سُورَةُ الْفَجْرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثُونَ آيَةً

مكيّة و هى ثلثون اية

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

وَ الْفَجْرِ اقسم اللّه تعالى بالفجر اى انفجار صبح كل يوم كذا روى ابو صالح عن ابن عباس و هو قول عكرمة و قال عطية هو صلوة الفجر و قال قتادة هو أول فجر المحرم ينفجر منه السنة و قال الضحاك فجر أول يوم من ذى الحجة لانه قرن به الليالى العشرة.

٢

وَ لَيالٍ عَشْرٍ تنكير للتعظيم روى عن ابن عباس انها العشر الاول من ذى الحجة و هو قول قتادة و مجاهد و الضحاك و السدى و الكلبي عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما من ايام أحب الى اللّه ان يتعبد فيها من عشر ذى الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة و قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر رواه الترمذي و ابن ماجة بسند ضعيف و قال ابو روق عن الضحاك هى العشر الاول من شهر رمضان و روى ابو ظبيان هى العشر الاخر من شهر رمضان و قد ذكرنا فضايل رمضان فى سورة البقرة و ايضا فى العشر الأخير ليلة القدر و سنذكرها فى سورة ليلة القدر إنشاء اللّه تعالى و قال ايمان بن رباب هى العشر الاول من المحرم التي عاشرها يوم عاشوراء عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللّه المحرم و أفضل الصلاة بعد الفريضة صلوة الليل رواه مسلم.

٣

وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ قرأ حمزة و الكسائي بكسر الواو و الباقون بالفتح قيل الشفع الخلق قال اللّه تعالى و خلقناكم أزواجا و الوتر الخالق الواحد روى ذلك عن ابى سعيد الخدري و هو قول عطية و العوفى

و قال مجاهد و مسروق نحوه فقال الخلق كله شفع يعنى يقابل بعضها بعضا قال اللّه تعالى و من كل شى ء خلقنا زوجين الكفر و الايمان و الهدى و الضلال و السعادة و الشقاوة و الليل و النهار و السماء و الأرض و البر و البحر و الشمس و القمر و الجن و الانس و الذكر و الأنثى و الوتر هو اللّه أحد سئل أبو بكر عن الشفع و الوتر قال الشفع تضاد أوصاف المخلوقين الحيوة و الموت و العز و الذل و العجز و القدرة و القوة و الضعف و العلم و الجهل و البصر و العمى و السمع و إليكم و الكلام و السكوت و الغنى و الفقر و الوتر انفراد صفات اللّه تعالى حيوة بلا موت و عز بلا ذل و قدرة بلا عجز و قوة بلا ضعف و علم بلا جهل و كلام بلا سكوت و غنا بلا فقر و قال الحسن و ابن زيد الشفع و الوتر الخلق كله شفع و منه وتر و روى قتادة عن الحسن قال هو العدد منه شفع و منه وتر قال هى الصلاة منها شفع و منها وتر روى ملك عن ابن حصين مرفوعا رواه احمد و الترمذي و عن عبد اللّه بن زبير الشفع النفر الاول من الحج و الوتر النفر الثاني قال اللّه تعالى فمن تعجل فى يومين فلا اثم عليه و قال مقاتل بن حيان الشفع الأيام و الليالى و الوتر يوم القيمة لا ليلة لها و قال الحسن الشفع درجات الجنة الثمان و الوتر درجات النار لانها سبع كانه اقسم بالجنة و النار.

٤

وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ إذا سار و ذهب كما قال و الليل إذا أدبر و قال قتادة إذا جاء و اقبل و انما قيد بذلك لما فى التعاقب من قوة الدالة على كمال القدرة و وفور النعمة المراد يسرى فيه من قولهم صلى المقام بمعنى صلى فيه و أراد بالليل كل ليلة

و قال مجاهد و عكرمة هى ليلة مزدلفة قرا ابن كثير يسرى بإثبات الياء وصلا و وقفا لانها لام الفعل فلا يحذف منه

و قرا نافع و ابو عمرو بالياء وصلا و بالحذف وقفا و الباقون بالحذف فى الحالين لوفاق روس الاى سئل الأخفش عن العلة فى سقوط الياء فقال الليل ما يسرى و لكن يسرى فيه فهو مصروف فلما صرف بحسبه صفة من الاعراب كقوله و ما كانت أمك بغيا و لم يقل بغية لانه صرف عنه باغية.

