سُورَةُ الْبَلَدِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ عِشْرُونَ آيَةً

مكيّة و هى عشرون اية

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

لا زايد لتاكيد القسم اشارة الى وضوح المقسم بحيث استغنى عن القسم أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ يعنى مكة.

٢

وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ الجملة حال من المقسم به اقسم اللّه سبحانه بمكة مقيدا بحلوله صلى اللّه عليه و اله و سلم اظهار المزيد فضائلها بشرف المتمكن على فضل لها فى نفسها قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لمكة ما اطيبك من بلد و أحبك الى اللّه و لو لا ان قومى أخرجوني منك ما سكنت غيرك رواه الترمذي عن ابن عباس و قال حديث حسن صحيح غريب اسنادا و كذا روى الترمذي و ابن ماجة عن عبد اللّه بن عدى بلفظ و اللّه انك لخير ارض اللّه و أحب ارض اللّه الى اللّه و لو لا انى أخرجت منك ما خرجت و قيل معنى مستحل لاخراجك فيه كما يستحل تعرض الصيد فى غيرها و الجملة معترضة لذم الكفار بهذا البلد فيستحلون اخراجك و قتلك فان اللّه سبحانه اقسم بمكة إظهارا لتحريمها و شرفها ثم قال و أنت مستحل فى زعم الكفار بهذا البلد فيستحلون اخراجك و قتلك مع انهم يحرمون قتل الصيد فيها و قيل معناه و أنت حلال ان تصنع فيه ما تريد من قتل و اسر ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم فهو وعد بما أحل اللّه له مكة يوم الفتح حتى قاتل فيه و امر بقتل عبد اللّه بن حنظل و هو متعلق بأستار الكعبة و مقيس بن خبابة و غيرهما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه اللّه يوم خلق اللّه السموات و الأرض فهو حرام بحرمة اللّه تعالى الى يوم القيمة و انه لن يحل القتال فيه لاحد قبلى و لم يحل لى الا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة اللّه الى يوم القيمة لا يعضد شوكه و لا ينفر صيده و لا يلتقط لقيطه الا من عرفها و لا يختلا خلاها الحديث متفق عليه.

٣

وَ والِدٍ عطف على بلد و المراد آدم و ابراهيم عليهما السلام او اى والد كان وَ ما وَلَدَ ذريته آدم عليه السلام او الأنبياء من أولاد ابراهيم عليه السلام او محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم و التنكير للتعظيم و إيثار ما على من لمعنى التعجب كما فى قوله و اللّه اعلم بما وضعت و جواب القسم.

٤

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اللام للجنس او للعهد على ما قيل انها نزلت فى ابى الأشر اسمه أسيد بن كلدة بن حج و كان شديدا قويا يصنع الأديم العكاظي تحت قدميه فيقول من ازالنى عنه فله كذا و كذا فلا يطاق ان ينزع من تحت قدميه الا قطعا و يبقى موضع قدميه فِي كَبَدٍ على تقدير كون المراد من الإنسان الجنس فالمراد من كبد النصب و المشقة كذا روى عن ابن عباس و قتادة قال عطاء عن ابن عباس فى شدة حمله و ولايته و رضاعته و قطامه و معاشه و حيوته و موته و قال عمرو بن دينار منه نبات أسنانه قلت و ما ذكر من المكابد يشارك فيها الإنسان و غيره من الحيوانات فتخصيصه بالذكر لاجل عقله و شعوره فان مشقة تحمل المكايد مع كمال الشعور أشد منها ما كان و عندى ان المراد بالمكابد حمل ميثاق الامانة التي ابى عن تحملها السموات و الأرض و الجبال و حملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا فان ادى ما وجب فاز و يتوب اللّه على المؤمنين و المؤمنات و ان صبها تردى فى مكابد الاخرة ليعذب اللّه المنافقين و المنافقات و الكافرين و الكافرات فعلى هذا النظير الاية فى المعنى قوله تعالى و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون و فيه تسلية للنبى صلى اللّه عليه و سلم على تحمل المكابد من قومه فيما وجد عليه من التبليغ و قال مقاتل بناء على نزول الاية فى ابى الأشد ان معنى فى كبد فى قوة و شدة.

٥

أَ يَحْسَبُ الضمير راجع الى الإنسان و الاستفهام للانكار و التوبيخ فان كان المراد بانسان المعهود يعنى ابى الأشد فظاهر ان اللّه سبحانه أنكر على اغتراره و بقوله و ان كان المراد به الجنس فالضمير راجع اليه باعتبار بعض افراده و هو الذي كان النبي صلى اللّه عليه و سلم فى كبد منه اكثر من غيره و هو ابو الأشد و قيل الوليد بن مغيرة أَنْ لَنْ يَقْدِرَ ان مخففة من المثقلة اسمها ضمير الشان محذوف و الجملة قائمة مقام المفعولين ليحسب عَلَيْهِ أَحَدٌ نكرة موضع النفي للعموم كان ابو الأشد يزعم انه لا يقدر عليه ملائكة العذاب او المراد به الأحد الصمد يعنى أ يحسب ابو الأشد انه لا يقدر عليه اللّه الذي خلقه بهذه القوة فلا ينتقم منه.

٦

يَقُولُ ذلك الإنسان حال من فاعل يحسب و مقولة القول أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً ط اى كثرا جمع لبدة و هى ما تلبد و كثر و اجتمع لعله كان يذكر كثرة إنفاقه مفاخرة و رياء او بعد ما أنفق فى معادات النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى يعترف بفضله كفار قريش أعدائه صلى اللّه عليه و سلم.

