سُورَةُ الْاِنْفِطَارِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعَ عَشَرَةَ آيَةً مكيّة و هى تسع عشرة اية بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ انشقت. ٢ وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ تساقطت متفرقة. ٣ وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ فتح بعضها فى بعض و اختلط العذب بالملح فصار الكل بحرا واحدا. ٤ وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ قلب ترابها و اخرج موتاها. ٥ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ ط جواب إذا و هذا نظير ما مر فى إذا الشمس كورت الى قوله علمت قيل معناه ما قدمت من عمل صالح و سئ ما أخرت من سنة حسنة او سيئة و المعنى ما قدمت اى ضعت و ما أخرت اى تركت من العمل و قيل ما قدمت من الصدقات و أخرت من الزكوة و قيل معناه بل قدمت الدنيا على الاخرة او بالعكس و قد مر نظيره قوله تعالى ينبّأ الإنسان بما قدم و اخر. ٦ يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ اى ما خدعك و سوّل لك الباطل غرورا ملصقا بِرَبِّكَ موجبا للجرأة على عصيانه و ترك ما امر به الْكَرِيمِ الصفوح جملة يايّها الإنسان معترضة ذكر توبيخا على الاساءة فى أعمالهم المفهوم من قوله تعالى علمت نفس ما قدمت و أخرت قال نزلت فى الوليد بن مغيرة كذا قال البغوي و اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة انها نزلت فى ابى بن خلف و قال الكلبي نزلت فى الاسيد بن كلده ضرب النبي صلى اللّه عليه و سلم فلم يعاقب اللّه عز و جل فانزل اللّه تعالى هذه الاية يقول ما الذي غرك بربك الكريم التجاوز عنك او لم يعاقبك عاجلا بكفرك وصفه بالكريم لانه منشأ غروره و به يغره الشيطان فانه يقول له ان شئت فربك لا يعذب أحدا و لا يعاجل فى العقوبة و هو المعنى من قول مقاتل غره عفو اللّه حين لم يعاقبه فى امره و قال السدى غره رفق اللّه به و الاستفهام للانكار و لا يجوز ذلك الغرور بكرمه و عدم تعجيله بالعقوبة ان تمحض لا يقتضى إهمال الظالم مطلقا و تسوية الموالي و المعادى فكيف قد انضم معه صفات اخر من القهر و الانتقام و غيره و فيه مبالغة فى الإنكار على الكفر فان كثرة كرمه يقتضى ان يشكر و لا يكفر و يستدعى الجد فى الطاعة لا الانهماك فى عصيانه اغترارا بكرمه و قال بعض اهل الإشارة انما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه و صفاته كانه لقنه الإجابة حتى يقول غرنى كرم الكريم و هو المعنى مما قال يحيى بن معاذ لو إقامتي بين يديه فقال يا يحيى ما غرك بي قلت غرنى برك بي سابقا و آنفا و قال ابو بكر الوراق لو قال بي ما غرك بربك الكريم لقلت غرنى كرم الكريم قال ابن مسعود ما منكم من أحد الا يسخر اللّه به يوم القيامة فقال يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين قال عطاء تاويل الاية ما غرك بربك و قطعك و أشغلك عنه الى نفس بئس للظالمين بدلا حكى ان امرأة رفعت الى قاض ان زوجها نكح عليها امرأة اخرى فقال القاضي لا سبيل لك بالاعتراض عليه فان اللّه تعالى أباح للرجال ما طاب لهم من النساء مثنى و ثلث و رباع فقال الضعيفة ايها القاضي لو لا منعنى الحجاب و الحياء لبرزت حسنى لك و سألتك بان من كان له فى الجمال و الحسن مصاحبا مثلى هل يجوز له ان يشتغل عنه بغيره فسمع قولها رجل من اهل القلوب فصاح و خر مغشيا عليه فلما أفاق قال سمعت الهاتف يقول الم تسمع قول الضعيفة و لو لا حجاب الكبرياء و العظمة لا برزت لكم من الجلال و الجمال الذي لا يسعه المقابل و سألتكم انه من استطاع الاشتغال بمثلى فهل يجوز الاشتغال بغيري و من مثلى و اين يكون مثلى فليس يكون فاطلبنى تجدنى عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا قام الرجل فى الصلاة اقبل اللّه عز و جل بوجهه فاذا التفت قال يا ابن آدم الى من تلتفت الى من هو خير منى اقبل الى فاذا التفت الثانية قال مثل ذلك فاذا التفت الثالثة صرف اللّه تبارك و تعالى عنه وجهه رواه البزار. ٧ الَّذِي خَلَقَكَ من تراب ثم من نطفة بعد ما لم يكن شيئا- فَسَوَّاكَ اى فجعلك بشرا سويا مستوى الخلق و تسويته جعل أعضائه سليمة معدة لمنافعها فَعَدَلَكَ قرأ الكوفيون بالتخفيف اى فصرفك و امالك الى اى صورة شاء او صرفك عن خلقه غيرك حتى تميزت و فارقت عن ساير الحيوانات او صرف طبعة بعض اجزائك الى بعض فكسر حرارة الصفراء و يبوستها ببرودة البلغم و رطوبته و بالعكس و يبوسة السوداء و برودتها برطوبة الدم و حرارته حتى اعتدلت و صرت اعدل الحيوانات مزاجا و قرا الباقون بالتشديد اى جعل بنيتك متناسبة الأعضاء لعدلته معدة لا يستعدها من القوى. ٨ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما مزيدة