سُورَةُ النَّبَأِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعُونَ آيَةً مكيّة و هى أربعون اية بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ عَمَّ أصله عن ما يحذف الالف من ما الاستفهامية إذا وقعت بعد حرف الجر نحو لم و فيم و عم و مم تخفيفا لكثرة الاستعمال و فرقا بينهما و بين الموصولة و ضم الميم بعن فى الخط لبقائه على حرف واحد بعد الحذف و الاستفهام فى كلامه تعالى مستعار عن التفخيم و التهويل فى شان ما وقع فيه الاستفهام فانه تعالى لا يخفى عليه شى ء فى الأرض و لا فى السماء يَتَساءَلُونَ ج و الضمير لاهل مكة و ذلك ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما دعاهم الى التوحيد و أخبرهم عن البعث بعد الموت و تلا عليهم القران جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون ماذا جاء بهم محمد صلى اللّه عليه و سلم كذا ذكر البغوي و اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم عن الحسن نحوه عن المعنى يتساءلون الرسول صلى اللّه عليه و سلم و المؤمنين عنه استهزاء كقوله يتداعون لهم اى يدعون لهم. ٢ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ متعلق بيتساءلون المذكور و على هذا النبأ متعلق بفعل مضمر يفسره ما بعده او متعلق بيتساءلون مضمر و هذه الجملة جواب للسوال لفظا بيان لشان المفخم معنى و يحتمل ان يكون عن النبأ العظيم و يحتمل ان يكون هذه الجملة استفهامية بتقدير حرف الاستفهام فتكون تأكيدا للجملة السابقة و تفخيم بعد تفخيم تقديره عم يتساءلون أ يتساءلون عن النبأ العظيم و يحتمل ان يكون الاستفهام الثاني للانكار يعنى لا ينبغى السؤال عن النبأ العظيم بل الواجب الايمان به فانه واضح عظيم شانه و شديد وضوحه عن ان يسال و المراد بالنبإ العظيم على قول مجاهد و الأكثرين القران بدليل قوله تعالى قل هو نبأ عظيم و قال قتادة هو البعث و يحتمل ان يكون خبر بعث النبي صلى اللّه عليه و سلم. ٣ الَّذِي الموصول مع صلة صفة للنباء هُمْ الضمير راجع الى ما رجع اليه المرفوع فى يتساءلون و هم كفار مكة على تقدير كون السؤال استهزاء او انكار او على هذا فمعنى قوله فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ط ان منهم من يقطع بانكاره و منهم من يشك و يحتمل ان يكون ضمير يتساءلون راجعا الى اهل مكة مومنهم و كافرهم أجمعين و على هذا فالمعنى ان من هم من يصدق و يسال عنه لكشف الحال و ازدياد اليقين و منهم من ينكر و يسأل عنه استهزاء و إنكارا. ٤ كَلَّا ردع عن الاختلاف المبنى على انكار بعضهم او كلهم سَيَعْلَمُونَ اى الكافرون المنكرون كونه حقا عند الشرع و فى القبر. ٥ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ يوم القيامة و التكرير للمبالغة و الدلالة على لحوق الوعيد مرتين أحدهما فى القبر و ثانيهما بعد البعث و كلمة ثم يشعر بأن الوعيد الثاني ابلغ من الاول ثم ذكر اللّه سبحانه صنائعه ما يستدل به على التوحيد و القدرة على البعث بعد الموت و وجوب شكر النعم باتباع من يدعو الى التوحيد و العبادة فقال. ٦ أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً فراشا لكم استفهام تقرير اى حمل المخاطب على الإقرار و العبادة اخرى استفهام انكار و انكار النفي اثبات فمضمونه جعلنا الأرض مهادا. ٧ وَ الْجِبالَ أَوْتاداً ص للارض كيلا تميد بكم. ٨ وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً أصنافا ذكورا و إناثا. ٩ وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً قطعا لاعمالكم حتى تستريح أبدانكم و السبت القطع. ١٠ وَ جَعَلْنَا عطف على خلقنا اللَّيْلَ لِباساً لبسه كل شى ء بظلمة فبمنع الابصار و يسكن الأصوات فيستريح النائم فيه. ١١ وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً ص اى سببا للمعاش من فضل اللّه ما قسم لكم من رزقه حيث ينقلبون فيه فى حوائجكم و فيما لا بد منه فى الحيوة. ١٢ وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً اى سبع سموات شِداداً محكمات لا يوثر فيه مر الدهور. ١٣ وَ جَعَلْنا اى خلقنا و يحتمل ان يكون المفعول الاول محذوفا اى جعلنا الشمس سِراجاً وَهَّاجاً متلاليا وقادا قال مقاتل جعل فيه نورا و حرارة و الوهج يجمع النور و الحرارة. ١٤ وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ قال مجاهد و مقاتل و الكلبي هى الرياح التي تعصر السحاب و هى رواية العوفى