سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسُونَ آيَةً

مكيّة و هى خمسون اية

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً

٢

فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً

٣

وَ النَّاشِراتِ نَشْراً

٤

فَالْفارِقاتِ فَرْقاً

٥

فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً ادغم ابو عمرو الخلاد التاء فى الذال و اظهر الجمهور قال مقاتل معنى الملائكة التي أرسلت بالمعروف من امر اللّه و نهيه و هى رواية عن مسروق عن ابن مسعود فعرفا حينئذ مفعول له و يحتمل ان يكون عرفا حالا بمعنى متتابعات من عرف الفرس يعنى أرسلت للاحكام متتابعات فغصفن الى عصر من عصف الرياح فى امتثال ما أمروا به و نشرن الشرائع فى الأرض بنشر الكتب و انزالها و نشرن ان احين النفوس الموتى بالجهل بما اوتين من العلم ففرقن بين الحق و الباطل فالقينا الى الأنبياء ذكرا اى وحيا او اليقين فى قلوب المؤمنين ذكر اللّه سبحانه

و قال مجاهد و قتادة هى الرياح المرسلات أرسلت متتابعة و قيل عرفا كثير العاصفات شديدة الهبوب عصفا الناشرات السحاب فى الجو نشر الفارقات بين السحاب بالقصر فرقا او فارقات السحاب بعد المطر فالملقيات ذكر اى تستبين لذلك فان العاقل إذا شاهد هبوبها و اثارها ذكر اللّه تعالى و كمال قدرته و شكره على نعمة المطر بعد ما قنطوا و يحتمل ان يكون المراد به آيات القران المرسلات الى محمد صلى اللّه عليه و سلم بكل عرف اى معروف فعصفن الاكتاب و الأديان بالنسخ و نشرن اثارى الهدى و الاحكام فى الشرق و الغرب و فرقن بين الحق و الباطل فايقين ذكر اللّه بين العالمين او المراد بها نفوس الأنبياء المرسلات الى الخلق للّهداية و الإرشاد و تبليغ الاحكام فغصفن و اسرعن و امتثال الأوامر و الانتهاء عن المناهي و نشرن الهداية و فرقن بين الحق و الباطل فالقين ذكر اللّه تعالى فى قلوب الامة و ألسنتهم.

٦

عُذْراً روى عن ابى بكر عن عاصم ضم الذال و هو قراءة الحسن و المشهور عنه و نحن ساير القراء السكون أَوْ نُذْراً قرأ نافع و ابن كثير و ابن عامر و ابو بكر بضم الذال و الباقون باسكاتها و هما بسكون الذال مصدران العذر او امحى اساءة و انذر إذا خوف و بالضم جمعان للعذير بمعنى المعذرة و نذير بمعنى الانذار او المعنى العاذر و المنذر و نصبهما على أولين بالعلية اى عذر المؤمنين إمحاء لاساتهم و نذر للكفار تخويفا لهم و الرياح سبب بوعيد الكفار بالعذاب إذا أسند و المطرا الى الأنواء مثلا او هما منصوبان بالبدلية من ذكر على ان المراد به الوحى و على الثالث بالحالية.

٧

إِنَّما تُوعَدُونَ من القيامة و الجزاء لَواقِعٌ ط كائن لا محالة الجملة جواب للقسم.

٨

فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ محقت و ذهبت بنورها جواب إذا محذوف و هو العامل فيها اى يفصل بين اهل الجنة و اهل النار.

٩

وَ إِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ اى شقت فصارت لها فرجا.

١٠

وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ قلعت من أماكنها و إذا مليت.

١١

وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ قرأ ابو عمر وقتت بالواو و عن ابى جعفر رواية بالواو بالهمزة كالجمهور عوضا عن الواو اى أظهرت وقت جمعهم و شهادتهم على الأمم.

١٢

لِأَيِّ يَوْمٍ متعلق بما بعده و قدم عليه لاقتضاء صدر الكلام أُجِّلَتْ ط أخرت و ضرب الاجل لذلك الوقت استفهام استعير للتعجب و التهويل.

١٣

لِيَوْمِ الْفَصْلِ بدل من لاى يوم و بيان له و جملة لاى يوم معترضة و يحتمل ان يكون ثانى مفعولى أقتت لتضمينه معنى أعلمت.

