سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ سِتٌّ وَثَلاَثُونَ آيَةً مكيّة و هى ستّ و ثلثون اية بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عن ابن عباس قال لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فانزل اللّه تعالى ويل للمطففين فاحسنوا الكيل بعد ذلك رواه الحاكم و النسائي و ابن ماجة بسند صحيح و قال السدى قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة و بها رجل يقال له ابو جهينة و معه صاعان يكيل بأحدهما و يكتال بالاخر فانزل اللّه تعالى _________________________________ ١ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ و الطف الحقير و المراد بالمطففين ما بين بقوله. ٢ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا اى أخذوا الكيل او اتزنوا و لم يذكره اكتفاء بذكر الوزن فى القرنية الثانية و لعل الكيل كان هو الغالب فى الاستعمال عَلَى النَّاسِ متعلق بقوله اكتالوا او بقوله يَسْتَوْفُونَ وقع على موضع من تقديره إذا اكتالوا من الناس يستوفون منهم للدلة على ان اكتيالهم لما لهم على الناس او ان اكتيالهم بتحامل فيهم عليهم قال الفراء من و على يتعاقبان فى هذه الموضع فاذا اكتلت عليك كانه قال أخذت ما عليك و إذا قال اكتلت منك فكأنه قال استوفيت منك. ٣ وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ الضمير المنصوب راجع الى الناس اى كالوهم او وزنوهم حذف الجار و أوصل الفعل روى التقدير كالوا مكيلهم فحذف المضاف و أقيم مضاف اليه مقامه و ليس تأكيد المتصل بالمنفصل إذ المقصود بيان اختلاف حالهم فى الاخذ و الإعطاء لا فى المباشرة و عدمها و ايضا يابى عنه الخط فانه يستدعى عن اثبات الف بعد الواو يُخْسِرُونَ ط اى ينقصون الكيل و الوزن يقال خسر الميزان و اخسره و سمى هذا العمل بالتطفيف لان ما يبخس فى الكيل و الوزن لا يكون الا حقيرا و فيه ايماء الى ان بخس الحقير موجب للويل و العذاب فبخس الكثير بالطريق الاولى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خمس بخمس ما نقض العهد قوم الا سلط اللّه عليهم عدوهم و ما حكموا بغير ما انزل اللّه الا فشا فيهم الفقر و ما ظهرت فيهم الفاحشة الا فشا فيهم الموت و لا طففوا المكيال الا منعوا لنبات و أخذوا بالسنين و لامنعوا الزكوة الا حبس عنهم القطر رواه الحاكم من حديث بريدة و من حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص رواه الطبراني من حديث ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما ظهر الغلول فى قوم الا القى اللّه فى قلوبهم الرعب و لا فشا الربوا فى قوم الأكثر فيهم الموت و لا نقص قوم المكيال و الميزان الا قطع عنهم الرزق و لا حكم قوم بغير حق الا فشا فيهم الدم و ماختر قوم بالعهد الا سلط اللّه عليهم العدو رواه مالك موقوفا و الختر الغدر قلت و قطع الرزق بالتطفيف قد يكون بجعله فقيرا لا يقدر على شى ء يكون بمنع الرزق عنه مع قدرته عليه فلا يقدر الاكل منه فى حقه كما فى البقالين من ديارنا قال البغوي كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول اتق اللّه أوف الكيل و الوزن فان المطففين يوقفون يوم القيمة حتى ان العرق ليلجمهم الى انصاف آذانهم. ٤ أَ لا يَظُنُّ ذكر الظن مكان اليقين ايماء الى ان من كان يظن ذلك ينبغى ان لا يرتكب موجبات تلك الشدائد فكيف من يستيقن و الاستفهام للانكار و فيه تعجيب من مالهم و توبيخ أُولئِكَ المطففين فاعل ليظن أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ قام مقام المفعولين ليظن. ٥ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ متعلق مبعوثون و للتعليل اى لحساب يوم عظيم او بمعنى فى يوم عظيم و هو يوم القيمة عظمه لعظم ما يكون فيه اخرج ابن المبارك عن الحسن قال لقد مضى بين ايديكم أقوام