٥

هَلْ فِي ذلِكَ اى فيما ذكرت قَسَمٌ التنكير للتعظيم مقنع و يكتفى فى القسم و الاستفهام للتقرير و الجملة الاستفهامية معترضة لتفخيم شأن المقسم به فانه من عجائب قدرة اللّه تعالى و بدايع حكمته لِذِي حِجْرٍ ص اى لذى عقل سمى العقل بذلك لانه يحجر صاحبه عن القبائح و جواب القسم ان ربك لبالمرصاد و ما بينهما اعتراض جيئ لتاكيد الجواب او الجواب محذوف و هو لا هلكن هؤلاء الكفار ان لم يومنوا كما أهلكنا عاد او ثمود يدل عليه ما بعده.

٦

أَ لَمْ تَرَ استفهام لانكار النفي فهو للتقرير للاثبات و للتعجب و الروية هنا لمعنى اليقين و الجملة الاستفهامية بعده فى محل النصب بالمفعولية كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ كانوا أطول أعمارا و أشد قوى من هؤلاء الكفار يعنى اهلكهم و سلط عليهم ريحا دمرهم فكيف هؤلاء.

٧

إِرَمَ بدل او عطف بيان و منع الصرف للعلمية و العجمية و التأنيث و انها اسم قبيلة من عاد كان فيهم الملك و كانوا يموت و كان فى الأصل اسما لابى قبيلة و هو ارم بن عاد بن سام بن نوح عليه السلام و قال محمد بن اسحق هو جدعاء و هو عاد بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام و على هذا التقرير عاد سبط ارم و قال الكلبي ارم هو الذي يجتمع اليه نسب عاد و ثمود و اهل السواد و اهل الجزيرة كان يقال عاد ارم و ثمود ارم فاهلك اللّه عادا ثم ثمود و بقي اهل السواد و الجزيرة فعلى هذا الأقوال ارم اسم امة قال مجاهد ثم وصف تلك الامه بقوله ذاتِ الْعِمادِ ص اى ذات العدد و الطوال كذا قال ابن عباس يعنى كان طولهم مثل عماد قال مقاتل كان طولهم اثنى عشر ذراعا يعنى من ذراع النبي عليه السلام و قيل اكثر من ذلك و قيل سمى تلك الامة بذلك لانهم كانوا اهل اعمدة و خيام و ماشية سيارة فى الربيع فاذا أباح العود رجعوا الى منازلهم و كان اهل جنان و زروع و منازلهم بوادي القرى و قيل سموا ذات عماد لبناء بعضهم فشدا عمدة و رفع بنائه يقال بناء شداد بن عاد على صفة لم يخلق فى الدنيا مثله و سار اليه فى قومه فلما كان منه على مسيرة يوم و ليلة بعث اللّه عليه و على من معه صيحة من السماء فاهلكتهم جميعا و قال سعيد بن المسيب ارم ذات العماد بلدة يقال لها دمشق و قال القرطبي هى الاسكندرية فتقدير الكلام عاد اهل ارم ذات العماد اى ذات البناء الرفيع و أساطين.

٨

الَّتِي صفة اخرى لارم سواء كانت بلدة او قبيلة لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها اى مثل ذلك الامة فى القامة و القوة او مثل تلك البلدة فى رفعة البناء و الاستحكام و الحسن إليها فِي الْبِلادِ

٩

وَ ثَمُودَ عطف على عاد الَّذِينَ جابُوا اى قطعوا الصَّخْرَ واحدتها صخرة و هى الحجر كانوا ينحتون بيوتا بِالْوادِ ص اى بواد القرى اثبت ياء الوادي فى الحالين البذي و كذا روى عن قنبل و فى الوصل فقط ورش و قنبل و حذف الباقون فى الحالين لموافقة روس الاى.