لتأكيد التنكير و التنكير للتكثير ما شاءَ صفة لصورة ركبك قال مجاهد و الكلبي و مقاتل فى اى شبيه من اب او أم او خال او عم و حاء فى الحديث ان النطفة إذا استقرت فى الرحم احضر كل بينه و بين آدم ثم قرا فى اى صورة ما شاء رَكَّبَكَ ط رواه ابن جرير و الطبراني بسند ضعيف من طريق موسى بن على بن رباح عن أبيه عن جده عنه صلى اللّه عليه و سلم قوله فى اى صورة اما متعلق بركبك او ظرف مستقر حال من مفعول ركبك و فيه معنى الشرط و الجزاء و الجملة بيان لعدلك و من ثم لم يعطف الموصول مع صلاته صفة اخرى لربك مقررة للربوبية مبينة للكرم منبه على ان من قدر على ذلك اولا قدر عليه ثانيا موكدة للانكار و التوبيخ على الغرور و الكفر فان من هذا شانه لا يجوز كفرانه. ٩ كَلَّا ردع على الاغترار بكرم اللّه تعالى بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ لا بالإسلام او بالجزاء إضراب عن الاغترار بكرم الكريم يعنى ليس أمركم ايها الناس مقتصرا على الإقرار بل مع ذلك تكذبون بالدين و يحتمل ان يكون إضرابا عن مفهوم علمت نفس ما قدمت و أخرت اى ما قدمت من العصيان و أخرت من الطاعة فان حاصل المعنى انكم تعصون بل تكذبون. ١٠ وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ اى و الحال ان عليكم لَحافِظِينَ لاعمالكم و أقوالكم من الملائكة. ١١ كِراماً على اللّه كاتِبِينَ صحف الأعمال للجزاء. ١٢ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ من خير و شر عقب الحافظين بتلك الصفات تعظيما لهم و تنبيها على انه لا يفوت من علمهم شى ء من الأعمال و الأقوال فيه توبيخ على تكذيبهم و تحقيق لما يكذبون به و روى يتوقعون من التسامح و الإهمال. ١٣ إِنَّ الْأَبْرارَ الذين بروا و صدقوا بايمانهم باجتنابهم عما نهى اللّه عنه من العقائد الفاسدة و الأخلاق الذميمة و الأعمال القبيحة و امتثالهم أوامره و اخرج ابن عساكر فى تاريخه عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال انما سماهم اللّه الأبرار لانهم بروا الآباء و الأبناء لَفِي نَعِيمٍ ١٤ وَ إِنَّ الْفُجَّارَ الذين شقوا ستر الدين و الديانة بالكفر و المعاصي و الفجور الشقي لَفِي جَحِيمٍ جملة ان الأبرار الى اخر السورة متصل بقوله تعالى علمت نفس ما قدمت و أخرت فان فى هذا الكلام بيان لا يعلم كل نفس من خير او شر عمله بإدراك جزائه روى ابن سليمان بن عبد الملك قال لابى حازم المدني ليت شعرى ما لنا عند اللّه قال اعرض عملك الى كتاب اللّه فانك تعلم مالك عند اللّه قال فاين أجد فى كتاب اللّه فقال عند قوله ان الأبرار لفى نعيم و ان الفجار لفى حجيم قال سليمان فاين رحمة اللّه قال قريب من المحسنين انتهى. ١٥ يَصْلَوْنَها يدخلونها يَوْمَ الدِّينِ يوم الجزاء. ١٦ وَ ما هُمْ الضمير الى بعض الفجار اعنى الكفار او المراد بالفجار الكفار عَنْها اى عن الجحيم بِغائِبِينَ ط لخلودهم فيها او المعنى ما هم كانوا عنها غائبين قبل ذلك او كانوا يجدون سمومها فى القبور عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة و العشى ان كان من اهل الجنة فمن اهل الجنة و ان كان من اهل النار فمن اهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك اللّه اليه يوم القيمة متفق عليه و فى حديث البراء بن عاذب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذكر حال الكافر فى القبر يسال عن دينه فيقول هاه هاه لا أدرى فقال فينادى من السماء ان كذب فافرشوه من النار و ألبسوه من النار و افتحوا له بابا الى النار ثم عظم ذلك اليوم فقال. ١٧ وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ الاستفهام للتعجب و التوبيخ يعنى انه يوم عظيم البلاء شديد غاية الشدة لا تدرى عظمته و شدته حيث لا يدرك كنه امره دراية دار. ١٨ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ط تأكيد للتفخيم. ١٩ يَوْمَ لا تَمْلِكُ قرأ ابن كثير و ابو عمرو بالرفع على انه بدل من اليوم فى ما يوم الدين او خبر مبتداء محذوف اى هو و الباقون بالنصب على انه بدل من اليوم فى يصلونها يوم الدين او متعلق بمحذوف اى يجزى الفريقان كذلك فى يوم لا تملك نفس او اذكر يوم لا تملك او هو مبنى على الفتح لاضافة الى غير التمكن و محله الرفع نَفْسٌ اى أحد لِنَفْسٍ يعنى كافرة كذا قال مقاتل شَيْئاً ط من المنفعة- وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للّه ع وحده لا يملك اللّه فى ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمر كما ملكهم فى الدنيا و اما الاذن فى الشفاعة للمؤمنين فليس بتمليك او يقال الأمر يومئذ عيانا و فى زعم كل أحد كما كان الأمر كله للّه فى الحقيقة و فى زعم اهل البصيرة و اللّه اعلم بالصواب. |
﴿ ٠ ﴾