لو ان أحدهم اتفق عدد هذا الحصى تخشى ان لا ينجوا من عظمة ذلك اليوم. ٦ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ من القبور منصوب بمبعوثون على الظرفية او بدل من يوم عظيم و فتحه على البناء لاضافته الى غير متمكن لرب العلمين اى لحسابه و جزائه عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يوم يقوم النّاس لِرَبِّ الْعالَمِينَ ط اى حسابه و جزائه عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يوم يقوم النّاس لرب العالمين حين يغيب أحدهم فى رشحه الى انصاف اذنيه متفق عليه و اخرج الحاكم مثله عن ابى سعيد الخدري و فى الصحيحين عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يعرق الناس يوم القيمة حتى يذهب عرقهم فى الأرض سبعين باعا و يلجمهم حتى آذانهم و اخرج الطبراني و ابو يعلى و ابن حبان عن ابن عباس ان الكافر يلجم بعرقه يوم القيمة حتى يقول يا رب أرحني و لو الى النار و اخرج الحاكم عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ان العرق ليلجم الرجل فى الموقف حتى يقول يا رب ارسالك لى الى النار أهون على مما أجد و هو يعلم ما فيها من شدة العذاب و اخرج البيهقي عن قتادة فى قوله تعالى يوم يقوم الناس لرب العلمين قال بلغني ان كعبا كان يقول يقومون مقدار ثلاثمائة عام و اخرج مسلم عن المقداد بن الأسود قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول تدنوا الشمس يوم القيمة من الخلق حتى يكون منهم مقداد ميل قال سليم بن عامر فو اللّه ما أدرى ما يعنى بالميل أ مساق الأرض أم الميل الذي يكحل به العين فيكون الناس على قدر أعمالهم فى العرق فمنهم من يكون الى كعبه و منهم من يكون الى ركبته و منهم من يكون الى حقوته و منهم من يلجمه العرق الجاما و أشار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيده الى فيه و اخرج احمد و الطبراني و ابن حبان و الحاكم و صححه و البيهقي عن عقبة بن عامر نحوه و اخرج احمد و الطبراني عن ابى امامة الباهلي عنه صلى اللّه عليه و سلم و فيه و يزاد فى حرها كذا و كذا تغلى منها الهوام كما تغلى القدور و اخرج احمد و الطبراني بسند جيد عن انس رفعه قال لم يلق ابن آدم شيئا منذ خلق اللّه أشد عليه من الموت و هو أهون مما بعده و انهم ليلقون من هول ذلك اليوم شدة حتى يلجمهم حتى ان السفن لو أجريت لجرت و اخرج البيهقي عن ابن عمر و قال يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجمهم الكافر العرق قبل الحساب قيل له فاين المؤمنون قال على كراسى من ذهب و يظلل عليهم الغمام و اخرج هناد عن ابن مسعود نحو هذا كله و فيه ما طول ذلك اليوم عليهم اى على المؤمنين الا كساعته من نهار و اخرج هناد و ابن المبارك عن سلمان قال تدنى الشمس من رؤس الخلائق يوم القيمة قاب قوسين او قوسين و يعطى حر عشر سنين و ليس أحد من الناس عليه يومئذ صحره الى خرقة و لا يرى عورة مومن و لا مؤمنة و لا يجد حرها مومن و لا مؤمنة و اما الكافر فيطبخهم طبخا حتى يسمع لاجوافهم عق عق. ٧ كَلَّا ردع عن التطفيف و تم الكلام و قال الحسن كلا ابتداء يتصل بما بعده بمعنى حقا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ يعنى صحف أعمالهم التي كتبتها الحفظة الكرام و المراد بالفجار الكفار لَفِي سِجِّينٍ مشتق من السجن بمعنى الحبس فى القاموس السجين كالسكين الحبس الدائم الشديد قال الأخفش فعيل من السجن كما يقال فسيق و شريب معناه لفى حبس شديد و قال عكرمة لفى سجين اى فى خساء و ضلال لما كان كتاب الفجار اى ما فى الكتاب من الأعمال موجبا لكونهم فى الحبس و الخساء و الضلال أسند ذلك الى الكفار مجازا و الظاهر من الأحاديث و الآثار ان السجين اسم موضع فى كتاب الفجار كذا فى القاموس و كون الكتاب فى ذلك الموضع بان يوضع صحف أعمالهم هناك او يكتب هناك كتاب جامع