١٤

وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ ط تعجيب اخر و تعظيم امره يعنى انه شى ء أعظم لا تعلم كنهه و لم تر مثله.

١٥

وَيْلٌ مصدر بمعنى حلول الشر و الهلاك فى الأصل منصوب على المصدرية بإضمار فعله عدل به الى الرفع يجعله مبتداء لدلالته على ثبات الهلاك و الشر و الجملة دعائية اخرج احمد و الترمذي و ابن جرير و ابن ابى حاتم و الحاكم و صححه و البيهقي و ابن ابى الدنيا و هناد عن ابى سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ويل واد فى جهنم يهويه الكافر أربعين خريفا قبل ان يبلغ قعره

و اخرج البيهقي و ابن المنذر عن مسعود قال الويل واد فى جهنم يسيل صديد اهل النار جعل اللّه للمكذبين

و اخرج ابن ابى حاتم عن النعمان بن بشير نحوه

و اخرج البيهقي و ابن جرير و ابن المبارك عن عطاء بن يسار قال الويل واد من صديد جهنم لو سيرت فيه الجبال لانذابت من حره

و اخرج ابن جرير عن عثمن بن عفان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال الويل جبل فى النار

و اخرج البزار بسند ضعيف عن سعيد بن ابى وقاص قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فى النار حجرا يقال له ويل يصعد عليه العرفاء و ينزلون يَوْمَئِذٍ اى يوم إذا النجوم طمست الى آخره لِلْمُكَذِّبِينَ ليوم الفصل ظرف مستقر خبر لويل يومئذ متعلق به و يحتمل ان يكون يومئذ ظرفا مستقرا صفة لويل.

١٦

أَ لَمْ نُهْلِكِ بالعذاب المكذبين او الْأَوَّلِينَ نحو قوم نوح و عاد و ثمود استفهام تقرير.

١٧

ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ يعنى كفار مكة السالكين سبيل الأولين فى تكذيب الرسل عطف على مضمون الم نهلك يعنى أهلكنا الأولين ثم نتبعهم الآخرين.

١٨

كَذلِكَ صفة مصدر محذوف اى فعلا مثل ذلك الفعل نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ اى نجس المجرمين.

١٩

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بما اوعدنا.

٢٠

أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ استفهام تقرير اى خلقناكم مِنْ ماءٍ مَهِينٍ حقير قدرا و هى النطفة.

٢١

فَجَعَلْناهُ اى الماء فِي قَرارٍ مَكِينٍ ما يتمكن فيه و هو الرحم ظرف مستقر مفعول ثان لجعلناه ان كان ناقصا بمعنى صيرناه و الا فظرف لغو متعلق به و جملة جعلناه معطوفة على مضمون الم نخلقكم الفاء للتفسير لا للتعقيب او محمول على القلب فى التركيب.

٢٢

إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ متعلق بقوله فى قرار مكين ان كان ظرفا مستقرا و الا فبفعل محذوف اى مؤخرا اى مقدار من الوقت المعلوم عرفا أدناه ستة أشهر و أكثره سنتين او معلوم عند اللّه مدة لبثه.

٢٣

فَقَدَرْنا قرأ نافع و الكسائي بالتشديد من التقدير اى فقدرنا مدة لبثه فى بطن امه وقت ولادته و عمله و اجله و رزقه و شقى او سعيد عن ابن مسعود قال حدثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو الصادق المصدوق ان حلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما النطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث اللّه اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله و اجله و رزقه و شقى او سعيد ثم ينفح فيه الروح فو الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى يكون بينه و بينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها متفق عليه و الباقون من القراء قرؤا بالتخفيف من القدرة يعنى فقدرنا يعنى إيجاده و اعدامه و إعادته فَنِعْمَ الْقادِرُونَ نحن اى على كل شى ء و يحتمل ان يكون القادر بمعنى المقدر على قراءة نافع.

٢٤

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بقدرتنا و هم الكفار او بتقديرنا و هم القدرية مجوس هذه الامة.

٢٥

أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ استفهام تقرير كِفاتاً اسم لما يكفت فيه بضم او مصدر نعت به مبالغة او جمع كافت كصيام و صائم او جمع كفت بمعنى الوفاء اجرى الجمع على الأرض باعتبار اقطاعها.