عن ابن عباس فعلى هذا من للنسبة و قال ابو العالية و الضحاك المعصرات هى السحائب و هى رواية الوالي عن ابن عباس قال الفراء المعصرات السحاب ينجلب بالمطر و لم يمطر كالمرأة المعصرة هى التي دنا حيضها و لم تحض يعد و قال ابن كيسان هى المغيثات من قوله و فيه تعصرون و قال الحسن و سعيد بن جبير و زيد بن اسلم و مقاتل بن حبان من المعصرات من السموات فمن على هذه التأويلات للابتداء ماءً ثَجَّاجاً قال مجاهد صبابا مدراراة قال قتادة متتابعا و قال ابن زيد كثيرا و مرجع الكل واحد. ١٥ لِنُخْرِجَ بِهِ اى بذلك حَبًّا يأكله الناس كالبر و الشعير وَ نَباتاً تأكله الدواب. ١٦ وَ جَنَّاتٍ بساتين أَلْفافاً ط ملتفة بالأشجار بعضها ببعض واحدها لف كجذع و جذاع او لفيف كشريف و اشراف او لا واحد له كاوضاع و هى جمع الجمع فهى جمع لف و اللف جمع لفافة و هى شجرة محتمعة يقال جنة لفاف و لما ثبت ان من هو قادر على اختراع تلك الأمور قادر على إعادتها و ان تلك الأمور العظام لا يتصور وجودها الا من فاعل الحكيم و لا يتصور ان يكون عبثا او منافيا للحكمة فكان السامع اشتاق الى معرفة صفات وقت الفصل فاستأنف و قال. ١٧ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ بين الحق و الباطل كانَ فى علم اللّه او حكمه مِيقاتاً ميعادا للثواب و العقاب وقتا معينا لهما او المعنى حدا يؤقت فى الدنيا و ينتهى عنده او حدا للخلائق ينتهون اليه. ١٨ يَوْمَ يُنْفَخُ بدل من يوم الفصل او عطف بيان له او بدل من ميقاتا او خبر ثان لكان فِي الصُّورِ اخرج مسدد بسند صحيح عن ابن مسعود قال الصور كهيئة القران ينفخ فيه و عن ابن عمر نحوه و قد مر فى الحاقة و عن وهب انها من لؤلؤ بيضاء فى صفاء الزجاجة و به ثقب بعدد كل زوج و قد مر فى المدثر فَتَأْتُونَ عطف على ينفخ أَفْواجاً حال من فاعل تأتون يعنى جماعات مختلفة من القبور الى مكان الحساب عن ابى ذر قال حدثنا الصادق المصدوق صلى اللّه عليه و سلم ان الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاث أفواج فوج طاعمين كاسيين راكبين و فوج يمشون و يسعون و فوج يسحبون على وجوههم رواه النسائي و الحاكم و البيهقي و عن معاذ بن جبل ان النبي صلى اللّه عليه و سلم تلا هذه الاية يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قال يحشر أمتي عشرة أفواج صف على صورة القردة و هم القدرية وصف على صورة الخنازير و هم المرجئة وصف على صورة القردة و الكلاب و هم الحرورية وصف على صورة الحمر و هم الروافضة وصف على صورة الذر و هم المتكبرون وصف على صورة البهائم و هم أكلة الربوا وصف على صورة السباع و هم الزنادقة و صف يحشرون على وجوههم و هم المصورون و الهمازون و اللمازون وصف دكيان و هم المقربون وصف مشبعاة و هم اهل اليمين رواه ابن عساكر و قال هذا حديث منكر فى اسناده مجاهيل و رواه الخطيب بلفظ يحشر عشر اصناف من أمتي اسباتا فمنهم على صورة القردة و هم النامون و بعضهم على صورة الخنازير و هم اهل السحت و الحرام و بعضهم منكبين أرجلهم فوق و أعينهم و وجوههم أسفل يسحبون عليهم و هم أكلة الربوا و بعضهم عمى يترددون و هم من يجوز فى الحكم و بعضهم صم بكم لا يعقلون و هم الذين يعجبون بأعمالهم و بعضهم يمضقون ألسنتهم مدلاة على صدورهم لسيل ايقح من أفواههم يقذرون اهل الجمع و هم العلماء و القصاص الذين يخالف قولهم فعلهم و بعضهم مقطعة أيديهم و أرجلهم و هم الذين يوذون الجيران و بعضهم مصلبين على جزوع من النار و هم السعاة بالناس الى السلطان و بعضهم أشد نتنا من الجيف و هم الذين يتمتعون بالشهوات و اللذات و يمنعون حق اللّه فى أموالهم و بعضهم يلبسون جلابيب سابغة من القطران و هم اهل الكبر و الفخر و الخيلاء و كذا روى الثعلبي من حديث البراء بن عاذب عن معاذ. ١٩ وَ فُتِحَتِ السَّماءُ اى شقت قرا اهل الكوفة بالتخفيف و الباقون بالتشديد للمبالغة و التكثير عطف على تأتون و معناه الاستقبال او حال بتقدير قد و كذا سيرت فَكانَتْ السماء أَبْواباً اى ذات أبواب او حمل على المبالغة يعنى صارت من كثرة الشقوق كانها كلها أبواب. ٢٠ وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ عن وجه الأرض فى الهواء كالهباء فَكانَتْ الجبال سَراباً ط السرب فى الأصل الذهاب كذا فى الصحاح و يقال للامع فى المفازة كالماء سرابا مالا سرابه فى راى العين و المراد هاهنا صارت الجبال شيئا لا حقيقة لها لتفتت اجزائها و لما