|
٨ وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ عطف على قم الليل و المراد به دوام الذكر ليلا و نهارا بحيث لا يطرق اليه النتور و لا يلحقه الذهول و ذا لا يتصور باللسان فان كل ما كان باللسان و الجوارح من التسبيح و التحميد و الصلاة و القراءة و نحو ذلك يتطرق اليه فتور النية فليس هو الا ذكر القلب و هو حقيقة الذكر فان الذكر عبارة عن طرد الغفلة كما يقتضيه المقابلة فى قوله صلى اللّه عليه و سلم ذكر اللّه فى الغافلين بمنزلة الصابر فى الغارمين فكل صلوة و تسبيح و قراءة كان عن قلب لاه فلا يعتد به ويل للمصلين الذين هم عن صلوتهم ساهون و انما قلنا ان المراد دوام الذكر لان العطف يقتضى المغايرة و مطلق الذكر يتضمنه قيام الليل و ترتيل القران و حمل الكلام عليه اولى منه على التأكيد و قيل معناه ان قل بسم اللّه الرحمن الرحيم عند ابتداء تلاوة القران (مسئلة) اجمعوا على قراءة البسملة فى أول الفاتحة و أول كل سورة ابتدأ القاري القراءة بها و لم يصلها بما قبلها سنة و اختلفوا فى التسمية بين السورتين فكان ابن كثير و قالون و عاصم يبسملون بين كل سورتين فى جميع القران ما خلا الأنفال و براءة فانه لا خلاف فى ترك البسملة هناك و الباقون لا يبسملون بين السور فاصحاب حمزة يصلون اخر كل سورة باول الاخرى و المختار من مذهب ورش و عن ابى عمرو و ابن عامر السكتة من غير قطع و اما عند الابتداء بما بين السورة فالقارى فيه مخير بين التسمية و تركها فى مذهب الجميع هذا فى القراءة خارج الصلاة و اما إذا قرأه فى الصلاة فقال الشافعي هى اية من الفاتحة و من كل سورة فيجب قراءتها مع الفاتحة و يسن قرأتها مع غيرها و يبسمل جهرا و قال الائمة الثلاثة ليست هى جزأ من شى ء من السور قال ابو حنيفة رض هى اية من القران نزلت للفصل فلا يقرأ البسملة و عند مالك رض فى الصلاة أصلا و لا مع الفاتحة و لا مع غيرها و عند ابى حنيفة رض و احمد رض يسن قرأتها مع الفاتحة سرا و لا يقرأ مع غيرها من السور و فى رواية عن محمد رض يستحب ان يقرأ سرا مع كل سورة و قد ذكرنا فى تفسير سورة الفاتحة الحجة على انها ليست من الفاتحة و لا من شى ء من السور و ان النبي صلى اللّه عليه و سلم و الخلفاء الراشدين لم يجهروا بها فى الصلاة و قد ذكر الشافعية فى الجهر بالتسمية تسعة أحاديث رواه دار قطنى و الخطيب أورد كلها ابن الجوزي و قال ابن الجوزي قال الدار قطنى كلما روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى الجهر بالتسمية فليس بصحيح فاما عن الصحابة فمنه صحيح و منه ضعيف و قد روى ابو داود ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم و كان مسيلمة يدعى رحمن اليمامة فقال اهل مكة انما يدعوا محمد اللّه يمامة فامر اللّه رسوله فاخفاها حتى مات و هذا يدل على ان يجهر بها و عدم الجهر بالبسملة مروى عن ابى بكر و عمر و عثمن و على و ابن مسعود و عمار بن ياسر و عبد اللّه بن مغفل و ابن الزبير و ابن عباس و من كبار التابعين منهم الحسن و الشعبي و سعيد بن جبير و ابراهيم و قتادة و عمرو بن عبد العزيز و الأعمش و الثوري و انما يرون خلاف هذا عن معاوية و عطاء و طاؤس و مجاهد كذا قال ابن الجوزي وَ تَبَتَّلْ اى انقطع عما سواه إِلَيْهِ تعالى تَبْتِيلًا مصدر من غير بابه وضع موضع تبتلا لرعاية الفواصل و الاشارة الى ان التبتل فى الغالب امر كسبى يحتاج الى تعمق و اجتهاد فالتبتيل مقدم على التبتل و من ثم قال الحسن فى تفسيرها اجتهد و قال ابن زيد التبتل رخص الدنيا و ما فيها و التماس ما عند اللّه فكانه قال تبتل قلبك عما سوى ربك تبتيلا فتبتل للّه تعالى و ليس المراد بالتبتل ترك الملاقاة بالناس او التقصير فى أداء حقوق العباد او قطع نحو ذلك مما امر اللّه به ان يوصل إذ لا رهبانية فى الدين و ان لنفسك عليك حقا و لاهلك عليك حقا و لضيفك عليك حقا بل المراد به قطع العلاقة الحسية و العلمية عن القلب و هو معنى القلب قالت الصوفية العلية الطريق الذي نحن بصدده قطعه خطوتان الخطوة الاولى الانقطاع عن الخلق و الثانية الوصول الى الحق و أحدهما لازم للاخر و من ثم ذكر اللّه سبحانه كلا الخطوتين بالعطف بالواو الذي هى للجمع و قدم قوله و اذكر اسم ربك الذي هو عبارة عن الوصول الى الحق على التبتل لانه هو المقصود بالتبتل و انما قلنا انه عبارة عن الوصول لان الذكر الذي لا يتطرق اليه الفتور و لا يستعقبه الذهول هو العلم الحضوري إذ لا يتصور ذلك فى العلم الحصولى بداهة و العلم الحضوري عبارة عن حضور نفس المعلوم عند العالم و ذلك يعبر بدوام الحضور و الوصول و الاتصال و الاتحاد و البقاء و نحو ذلك بألفاظ شتى و كانت الأوائل يعبرون عنها بالإخلاص قال ابن عباس و غيره فى تفسير هذه الاية أخلص اللّه إخلاصا و انما قال و اذكر اسم ربك و لم يقل و اذكر ربك لان الملازم للتبتل الذي هو المعبر بالفناء و انما هو علم الأسماء و الصفات دون العلم المتعلق بالذات فانه بعد وراء الوراء و يحتمل ان يكون المراد بالذكر الذكر باللسان بموافقة القلب و بدوام الذكر الدوام العرفي بمعنى الإكثار بقدر الطاقة البشرية و ذلك يفضى الى التبتل و وسيلة اليه بشرط الاجتباء عن اللّه تعالى كما يكون للانبياء و الافراد من الأولياء او جذب من الشيخ و على هذا وجه التقديم على التبتل بأظهر تقدم طبعا و اعلم ان على هذا التأويل فى قوله تعالى و اذكر اسم ربك اشارة الى تكرير اسم الذات و فى قوله تعالى. |
﴿ ٨ ﴾