سُورَةُ الْغَاشِيَةِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ سِتٌّ وَعِشْرُونَ آيَةً

مكيّة و هى ست و عشرون اية

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

هَلْ أَتاكَ استفهام تقرير اى قد اتيك حَدِيثُ الْغاشِيَةِ اى الساعة التي تغشى كل شى ء بالشدائد و الأهوال و قيل المراد بالغاشية النار قال اللّه تعالى و تغشى وجوههم النار لكن تعقيبها بذكر الكفار و المؤمنين بقوله وجوه يومئذ يدل على صحة التأويل الاول.

٢

وُجُوهٌ تنوينه للتكثير او عوض عن المضاف اليه اى وجوه كثيرة او وجوه الكفار فصح جعلها مبتداء لانه مخصصة او فى قوة المعرفة و المراد بها اصحاب وجوه حذف المضاف و أقيم المضاف اليه مقامه و أعرب باعرابه و اجرى عليه من الاخبار ما كانت جارية على المضاف يَوْمَئِذٍ متعلق بغاشية اى يوم إذا كانت الغاشية وجوه خاشِعَةٌ ذليلة من الحزن و الهوان.

٣

عامِلَةٌ ناصِبَةٌ يعنى فى النار و النصب التعب قال الحسن لم تعمل للّه فى الدنيا فاعملها و أنصبها فى النار بمعالجة السلاسل و الاغلال و به قال قتادة و هو رواية العوفى عن ابن عباس قال ابن مسعود يخوض فى النار كما يخوض الإبل فى الوحل و قال الكلبي يجرون على وجوههم فى النار و قال الضحاك يرتقى جبلا من حديد فى النار و قيل معناه الذين عملوا و نصبوا فى الدنيا على غير دين حق من عبده الأوثان و كفار اهل الكتاب مثل الرهبان و غيرهم لا يقبل اللّه منهم اجتهادا فى ضلالته يدخلون النار يوم القيمة و هو قول سعيد بن جبير و زيد بن اسلم رواه عطاء عن ابن عباس و قال عكرمة و السدى عاملة فى الدنيا بالمعاصي ناصبة فى الاخرة فى النار.

٤

تَصْلى قرأ ابو عمرو ابو بكر تصلى بضم التاء و الباقون بفتح التاء ناراً حامِيَةً قال ابن عباس قد حميت فهى تتلظى على اعداء اللّه.

٥

تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ط اخرج ابن ابى حاتم عن السدى انه قال يعنى ما انتهى حرها فلا يكون فوقه حروا خرج البيهقي عن الحسن انه قال كانت العرب يقول للشئ إذا انتهى حره حتى لا يكون شيئا أحر منه قد انى حره فقال اللّه سبحانه من عين آنية يقال قد أوقدت عليها فى جهنم منذ خلقت يانى حرها قال المفسرون وردوا الى جهنم ورودا عطاشا فسقوا من عين آنية لو وقعت منها قطرة على الجبال الدنيا لذابت.

٦

لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ اخرج عبد اللّه بن احمد من طريق نهشل عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الضريع شى ء يكون فى النار شبه الشوك امر من الصبر و أنتن من الجيفة و أشد حرا من النار إذا اطعم صاحبه لا يدخل البطن و لا يرتفع الى الفم فسقى بين ذلك لا يسمن و لا يغنى من جوع

و اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال هو الزقوم

و اخرج الترمذي و البيهقي عن ابى الدرداء قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يلقى على اهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب و قد مر فيما قبل

و قال مجاهد و عكرمة و قتادة نبت ذو شوكة لا لحى بالأرض تسميه قريش الشبرق فاذا هاج العود تسميه الضريع هو أخبث طعام قال الكلبي لا يقربه دابة إذا يبس و قال ابن ابى زيدا ما فى الدنيا فان الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق و هو فى الاخرة شوك من نار قال المفسرون لما نزلت هذه الاية قال المشركون ان إبلنا يسمن من الضريع و كذا فى ذلك فان الإبل انما يرعاه ما دام رطبا و سيما شدقا فاذا يبس لا يأكله شى ء فانزل اللّه تعالى.

