سُورَةُ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ آيَةً مكيّة و هى ثمان و عشرون اية بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ النفر من الثلاثة الى العشرة فقيل كانوا تسعة من جن نصيبين و قيل كانوا سبعة و الجن أجسام ذات أرواح كالحيوان عاقلة كالانسان خفية عن أعين الناس و لذا سميت جنا خلقت من النار كما خلق آدم من طين قال اللّه تعالى و الجان خلقناه من قبل من نار السموم تتصف بالذكورة و الأنوثة و تتوالد و الظاهر ان الشياطين قسم منهم بخلاف الملائكة فانهم لا يتصفون بالذكورة و لا بالانوثة و وجود الجن و الشياطين و الملائكة ثابت بالشرع و أنكره الفلاسفة و ليست العقول العشرة التي اخترعها الفلاسفة من الملائكة من شى حيث يزعمونها مجردات بخلاف الملائكة فانها أجسام ذات أرواح و اللّه تعالى اعلم و سوق هذا الكلام يقتضى ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لم ير الجن و انما اتفق حضورهم فى بعض اوقات قراءته فاستمعوها فقص اللّه ذلك على رسوله فيما اوحى اليه اخرج الشيخان و الترمذي و غيرهم عن ابن عباس رض قال ما قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على الجن و لا رايهم و لكنه انطلق مع طائفة من أصحابه عامدين الى سوق عكاظ و قد حيل بين الشياطين و بين خبر السماء و أرسلت عليهم الشهب فقالوا ما هذا الا بشى قد حدث فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها فانظروا هذا الذي حدث فانطلقوا فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامه لى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو بنخلة يصلى بأصحابه صلوة الفجر فلما سمعوا القران استمعوا له فقالوا هذا و اللّه الذي حال بينكم و بين خبر السماء فهنالك رجعوا الى قومهم فقالوا يا قومنا انا سمعنا قرانا عجبا إلخ فانزل اللّه تعالى على نبيه قل اوحى الى قول الجن و قال اكثر المفسرين لما مات ابو طالب خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وحده الى الطائف يلتمس من ثقيف النصر و المنعة له من قومه فروى محمد بن اسحق عن يزيد بن زياد عن محمد للقرظى انه قال لما انتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى الطائف عمد الى نفر من ثقيف و هم يومئذ سادت ثقيف و اشرافهم و هم اخوة ثلثة عبد يا ليل و مسعود و حبيب بنو عمير و عند أحدهم امرأة من قريش من بنى جمح فجلس إليهم فدعاهم الى اللّه و كلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام و القيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة ان كان أرسلك اللّه و قال الاخر اما وجد اللّه أحدا يرسله غيرك و قال الثالث و اللّه ما أكلمك ابدا لئن كنت رسولا من اللّه كما تقول لانت أعظم خطرا من ان أرد عليك الكلام و لئن كنت تكذب على اللّه فلا ينبغى لى ان أكلمك فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد يئس من خير ثقيف و قال لهم إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عنّى و كره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يبلغ قومه فيزيد ذلك فى تجرئهم عليه فلم يفعلوا و اغروا به سفهائهم و عبيدهم يسبونه و يصيحون به حتى اجتمع عليه الناس و الجره الى حائط لعتبة و شيبة ابني ربيعة و هما فيه فرجع عنه سفهاء ثقيف و من كان تبعه فعمد الى ظل جنة من عتب فجلس فيه و ابنا ربيعة ينظران اليه و يريان ما لقى من سفهاء ثقيف و قد لقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تلك المرأة من بنى جمح فقال لها ماذا لقينا من احمانك فلما اطمئن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اللّهم انى أشكو إليك ضعف قوتى و قلة حيلتى و هو انى على الناس و أنت ارحم الراحمين و أنت رب المستضعفين فانت ربى الى من تكلنى الى بعيد يتجّهمنى الى او الى عدو ملكته امرى ان لم يكن بك على غضب فلا أبالي و لكن عافيتك هى أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات و صلح عليه امر الدنيا و الاخرة من ان تنزل بي غضبك او يحل علىّ سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول و لا قوة الا بك فلما رأه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب وضعه فى ذلك الطبق ثم اذهب به الى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ففعل عداس ثم اقبل به حتى وضعه بين يدى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما وضع و مد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يده قال باسم اللّه ثم أكل فنظر عداس الى وجهه فقال و اللّه ان هذا الكلام ما يقول اهل هذه البلدة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من اى البلاد أنت يا عداس و ما دينك قال انا نصرانى و انا رجل من اهل نينوى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال و ما يدريك يونس بن متى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذلك أخي كان نبيا و انا نبى فاكب عداس على رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم فقبل راسه و يديه و قدميه قال فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه اما غلامك فقد أفسده عليك فلما جائهما عداس قالا له ويلك يا عداس ما لك تقبل راس هذا الرجل و يديه و قدميه قال يا سيدى ما على الأرض خير من هذا الرجل فقد أخبرني بامر ما يعلمه الا نبى فقال ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فان دينك خير من دينه ثم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انصرف من الطائف راجعا الى مكة حين يئس من خبر ثقيف حتى إذا قام بنخلة قام من جوف الليل يصلى فمر به نفر من جن نصيبين اليمن فاستمعوا له فلما فرغ من صلوته و لوا الى قومهم منذرين قد أمنوا و أجابوا لما سمعو فقص اللّه سبحانه تعالى خبرهم عليه و اخرج ابن الجوزي فى كتاب الصفوة بسنده عن سهل بن عبد اللّه قال كنت فى ناحية و زاعا و إذا رايت مدينة من حجر منقور فى وسطها قصر من حجارة تأويه الجن فدخلت فاذا شيخ عظيم الخلق يصلى الى الكعبة و عليه جبة صوف فيها طراوة فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبى من طرارة جبته فسلمت عليه فرد على السلام و قال يا سهل ان الأبدان لا يخلق الثياب و انما يخلقها روايح الذنوب و مطاعم السحت و ان هذه الجبة على منذ سبع مائة سنة لقيت بها عيسى و محمدا عليهما السلام فامنت بهما فقلت له و من أنت قال من الذين نزلت فيهم قل اوحى الى نفر من الجن و قال جماعه بل امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان ينذر الجن و يدعوهم الى اللّه يقرأ عليهم القران فصرفوا اليه نفر من الجن من نينوى و جمعهم له فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى أمرت ان اقرأ على الجن الليلة فايكم يتبعنى فاطرقوا ثم استتبعهم فاتبعه عبد اللّه بن مسعود رض قال عبد اللّه و لم يحضر معنا غيرى فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة دخل بنى اللّه صلى اللّه تعالى عليه و على اله و أصحابه و سلم شعبا يقال له شعب الحجون و خط الى خطا ثم أمرني ان اجلس فيه و قال لا يخرج منه حتى أعود إليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القران فجعلت ارى مثل النسور تهوى و سمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبى اللّه صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم و غشيته اسودة كثيرة حالت بينى و بينه حتى ما اسمع صوته ثم طفقوا ينقطعون مثل قطع السحاب الذاهبين ففرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مع الفجر فانطلق الى فقال أ نمت قلت لا و اللّه يا رسول اللّه و لقد هممت مرارا ان استغيث بالناس حتى سمعتك تقرع بعصاك تقول اجلسوا قال لو خرجت لم أمن عليك ان يتخطفك بعضهم ثم قال رأيت شيئا قلت نعم رأيت رجلا اسود مشتفرى ثياب بيض قال أولئك جن نصيبين سألونى المتاع و المتاع الزاد فمنعتهم لكل عظم عايل و روث و بعرة فقال يا رسول اللّه يقذرها الناس فنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يستنجى بالعظم و الروث قال فقلت يا رسول اللّه و ما يغنى ذلك عنهم قال انهم لا يجدون عظما الا وجدوا عليه لحمه يوم يوكل و لا روثة الا وجدوا فيها حبها يوم أكلت فقلت يا رسول اللّه سمعت لغطا شديدا فقال ان الجن تدارت فى قتيل قتل منهم فتحاكموا الى فقضيت بينهم بالحق قال ثم تبرز رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم أتاني فقال هل معك ماء قلت يا رسول اللّه معى اداوة فيها بشئ من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يديه فتوضأ فقال تمرة طيبة و ماء طهور و روى مسلم عن على بن محمد حدثنا اسمعيل بن ابراهيم عن داود عن عامر قال سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و على اله و أصحابه و سلم ليلة الجن قال فقال علقمة انا سألت ابن مسعود عنه فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليلة الجن قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذات ليلة تفقدناه فالتمسناه فى الاودية و الشعاب فقلنا استطير أو اغتيل قال بشر ليلة بات بها قوم فقال أتاني داعى الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القران قال فأنطلق بنا فارانا اثارهم و اثار نيرانهم قال الشعبي و سألوه الزاد و كانوا من جن جزيرة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لكم كل عظم ذكر اسم اللّه عليه يقع فى ايديكم او ما يكون فيه لحم و ذلك بعرة علف دوابكم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلا تستنجوا بهما فانهما طعام إخوانكم من الجن و روى عن ابن مسعود انه رأى قوما من الزط فقال هؤلاء أشبه ما رايت من الجن ليلة الجن قلت و الظاهر عندى ان استماع الجن القران من النبي صلى اللّه عليه و سلم عامدا الى سوق عكاظ و قافلا من الطائف كان اولا و هو المحكي عنه بقوله تعالى قل اوحى الى و اما ليلة الجن التي رواها ابن مسعود فكانت بعد ذلك قال البغوي فى تفسير سورة الأحقاف انه قال ابن عباس فاستجاب لهم اى تفر من الجن بعد ما استمعوا القران من النبي صلى اللّه عليه و سلم بنخلة و رجعوا الى قومهم منذرين من قومهم سبعين رجلا من الجن فرجعوا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوافقوه فى البطحاء فقرأ عليهم القران و أمرهم و نهاهم و ذكر الخفاجي انه قد دلت الأحاديث على ان وفادة الجن كانت ستة مرات و هذا يدل على انه صلى اللّه عليه و اله و سلم كان مبعوثا الى الجن و الانس جميعا و قال مقاتل لم يبعث قبله نبى الى الانس و الجن و اللّه تعالى اعلم فَقالُوا هؤلاء النفر من الجن حين رجعوا الى قومهم إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً بديعا مباينا لكلام المخلوق مصدر وصف به للمبالغة. |
﴿ ١ ﴾