١٠

وَ فِرْعَوْنَ عطف على ثمود ذِي الْأَوْتادِ ص قال ابن عباس و محمد بن كعب القرطبي اى ذى البناء المحكم و قيل المراد باوتاد الملك الشديد الثابت يقول العرب هم فى العز ثابت الأوتاد و يريدون الدائم الشديد و قال عطية ذى الجنود و الجوع الكثيرة و سميت الجنود الأوتاد لكثرة المضار التي كانوا يضربونها و يرتدونها فى أسفارهم و هى رواية عطية عن ابن عباس و قال مقاتل و الكلبي الأوتاد جمع الوتد و كانت له أوتاد يعذب الناس عليها فكان إذا غضب على أحد مده مستلقيا بين اربعة أوتاد و شد كل يدو كل رجل الى سارية و تركه كذلك فى الهواء بين السماء و الأرض حتى يموت

و قال مجاهد و مقاتل بن حيان كان يمد الرجل مستلقيا على الأرض ثم يمديديه و رجليه على الأرض بالأوتاد و قال السدى كان يمد الرجل و يشده بالأوتاد و يرسل عليه العقارب و الحيات و قال قتادة و عطاء كانت له أوتاد و أرسان و ملاعب يلعب عليها بين يدى روى البغوي بسنده عن ابن عباس ان فرعون سمى بذي الأوتاد لانه كانت له امرأة و هى امرأة خازنه حزقيل و كان مؤمنا و كتم إيمانه مائة سنة و كانت امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هى ذات يوم يمشط رأس بنت فرعون إذ سقط للشطه من يدها فقالت تعس من كفر باللّه فقالت بنت فرعون و هل لك من اله غير ابى فقالت الهى و اله أبيك و اله السموات و الأرض واحد لا شريك له فقامت و دخلت على أبيها و هى تبكى فقال ما يبكيك فقالت الماشطة امرأة خازنك تزعم ان إلهك و الهها و اله السموات و الأرض واحد لا شريك له فارسل إليها فسألها عن ذلك فقالت يوعدينى سبعين شهرا ما كفرت باللّه و كانت لها ابنتان فجاء ابنتها الكبرى فذبحها على فيها و قال لها اكفر باللّه و الا ذبحت الصغرى على فيك و كانت رضيعا فقالت لو ذبحت من على الأرض على فى ما كفرت باللّه عز و جل فاتى فلما أضجعت على صدرها و أرادوا ذبحها جزعت المرأة فاطلق اللّه لسان ابنتها فتكلمت و هى من الاربعة الذين تكلموا أطفالا فقالت يا أماه لا تجزعى فان اللّه قد بنى لك بيتا فى الجنة أميري فانك تفضين الى رحمة اللّه و كرامته فذبحت فلم تلبث ان ماتت فاسكنها اللّه الجنة قال و بعث فى طلب زوجها حزقيل فلما تقدروا عليه فقيل لفرعون انه قد راى فى موضع كذا فى جبل كذا فبعث رجلين فى طلبه فلما انتهيا اليه و هو يصلى و ثلثة صفوف من الوحوش خلفه يصلون فلما رأى ذلك انصرفا فقال حزقيل اللّهم كتمت إيماني مأية سنة و لم يظهر على أحد فايما هذين الرجلين اظهر علىّ فعجل عقوبته فى الدنيا و اجعل مصيره فى الاخرة الى النار فانصرف رجلان الى فرعون فاما أحدهما فاعتبروا من و اما الاخر فاخبر فرعون بالقصة على رؤس الملأ فقال و هل كان معك غيرك قال نعم فلان فدعا به فقال أحق ما يقول هذا قال لا ما رايت مما قال شيئا فاعطاه فرعون و أجزل و اما الاخر فقتله ثم صلبه و كان فرعون قد تزوج امرأة من أجمل نساء بنى إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاهم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت كيف يسعنى ان اصبر على ما يأتي فرعون و انا مسلمة و هو كافر فبينما هى كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبا منها فقالت يا فرعون أنت اشر الخلق و أخبثه عمدت الى الماشطة فقتلتها فقال فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي جنون و ان الهى و الهها و إلهك و اله السموات و الأرض واحد لا شريك له فمزق عليها ثيابها و ضربها و أرسل الى أبويها فدعاهما فقال لهما الا تريان ان الجنون الذي كان بالماشطة أصابها قالت أعوذ باللّه من ذلك انى اشهد ان ربى و ربك رب السموات و الأرض واحد لا شريك له فقال أبوها يا آسية الست من خير نساء عماليق و زوجك اله العماليق قالت أعوذ باللّه من ذلك ان كان ما تقول حقا فقولا له ان يتوجنى تاجا تكون الشمس امامه و القمر خلفه و الكواكب حوله فقال لهما فرعون اخرجا عنى فمدها بين اربعة أوتاد يعذبها ففتح اللّه لها بابا الى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة و نجنى من فرعون و عمله فقبض اللّه روحها و أسكنها فى الجنة انتهى و امرأة فرعون هذا هى التي منعت فرعون عن قتل موسى عليه السلام حين التقطه آل فرعون من اليم و قد ألقيها أمها بإذن ربها حين خافت القتل على موسى و ذكر القصة فى سورة القصص و قالت امرأة فرعون قرة عين لى و لك عسى ان ينفعنا و قد نفعها اللّه به حيث امنت.