الصحف اعمال الفجار من الثقلين و وجه تسمية ذلك الموضع بالسجين ان هناك يحبس أرواح الكفار أجمعين و ذلك الموضع هو الأرض السابعة او تحت الأرض السابعة اخرج ابن مندة و الطبراني و ابو الشيخ عن حمزة بن حبيب مرسلا قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن أرواح المؤمنين فقال فى طير خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت قالوا يا رسول اللّه و أرواح الكفار قال محبوسة فى سجين و روى ابن المبارك و الحكيم الترمذي و ابن ابى الدنيا و ابن مندة عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال نفس الكافر فى سجين قال البغوي قال عبد اللّه بن عمر و قتادة و مجاهد و الضحاك سجين هى الأرض السابعة السفلى فيها أرواح الكفار و قلت كذا اخرج ابن ابى الدنيا عن عبد اللّه بن عمر روى البغوي بسنده عن البراء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سجين أسفل سبع ارضين و علّيون فى السماء السابعة تحت العرش و قد ورد فى حديث طويل عن البراء بن عازب مرفوعا فى ذكر موت المؤمنين و موت الكفار فذكر فى الكفار انه لا يفتح لهم أبواب السماء فيقول اللّه عز و جل اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا الحديث اخرج احمد و غيره و ذكر البغوي قول شبرمة بن عطاء جاء ابن عباس الى كعب الأحبار فقال أخبرني عن قول اللّه عز و جل ان كتب الفجار لفى سجين فقال ان روح الفاجر يصعد بها الى السماء فتابى السماء ان تقبلها ثم تهبط بها الى الأرض فتابى الأرض ان تقبلها فتدخل تحت سبع ارضين حتى ينتهى بها الى سجين و هى موضع جند إبليس فيخرج لها من سجين من تحت جند إبليس رق فيرقم و يختم و يوضع تحت جند إبليس لمعرفتها الهلاك بحساب يوم القيمة و قال الكلبي هى صخرة تحت الأرض السابعة السفلى خضراء خضرة السماء منها يجعل كتاب الفجار تحتها و روى عن ابن نجيح عن مجاهد قال سجين صخرة تحت الأرض السفلى تقلب فيجعل كتاب الفجار فيها و قال البغوي جاء فى الحديث الفلق جب فى جهنم مغطى و السجين جب فى جهنم مفتوح قلت و يمكن الجمع بينهما اعنى بين كون السجين تحت الأرض السابعة و كونه فى جهنم ان جهنم تحت الأرض السابعة السفلى اخرج ابو الشيخ فى العظمة و البيهقي من طريق ابى الزعراء عن عبد اللّه قال الجنة فى السماء السابعة و النار فى الأرض السابعة السفلى و اخرج البيهقي فى الدلائل عن عبد اللّه بن سلام الجنة فى السماء و النار فى الأرض و اخرج ابن جرير فى تفسيره عن معاذ قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من اين يجاء بجهنم يوم القيمة قال لجاء بها من الأرض السابعة بها الف زمام لكل زمام سبعون الف ملك فاذا كانت من العباد على مسيرة الف سنة زفرت زفرة فلا يبقى ملك مقرب و لا نبى مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول رب نفسى نفسى. ٨ وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ط تفخيم و تهويل قال الزجاج ليس ذلك مما كنت تعلمها أنت و لا قومك. ٩ كِتابٌ مَرْقُومٌ ط اى مكتوم فيه أعمالهم ثبت عليهم كالرقم فى الثوب لا ينسى و لا يمحى حتى يجازوا به او المعنى معلم يعلمه من راه انه عرف لا خير فيه و قيل معناه مختوم بلغة حمير قال البغوي ليس هذا تفسيرا للسجين بل هو بيان الكتاب المذكور ان كتب الفجار و قال البيضاوي هذا تفسير للسجين لقب به الكتاب لانه سبب للحبس فقال هذا ظرفية السجين الكتاب لكونه كتابا جامعا لكتب الفجار من الثقلين و الظاهر ان السجين فيه مقر أرواح الكفار و مقر صحف أعمالهم و فى الكلام حذف مضاف اما اى فى السجين اى ما كتاب سجين او فى كتاب مرقوم اى محل كتاب مرقوم بالشر. ١٠ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالحق. ١١ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ط صفة موضحة او ذامة او مخصصة او بدل من