٢٦

أَحْياءً وَ أَمْواتاً حال عن المفعول المحذوف لكفاتا ان كان مشتقا و الا فالفعل محذوف دل عليه كفاتا يعنى نكفت الناس احياء على ظهرها فى دورهم و منازلهم و أمواتا فى بطنها بخروجهم كذا قال الفراء و انما حذف المفعول للعلم به و يحتمل ان يكون مفعولين لكذلك اى نكفت الاحياء و الأموات و تنكيرهما للتفخيم او لان احياء الناس و أمواتهم بعض الاحياء و الأموات و يحتمل ان يكونا ثانى مفعول نجعل و كفاتا حال منهما قدم عليهما لتنكيرهما و يحتمل ان يكونا حالين عن مفعول نجعل يعنى الأرض او كفاتا و المراد بالاحياء و الأموات ما ينبت من الأرض و ما لا ينبت.

٢٧

وَ جَعَلْنا عطف على مضمون لم نجعل فِيها اى فى الأرض رَواسِيَ جبال شامِخاتٍ وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ط عاليات و التنكير للتعظيم نابعات من الأرض.

٢٨

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بامثال هذه النعم قال مقاتل و هذه الأمور المذكورة كلها اعجب من المبعث.

٢٩

انْطَلِقُوا جملة مستأنفة كانه فى جواب ما يصنع بالمكذبين يومئذ و تقديره يقال لهم يومئذ انطلقوا اى سيروا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ج فى الدنيا يعنى نار جهنم.

٣٠

انْطَلِقُوا بدل من الاول و تأكيد و فيه بيان لما يسيرون اليه إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ قال المفسرون أريد به دخان جهنم

قال البيضاوي و غيره الدخان العظيم إذ يرتفع يتفرق ذوائب و فى خصوصية شعب دخان جهنم بالثلث ذكر البيضاوي و غيره وجوها لا ترضيه و عندى وجه الخصوصية بالثلث ان اسباب الدخول فى نار جهنم منحصرة فى ثلث أحدها الكفر باللّه و تكذيب الرسل صريحا و عبارة كقول الكفار افترى على اللّه كذبا ثانيها اتباع الهوى و تكذيب الرسل و آيات اللّه اقتضاء كقوله اهل الهواء من المجسمة و القدرية و الروافض و الخوارج و المرجئة على خلاف ظواهر النصوص القطعية بتأويلات فاسدة على خلاف الإجماع كما ان المجسمة يكذبون قوله تعالى وجوه يومئذ ناظرة و ما دلت من الآيات على وزن الأعمال و الصراط و نحو ذلك و الروافض و الخوارج يكذبون ما تواتر عن الرسول صلى اللّه عليه و سلم فى مدح ابى بكر و عمر و عثمان و على تواترا معنويا ثالثها اتباع الشهوات فى ارتكاب الكبائر و الصغائر و ترك الواجبات فهذه الأمور الثلاثة تصلح ان تكونا أسبابا لانشعاب دخان جهنم الى ثلث و شعب

قال البغوي قيل يخرج عنق من النار فيشعب ثلث شعب اما النور فتقف على رؤس المؤمنين و الدخان تقف على روس المنافقين و اللّهب تقف على رؤس الكافرين قلت و ايضا يكون هذا القول مرفوعا لكونه مما لا يدرك بالرأي فتأويله انه عبر عن شعبة من شعب الثلث الدخان جهنم بالنور لخفته فى الظلمة بالنسبة الى أختيه و الا فما معنى النور فى نار جهنم و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أوقد على نار جهنم الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة اخرج الترمذي و البيهقي عن ابى هريرة فهذه الشعبة الخفيفة الظلمة بالنسبة الى أختيها تقف على رؤس عصاة المؤمنين من اهل النار و عن الشعبة ....