ذكر اللّه سبحانه مجيئ الناس أجمعين للحساب بقوله فتاتون أفواجا فكان السامع اشتاق الى تفصيل أحوالهم فذكر اهل الطاغين اولا لان الترهيب أهم من يرصد عند أذهان الناس فقال. ٢١ إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً الرصد الاستعداد للترقيب و موضع يرصد فيه و المعنى ملائكة العذاب و ملائكة الرحمة يرصدون الناس جسر جهنم فاما ملائكة العذاب فيرصدون الكفار لياخذوهم و يلقونهم فى النار و يعذبونهم و اما ملائكة الرحمة فيرصدون المؤمنين ليحرسونهم فى مجاوزتهم عليها من قيح جهنم و كل ليب الصراط فهذه الاية بهذا التأويل تدل على كون جهنم طريقا و ممرا للناس أجمعين كقوله تعالى و ان منكم الا واردها فمن فسر المرصاد بالطريق او المعنى الالتزامي و قيل مرصاد اى معدة للكفار يقال أرصدت الشي ء إذا اعددته و يحتمل ان يكون المرصاد صيغة مبالغة اى مجدة مجتهد فى ترصد الكفار كيلا يشذ منها واحد اخرج البيهقي عن انس قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول الصراط أحد كحد السيف و ان الملائكة يحفظون للمؤمنين و المؤمنات و ان جبرئيل لاخذ بحجزتي و انى لا قول يا رب سلم سلم و الزالون و الذالات كثير و اخرج ابن المبارك و البيهقي و ابن ابى الدنيا عن عبيد بن عمير عن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قال الصراط على جهنم مثل حد السيف بجهة الكلاليب و الجسك فى ركبه الناس فيخطفون و الذي نفسى بيده و انه ليوخذ بالكلوب الواحد اكثر من ربيعة و مضر و الملئكة على جهة يقولون رب سلم سلم و اخرج البيهقي عنه قال ان الصراط مثل حد السيف دحض منزلة تنكفاء الملائكة و الأنبياء قياما يقولون رب سلم سلم و الملائكة يخطفون بكلاليب قال البيهقي روى مقسم عن ابن عباس ان على جسر بجهنم سبع محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة ان لا اله الا اللّه فان جاء بها تامة جاز الى الثاني فيسأل عن الصلاة فان جاء بها تامة جاز الى الثالث فيسأل عن الزكوة فأن جاء بها تامة جاز بها الى الرابع فيسأل عن الصوم فان جاء بها قامة جاز الى الخامس فيسأل عن الحج فان جاء به تاما جاز الى السادس فيسأل عن العمرة فان جاء بها تامة جاز الى السابع فيسأل عن المظالم فان خرج منها و الا يقال انظروا فان كان له تطوع أكمل به اعماله فاذا فرغ به انطلق به الى الجنة. ٢٢ لِلطَّاغِينَ يجوز بخمسة أوجه ان يكون خبر ثانيا لكانت او صفة لمرصاد او لماب قدم عليه ما انتصب حالا او ظرف مرصاد او لماب و الطاغي الذي جاوز الحد فى العصيان و لا يكون ذلك حتى يقطع فى الكفر و التكذيب اما صريحا فحينئذ يسمى كافرا او اما التزاما و اقتضاء فيسمى رافضيا او قدريا او مرجئا او نحو ذلك من اهل الهواء مَآباً خبر اخر لكانت. ٢٣ لابِثِينَ قرأ حمزة و يعقوب لبثين بغير الالف و الباقون بألف حال مقدرة من الضمير فى الطاغين فِيها فى جهنم أَحْقاباً ج جمع حقب و الحقب الواحد ثمانون سنة كل سنة اثنى شهرا كل شهر ثلثون يوما كل يوم الف سنة قال البغوي روى ذلك عن على بن ابى طالب رض و كذا اخرج هناد عن ابى هريرة و قال مجاهد الاحقاب ثلثة و أربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة و ستون يوما كل يوم الف سنة و قال مقاتل بن حبان الحقب الواحد سبعة عشر الف سنة لما كانت هذا المدة متناهية و قد دلت الآيات المحكمات على خلود الكفار فى النار و العذاب حيث قال اللّه تعالى و فى العذاب هم خالدون و عليه انعقد الإجماع و روى السدى عن مرة بن عبد اللّه قال لو علم اهل النار انهم يلبثون فى النار عدد حصى الدنيا لفرحوا و لو علم اهل الجنة انهم يلبثون فى الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا ذهب المفسرون الى تأويل هذه الآيات فقيل انها منسوخة بقوله تعالى فلن نزيدكم الا عذابا قالوا فالعدد قد ارتفع و الخلود قد حصل قلت هذه خبر و الخبر لا يحتمل النسخ و قال الحسن فى تأويلها ان اللّه لم يجعل لاهل النار مدة بل قال لابثين فيها أحقابا فو اللّه ما هو الا انه إذا مضى حقب دخل حقب اخر ثم اخرى الى الابد فليس للاحقاب مدة الا الخلود و من هاهنا قال البيضاوي و المراد دهورا متتابعة و ليس فيه دلالة على خروجهم منها و ان كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على الخلود الكفار قلنا نعم المنطوق لا يزاحمه المفهوم و من ثم قلنا بخلود الكفار فى النار و عليه انعقد الإجماع و وجب تأويل هذه الاية و