المكذبين و جملة ويل يومئذ إلخ معترضة للذم قلت و يحتمل ان يكون فى محل الرفع من مرقوم بمعنى رقم فيه ويل يومئذ إلخ او صفة الكتاب اى كتاب موجب للويل و التأويل الاول اظهر من حيث اللفظ و للاخيرين من حيث المعنى لان كونه كتابا مرقوما ليس من خصائص كتاب الفجار بل قيل مثل ذلك فى كتب الأبرار ايضا يتصور كونه جوابا لقوله ما سجين. ١٢ وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ اى بيوم الدين إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ مجاوز عن الحد فى الجهل و تقليد الآباء الجهلة حتى أنكر قدرة اللّه على الاعادة أَثِيمٍ منهمك فى الشهوات اشتغل بها عما ورائها و حمله على الإنكار لما عداها. ١٣ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا يعنى القران شرط جزائه قالَ من فرط جهله و غفلته عن كونه معجزا او من غباوته و اعراضه عن الحق تعنتا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ط خبر مبتداء محذوف اى هى و الأساطير جمع اسطورا و اسطارا او اسطر بمعنى الأحاديث التي لا نظام بها فى القاموس و فى الصراح أساطير الأولين اى شى كتبوه كذبا و الجملة الشرطية صفة بعد صفة لمعتد لبيان انه لا ينفعه من الادلة العقلية و النقلية شى و الجملة و ما يكذب به معترضة. ١٤ كَلَّا ردع عن التكذيب و عما قالوا و قال مقاتل معناه اى لا يومنون بَلْ سكته إضراب عن الردع ينفى قابلية قلوبهم عن درك الحق و تميزه من الباطل يسكت حفص هاهنا سكتة و يدغم غيره رانَ قال ابو بكر و حمزه و الكسائي فتح الراء و الباقون بتفخيمها عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ و الرين الغلبة يقال ران الخمر على قلبه إذا غلب عليه سكره و المعنى غلب على قلوبهم ظلمت ما كانوا يكسبون من المعاصي حتى عمى قلوبهم عن التميز بين الحق و الباطل عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء فى قلبه فان تاب و فزع و استغفر صقل قلبه منها و ان زاد زادت حتى تعلو قلبه فذالكم الران الذي ذكر اللّه فى كتابه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون رواه البغوي و كذا اخرج احمد و الترمذي و صححه و احمد و النسائي و ابن ماجه و ابن حبان و الحاكم و فى بعض الروايات ان العبد كلما أذنب ذنبا الحديث و لفظ المؤمن يدل على شدة السوداء قلب الكافر بطريق الاولى. ١٥ كَلَّا ردع عن كسب المعاصي الموجبة للرين او هو بمعنى حقا لتحقيق الرين قال يريد انهم لا يصدقون إِنَّهُمْ اى الكفار عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ اى يوم الدين يوم يرى اللّه سبحانه المؤمنون لَمَحْجُوبُونَ ط لحجب ظلماتهم الناسبة عنهم فلا يرون اللّه سبحانه كما كانوا لا يرون الحق من الباطل فى الدنيا قال الحسن لو علم الزاهدون و العابدون انهم لا يرون ربهم لزهقت أنفسهم فى الدنيا سئل مالك عن هذه الاية فقال لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لاولياءه حتى رأوه و قال الشافعي فى الاية دلالة على ان اولياء اللّه يرون اللّه. ١٦ ثُمَّ اى بعد كونهم محجوبين عن روية اللّه إِنَّهُمْ لَصالُوا اى لداخلوا الْجَحِيمِ ١٧ ثُمَّ يُقالُ يقول لهم خزنة جهنم هذَا هذا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ١٨ كَلَّا ان التطفيف تكرير للاول ليعقب وعد الأبرار كما عقب وعيد الفجار اشعارا بأن التطفيف فجور كما ان الإيفاء برا و ردع عن تكذيب العذاب او هو بمعنى حقا و قال مقاتل معناه لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ قال بعض اهل المعاني هو علو و شرف بعد شرف و لذلك جمع بالواو و النون و قال الفراء اسم موضع على صيغة الجمع لا واحد له من لفظ كعشرين و قال بعض المحققين هو منقول من جمع على وزن فعيل من العلو و قد مر حديث البراء المرفوع عليين فى السماء السابعة تحت العرش و