الثانية بالدخان لكثرة اجزاء النار فيها و شدة ظلمتها فهى تقف على رؤس المنافقين و المراد بالمنافقين هاهنا هم اهل الهواء الذين يدعون الايمان و يلزمهم الكفر و تكذيب الرسول عليه الصلاة و السلام و ليس المراد بالمنافقين هاهنا الذين قالوا أمنا بأفواههم فى العلانية دون السر و لم يؤمن قلوبهم فانهم أشد فى الكفر من الجاهرين و هم فى الدرك الأسفل من النار و قد ذكرنا فى تفسير سورة البقرة وجه اطلاق المنافقين على اهل الهواء و تطبيق ما ضرب اللّه تعالى به مثل المنافقين عليهم و عن الشعبة الثالثة باللّهب لكمال احتراقها و شدة التهابها فهو تقف على رؤس الكافرين قلت و يمكن ان يقال المراد بالظل نار جهنم نفسها عبر عنها بالظل مجازا لظلمته و اسوداده فان الظل لا يخلو من الظلمة و فيه استهزاء و تهكم بالكفار كما فى ذق انك أنت العزيز الكريم و فى بشره بعذاب اليم فمعنى قوله تعالى انطلقوا الى ظل ذى ثلث شعب انطلقوا الى نار جهنم التي هى ذى ثلث طرق موصلة إليها أحدها تكذيب الرسل صريحا ثانيها تكذيبهم اقتضاء ثالثها ارتكاب المعاصي لما ذكرنا.

٣١

لا ظَلِيلٍ كظل العرش و ظل الجنة للمؤمنين صفة الظل بعد صفة وَ لا يُغْنِي مِنَ اللّهبِ ط اى لا يرد لهب جهنم صفة لموصوف محذوف اى و لا ظل يغنى من اللّهب و يحتمل ان يكون معطوفا على ظليل على طريقة فالق الإصباح و جعل الليل فيكون صفة ثالثة لظل مذكورة فى هاتين الصفتين تهكم بهم و روى أوهم لفظ الظل من وقاية الحر و الإغناء من اللّهب.

٣٢

إِنَّها الضمير راجع الى ظل من حيث المعنى ان كان المراد به النار كما ذكرت و الا فهو راجع الى غير مذكور دل عليه الكلام اى جهنم تَرْمِي تعليل لعدم الإغناء بِشَرَرٍ جمع شررة و هى ما تطاير من النار كَالْقَصْرِ ج اى كل شررة فى عظمها كالقصر اى كبيت من حجر او قرية او حصن كذا فى القاموس فهو مفرد و قيل هو جمع قصرة بمعنى اصل النخل او الشجر الغليظ.

٣٣

كَأَنَّهُ اى القصر أفرد الضمير نظرا الى لفظه جِمالَتٌ جملة كانه صفة ثانية لشرر قرا حفص و حمزة و الكسائي جملة بغير الف و هو جمع جمل و الباقون جمالات بالألف على انه جمع جمال فهو جمع الجمع صُفْرٌ جمع اصفر فان الشرر لما فيه من النار به يكون اصفر و قيل معناه اسود كما جاء فى الحديث ان شرر نار جهنم سود كالقير و العرب يسمى سواد الإبل صفر الضربة الى الصفرة و الاول تشبيه فى العظمة و هذا فى اللون و الكثرة و التتابع و الاختلاط و سرعة الحركة.

٣٤

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالنار و العذاب-.

٣٥

هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ اى الكفار نطقا يفيدهم او لا ينطقون شيئا من فرطا الدهشة و الحيرة و هذا فى بعض المواقف و ينطقون فى بعضها.

٣٦

وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فى الاعتذار عطف على لا ينطقون فَيَعْتَذِرُونَ

٣٧

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ عطف على لا يوذن فيدل على نفى الاذن و الاعتذار مطلقا و لعله لم يجعل جوابا عن النفي كيلا يدل على ان عدم اعتذارهم بعد الاذن فيوهم ان لهم عذرا قال حينئذ اى عذرا لمن اعرض عن منعمه و كفر باياديه و نعمه.

٣٨

هذا يَوْمُ الْفَصْلِ ج بين اهل الجنة و اهل النار جَمَعْناكُمْ خبر ثان لهذا او حال عن يوم الفصل و العامل معنى الاشارة و العائد محذوف اى جمعناكم فيه او تعليل يعنى هذا يوم الفصل لانا جمعناكم فيه للفصل بين المؤمن و المكذب او تقرير و بيان للفصل وَ الْأَوَّلِينَ

٣٩

فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ حيلة لدفع العذاب كما كنتم تكيدون بالمؤمنين فى الدنيا كما كنتم تقولون أ يعجز كل عشرة منكم ان يبطش بواحد من تسعة عشر خزنة.