١١

الَّذِينَ مجرور صفة للمذكورين او منصوب على الذم او مرفوع خبر مبتداء محذوف اى هم الذين طَغَوْا اى جاوزوا فى الحد و العصيان فِي الْبِلادِ متعلق بطغوا-.

١٢

فَأَكْثَرُوا عطف على طغوا فِيهَا اى فى البلاد الْفَسادَ بالكفر و الظلم.

١٣

فَصَبَّ عطف على طغوا و الفاء للسببية عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ اى عذابا مختلطا بعضها ببعض فهى اضافة صفة الى موصوفها كاخلاق ثياب و اصل السوط الخلط و منه يقال ال سوط للحد لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض و شبه بالسوط ما حل بهم فى الدنيا من العذاب اشعارا بانه بالقياس الى ما أعد لهم فى الاخرة من العذاب كالسوط إذا قبس بالسيف و قال قتادة يعنى سوطا من العذاب صبه عليهم و قال اهل المعاني هذا على الاستعارة لان السوط عندهم غاية العذاب فالمعنى انه دفع العذاب بهم على ابلغ الوجوه دفعة واحدة كما يشير به الصب.

١٤

إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ط جواب للقسم او مقرر بجواب محذوف و المرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد و كونه بالمرصاد كناية من انه تعالى يريد من العباد الطاعة و السمع لاجل الاخرة فيترصد أعمالهم و يحيط علمه بها بحيث لا يفوته شى ء منها كما لا يفوت ممن يرصد فى المرصاد من يمر بها يجازيهم عليها و الإنسان غافل عن ذلك لابيهم الا لدنيا و لذاتها و لذلك عطف عليه قوله.

١٥

فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ اى امتحنه بالغنى و اليسرى حتى يظهر انه يشكر المنعم او يكفر و الظرف متعلق بيقول فَأَكْرَمَهُ فى الدنيا بالجاه وَ نَعَّمَهُ بالأموال و الأزواج و الأولاد و غير ذلك بيان للابتلاء فَيَقُولُ اخبر للانسان و الفاء بمعنى الشرط فى افادته معلولية القول رَبِّي قرأ الكوفيون و ابن عامر بسكون الياء و الباقون بالفتح و كذا فى ربى أهانن أَكْرَمَنِ ط اى فضلنى بما أعطني اثبت الياء فى أكرمني و أهانني يعقوب و البزي وصلا و وقفا و نافع فى الوصل فقط و جر فيها ابو عمرو قياس قوله فى رؤس الآي يوجب حذفها فى الحالين قال ابو عمر الدالاني بذلك قرأت و به أخذوا و الباقون حذفها فى الحالين.

