتى و ورثة الأنبياء و ابن عقيل عن انس بلفظ العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان و يداخلوا الدنيا الحديث و قال اهل السنة و الجماعة كرامات الأولياء معجزة لنبيهم قال اللّه تعالى و ما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه و قد بعث اللّه تعالى خاتم النبيين الى كافة فاعتبر اهل السنة اتباعه صلى اللّه عليه و سلم من العلماء و الأولياء لسانا له صلى اللّه عليه و سلم حتى يستقيم الحصر و استغراق الاضافة فى لسان قومه فعلى تقدير شمول لفظ الرسول للاولياء لا يلزم نقص بحصول علم الغيب لهم على وجه الكرامة و على تقدير عدم شموله نقول المراد بالعلم العلم القطعي و العلم الحاصل للاولياء بالإلهام و غيره ظنى ليس بقطعى و من ثم قالت الصوفية العلية انه لا بد من عرض العلوم الحاصلة للصوفية على الكتاب و السنة فان طابقت قبلت إذ المطابق للقطعى قطعى و ان خالفت ردت قالوا كل حقيقة ردته الشرع فهو زندقة و ان كانت الشريعة عنها ساكنة قبلت مع احتمال الخطاء فاندفع ما قال صاحب الكشاف بناء على اعتزاله ان فى هذه الاية ابطال الكرامات لان الذين يضاف إليهم الكرامات و ان كانوا اولياء مرتضين فليسوا الرسل إلخ و كفى التكذيب اهل الهواء قوله تعالى و أوحينا الى أم موسى ان أرضعيه فاذا خفت عليه فألقيه فى اليم و لا تخافي و لا تحزنى انا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين- و قوله تعالى و إذا وحيت الى الحواريين ان أمنوا بي و برسولى و قوله تعالى و ناديها من تحتها ان لا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا و هزى إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيّا فكلى و اشربى و قرى عينا فاما ترين من البشر أحدا فقولى انى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيّا- فان أم موسى و أم عيسى و الحواريين لم يكونوا أنبياء و اعلم ان ما ذكرت لك ان العلم الحاصل للاولياء ظنى- المراد به العلم الحاصل علما حصوليا و ذلك قد يكون بالإلهام بتوسط الملك و بغير توسطه و قد يكون بكشف الحجب كما ذكرنا فى حديث عمر يا سارية الجبل و من هذا القبيل ما قيل انه قد ينكشف على بعض الأولياء فى بعض الأحيان اللوح المحفوظ فينظرون فيه القضاء المبرم و المعلق و قد يكون بمطالعة عالم المثال فى المنام او المعاملة عن انس رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الرؤيا الصالحة جزء من ستة و أربعين جزء من النبوة متفق عليه و عن ابى هريرة رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يبق من النبوة الا المبشرات قالوا و ما المبشرات قال الرؤيا الصالحة رواه البخاري و هذه الأنواع من العلم قد يقع فيه الخطاء بغير الأنبياء لوقوع الغلط و تخليط الشيطان فى الإلهام فان فى قلب بنى آدم بيتان فى أحدهما الملك و فى الاخر الشيطان فاحيانا يلتبس لمعة الملك بلمعة الشيطان وقوع تخليط الوهم و تلبيس الشيطان فى الكشف و روية عالم المثال عن ابى قتادة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الرؤيا الصالحة من اللّه و الحلم من الشيطان متفق عليه و قال محمد بن سيرين قال الرؤيا ثلث حديث النفس و تخويف الشيطان و بشرى من اللّه متفق عليه و وقوع الغلط فى تأويل الرؤيا لكن وقوع الخطايا فى علوم الأولياء نادر لتشبههم بالأنبياء فالانبياء معصومون و الأولياء محفوظون غالبا و اما العلم الحاصل للاولياء علما حضوريا بل فوق الحضوري و هو العلم المتعلق بذات اللّه تعالى و صفاته المسمى بالعلم اللدني فهو لا يحتمل الخطاء و هو قطع وجداني بل فوق القطعي لان علم المرأ بنفسه علم حضورى وجداني فانه بحضور نفس المعلوم عند العالم من غير حصول صورة فيه و علم الصوفي باللّه فوق هذا العلم لان اللّه تعالى اقرب من نفسه بنفسه قال اللّه تعالى نحن اقرب اليه منكم و لكن لا تبصرون ايها العوام و يبصره من أبصره اللّه تعالى و هذا العلم اللدني يحصل للاولياء بتوسط الرسول صلى اللّه عليه و سلم و لو بوسائط