فَكِيدُونِ الياء محذوفة اى فكيدونى الان توبيخ و تعجيز جملة الشرطية بتقدير فيقال لكم معطوفة على جمعناكم.

٤٠

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ع بالعذاب إذ لا حيلة لهم يومئذ فى تخليص أنفسهم من العذاب.

٤١

إِنَّ الْمُتَّقِينَ من الشركة او من المعاصي مطلقا على تفاوت درجاتهم فِي ظِلالٍ كناية عن تكاسف أشجار الجنة كقوله زيد طويل النجاد بمعنى طويل القامة و ان لم يكن له نجاد و الا فلا شمس حتى يتصور الظل وَ عُيُونٍ جارية من ماء غير أسن و لبن لم يتغير طعمه و خمر لذة للشاربين و عسل مصفى.

٤٢

وَ فَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ط اى لذيذة شتهاه و فيه اشعار بان المآكل و المشارب فى الجنة بحسب شهواتهم بخلاف الدنيا فان فيها يحسب ما يجد الناس.

٤٣

كُلُوا وَ اشْرَبُوا حال من ضمير المرفوع فى الظرف اى مستقرون فى ظلل حال كونهم مقولا لهم ذلك او جملة معترضة بتأويل يقال لهم هَنِيئاً صفة المصدر المحذوف اى أكلا هنيئا او حال اى مهنئين و الهنأ ما لا يلحق فيه مشقة و لا يعقبه وخامة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من عقد القلب بالايمانيات و معالجته الطاعات و جملة ان المتقين مستأنفة كانه فى جواب سائل يسئل عن حال غير المكذبين بعد ما سمع حال المكذبين.

٤٤

إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ كذلك فى محل النصب على المصدرية لما بعده و الجملة الفعلية خبر ان و الاسمية تأكيد لما سبق فان المراد بالمحسنين هم المتقون لا ما هو أخص منه و الا يلزم تشبيه الا على بالأدنى و فيه حث على الإحسان يعنى فأحسنوا ايها الناس يجزينكم كما ذكرنا و الإحسان بالمعنى الأخص ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك كذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى جواب جبرئيل سال عنه رواه الشيخان فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب.

٤٥

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالجنة حيث يحرمون من النعيم.

٤٦

كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا كلام مستأنف خطاب للمكذبين فى الدنيا على وجه التهديد قَلِيلًا منصوب على المصدرية و على الظرفية اى أكلا قليلا او زمانا قليلا ما دمتم فى الدنيا ثم ينقطع ذلك عنكم إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ تعليل للتهديد.

٤٧

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ حيث عرضوا أنفسهم على العذاب الأليم لاجل التمتع القليل اخرج ابن المنذر عن مجاهد ان النبي صلى اللّه عليه و سلم امر وفد ثقيف بالايمان و الصلاة فقالوا و لكن لا نجبى فانها مسبة فى القاموس التجبية وضع يديه على ركبة او على الأرض او الإكباب على وجهه قولهم فانها مسبة الى عار فنزلت.

٤٨

وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ فهذه جملة معترضة لذم الكفار و يحتمل ان يكون معطوفة على المجرمون على سبيل الالتفات من الخطاب الى الغيبة يعنى انكم مجرمون و انهم لا تركعون إذا دعيتم الى الصلاة و يحتمل ان يكون معطوفة على مضمون المكذبين يعنى ويل الذين كذبوا و لم يصلوا عند الدعاء إليها.

٤٩

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالأوامر و النواهي.

٥٠

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ اى بعد القران يُؤْمِنُونَ استفهام إنكاري اى لا يومنون بشئ من الحجج إذ لم يؤمنوا بالقران الذي هو مشتمل على وجوه من الاعجاز نظما و معنى و على الحجج الواضحة و البراهين الساطعة و لما كان سياق هذه السورة على التخويف و التهديد غالبا كما ان كان سياق سورة الإنسان على اللطف لتطيع غالبا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم شيبتنى هود و الواقعة و المرسلات و عم يتساءلون و إذا الشمس كورت رواه الحاكم و صححه عن ابن عباس و ابن مردوية عن سعيد.

﴿ ٠