٧

لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ صفة ضريع و المقصود من الطعام أحد الامرين و المراد ايضا فى ليس لهم طعام الا من ضريع او شبه لا يسمن او يغنى من جوع كما فى قوله تعالى و ما محمد الا رسول يعنى ليس كاهنا او شاعرا و نحو ذلك مما ينافى الرسالة و المراد هاهنا بعض من الكفار لا يكون طعامهم الا من ضريع و يكون الضريع و الزقوم طعام غيرهم من الكفار.

٨

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ كثيرة او وجوه المؤمنين يعنى أصحابها مبتداء و ما بعد اخبار ناعِمَةٌ منتعمة ذات بهجة.

٩

لِسَعْيِها فى الدنيا فى طاعة اللّه متعلق بقوله راضِيَةٌ فى الاخرة لما رأت ثوابها.

١٠

فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ المحل و القدر.

١١

لا تَسْمَعُ قرأ ابن كثير و ابو عمرو بالياء المضمومة على البناء للمفعول الواحد المذكر فِيها لاغِيَةً ط بالرفع على انه مسند اليه و التأنيث غير حقيقى

و قرا نافع ذلك الا انه قرا لا تسمع بالتاء التأنيث المسند اليه و الباقون بالتاء المفتوحة على البناء للفاعل و الضمير للمؤنث راجع الى وجوه او للخطاب مع النبي صلى اللّه عليه و سلم و المخاطب غير معين

و قرا لاغية بالنصب على المفعولية يعنى لا تسمع لغوا او باطلا او كلمة ذات لغو المراد نفسا تلغوا فان كلام اهل الجنة للذكر و الحكمة اخرج البيهقي فى هذه الاية قال لا تسمع صفة لجنة بعد صفة و كذا الجملة بعدها.

١٢

فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ لا يقطع جريانها و التنكير للتعظيم اخرج ابن حبان و الحاكم و البيهقي و الطبراني عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انهار الجنة تفجر من جبل مسك.

١٣

فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ رفيعة السمك و القدر اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى سرر مصفوفة

و اخرج احمد و الترمذي و حسنه و ابن ماجة عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى قوله تعالى و فرش مرفوعة قال ما بين الفراشين كما بين السماء و الأرض و لفظ الترمذي ارتفاعها كما بين السماء و الأرض مسيرة خمسمائة قال الترمذي قال بعض اهل العلم فى تفسيره معناه ان الفرش فى الدرجات كما بين السماء و الأرض اخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة فى قوله تعالى و فرش مرفوعة قال لو ان أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا

و اخرج الطبراني عنه مرفوعا لو طرح منها فراش من أعلاها لهوى الى قرارها مائة خريف

قال البغوي قال ابن عباس الواح السرر من ذهب مكللة بالزبرجد و الدر و الياقوت مرتفعة ما لم يجئ أهلها فاذ ا أراد ان يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم يرتفع الى مواضعها.

١٤

وَ أَكْوابٌ جمع كوب اخرج هناد عن مجاهد قال التي ليست لها اذن يعنى لا عروة له مَوْضُوعَةٌ على حافة العيون معدة للشرب.

١٥

وَ نَمارِقُ جمع نمرقة بالفتح و الضم مَصْفُوفَةٌ بعضها الى جنب بعضها أينما أراد ان يجلس جلس و استند.

١٦

وَ زَرابِيُّ بسط عريضه فاخرة جمع زربية مَبْثُوثَةٌ ط مبسوطة او متفرقة فى المجالس اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم عن قتادة قال لما نعت اللّه ما فى الجنة عجب من ذلك اهل الضلالة فكذبوه فأنزل اللّه تعالى.

١٧

أَ فَلا يَنْظُرُونَ قال صاحب المدارك لما انزل اللّه فيها سرر مرفوعة إلخ و فسره النبي صلى اللّه عليه و سلم بان ارتفاع السرائر كذا و الأكواب الموضوعة لا تدخل فى حساب الخلق لكثرتها و طول النمارق كذا و عرض الزرابي كذا أنكر الكفار و قالوا كيف يصعد على تلك السرر و كيف يكثر الأكواب هذه الكثرة و طول النمارق هذا الطول و بسط الزرابي هذا الانبساط و لم تشاهد ذلك فى الدنيا قال اللّه تعالى أ فلا ينظرون نظر اعتبار الاستفهام للتوبيخ و الفاء للعطف و المعطوف عليه محذوف تقديره أ تعجبون و يغفلون أ فلا ينظرون.

إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وقفه طويلة ثم يبرك لركوب ثم تقوم فكذا سرر يطأطأ للمومنين كما يطأطأ الإبل.

١٨

وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ رفعا بعيدا و نجومها تكثر هذه الكثيرة فلا يدخل فى حساب الخلق فكذا الأكواب.

١٩

وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وقفه راسخة لا تميل مع طولها فكذا النمارق.

٢٠

وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ سطحا مستويا بساطا واحدا فكذا الزرابي و يجوز ان يكون المعنى أ فلا ينظرون الى أنواع المخلوقات من البسائط و المركبات الشاهد على كمال قدرة الخالق فيستدلوا به على اقتداره على البعث فيسمعوا الى اخبار مخبر الصادق الصدوق بشهادة المعجزات و ليؤمنوا به و يستعدوا للغاية و تخصيص الإبل من المركبات و الثلاثة من البسائط لان الخطاب للعرب و المراد انما يستدل به بما يكثر مشاهدته و العرب تكون فى البوادي و نظرهم فيها الى السماء و الأرض و الجبال و الإبل و كان الإبل أعز أموالهم و هم لها اكثر استعمالا منهم لسائر الحيوانات و هى تجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان من النسل و الدر و الحمل و الركب و الأكل بخلاف غيرها فقال أ فلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت خلقا و الأعلى كمال قدرته و حسن تدبيره حيث جعلها مع عظمها باركة للحمل ناهضة بالحمل منقادة لمن اقتادها طويلة الأعناق ليناول الأوراق من الأشجار و لترعى كل نابت و يحتمل العطش الى عشرة فصاعدا ليتاتى بها قطع البوادي و قيل المراد بالإبل السحاب قال فى القاموس الإبل بكسرتين و يسكن بالمعروف السحاب الذي يحمل ماء المطر و اللّه تعالى اعلم عن ابن عباس قال هل يقدر أحد ان يخلق مثل الإبل و ليرفع مثل السماء و ينصب مثل الجبال و يسطح مثل الأرض غبرى.

٢١

فَذَكِّرْ لهم بالادلة ليتفكروا فيها و لتهتم إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ تعليل التذكير اى ليس عليك ان لم ينظروا و لم يذكروا انما أنت عليك البلاغ.

٢٢

لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ تأكيد لمضمون انما أنت مذكر قرا هشام بمسيطر بالسين و حمزة بخلاف عنه فلاوين الصادة و الباقون بالصاد خالصة اى لست بمسلط عليهم قايم و حافظ عليهم كما فى قوله تعالى لست عليهم بجبار.

٢٣

إِلَّا مَنْ تَوَلَّى عن الايمان و كفر باللّه استثناء منقطع بمعنى لكن و الخبر محذوف يعنى لكن من تولى منهم وَ كَفَرَ فاللّه مسلط قاهر عليه.

٢٤

فَيُعَذِّبُهُ اللّه الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ط بالنار فى الاخرة و قيل استثناء متصل كانه أوعد بالجهاد فى الدنيا و عذاب النار فى الاخرة و قيل استثناء متصل من الضمير المنصوب المحذوف فى قوله تعالى فذكر يعنى فذكرهم الا من تولى منهم و كفر و اخر طلبه بحيث انقطع طمعك فى إيمانه و ما بينهما اعراض.

٢٥

إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ رجوعهم و تقديم الظرف لتشديد الوعيد يعنى ليس إيابهم الا الى جبار قهار مقتدر على الانتقام.

٢٦

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ع فتحاسبهم و يجازيهم على حسب غلوهم فى الكفر و على فى الأصل للوجوب و استعير هاهنا لتأكيد الوعيد إذ لا يجب على اللّه شى ء فان الوجوب ينافى الالوهية- و اللّه تعالى اعلم.

﴿ ٠