تأويله بالاحقاب الغير المتناهية و الدهور المتتابعة ضعيف إذ لا يظهر حينئذ فائدة لتقييد بالاحقاب الرهم خلاف المراد كيف و الاحقاب بالنسبة الى غير المتناهي من الزمان كالايام بالنسبة إليها و لا شك انه لو قيل لابثين فيها أياما لا يتبادر الذهن منه الى الخلود بل الى الخروج فكذا هنا و قيل أحقابا جمع حقب من حقب الرجل إذا اخطأ الرزق و حقب العالم إذا قل مطره و خيره فيكون حالا بمعنى لابثين فيها حقبين اى ممنوعين عنهم الرزق كلمه و قوله لا يذوقون تفسير له قلت و هذا التأويل يأبى عنه الآثار المروية عن على رض و غيره المذكورة مع انها فى حكم المرفوع لعدم مساغ الرأي فيه و قول ان قوله تعالى. ٢٤ لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً ٢٥ إِلَّا حَمِيماً وَ غَسَّاقاً حالا من المستكن فى لابثين او صفة لاحقابا او أحقابا ظرف بلا يذوقون فالمعنى انهم يلبثون أحقابا على هذه الصفة غير ذائقين الا حميما و غساقا فالاحقاب زمان بعدم الذوق لا المطلق اللبث فلعلهم يبدلون بعد ذلك جنسا اخر من العذاب أشد من ذلك و الظاهر انه حال مرادف بقوله تعالى لابثين و التأويل عندى ان لفظ الطاغين ليس على عموم اتفاقا فانتم تحملونه على الكفار دون اهل الهواء فيلزمكم التكلفات فى هذا الاية ليندفع المعارضة بينها و بين المحكمات و نحن نحمل الطاغين هاهنا على اهل الهواء دون الكفار فلا يلزمنا ما يلزمكم و يويد ما قلت ما اخرج البزار عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال و اللّه لا يخرج أحد من النار حتى يمكث فيه أحقابا و الحقب بضع و ثمانون سنة و كل سنة ثلاثمائة و ستون يوما مما تعدون فان هذا الحديث يدل على الخروج بعد تلك المدة و اللّه تعالى اعلم قرا الحمزة و الكسائي و حفص غساقا بالتشديد كالخباز و الباقون بالتخفيف كالعذاب اما الحميم فماء فى غاية الحرارة و فى الحديث يرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فاذا دنت وجوههم شوت وجوههم فاذا دخلت بطونهم قطعت ما فى بطونهم الحديث رواة الترمذي و البيهقي عن ابى الدرداء و اما الغساق فاخرج هناد عن مجاهد قال الغساق الذي لا يستطيعون ان يذوقوه لشدة برده قال البغوي قال ابن عباس يحرقهم ببرده كما يحرق النار بحرها قال مقاتل هو الذي انتهى برده و اخرج هناد عن ابى العالية فى هذه الاية انه استثنى من الشراب الحميم و من البرد الغساق قال البيضاوي اخر الغساق ليوافق رؤس الاى و اخرج هناد عن عطية قال الغساق الذي يسيل من صديدهم و اخرج مثله عن ابراهيم و ابى زرين فهو مشتق من قولهم غسقت و انصبت و الغساق الانصباب و اخرج ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا و ايضا عن كعب قال الغساق عين فى جهنم يسيل إليها حمة كل ذى حمة من حية و عقرب و غير ذلك فيستنقع يوتى بالآدمي فينغمس غمسة واحدة فيخرج و قد سقط جلده عن العظام و تعلق جلده و لحمه فى كعبيه فتجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه فعلى هذه الأقوال ان كان الغساق باردا كان المستثنى من البرد و الا فهو و الحميم كلاهما مستثنى من الشراب و المراد بالبرد حينئذ برد جهنم و يستثنى عن حر النار او المراد بالبرد النوم و قيل الاستثناء منقطع و المراد بالشراب ما يسكن عطشهم. ٢٦ جَزاءً منصوب على المصدرية من فعل المحذوف اى يجزون جزاء وِفاقاً ط اى وافقا او موافقا او يوافق وفاقا لاعمالهم و أباطيلهم قال مقاتل وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك هذا على تفسير القوم بان المراد بالطاغين الكفار فعلى هذا جزاء مصدر وقع بعد جملة لا محتمل لها غيره من قبيل له على الف درهم اعترافا إذ لا محتمل من جملة ان جهنم إلخ الا الجزاء فهو تأكيد لنفسه و اما على ما ذكرت من ان المراد بالطاغين اهل الهواء فمعناه يجزون لجنس ما ذكر من العذاب موافقا لبعدهم عن الحق فى عقائدهم فيكون لبث بعضهم فى جهنم اكثر من بعض و عذابهم أشد منهم غير انه يبلغ هذا اللبث او ما هم فيه الى الاحقاب و أذاه حقب و على هذا التأويل فالمصدر تأكيد لغيره إذا الجملة السابقة عليه يحتمل غير ذلك و الحمل على كونه تاكيدا لغيره اولى من الحمل على كونه تاكيدا لنفسه فان التأسيس اولى من التأكيد. ٢٧ إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ اى لا يخافون و لا يعتقدون حِساباً تعليل لما سبق من الجزاء فالكافرون لا يعتقدون البعث و الحساب و الجزاء مطلقا و اما اهل الهواء