١٦

وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ اى امتحنه بالفقر حتى يظهر انه يصبر و يرجع الى اللّه تعالى او يحزع و يكفر من غير رجوع اليه تعالى فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ قرأ ابن عامر و ابو جعفر قدر بالتشديد و الباقون بالتخفيف فقيل اولى بمعنى قتر و الثاني بمعنى أعطاه ما يكفيه و قيل معناهما واحد اى ضيق و لم يقل هاهنا اهانه و قدر عليه رزقه كما قال هناك فاكرمه و نعمه لان توسعته المال فى الدنيا تفضل يوجب الشكر و قد يكون موجبا للاكرام فى الاخرة ايضا عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا حسد الأعلى اثنين رجل أتاه اللّه القران فهو يقوم به اناء الليل و اناء النهار و رجل أتاه مالا فهو ينفق منه اناء الليل و اناء النهار متفق عليه و اما التقتير فلا يكون اهانة فقط فَيَقُولُ الإنسان رَبِّي أَهانَنِ و يقول ذلك لقصور نظره على الدنيا و انهماكه فيها قال الكلبي و مقاتل نزلت فى امية ابن خلف الجمحي الكافر و اللّه تعالى اعلم.

١٧

كَلَّا اى ليس الأمر كما يقول فان الغنى و النعماء الدنيوية قد يكون استدراجا من اللّه إذا لم يقترن بالشكر بل مع الشكر ايضا لا تقبل عند اللّه للغنى الشاكر على الفقير الصابر عند مصعب بن سعد قال راى سعد ان له فضلا على من دونه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل تنصرون و ترزقون الا بضعفائكم رواه البخاري و عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان فقراء المهاجرين اسبقون الأغنياء يوم القيمة الى الجنة بأربعين خريفا رواه مسلم و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام و نصف يوم رواه الترمذي و الفقر و الضعف إذا اقترن بالصبر و الرضا يكون نعمة لا اهانة عن قتادة بن النعمان ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا أحب اللّه عبدا حماه الدنيا كما بطل أحدكم تحمى سقيمه الماء رواه احمد و الترمذي و فى الباب أحاديث كثيرة بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ بالنفقة و لا تحبون اليه مع ان اللّه تعالى أكرمكم بالغنى و قيل لا تعطونه حقه عطف على يقولون يعنى بل قولهم دال على انهماكهم فى الدنيا حيث لا يكرمون اليتيم قال مقاتل كان قدامة بن مظعون يتيما فى حجر امية بن خلف فكان يدفعه عنه حقه قرا ابو عمرو لا يكرمون و لا يحضون و يأكلون و يحبون بالياء على الغيبة و الضمير راجع الى الإنسان نظرا الى معناه الجمعى من حيث كونه جنسا و ما سبق من الضمائر المفردة راجع اليه نظرا الى لفظه و الباقون الافعال الاربعة بالتاء الخطاب إليهم على سبيل الالتفات.

١٨

وَ لا تَحَاضُّونَ قرأ الكوفيون بالألف بعد الحاء من التفاعل بحذف أحد التاءين اى لا يحض بعضكم بعضا و الباقون بغير الالف اى لا تحضون غيركم عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ فضلا ان تطعموا من أموالكم.

١٩

وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ اى الميراث أصله الوارث أَكْلًا لَمًّا اى ذا لم اى جمع بين الحلال و الحرام كانوا يأكلون مع أبضاعهم ابضاع ضعفاء من النساء و الصبيان قال ابن زيد الاكل اللم الذي يأكل شيئا يجده لا يسال عنه إحلال أم حرام و قيل يأكلون ما جمعه المورث من حلال و حرام عالمين بذلك.

٢٠

وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا اى كثيرا مع حرص و شره.

٢١

كَلَّا ردع عما يفعلون و قال مقاتل اى لا يفعلون ما أمروا به او هو بمعنى حقا تحقيقا لما يذكر بعده من الوعيد و يخبر عنه تحسرهم حين لا ينفعهم الحسرة إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا اى زلزالا بعد زلزال حتى تنكسر ما عليها من الجبال و الأشجار و الابنية و صارت هباء منبثا.