فى الحديث البراء الطويل فى ذكر الموت المؤمنين و الكفار ذكر فى نفس المؤمن انه يصعد بها حتى ينتهى بها الى السماء السابعة فيقول اللّه تعالى اكتبوا كتاب عبدى فى عليين و أعيدوا الأرض الحديث أخرجه احمد و ابو داود و الحاكم و غيرهم من طرق صحيحة و قال ابن عباس هو يعنى عليين لوح زبرجد خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيها و من هاهنا قالوا هو كتاب جامع الأعمال الخير من الملئكة و مومنى الثقلين و قال كعب و قتادة هو قائمة العرش اليمنى و قال عطاء عن ابن عباس هو الجنة و قال عطاء و الضحاك هو سدرة المنتهى. ١٩ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ ٢٠ كِتابٌ مَرْقُومٌ الكلام فيه كما مر فى نظيره. ٢١ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ط صفة لكتاب كما كان ويل للمكذبين صفة هناك و المقربون قال البغوي يعنى الملائكة قلت و أرواح الأنبياء و الصديقين و الشهداء ايضا فان هناك لعزها كما اخرج مسلم عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم أرواح الشهداء عند اللّه فى حواصل طير خضر تسرح فى انهار الجنة حيث شاءت تأوي الى قناديل تحت العرش و كذا روى سعيد بن منصور عن ابن عباس و تقى بن مخلد عن ابن ابى سعيد الخدري و روى ابو الشيخ عن انس قال يبعث اللّه شهداء من حواصل طير بيض كانوا فى قناديل معلقة بالعرش و اخرج ابن مندة عن ابن شهاب بلاغا بلغني ان أرواح الشهداء كطير خضر المعلقة بالعرش تغدوا ثم ترجع الى رياض الجنة يأتى ربها سبحانه و تعالى كل يوم يسلم عليه و اخرج ابن ابى حاتم عن ابى الدرداء قال هى يعنى أرواح الشهداء طائر خضر فى قناديل الحديث و اخرج البخاري عن انس انه قال لما قتل حارثة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم انه جنان و انه فى الفردوس الأعلى و قال اللّه تعالى فى حبيب نجار قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى الاية و لا منافاة بين كونهم فى الجنة و كونهم تحت العرش فى قناديل لان العرش بمنزلة السماء للجنة قلت و هذا الحكم غير مختص بالشهداء فان الأنبياء و الصديقين أعلى منهم منزلة و قد ورد فى الحديث بلفظ المؤمنين مطلقا اخرج مالك و النسائي بسند صحيح عن كعب بن مالك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال انما نسمة المؤمن طاير المتعلقة فى شجرة الجنة حتى ترجع الى جسده يوم القيمة و كذا اخرج احمد و الطبراني عن أم هانئ عنه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال يكون النسم طير التعلقه بالشجر حتى إذا كان يوم القيمة دخلت كل نفس فى جسده و اخرج ابن عساكر عن أم بشر امرأة ابى معروف نحوه و المراد فى تلك الأحاديث الكاملين منهم كما يدل عليه قوله تعالى يشهده المقربون و قد ورد فى بعض الأحاديث ان مقر أرواح المؤمنين فى السماء السابعة ينظرون الى منازلهم فى الجنة أخرجه ابو نعيم بسند ضعيف عن ابى هريرة و اخرج ايضا عن وهب بن منبه ان للّه تعالى فى السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين و فى بعض الأحاديث إذا اخرج من الجسد كان بين السماء و الأرض رواه سعيد بن منصور عن سلمان و روى ابن المبارك و الحكيم الترمذي و ابن ابى الدنيا و ابن مندة عن سعيد بن المسيب عن سلمان أرواح المؤمنين فى برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت و نفس الكافر فى سجين و فى هذه الحديث حكاية عن حال المؤمنين على تفاوت درجاتهم قال الشعبي فى بحر الكلام الأرواح على اربعة أوجه أرواح الأنبياء تخرج من جسدها و تصير مثل صورتها المسك و الكافور و تكون فى الجنة تأكل و تشرب و تنعم و تأوي بالليل الى قناديل معلقة بالعرش و أرواح الشهداء تخرج من جسدها و يكون فى أجواف طير خضر فى الجنة تأكل و تشرب و تنعم و تأوي بالليل الى قناديل معلقة بالعرش و أرواح