٢٣

إِلى رَبِّها متعلق بما بعده ناظِرَةٌ ج بروية البصر بلا كيف و لا جهة و لا ثبوت مسافة و لا بقياس الغائب على الشاهد خبر ثان لوجوه

و اخرج الآجري و البيهقي فى كتاب الروية من طريقين عن ابن عباس قال وجوه يومئذ ناضرة قال حسنة الى ربها ناظرة نظرة الى الخالق و اخرجوا عن الحسن نحوه و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ان ادنى اهل الجنة منزلة من ينظر ال جنانه و أزواجه و نعيمه و خدمه و سرره مسيرة الف سنة و أكرمهم على اللّه من ينظر الى وجه غدوة و عشية ثم قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة رواه احمد و الترمذي و الدار قطنى و اللالكائى و الآجري نحوه و فى لفظ الآجري ادنى اهل الجنة منزلة من ينظر فى ملكه مسيرة الفى عام يرى أقصاه كما يرى أدناه و فى الباب حديث انس رواه البزار و الطبراني و البيهقي و ابو يعلى بطوله و فيه يوم الجمعة يزداد فيها نظرا الى وجهه تعالى و لذلك دعى يوم المزيد رواه البزار و الاصفهانى عن نحوه

و اخرج الآجري عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قال ان اهل الجنة يرون ربهم كل جمعة و عن الحسن مرسلا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ان اهل الجنة ينظرون الى ربهم كل جمعة الحديث أخرجه يحى بن سلام و عن انس مرفوعا قال اللّه تعالى من سلبت كريميته جزائه الحلول فى دارى و النظر الى وجهى رواه الطبراني و غيره و حديث جرير البجلي قال كنا جلوسا عند النبي صلى اللّه عليه و سلم إذ نظر الى القمر ليلة البدر فقال انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون فى روية فان استطعتم ان لا تغلبوا على صلوة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها متفق عليه و كذا روى اللالكائى عن حذيفة و فى الصحيحين عن ابى هريرة نحوه و عن زيد بن ثابت قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يدعو اللّهم انى أسئلك برد العيش بعد الموت و لذة النظر الى وجهك و الشوق الى لقائك فى غير ضرار مضرة و لا فتنة مضلة رواه اللالكائى و عن عبادة بن صامت لن ترون ربكم حتى تموتون رواه الدار قطنى و كذا رواه اللالكائى عن ابى هريرة