فان قيل نحن اقرب إليكم منكم خطاب لسائر الناس و يلزم منه ان يكون لسائر الناس علما باللّه تعالى حضور يا فوق علمه بنفسه

قلنا نعم لكن العلم تابع للحيوة لا يتصور بدونها و قد ذكر فى تفسير سورة الملك ان الحيوة على اربعة اقسام منها ما يستتبع المعرفة و تلك الحيوة بالتجليات الذاتية و الصفاتية و لاجل حصول هذه الحيوة الاكتساب و التصوف

فان قيل لو كان هذا العلم الثاني قطعيا لما اخطأه فيه و لما تعارض أقوالهم و قد يخطئون كما يدل عليه تعارض أقوالهم المقتضى خطاء أحد المتنافيين فانه يقول بعضهم بالتوحيد الوجودي و بعضهم بالتوحيد الشهودى و نحو ذلك قلت هذا الخطاء انما يقع فى علم العلم الذي من قبيل العلم الحصولى دون نفسه و قد يقع فى بيانه و تصويره حيث لم يوضع لهذه المعاني ألفاظ فى اللغات قال الشاعر بالفارسي گفتگوى كفر و دين آخر بكجا ميكشد خواب يك خوابست باشد مختلف تعبيرها المراد بالكفر فى هذا الشعر كفر الطريقة المسمى بالتوحيد الوجودي و بالدين الشريعة و فذلكة الكلام فى هذا المقام ان بين الخالق و الخلق نسبة ليست بين اى الشيئين فرضتا من الأشياء إذ لا خالق الا هو فلا يمكن ان يشتبه تلك النسبة بما عداها من النسب لا يقال ليس نسبة الخالق مع المخلوق كنسبة النقش مع النقاش او نسبة القدح مع النجار لانه ليس كذلك فان القدح مادته الخشب و النقش مادته اللون و نحو ذلك مخلوقة للّه تعالى و الصورة الخاصة بعد فعل النجار ايضا مخلوقة للّه تعالى و فعل النجار ايضا مخلوق للّه تعالى على رغم انف المعتزلة و النجار انما هو كاسب لبعض من المعاملات فما لكم لا تعقلون و لما كانت النسب التي تدرك فى العقل بين اى الشيئين الموجودين فى الخارج او الذهن من العينيّة و الغيرية و الظلية و غيرها مسلوبة من تلك النسبة و هى وراء النسب و لم يوضع لها لفظ يدل عليها فقد يعبر عنها بانه تعالى ليس عين خلقه فيوهم انه غيره او ان الخلق ظله و قد يعبر بانه تعالى ليس غير الخلق و ليس هناك نسبة الظلية فيوهم انه عين الأشياء ثم قد يطلق بالمجاز باعتبار الملازمة بين العينية و سلب الغيرية فى الأذهان بانه تعالى عين الأشياء كلها كذا قد يقال بانه غيرها و قد يقال انها ظله و ليس ذلك الاختلاف و التعارض الا فى مراتب العلم الحضوري فى تعبيراتهم لضيق العبارات و احسن التعبيرات فى هذا المقام قوله تعالى ليس كمثله شى ء و هو السميع البصير و المقصود من التصورات هو هذا العلم اللدني دون العلوم الحاصلة فى الظنون فانه لا اعتداد بها و ان الظن لا يغنى من الحق شيئا و اللّه تعرا علم