فان هذه الصفة موجودة فى بعضهم فان المرجبة لا يعتقدون الحساب و الجزاء و كذا الروافض يقولون شيعة على و محبه لا يعذب بشئ من الذنوب كبيرة كانت او صغيرة. ٢٨ وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً ط عطف على كانوا و هذه الصفة عامة فى جميع اهل الهواء كما ذكرنا فى المرسلات الا ترى الى الروافض انهم ينكرون مناقب جميع الصحابة و يدعون ارتدادهم او نفاقهم أجمعين الا ثلثة منهم او نحو ذلك و يزعمون ان عمر بن الخطاب و غيره من الخلفاء حين مكنهم اللّه تعالى فى الأرض أفسدوا فى الأرض و يزعمون ان الصحابة شر الأمم و أسوأ القرون و قد قال اللّه تعالى كنتم خير امة و قال اللّه تعالى الذين اخرجوا من ديارهم الى قوله الذين مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة الاية و قال اللّه تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللّه عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ و قال السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الاية الى غير ذلك من آيات لا تكاد تحصى و كذابا المصدر بمعنى التكذيب مطرد شايع او بمعنى المكاذبة فانهم كاذبون عند المسلمين و المسلمون كا ذبون عندهم او المعنى انهم مبالغون فى الكذب مبالغة المبالغين فيه و على المعنيين يجوز ان يكون حالا بمعنى كاذبين او مكاذبين و يجوز ان يكون صفة لمصدر محذوف اى تكذيبا مفرطا كذبه- (مسئلة:) هذه الاية على ما ذكرت من التأويل تدل على عذاب اهل الهواء و اما عذاب اهل الكبائر من المؤمنين فاطول مدة مكثهم بقدر الدنيا سبعة آلاف سنة و لا يجرعون الحميم و نحو ذلك اخرج ابن ابى حاتم و ابن شاهين عن على بن ابى طالب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اصحاب الكبائر من موحدى الأمم كلها الذين ماتوا على الكبائر غير تائبين من دخل منهم جهنم لا يرزق أعينهم و لا تسود وجوههم و لا يقرنون بالشياطين و لا يغلون بالسلاسل و لا يجرعون الحميم و لا يلبسون القطران حرم اللّه أجسادهم على الخلود و صورهم على النار من أجل السجود فمنهم من تأخذه النار الى قدميه و منهم من تأخذه النار الى عقبيه و منهم من تأخذه النار الى حنجرة و منهم من تأخذه الى عنقه على قدر ذنوبهم و أعمالهم و منهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج و أطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ خلقت الى ان تفنى الحديث و اخرج الحاكم فى نوادر الأصول عن ابى هريرة نحوه فهم فى الباب الاول من جهنم و لا يضربون بالمقامع و لا يطرحون فى الدرك فمنهم من يمكث فيها ساعة ثم يخرج منها و منهم من يمكث و فيها يوما ثم يخرج و منهم من يمكث فيها سنة و أطولهم فيها مكثا منذ خلقت الدنيا الى يوم فنيت و ذلك سبعة آلاف قلت و المراد بالسنة هاهنا السنة الدنيوية حتى يتحقق مساواتهم فيها بمدة الدنيا و ورد فى بعض الروايات عن ابن سعيد مرفوعا ان ناسا أصابتهم النار بذنوبهم يميتهم اللّه فى النار فاذا كانوا اذن بالشفاعة يحيون بخلاف الكفار فانهم لا يموتون فيها و لا يحيون. ٢٩ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ منصوب بفعل مضمر على شريطة التفسير اى أحصينا كل شى ء من اعمال الطاغين و أباطيلهم أَحْصَيْناهُ كِتاباً منصوب على التميز او على الحال بمعنى مكتوبا او على المصدرية من قبيل ضربتهم سوطا اى أحصيناه إحصاء كتاب او بفعل محذوف اى أحصيناه كتبناه كتابا فى اللوح المحفوظ او فى صحف الحفظة قيل هذه الجملة معترضة و الظاهر عندى انها تعليل لقوله تعالى وفاقا كما ان قوله انهم كانوا لا يرجون إلخ تعليل لقوله جزاء يعنى جزيناهم كذلك لاجل انكارهم للحساب و تكذيبهم بالآيات و يوافق الجزاء أعمالهم وفاقا حيث كتبنا أعمالهم و أباطيلهم لا يغادر فيها شى ء فيجزيهم وفاق ذلك. ٣٠ فَذُوقُوا الفاء للسببية بمعنى ذوقوا العذاب بسبب إحصاء أعمالهم خطاب مع الطاغين على طريقة التفات للمبالغة فَلَنْ نَزِيدَكُمْ ايها الطاغون ما دمتم فى النار إِلَّا عَذاباً ع اخرج ابن ابى حاتم و ابن مردوية و ابن ابى هريرة الأسلمي مرفوعا ان هذه الاية أشد ما فى القرآن على اهل النار و رواه الطبراني و البيهقي فى البعث موقوفا و اللّه اعلم و لما ذكر الطاغين ذكر اللّه سبحانه حال المتقين فقال. ٣١ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً فوزا و نجاة من النار او موضع فوز. ٣٢ حَدائِقَ بدل بعض من مفاز ان كان بمعنى