٢٢

وَ جاءَ رَبُّكَ عطف على دكت و هى من المتشابهات و قد ذكرنا ما فيها من القول السلف و الخلف و اصحاب القلوب فى سورة البقرة فى قوله تعالى ان يأتيهم اللّه فى ظلل من الغمام وَ الْمَلَكُ اللام للجنس اى و جاءت الملائكة صَفًّا صَفًّا ج حال من الملك اى جاؤا يصفون صفا بعد صف اخرج ابن جرير و ابن المبارك عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة امر اللّه سبحانه السماء الدنيا فنشققت باهلها فتكون الملائكة على حافاتها حين يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض و من عليها ثم الثانية ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فصفوا صفا دون صف ثم ينزل الملك الا على بجنبه اليسرى جهنم فاذا أراها اهل الأرض فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض الا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فرجعوا الى مكان الذي كانوا فيه و ذلك قوله تعالى انى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين الاية و ذلك قوله تعالى و جاء ربك و الملك صفا صفا و جئ يومئذ بجهنم و قوله تعالى يا معشر الجن و الانس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السموات و الأرض الاية قوله تعالى و انشقت السماء فهى يومئذ واهية و الملك على أرجائها يعنى ما تشقق منها فبينما كذلك إذ سمعوا الصوت فأقبلوا الى الحساب.

٢٣

وَ جِي ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ عطف على جاء اخرج مسلم و الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوتى بجهنم يومئذ لها سبعون الف زمام مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها

و اخرج ابن وهب فى كتاب الأهوال عن زيد بن اسلم قال اتى جبرئيل الى النبي صلى اللّه عليه و سلم لتكسر الطرف فساله على رضى اللّه عنه فقال أتاني جبرئيل فقال لى كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَ جِي ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ بما تقاد سبعين الف زمام تقاد سبعين الف ملك فبينما هم إذا خردت انفلتت من أيديهم فلو لا انهم أدركوها لاحرقت من فى الجمع فاخذوها قال القرطبي يجاء بها من المحل الذي خلقها اللّه فيه فيدار بأرض الحشر لا يبقى للجنة طريق الا الصراط

و اخرج ابو نعيم عن كعب قال إذا كان يوم القيامة فنزلت الملائكة فصاروا صفوفا فيقول اللّه لجبرئيل ايت بجهنم فياتى بها تقاد سبعين زماما حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مأية عام زفرت طارت بها افئدة الخلائق ثم زفرت الثانية فلا يبقى ملك مقرب و لا نبى مرسل إلا جثى لركبته ثم تزفر الثالثة فبلغ القلوب الحناجر و تزيل العقول فيفزع كل امرؤ عمله حتى ابراهيم يقول بخلتي لا أسئلك الا نفسى و يقول موسى بمناجاتي لا أسألك الا نفسى و قال عيسى بما أكرمني لا أسألك الا نفسى و لا أسألك مريم التي ولدتني و محمد صلى اللّه عليه و سلم يقول أمتي أمتي لا أسئلك اليوم نفسى فيجيب جل جلاله ان الأولياء من أمتك لا حوف عليهم و لا هم يحزنون فو عزتى لا قرن عينيك فى أمتك فقم تقف الملائكة بين يدى اللّه ينتظرون ما يومرون يَوْمَئِذٍ بدل من إذا دكت اى يوم إذا دكت الأرض و جئ بجهنم و العامل يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ الكافر الذي قال ربى أكرمن ربى أهانن على سراء الدنيا و ضرائها جزاء بمعنى الشرط فى الظرف اى يتذكر معاضيه بتعظ و يتوب وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرى ط استفهام للانكار اى ليس له منفعة الذكر فان من شرط قبول التوبة الايمان بالغيب.

٢٤

يَقُولُ ذلك الإنسان تحسرا جملة مستانفة كانه فى جواب فما يصنع حين يتذكر يا لَيْتَنِي يعنى يقول يا ليتنى قَدَّمْتُ فى الدنيا أعمالا صالحا لِحَياتِي ج التي لا ينطلق إليها الموت او اللام بمعنى الوقت و المعنى يا ليتنى قدمت الأعمال الصالحة وقت حياتى فى الدنيا.