فان قيل سلمنا ان علوم الأولياء داخلة فى المستثنى او خارجه من المستثنى منه لكونها ظنية فما قولكم فى علوم الكهنة و المنجمين و علم الأطباء بالامراض و بما فيه شفاء المريض و بخواص النباتات و نحوها فان الاخبار و التجربة تشهد على صدق بعض اخبارهم روى البخاري عن ابى الناطور حديث صاحب ايليا و قد اسلم يحدث ان هرقل حين قدم ايليا أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناظور و كان هرقل ينظر فى النجوم فقال لهم حين سألوه انى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم ملك الختان قد ظهر الحديث. ثم كتب هرقل الى صاحب له برويته و كان نظيره فى العلم فاتاه كتاب من صاحبه يوافق راى هرقل على خروج النبي صلى اللّه عليه و سلم و انه بنى و قد صح ان الكهنة و المنجمون اخبروه الخروج بموسى لفرعون و بزوال ملكه على يد غلام من بنى إسرائيل حتى كان فرعون يذبح أبنائهم و يستحى نساءهم

قلنا اما علم الكهنة فما كان منها مطابقا للواقع فذالك ما استراق السمع من الملائكة و الملائكة رسل اللّه لكن الكهنة و الشياطين يختلطون فيه أكاذيب و لذلك نهى الشرع عن تصديقهم ثم قد منع الجن بعد مبعث النبي صلى اللّه عليه و سلم عن الاستراق اما مطلقا او غالبا فبطل الكهانة عن عائشة رض قالت سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الكهان و قيل انهم يحدثون أحيانا بالشي ء يكون حقا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فنقرها فى اذن وليه قرا الدجاجة فيخلطون فيه اكثر من مائة كذبة متفق عليه و اما علم الطب و النجوم فمبناهما اما التجارب و ذلك من علم الشهادة دون الغيب و الا ظهران ذينك العلمين اعنى العلم بخواص الادوية و الطبائع و كذا بخواص النجوم من السعادة و النحوسة و غيرها مقتبسان من علوم الأنبياء فبقى العلمان فى الكتب و نسبحت عناكب النسيان على سلاسل الرواة و اكتفوا بشهادة التجارب فى معرفتها قال اللّه تعالى فى قصة ابراهيم عليه السلام فنظر نظرة فى النجوم فقال انى سقيم اى ساسقم و ذكر البغوي فى تفسير سورة سبأ ان سليمان عليه السلام ما يأتي عليه يوم الا تثبت فى محراب بيت المقدس شجرة فيسالها ما اسمك فيقول اسمى كذا فيقول لاى شى أنت فيقول لكذا و كذا فامر بها فينقطع فان كانت بنت الغرس غرس لها و ان كانت الدواء كتب حتى تنبت الخروبة فقال لها ما أنت قالت الخروبة قال لاى شى ء أنبتت قالت لخراب مسجدك كذا ذكر الامام حجة الإسلام محمد الغزالي رحمة اللّه تعالى فى رسالة المنقذ من الضلال ثم ان علم الطب و النجوم ليسا بوجهان للقطع فان التاثيرات المودعة فى الادوية و الكواكب امر عادى جرت العادة الالهية على خلق تلك الآثار بعد استعمال تلك الادوية و بعد طلوع تلك النجوم و يتخلف تلك الآثار عنها كثيرا ان شاء اللّه و من هاهنا يعلم ان من استدل بالنجوم على شى ء و زعم ان اللّه تعالى يفعل كذلك بعد طلوع ذلك النجم جريا على عادته فلا يكفر كمن زعم ان اللّه تعالى يخلق الشفاء بعد شرب الدواء و يخلق الموت بعد شرب السم و اما من زعم ان حدوث ذلك الشي ء بذلك النجم فيكفر كما زعم ان الدواء علة تامة على الشفاء عن زيد بن خالد الجهني قال صلى لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صلوة الصبح بالحديبية على اثر سماء كانت من الليل فلما انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا اللّه و رسوله اعلم قال قد أصبح قوم من عبادى مؤمن بي و كافر فاما من قال مطرنا بفضل اللّه و رحمته فذلك مومن بي و الكافر بالكواكب و اما من قال مطرنا بنوء كذا و كذا فذلك كافر بي و مؤمن بالكواكب متفق عليه فهذا الحديث انما يدل على كفر الثاني دون الاول غير ان الاشتغال بالنجوم مطلقا مكروه لكونه مما لا يعنيه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد و ما زاد رواه احمد و ابو داود و ابن ماجة عن ابن عباس رض و كذلك علم النقاط و الخطوط الذين يسمونها إملاء فهو ايضا مقتبس من الأنبياء و يفيد ظنا لا قطعا و اما الطيرة فليس بشئ عن معوية بن الحكم قال قلت يا رسول اللّه امور كنا نصنعه فى الجاهلية كنا ناتى الكهان قال فلا تأتوا الكهان قال قلت كنا نتطير قال ذلك شى ء يجده أحدكم فى نفسه فلا يصدنكم قال قلت و منا يخطون قال كان نبى من الأنبياء يخط فمن كان وافق خطه فذاك رواه مسلم و كذلك علم السحر منزل من السماء لكنه كفر قال اللّه تعالى و ما انزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت و ما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر و قدر فى سورة البقرة