الموضع و الا فبدل اشتمال وَ أَعْناباً هذا و ما بعده بدل اشتمال من مفازا و يجوز عطفه على بدل البعض تقول أعجبني زيد وجهه و علمه. ٣٣ وَ كَواعِبَ جوارى نواهد قد تكعبت ثديهن واحدتها كاعب أَتْراباً مستويات السن. ٣٤ وَ كَأْساً دِهاقاً قال ابن عباس و الحسن و قتادة مملوة و قال سعيد بن جبير متابعة و قال عكرمة صافية-. ٣٥ لا يَسْمَعُونَ حال من الضمير فى للمتقين الراجع الى مفازا و هو الحدائق و الجنات او صفة لكاسا و على هذا فالضمير فِيها راجع الى كاس اى لا يسمعون فى شربها كما كانوا يسمعون فى شرب كاسات الدنيا لَغْواً باطلا من الكلام وَ لا كِذَّاباً ج قرأه الكسائي بالتخفيف على انه مصدر الكاذبة و قيل هو الكذب و قيل هو كالمشدد فى المعنى و الباقون بالتشديد بمعنى التكذيب يعنى لا يكذب بعضهم بعضا و لا يوجد فى الجنة الكذب. ٣٦ جَزاءً مِنْ رَبِّكَ مصدر فعل محذوف موكد بجملة وقعت قبله كما ذكرنا فى قوله تعالى جزاء وفاقا عَطاءً مصدر كذلك اى يجزون جزاءا و يعطون عطاء حِساباً صفة لعطاء بمعنى كافيا وافيا من أحسبت فلانا اى أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبى قال ابن عتبة عطاء حسابا اى كثيرا فعلى هذا يكون تأكيدا لنفسه من قبيل اللّه اكبر دعوة الحق و له على الف اعترافا و قيل حسابا معناه على حسب الأعمال و قدرها فى القاموس هذا بحسبه اى بعدده و على هذا يستقيم المقابلة بما سبق جزاء وفاقا يعنى الطاغون يجزون جزاء موافقا لاعمالهم و أباطيلهم و المتقون يجزون جزاء على حسب أعمالهم و قدرها قلت بل على حسب مشية اللّه تعالى و فضله لقوله تعالى كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مأته حبة و اللّه يضاعف لمن يشاء و اللّه واسع عليم ط و على حسب اخلاص العالمين و مراتب قربهم فان المقربين يعطون الاجر على القليل من العمل لا يعطى الأبرار على الكثير لما روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه و هذا التفاوت فيما بين المقربين على تفاوت درجات قربهم قال المجدد رضى اللّه عنه الصحابة كانوا كلهم مستغرقين فى التجليات الذاتية الدائمة بكمالات النبوة و كثيرا من التابعين و قليل من اتباعهم كانوا كذلك و هم المقربون و بعد القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير انطفت أنوار تلك الدولة العظمى و درست اثارها ثم بعد مضى الف سنة من الهجرة خلق اللّه سبحانه بعض الكرام و أعطاهم كمالات مثل كمالات الأولين كما نطق به الصادق المصدوق صلى اللّه عليه و اله و سلم مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره رواه الترمذي عن انس شبه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اخر هذه الامة باوله بحيث لا يدرى ايها خير من الاخر و عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبشروا ابشروا ان مثل أمتي مثل الغيث لا يدرى آخره خير أم اوله او كحديقة اطعم منها فوج عاما و فوج عاما لعل آخرها أفواجا يكون اعرضهم عرضا و اعمقهم عمقا و أحسنهم حسنات الحديث رواه البيهقي و رواه رزين و عن صحابى بهم سمع النبي صلى اللّه عليه و سلم انه يقول سيكون فى اخر هذه الامة قوم لهم اجر مثل اجرا و لهم رواه البيهقي فى دلائل النبوة و على هذا التأويل يكون قوله تعالى جزاء من ربك عطاء حسابا تأكيد الغيرة كما ذكرت فى جزاء وفاقا و اللّه تعالى اعلم. ٣٧ رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا قرأ الكوفيون بالجر و الباقون بالرفع الرَّحْمنِ قرأ عاصم و ابن عامر بالجر و الباقون بالرفع فعلى قراءة عاصم بالجر فيهما كلا الا سماين صفتان لربك فى قوله تعالى جزاء من ربك او بدل منه و على قراءة اهل الحجار و البصرة بالرفع فيهما رب السموات مبتداء و الرحمن صفة له و ما بعده خبره و يحتمل ان يكون رب السموات خبر مبتداء المحذوف اى هو رب السموات الرحمن صفة له او خبر ثان و ما بعده خبر ثالث و يحتمل ان يكون الرحمن مبتداء و ما بعده خبره و على قراءة حمزة و الكسائي بالجر فى الاول و الجر فى الثاني رب السموات خبر مبتداء محذوف فهو جملة معترضة و الرحمن بدل من ربك و ما بعده استيناف لا يَمْلِكُونَ اى اهل السموات و الأرض مِنْهُ اى من الرحمن خِطاباً ج اى لا يقدر أحد ان يخاطبه منه و قال الكلبي معناه لا يملكون الشفاعة الا باذنه و يحتمل ان يكون معناه لا يمكن لاحد الاعتراض عليه سبحانه فى إعطاء الاجر بعضهم اكثر من بعضهم لانهم مملوكون