المطيعين من المؤمنين يربص بالجنة لا تأكل و لا تتمتع و لكن تنظر فى الجنة و أرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء و الأرض فى الهواء و اما أرواح الكفار فهى فى السجين فى جوف طير سود تحت الأرض السابعة قلت و ما ذكر فى أرواح الأنبياء انها تصير فى مثل صورتها المسك و الكافور يعنى ان لها أجسادا كالاجساد الإنسان و عبرها بالمسك لتطيب ريحها و عبر المجدد عن تلك الأجساد بالجسم الموهب و يكون ذلك للانبياء و لكمل اتباعهم الصديقين قبل الموت فان قيل بعض الأحاديث الصحاح تدل على ان أرواح المؤمنين حتى الأنبياء و أرواح الكفار كلها فى القبور كما ورد فى حديث البراء الطويل يقول اللّه تعالى فى حق المؤمنين اكتبوا كتاب عبدى فى عليين و اعيدوه الى الأرض فانى منها خلقتهم و فيها أعيدهم و منها أخرجهم تارة اخرى فيعاد روجه فى جسده و كذا قال فى الكافر فيعاد روحه فى قبره قال ابن عبد البر هذا أصح ما قيل و قد راى النبي صلى اللّه عليه و سلم موسى عليه السلام فى قبره يصلى ليلة اسرى به و انه صلى اللّه عليه و سلم قال من صلى على عند قبرى سمعته و من صلى على غائبا بلغته فكيف تطبيق قلنا وجه التطبيق أن مقر أرواح المؤمنين فى عليين او فى السماء السابعة و نحو ذلك كما مر و مقر أرواح الكفار فى سجين و مع ذلك لكل روح منها اتصال لجسده فى قبره لا يدرك كنهه الا اللّه تعالى و بذلك الاتصال يصح ان يعرض على الإنسان المجموع المركب من الجسد و الروح مقعده من الجنة او النار و يحس اللذة او الألم و يسمع سلام الزائر و يجيب المنكر و النكير و نحو ذلك بما ثبت بالكتاب و السنة كما ان جبرئيل مع كون مستقره من السموات كان يدنوا من النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى يضع يديه على فخذيه قال الشعبي فى بحر الكلام هى متصلة بأجسادها فتعذب الأرواح و يتالم الأجساد منها كالشمس فى السماء و نورها فى الأرض و اللّه تعالى اعلم. ٢٢ إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ مستأنفة. ٢٣ عَلَى الْأَرائِكِ اى على الاسرة فى الحجال حال من المستكن فى ظرف المستقر يَنْظُرُونَ حال بعد حال مترادف لما سبق او متداخل قال اكثر المفسرين يعنى ينظرون الى ما أعطاهم اللّه تعالى من الكرامة و النعمة و قال قتادة ينظرون الى أعدائهم كيف يعذبون فى النار قلت ينظرون الى ربهم تبارك و تعالى كما ان الكفار عن ربهم يومئذ لمحجوبون. ٢٤ تَعْرِفُ ايها المخاطب كذا قرا الجمهور و قرا ابو جعفر و يعقوب على المبنى للمفعول فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ بالرفع عند جعفر و يعقوب و بالنصب عند الجمهور النَّعِيمِ ج اى بجنة النعيم قال الحسن النضرة فى الوجه و السرور فى القلب. ٢٥ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ اى جنة صافية طيبة بيضاء مَخْتُومٍ اى ممنوع من ان تمسه يد الى ان يفك ختامه الأبرار. ٢٦ خِتامُهُ مِسْكٌ ط قرا الكسائي خاتمه بتقديم الالف على التاء على وزن عالم و الباقون على وزن كتاب فى القاموس ختام ككتاب الطين يختم على الشي ء و الخاتم ما يوضع على الطينة و المراد بالقراءتين واحد اى مختوم او آنية بالمسك مكان الطين و كذا قال ابن زيد و قال ابن مسعود مختوم اى ممزوج ختامه اى اخر طعمه و عاقبته مسك فى القاموس و الختام من كل شى ء آخره وَ فِي ذلِكَ الرحيق و النعيم فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ط التنافس مشتق من النفس او من النفيس و معناه اختيار الشي ء النفيس لنفسه بحيث ينفسه به اى يضن به على غيره و حاصل المعنى فليرغب الراغبون يعنى ان التنافس لا يليق على الامتعة الدنيوية لبخستها و قلتها و نفادها بل على النعم الاخروية فان قيل التنافس من الرذائل فكيف يكون مرغوبا فيه قلت انما هو من الرذائل إذا كان متعلقا بالأمور الدنيوية لانها