٢٥

فَيَوْمَئِذٍ عطف على يومئذ السابق و الظرف متعلق بما بعده لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ منصوب بنزع الخافض اى كعذابه و كذا وثاقه أحد أَحَدٌ

٢٦

وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ قرأ الكسائي و يعقوب لا يعذب و لا يوثق بفتح العين على البناء للمفعول اى لا يعذب أحد من الناس يعنى عصاة المؤمنين كعذاب ذلك الإنسان اى الكافر ان كان المراد بالأمم الجنس او المعنى لا يعذب أحد كعذاب ذلك الإنسان المعهود و هو امية بن خلف و لا يوثق أحد فى السلاسل و الاغلال كوثاقه و الباقون بكسر العين فيهما على البناء للفاعل و حينئذ الضمير المجرور فى عذابه و وثاقه اما راجع الى اللّه سبحانه و الاضافة الى الفاعل اى لا يتولى عذاب اللّه و وثاقه يوم القيمة أحد سواه و الأمر يومئذ كله للّه اى و الإنسان الكافر و الاضافة اى المفعول اى لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه أحدا و على هذا التأويلات يومئذ متعلق بلا يعذب و لا يوثق على سبيل التنازع و المعنى لا يعذب أحد أحدا من الأزل الى الابد كعذاب اللّه يومئذ و لا يوثق أحد أحدا من الأزل الى الابد كوثاق اللّه يومئذ فيومئذ و حينئذ متعلق بالمصدر اى عذابه وثاقه.

٢٧

يا أَيَّتُهَا بتقدير يقال جملة مستانفة كانه فى جواب السائل انما ذكر شان الكفر فما شان المؤمن فقال و تقديره يقال للمومنين يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ فى ذكر اللّه تعالى و طاعته كما تطمئن السمكة فى الماء و ذلك الاطمينان لا يتصور الا بعد زوال صفاتها الرذائل الموجبة لكونه امارة بالسوء و زوال تلك الصفات لا يمكن الا بتجليات صفات اللّه الحميدة الحسناء و فنائها فيها و بقائها فتصير حينئذ مومنة ايمانا حقيقيا كما ان الكلب لا يمكن طهارته الا بوقوعه فى الملح و فنائه فيها و بقائه بصفات الملح حتى يصير حلالا طيبا.