على الإطلاق و لا يستحق أحد عليه شيئا و الاجر تفضل منه فعلى هذا لا اعتراض عن ابن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال انما اجلكم من أجل ما خلا من الأمم من العصر الى مغرب الشمس و انما مثلكم و مثل اليهود و النصارى كرجل استعمل عملا فقال من يعمل لى من نصف النهار على قيراط فعملت اليهود الى النصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من نصب النهار الى صلوة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار الى صلوة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من صلوة العصر الى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين الا فانتم الذين تعملون من صلوة العصر الى مغرب الشمس الا لكم الاجر مرتين فغضبت اليهود و النصارى فقالوا نحن اكثر عملا و اقل إعطاء قال اللّه تعالى فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال اللّه تعالى فانه فضلى أعطيته من شئت رواه البخاري قلت معناه قوله صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم انما اجلكم من أجل ما خلا من الأمم مانين العصر الى مغرب الشمس ان أعمار هذه الامة قصيرة و أعمالهم قليلة و المراد بالقيراطين الكثرة مطلقا كما فى قوله تعالى ارجع البصر كرتين لا تعيين الكثرة بقدر التضعيف و اللّه اعلم و بتأويلنا هذا يرتبط هذه الاية بما سبق اى جزاء من ربك عطاء حسابا و اللّه تعالى اعلم. ٣٨ يَوْمَ يَقُومُ ظرف للا يملكون او للا يتكلمون و الاول اظهر الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ فى ذلك اليوم و اختلفوا فى الروح فاخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال الروح فى السماء الرابعة و هو أعظم من السموات و الجبال و من الملائكة و زاد البغوي انه يسبح كل يوم اثنى عشر الف تسبيح يخلق اللّه من كل تسبيحه ملكا يجئ يوم القيامة صفا واحدا و اخرج ابو الشيخ عن الضحاك فى هذه الاية قال الروح صاحب اللّه يقوم بين يدى اللّه و هو أعظم ملائكة لو فتح فاه لوسع جميع الملائكة ما يخلق ينظرون اليه فمن مخافته لا يرفعون طرفهم الى من فوقهم و اخرج ابو الشيخ عن على بن ابى طالب رض قال الروح ملك له سبعون الف وجهة لكل وجهة سبعون الف لسان لكل لسان سبعون لغة يسبح اللّه بتلك اللغات كلها و اخرج من طريق عطاء عن ابن عباس قال الروح ملك واحد له عشرة و آلاف جناح و من طريق ابى طلحة عنه انه من أعظم الملائكة خلقا و زاد البغوي فى قول عطاء عنه انه قال إذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا و الملائكة صفا واحدا فيكون أعظم خلقة مثلهم و اخرج ابو الشيخ عن مقاتل بن حبان قال الروح اشرف الملائكة و أقربهم الى اللّه و هو صاحب الوحى و اخرج من وجه اخر عن الضحاك فى هذه الاية فالروح جبرئيل عليه السلام و اخرج عن ابن عباس ان جبرئيل عليه السلام يوم القيامة لقايم بين يدى الجبار تبارك و تعالى يرغد فرايصه فرقا من عذاب اللّه يقول سبحانك لا اله الا أنت ما عبدناك حق عبادتك و ان ما بين المشرق و المغرب و ذلك قوله تعالى يوم يقوم الروح و الملائكة صفا و اخرج ابو نعيم عن مجاهد و ابن المبارك عن ابى صالح مولى أم هانى قال الروح خلق على صورة ابن آدم و ليسوا بالإنسان زاد البغوي يقومون صفا و الملائكة صفا هؤلاء جند و هؤلاء جند و كذا ذكر البغوي عن قتادة و اخرج ابو الشيخ من طريق مجاهد عن ابن عباس مرفوعا قال الروح جند من جنود اللّه ليسوا بالملائكة لهم رؤس و ايدوا رجل ثم قرا يوم يقوم الروح و الملائكة صفا قال هؤلاء جنده و هؤلاء جنده و ذكر البغوي عن مجاهد عنه قال خلق على صورة بنى آدم و ما ينزل من السماء ملك الا معه واحد منهم اخرج ابن المبارك و ابو الشيخ فى العظمة عن البيهقي قوله تعالى يوم يقوم الروح و الملائكة صفا قال يقوم سماطين لرب العالمين يوم القيامة سماط من الملائكة و سماط من الروح و ذكر البغوي انه قال الحسن هم بنو آدم و رواه قتادة عن ابن عباس و قال هذا مما كان يكتمه ابن عباس صَفًّا حال مفرد من فاعل يقومون او مصدر بفعل محذوف اى يصفون صفا و الجملة حالان يتكلمون يعنى الروح و الملائكة و هذه الجملة حال من فاعل يقوم و جملة يوم يقوم الروح و الملائكة صفا لا يَتَكَلَّمُونَ تقرير و توكيد لقوله لا يملكون منه خطابا فان هؤلاء الذين أفضل الخلائق و أقربهم الى اللّه إذا لم يقدروا على التكلم فكيف من عداهم إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ فى الكلام او الشفاعة استثناء من فاعل لا يتكلمون او من فاعل لا يملكون و الاول اظهر لفظا لاتصاله و الثاني معنى فان الاذن فى الشفاعة و الكلام غير مختص بالروح و الملائكة وَ قالَ صَواباً اى حقا و صدقا و اعتقد به فالقول هاهنا كانه كناية عن الاعتقاد و الاعتقاد لا يظهر الا بالقول عطف على اذن له الرحمن يعنى من قال صوابا فى الدنيا يعنى لم يقل باطلا من الكلام كاذبا و أكذب الكذب الكفر باللّه العظيم لعدم إمكان صدقه ثم قول اهل الهواء لان القران يكذبهم و قيل معنى قال صوابا قال لا اله الا اللّه فالكفار لا يوذن لهم ان يتكلموا او يعتذروا و اهل الهواء و انى لهم درجة الشفاعة. ٣٩ ذلِكَ الْيَوْمُ اشارة الى ما سبق من اليوم المذكور بالصفات المذكورة مبتدأ الْحَقُّ خبره عرف للقصر على كونه حقا ثابتا لا شبهة فيه فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً مرجعا و سبيلا مقربا اليه بطاعاته و اتباع رسله و الهادين الى سبيله بالجذب و التسليك فليتخذ الفاء السببية فان كون ذلك اليوم حقا موجب الاتخاذ السبيل الى اللّه و الى ربه متعلق بمآبا او ظرف مستقر حال منه. ٤٠ َّا أَنْذَرْناكُمْ ايها الكفارذاباً قَرِيباً ج يعنى عذاب الاخرة فان كل ما هوات قريب او عذاب القبر و الموت اقرب من شراك النعل وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ الظرف متعلق بعذابا فانه بمعنى التعذيب ا قَدَّمَتْ يَداهُ ما استفهامية منصوبة بقدمت او موصولة منصوبة بينظر و العائد من الصلة محذوف المعنى لتعذيب انه يرى كل امرأ يوم القيامة ما قدم من العمل شيئا فى صحيفة او يرى جزائه فى الاخرة او فى القبر انما أسند تقديم الأعمال الى اليد لان عامة الأعمال الجوارح منها او لان اليد كناية عن القدرة و القوة عن عثمان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان القبر أول منزلة من منازل الاخرة فان نجا منه فما بعده أيسر منه و ان لم ينج منه فما بعده أشد منه و الأحاديث فى العذاب القبر كثيرة و فى الصحيحين عن ابن عباس قال مر النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم بقبرين فقال انهما يعذبان فى الكبيرة اما أحدهما فكان لا يستتر من البول و فى رواية لمسلم لا يستنزه من البول و اما الاخر فكان يمشى بالنميمة الحديث و يدل على روية العمل فى القبر حديث البراء بن عاذب بطوله و فيه فى ذكر المؤمن فيفسح له فى قبره مد بصره و يأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول ابشر بالذي يسرك هذا يومك كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه تجئ بالخير فيقول انا عملك الصالح الحديث و فيه فى ذكر الكافر و يضيق عليه قبره حتى يختلف أضلاعه و يأتيه رجل قبيح الوجه و قبيح الثياب نتن الريح فيقول انا عملك الصالح الحديث ابشر بالذي يسؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه تجئ بالشر فيقول انا عملك الخبيث الحديث رواه احمد يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ع اخرج الحاكم عن عبد اللّه بن عمر و قال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم و حشر اللّه تعالى الخلائق الانس و الجن و الدواب و الوحش فاذا كان ذلك اليوم جعل اللّه القصاص بين الدواب حتى يقضى للشاة الجماء من القرناء فاذا فرغ اللّه من القصاص بين الدواب قال لها كونى ترابا فيرنها الكافة فيقول يا ليتنى كنت ترابا و اخرج الدينوري عن يحى بن جعدة نحوه و اخرج ابن جرير و ابن حاتم و البيهقي عن ابى هريرة نحوه و ذكر البغوي قول مقاتل نحوه و فيه يقول الكافر يا ليتنى كنت فى الدنيا فى صورة خنزير و كنت اليوم ترابا و ذكر البغوي عن الزياد و عبد اللّه بن ذكوان قال إذا قضى بين الناس و امر اهل الجنة الى الجنة و اهل النار الى النار قيل لسائر الأمم و لمومنى الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا فحينئذ يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا و به قال ابن ابى سليم مومنوا الجن يعودون ترابا و قيل المراد بالكافر هاهنا إبليس و ذلك انه عاب آدم انه خلق من التراب و افتخر بانه خلق من النار فاذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم و بنوه المؤمنون من الثواب و الرحمة و ما هو فيه من الشدة و العقاب قال يا ليتنى كنت ترابا قال ابو هريرة فيقول التراب لا و لا كرامة لك من جعلك مثلى. |
﴿ ٠ ﴾