و اخرج ابو نعيم فى الحلية عن ابن عباس قال تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم رب أرني انظر إليك قال قال اللّه تعالى يا موسى انه لا يرانى حتى الا مات و لا يابس الا تدهده و لا رطب الا تغرق و انما يرانى اهل الجنة لا تموت أعينهم و لا تبلى أجسادهم و عن على فى قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا قال من أراد ان ينظر الى خالقه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك به أحدا رواه البيهقي و بالجملة صح تفسير هذه الاية و تفسير قوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى و زيادة و قوله تعالى و لدينا مزيد و غيره من الآيات بروية اللّه تعالى مسندة عن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و أصحابه و التابعين بحيث بلغت مبلغ التواتر عند اهل الحديث كذا ذكر السيوطي و غيره و بما ذكرنا فى هذا المقام كفاية و نذكر فى تفسير كل اية منها ما يتعلق به ان شاء اللّه تعالى و على روية اللّه تعالى انعقد اجماع اهل السنة و الجماعة و خالفهم اهل الهواء من المعتزلة و الخوارج و غيرهم بامتناعها زعما منهم بانها تتوقف على كون المرئي حسما كثيفا بلا حجاب و كون المسافة بين الرائي و المرئي متوسطة لا فى غاية القرب و لا فى غاية البعد و خروج شعاع البصر من الرائي و وصوله الى المرئي المقتضى ثبوت الجهة له تعالى و استدلوا على امتناع الروية من المنقول بقوله تعالى لا تدركه الابصار و قالوا تاويل هذه الاية ان ناظرة بمعنى منتظرة امر ربها و انعامه و يابى عنه العربية فان الانتظار يتعدى باللام دون الى و النظر بالبصر يعدى بالى و قال اهل السنة الروية لا تتوقف الا على كون المرئي موجود او كذلك فى جانب الرائي لا يشترط الا الوجود و الحيوة و العلم و الابصار و اما توقف الروية على غير ذلك من الشرائط فامر عادى فى خصوص المادة و لا يجوز قياس الغائب على الشاهد و لا شك ان اللّه سبحانه تعالى يرى خلقه من الماديات و المجردات من غير مسافة بينهما و لا خروج شعاع و هو السميع البصير كيف ينكر كونه مرئيا بعد ما نطق به البشير النذير و قوله تعالى لا تدركه الابصار انما ينفى الدرك و هو يقتضى الإحاطة و حصول العلم بكنهه و ذلك محال و اما العلم الحضوري بالكنه بمعنى حضور كنه المعلوم عند العالم فليس بمحال لكنه متعال عن درك الابصار و اللّه تعالى اعلم- (فائدة) هذه الاية تدل على انهم يرون اللّه تعالى دائما مستمرا لا ينقطع رويتهم كما يدل على دوام النضرة لهم ابدا فان الجملة الاسمية للدوام و الاستمرار و لا منافاة بينها و بين ما ثبت بالأحاديث ان من الناس من يرى اللّه تعالى كل جمعة و منهم من يرى اللّه تعالى فى كل جمعة اى أسبوع مرتين كذا احرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة و منهم من يرى ربه فى مقدار كل عيد لهم فى الدنيا يعنى فى كل سنة مرتين كذا روى يحى بن سلام عن ابى بكر بن عبد اللّه المزني و منهم من يرى فى كل يوم مرتين غدوة و عشية كما مر من حديث ابن عمر لان ثبوت دوام الروية انما هو لجمع منكر و هى لا تدل على العموم او بقدر ما هو أخص من المؤمنين فيقدر المقربين فتقديره وجوه المقربين يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة دائما ابدا اخرج ابو نعيم عن ابى يزيد البسطامي قال ان للّه تعالى خواص من عباده لو حجبهم فى الجنة عن روية لاستغاثوا كما يستغيث اهل النار بالخروج من النار فظهر ان الناس فى الروية على درجات لا تكاد تحصى و ليس المقصود من الأحاديث استيفاء درجاتهم و معنى قوله صلى اللّه عليه و اله و سلم أكرمهم على اللّه من ينظر الى وجهه غدوة و عشية انهم من أكرمهم و هذا لا يقتضى ان لا يكون أحد أكرم منهم و إذا تقرر هذا فاعلم ان الذين يدومون النظر الى اللّه سبحانه و اللّه تعالى اعلم بهم هم الأنبياء و المقربون من العباد الواصلين الى الذات المجرد عن الشيون و الاعتبارات الذين كان حظهم فى دار الدنيا من الذات التجلي الدائمى لا كالبرق الخاطف لان من كان حظه فى دار الدنيا دوام التجلي و لم يكن له الروية فى الدنيا لعدم صلاحيته تعين هذه النشأة الروية كما أشير اليه فى حديث ابن عباس عند ابى نعيم فى الحلية فاذا زال المانع فلا جرم ينظر ذلك الرجل الى اللّه دائما و إلا لزم انعكاس الأمر و رجوعه القهقرى و من لم يكن فى الدنيا دوام التجلي و الحضوري فيكون الروية لهم على تفاوت الدرجات فمن كان حظه تجليا برقيا يرى فى كل يوم مرتين او مرارا و من لم يكن كذلك ففى كل جمعة او شهر او سنة على ما شاء اللّه- (فائدة) قال المجدد رضى اللّه تعالى عنه فى المكتوب المائة من المجلد الثالث فى تحقيق سر اشتغال قلب يعقوب عليه السلام بمحبة يوسف عليه السلام مع ان قلوب الخواص من الناس تكون فارغة عن حب غير اللّه تعالى ان جنة كل رجل عبارة عن ظهور اسم من اسماء اللّه تعالى الذي هو مبدأ التعين ذلك الرجل و ان ذلك الاسم يتجلى بصورة الأشجار و الأنهار و القصور و الحور و الغلمان و استحكم هذا المكشوف بقوله صلى اللّه عليه و اله و سلم ان الجنة طيبة التربة عذبة اى أنهارها قيغان و ان غراسها هذه يعنى سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه و اللّه اكبر ثم قال المجدد رضى اللّه تعالى عنه ان تلك الأشجار و الأنهار قد تصير فى حين من الأحيان على هيئة الاجرام الزجاجة فتصير وسيلة الى روية اللّه سبحانه غير متكيفة ثم تعود الى حالها الذي كانت عليه فيشتغل المؤمن بنفسها و هكذا الى ابد الآبدين و قال كما ان التجلي الذاتي للصوفى فى الدار الدنيا تكون من وراء حجب الأسماء او الصفات و قد يرتفع تلك الحجب فيحصل له التجلي الذاتي كالبرق الخاطف كذلك حال الروية فى الاخرة لكل رجل يتعلق بذات اللّه سبحانه و تعالى باعتبار اسم هو مبدأ الجنة و تجلى و تمثل لجنة و تلك الروية تكون كالبرق الخاطف فى زمان يسير ثم تحجب عنه و يبقى نوره و بركته من وراء نعيم الجنة و أشجارها قلت هذا تحقيق روية العوام من اهل الجنة و اما الخواص منهم فلما كان التجلي لهم فى الدنيا دائما فكذلك الروية تكون لهم دائما