٢٨

ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ اى الى ذات البحت بلا حجب الأسماء و الصفات راضِيَةً باللّه ربا و بالإسلام دينا و بمحمد رسولا و بما قدر اللّه لها حال من فاعل ارجعي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذاق طعم الايمان من رضى باللّه ربا و بالإسلام دينا و بمحمد رسولا متفق عليه و ذاق طعم الايمان المراد به هو الايمان الحقيقي مَرْضِيَّةً ج فان رضا العبد باللّه موجب لرضاء اللّه سبحانه عنه بل رضاء العبد اثر لرضائه تعالى و دليل عليه قال الحسن إذا أراد اللّه قبضها اطمأنت و رضيت عن اللّه و رضى اللّه عنها عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقائه و من كره لقاء اللّه كره اللّه لقائه فقالت عائشة او بعض أزواجه انا نكره الموت فقال ليس ذلك و لكن المؤمن إذا حضره الموت يبشر برضوان اللّه و كرامته فليس شى ء أحب اليه مما امامه فاحب لقاء اللّه فاحب اللّه لقاءه و اما الكافر إذا حضره الموت يبشر بعذاب اللّه و عقوبته فليس شى ء اكره اليه مما امامه فكره لقاء اللّه و كره اللّه لقائه متفق عليه و فى رواية عائشة و الموت قبل لقاء اللّه و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا حضر المؤمن الموت أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجى راضية مرضية عنك الى روح اللّه و ريحانه و رب غير غضبان فيخرج كاطيب ريح المسك حتى انه ليناوله بعضه بعضا حتى يأتوا به أبواب السماء فيقولون ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض فياتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائب يقدم عليه فيسئلوا ماذا فعل فلان فيقول دعوه فانه كان فى غم الدنيا فيقول قد مات اما أتاكم فيقولون قد ذهب به الى امه الهاوية و ان الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون اخرجى ساخطة مسخوطا إليك اى عذاب اللّه عز و جل فتخرج كانتن ريح جيفة حتى يأتون به الى باب الأرض فيقولون ما أنتن هذه الريح حتى يأتون به أرواح الكفار رواه احمد و النسائي و فى رواية ابن ماجة نحوه و فيه ثم يعرج بها اى بالمؤمنة الى السماء فيفتح لها فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت فى الجسد الطيب الحديث و قال فى النفس الكافر ثم يعرج بها الى السماء فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت فى الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فانها لا يفتح لك أبواب السماء ثم ترسل من السماء ثم يصير الى القبور و فى الباب أحاديث كثيرة و اختلفوا فى وقت هذا المقالة فقال قوم يقال لها ذلك عند الموت كما دلت عليه الأحاديث و قال ابو صالح فى قوله ارجعي الى ربك راضية مرضية قال هذا عند خروجها من الدنيا فاذا كان يوم القيمة قيل فادخلى فى عبادى و ادخلى جنتى و قال آخرون انها يقال لها ذلك عند البعث ارجعي الى ربك و ادخلى فى أجساد عبادى يعنى جسدك فيامر اللّه تعالى الأرواح ان ترجعى الى الأجساد و هذا قول عكرمة و عطاء و الضحاك و رواية العوفى عن ابن عباس و قال الحسن معناه ارجعي الى ثواب ربك و كرامة راضية من اللّه تعالى بما أعد اللّه مرضية رضى عنها ربها فادخلى فى عبادى اى مع عبادى جنتى قلت سياق الاية يؤيد هذا القول يعنى انها يقال عند البعث لان اللّه ذكر حال الكفار عند البعث بقوله فيومئذ لا يعذب عذابه إلخ فكذلك ذكر ما يقال للمؤمنين يومئذ و الأحاديث المذكورة يؤيد القول الاول و الجمع بينهما انه يقال فى الوقتين جميعا عند الموت و عند البعث بل التحقيق ان استحقاق هذا الخطاب يحصل للنفس فى الدنيا حصول الاطمينان فيقال لها ارجعي الى ربك اى مدارج قربه و تجلياته الذاتية راضية مرضية.

٢٩

فَادْخُلِي فِي عِبادِي اى فى جملة عبادى الصالحين الذين سال سليمان عليه السلام الدخول فيهم فقال و أدخلني برحمتك فى عبادك الصالحين و سال يوسف عليه السلام اللحوق بهم حيث قال توفنى مسلما و الحقنى بالصالحين و قال اللّه تعالى فيهم لابليس ان عبادى ليس لك عليهم سلطان و الفاء فى فادخلى للسببية فان اطمينان النفس و كونها راضية مرضية سبب لخلوص العبودية للّه سبحانه و ذلك رقبة عن رقبة الالهية الباطلة الهوائية و وساوس الخناسية قال اللّه تعالى أ فمن اتخذ الهه هواه و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نفس عبد الدينار و الدراهم و القطيفة و الخميسة الحديث.

٣٠

وَ ادْخُلِي جَنَّتِي ع اضافة الجنة الى اللّه سبحانه يقتضى خصوصا تلك الجنة من بين الجنات كما لا يخفى

قال البغوي قال سعيد بن جبير مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طاير لم ير على خلقه فدخل نعشه ثم لم نر خارجا منه فلما دفن تليت هذه الاية على شعير القبر لم يدر من تلاها يايّتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى و ادخلى جنتى

و اخرج ابن ابى حاتم عن بريدة فى قوله تعالى يايتها النفس المطمئنة إلخ قالت نزلت فى حمزة رضى اللّه عنه

و اخرج من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قال من اشترى هذه الامة يستعذب بها غفر اللّه له فاشتر بها عثمان يايتها النفس المطمئنة الاية

(فائده) قال بعض الصوفية تاويل هذه الاية يايتها النفس المطمئنة الى الدنيا ارجعي الى ربك بترك الدنيا و السلوك اليه فى الطريق الصوفية- و اللّه تعالى اعلم.

﴿ ٠