فان قيل قد يظهر علم الغيب على اهل الجوع و الرياضة من الكفار استدراجا

قلنا منشأ ذلك العلم الكشف او مطالعة عالم المثال و الكشف و مطالعة عالم المثال يكون إذا تجلى للصوفى مشاعرة الظاهرة و الباطنة اما باتباع الشريعة و نور السنة و يسمى بفراسة المؤمن و اما بالجوع و الرياضة و مخالفة النفس فحينئذ تنكشف الحجب عن بعض المغيبات فى بعض الأحيان او عن الصور المثالية فيرى ذلك عيانا فهو من العلم بالشهادة و ليس من الغيب فى شى ء على انه لما كان العلم الحاصل لاولياء اللّه تعالى بالكشف و المثال كشفا ظنيا محتملا للخطاء فكيف العلوم الحاصلة للكفار فانهم تلامذة للشياطين يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا و لو شاء ربك ما فعلوه و لكن اللّه يفعل ما يريد و مما يدل على ان المراد بظهور الغيب فى تلك الاية هو العلم القطعي الذي لا يكون للشيطان اليه سبيل قوله تعالى فَإِنَّهُ الفاء للسببية لان اللّه تعالى يَسْلُكُ اى يجعل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ اى الرسول وَ مِنْ خَلْفِهِ ذكر بعض الجهات و أراد جميعها رَصَداً جمع راصد اى حفظة من الملائكة يحفظونه من الشيطان ان يسترق السمع او يخلطوا فى الوحى بما ليس منه قال مقاتل و غيره كان إذا بعث اللّه رسولا أتاه إبليس فى صورة ملك يخبره فبعث اللّه من بين يديه و من خلفه رصدا من الملائكة يحرسونه و يطرد و الشياطين فاذا جاء الشيطان فى صورة ملك اخبروه بانه شيطان فاحذره و إذا حاء ملك قال له هذا رسول ربك و نظيره هذه الاية قوله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه.

٢٨

لِيَعْلَمَ اللّه اى ليتعلق علمه به موجودا نظيره قوله تعالى ليعلم اللّه من يخافه و رسله بالغيب متعلق بقوله تعالى يسلك علة للحفظ من الشياطين أَنْ مخففة من المثقلة اسمها ضمير الشان محذوف قَدْ أَبْلَغُوا اى الرسل رِسالاتِ رَبِّهِمْ كما هى و المعنى ليوجد من الرسل تبليغ رسالات ربهم بلا تغيير و تخليط و قيل ضمير ليعلم عائد الى الرسول اى ليعلم الرسول قطعا و لا شك انه قد ابلغ هو و إخوانه من الرسل رسالت ربهم و لم يقع فيه تغيير و تخليط من الشيطان او ليعلم الرسول انه قد ابلغ الملائكة رسالات ربهم و لم يتطرق فيه شيطان

و قرا يعقوب ليعلم بضم الياء على البناء للمجهول اى ليعلم الناس قطعا ان الرسل قد بلغوا وَ أَحاطَ اللّه بِما لَدَيْهِمْ اى ما علم اللّه عند الرسل لا يخفى عليه شى ء وَ أَحْصى كُلَّ شَيْ ءٍ عَدَداً ع عدد مثاقيل الجبال و ميكائيل البحار و عدد قطرات الأمطار و عدد ورق الأشجار و عدد ما اظلم عليه الليل و أشرق عليها النهار و نصب عدد أعلى الحال او على المصدر اى عدّد عددا او التميز اى احصى عدد كل شى ء- و اللّه اعلم.

﴿ ٠