فان قيل قال المفسرون تقديم الجار و المجرور فى قوله تعالى الى ربها ناظرة يقتضى الحصر و يفيد انهم إذا أراد ربهم يستغرقون فى رويته تعالى لا ينظرون حينئذ الى غيره و يؤيده حديث جابر رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم اهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع عليهم نور فرفعوا رؤسهم فاذ الرب تبارك و تعالى قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا اهل الجنة و ذلك قوله تعالى سلام قولا من رب رحيم قال فينظر إليهم و ينظرون اليه فلا يلتفتون الى شى ء من النعيم ما داموا ينظرون اليه حتى يحجب عنهم و يبقى نوره و بركته فى ديارهم رواه ابن ماجة و ابن ابى الدنيا و الدار قطنى فحينئذ لو كان لبعض الناس دوام الروية فكيف يتصور الحصر و عدم الالتفات الى النعيم دائما

قلنا إفادة الحصر ممنوع و تقديم الجار و المجرور لرعاية الفواصل و لعل الالتفات الى النعيم فى حق ذلك البعض لا يزاحم الروية بل تكون نعيم الجنة فى حقه مثل الاجرام الزجاجية ابدا موبدة للروية و ذلك الصوفي يجتمع له الرؤيتان روية الاحجاب و روية بتوسط النعيم و مع ذلك يرى النعيم و يلتذ به ايضا و ان من هذا شانه فلان يشغله شان عن شأن و اما غيره من اهل الجنة فالالتفات الى نعيم الجنة يشغلهم عن الروية و بالعكس لضيق استعدادهم او نقول معنى الحصر فى حق من له الروية و اما ما روى من حديث جابر فهو حكاية عن حال عامة اهل الجنة لا يقال سلمنا ان التفاته للنعيم لا يشغله عن الروية فكيف يجوز له التوجه الى النعيم مع حصول شرف الروية لما ذكرنا ان نعيم الجنة محابى اسماء اللّه تعالى فلا محذور فى الالتفات إليها مع الروية (فائدة) وقع فى بعض كلام الائمة ان روية اللّه خاصة لمؤمن البشر و ان الملائكة لا يرونه و نص البيهقي على خلافه محتجا بحديث عبد اللّه بن عمرو ابن العاص قال خلق اللّه تعالى الملائكة بعبادته أصنافا و ان منهم الملائكة قياما صافين من يوم خلقهم الى يوم القيامة فاذا كان يوم القيامة تجلى لها تبارك و تعالى فنظروا الى وجه الكريم و قالوا ما عبدناك حق عبادتك

و اخرج نحوه من وجه اخر عن عدى بن ارطاف عن رجل من الصحابة و بما ذكرنا روية كل رجل على حسب مبدأ تعينه يظهر فضل الملائكة على عوام مومنى البشر لكون مبادى تعيناتهم فوق مبادى تعينات البشر كما حققه المجدد رضى اللّه عنه و بما ذكرنا ان روية الخواص البشر دائمة غير منقطعة يظهر فقيل خواص البشر أفضل على خواص الملائكة كما بين فى كتب العقائد.

﴿ ٢٣