غير مرضية للّه تعالى و لانها يستلزم الإضرار بغيره إذا لامتعة الدنيوية فافدة قليلة إذا اختار لنفسه فات عن غيره بخلاف النعم الاخروية فانها مرضية للّه تعالى و لا ينفد فايثارها لنفسه لا يضر بغيره. ٢٧ وَ مِزاجُهُ اى يمزج به الرحيق مِنْ تَسْنِيمٍ قال البغوي شراب ينصب عليهم من علو فى غرفهم و منازلهم قلت الظاهر انها تنصب من فوق العرش فان العرش بمنزلة السقف للجنة و قيل يجرى فى الهواء متسنما فينصب فى أواني اهل الجنة على قدر ملئها فاذا امتلئت امسك و هذا معنى قول قتادة و اصل الكلمة من العلو يقال للشئ المرتفع سنام و منه سنام البعير قال الضحاك هو شراب اسمه تسنيم و هو من اشرف اشربة الجنة قال ابن مسعود و ابن عباس هو خالص للمقربين يشربونها صرفا و يمزج لساير اهل الجنة ثم فسره بقوله. ٢٨ عَيْناً منصوب على المدح او بتقدير اعنى او حال من تسنيم يَشْرَبُ بِهَا اى منها او بتضمين يلتذ صفة لعينا الْمُقَرَّبُونَ ط اى اصحاب كمالات النبوة بالاصالة او بالوراثة و هم الصديقون قال البغوي روى يوسف بن مهران عن ابن عباس انه سئل عن قوله من تسنيم قال هذا مما قال اللّه تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين. ٢٩ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا يعنى كفار قريش ابو جهل و الوليد بن مغيرة و العاص بن وائل و أصحابهم من مشركى مكة كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عمار و صهيب و خباب و بلال و أصحابهم من فقراء المؤمنين يَضْحَكُونَ استهزاء بهم. ٣٠ وَ إِذا مَرُّوا اى المؤمنون بِهِمْ اى بالكفار يَتَغامَزُونَ اى الكفار يشيرون إليهم بالجفن و الحواجب استهزاء و الجملة الشرطية معطوفة على يضحكون خبر لكانوا و كذا الشرطيتين الأخريين. ٣١ وَ إِذَا انْقَلَبُوا اى الكفار إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ معجبين ملتذين بالسخرية منهم قرا حفص فكهين بغير الف و الباقون بالألف فاكهين. ٣٢ وَ إِذا رَأَوْهُمْ يعنى الكفار المؤمنين قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ اى خدعهم محمد فضلوا عن دين ابائهم و تركوا اللذات لما يرجون فى الاخرة من الكرامات فقد تركوا الحقيقة بالخيال. ٣٣ وَ ما أُرْسِلُوا اى الكفار عَلَيْهِمْ على المؤمنين حافِظِينَ ط لاعمالهم و يشهدون برشدهم و صلاحهم جملة و ما أرسلوا حال من فاعل قالوا. ٣٤ فَالْيَوْمَ اى يوم كون المؤمنين على الأرائك ينظرون الى اللّه تعالى الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ حين يرونهم فى السلاسل و الاغلال فى النار قال البغوي قال ابو صالح و ذلك انه يفتح للكفار فى النار ابوابها و يقال لهم اخرجوا فاذا رأوها مفتوحة اقبلوا إليها ليخرجوا و المؤمنون ينظرون إليهم فاذا انتهوا الى ابوابها غلقت دونهم يفعل بهم ذلك مرارا و المؤمنون يضحكون من الكفار كما كان الكفار يضحكون منهم فى الدنيا و قال كعب بين الجنة و النار كوى فاذا أراد المؤمن ان ينظر الى عدو له فى الدنيا اطلع عليه من تلك الكوى كما قال اللّه تعالى فاطلع فراه فى سواء الجحيم فاذا اطلعوا من الجنة الى أعدائهم و هم يعذبون فى النار فضحكوا فذلك قوله تعالى هذه الاية و اخرج البيهقي عن الحسن قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم باب من الجنة فيقال لاحدهم هلم فجيئ بكربه و غمه فاذا جاء اغلق دونه فما زال كذلك حتى ان أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال له هلم فما يأتيه من الا يأس. ٣٥ عَلَى الْأَرائِكِ حال من فاعل يضحكون يَنْظُرُونَ اى الكفار فى النار حال مترادف او متداخل لما قبله-. ٣٦ هَلْ ثُوِّبَ اى جوزى الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ع اى جزاء ما كانوا يعملون من الاستهزاء و الاستفهام للتقرير اى نعم و اللّه اعلم بالصواب. |
﴿ ٠ ﴾