٧

أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بل اللّه سبحانه يراه حين أنفق رياء و فى معادات النبي صلى اللّه عليه و سلم فيسأل من اين اكتسبه و اين أنفقه فيجازيه و ينتقم منه كذا قال سعيد بن جبير و قتادة و قال الكلبي انه كان كاذبا فى افتخاره و قوله أنفقت كذا و كذا لم يكن أنفق جميع ما قال و هذه الجملة بعد قوله أ يحسب ان لن يقدر عليه أحد تأكيد التوبيخ و الإنكار بمنزل النكير ثم عد اللّه سبحانه نعمه ليقره و ليكون دليلا و تقريرا على كون اللّه سبحانه مقتدرا على انتقامه فقال.

٨

أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يبصر بهما.

٩

وَ لِساناً يتكلم به وَ شَفَتَيْنِ ليستر بهما فاه و يستعين بهما على النطق و الاكل و الشرب و النفخ

قال البغوي جاء فى الحديث ان اللّه عز و جل يقول ابن آدم ان نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فاطبق و ان نازعك بصرك على ما حرمت عليك فقد امنتك عليه بطبقتين فاطبق و ان نازعك فرجك اى ما حرمت عليك فقد أعنتك بطبقتين فاطبق.

١٠

وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ج يعنى الثديين كذا روى محمد بن كعب عن ابن عباس و هو قول سعيد بن المسيب و الضحاك و قال اكثر المفسرين طريقى الخير و الشر و الحق و الباطل و الهدى و الضلال يعنى أظهرنا له الخير من الشر بايجاد العقل فيه و إرسال الرسل فمن ضل و اختار طريق الشر بعد ذلك فلا عذر له.

١١

فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قيل لا هاهنا ليس على معناها فانها لا تدخل على الماضي الا مكررا فهى بمعنى هلا و المعنى فهلا اقتحم العقبة بانفاق ماله فيما يجوز به العقبة من الطاعات فيكون خيرا له من إنفاقه فى عداوة النبي صلى اللّه عليه و سلم و الجملة معطوف يقال أهلكت مالا لبدا و قيل هاهنا تكرار تقدير التعدد معنى العقبة فكان تقديره فلا فك رقبة و لا اطعم مسكينا و لا كان من الذين أمنوا فلا هاهنا بمعناها و الجملة معطوف على جواب القسم يعنى لقد خلقنا الإنسان فى كبد التكليفات فلا اقتحم ما كلف به دكان عليه الاقتحام و إتيان ما خلق لاجله او معطوفة على مضمون الم نجعل له عينين و لسانا و شفتين و هديناه النجدين فلا اقتحم العقبة بإتيان الطاعات حتى يكون شكر النعم و صرفا للنعمة فيما ينبغى و العقبة فى الأصل الطريق فى الجبل استعير هاهنا لمشاق التكاليف و اقتحامها الدخول فيها و هذا معنى قول قتادة و قيل اقتحامها التجاوز عنها و الخروج من عهدة ما وجب عليه فانه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها و اشتغال الذمة بالواجبات بالغفلة فاذا أعتق رقبة او اطعم مسكينا يزكوة ماله كان كمن اقتحمها و جاوز عنها روى عن ابن عمران هذه العقبة جبل فى جهنم و قال الحسن و قتادة عقبة شديدة فى النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة اللّه

و قال مجاهد بطاعة اللّه و قال المجاهد و الضحاك و الكلبي هى الصراط على جهنم كحد السيف مسيرة ثلثة آلاف سنة سهلا و صعودا و هبوطا و ان لجنبيه كلاليب و خطاطيف كانها شوك السعدان فناج مسلم و ناج مخدوش و مكدوس فى النار منكوس فمنهم من يمر كالبرق و منهم من يمر كالريح العاصف و منهم من يمر كالفارس و منهم من يمر كالراجل و منهم من يزحف و منهم كالزالون و منهم من يكردس فى النار فقال ابن زيد يقول فهلا يسلك الطريق التي فيه النجاة ثم بين ما هى فقال ما أدريك.

١٢

وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ ط فانك لم تدر صعوبتها على النفس و كثرة ثوابها و قال سفيان ابن عيينة كل شى ء قال و ما أدريك فانه اخبر به و ما قال و ما يدريك فانه لم يخبر به انتهى فان كان المراد بالعقبة الطاعات فلا حاجة الى التقدير و ان كان المراد به ثقل الذنوب فالتقدير ما أدريك ما اقتحام العقبة و الخروج عنها.

١٣

فَكُّ رَقَبَةٍ

١٤

أَوْ إِطْعامٌ قرأ ابن كثير و ابو عمرو الكسائي فك بفتح الكاف على الماضي و رقبة بالنصب على المفعولية و اطعم بفتح الهمزة على الماضي بناء على انه بدل من اقتحم او بيان له و ما أدريك ما العقبة اعتراض و الباقون بضم الكاف و رقبة بالجر على الاضافة و اطعام بالتنوين على المصدر بناء على انه خبر مبتداء محذوف اى هى فك رقبة و المراد بفك الرقبة أعم من الإعتاق و من ان يعين فى ثمنها يريد عتقها او يعين المكاتب او معتق البعض فى فك رقبتها عن البراء بن عازب قال جاء أعرابي الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال علمنى عملا يدخلنى الجنة قال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة و فك الرقبة قال او ليسا واحد قال لاعتق النسمة ان تفرد بعتقها و فك الرقبة ان تعين فى ثمها و المنحة الوكوف و الفي ء على ذى الرحم الظالم فان لم تطق ذلك فاطعم الجائع واسق الظمآن و امر بالمعروف و انه عن المنكر فان لم تطق ذلك فكف لسانك الا من خير رواه البيهقي فى شعب الايمان عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أعتق رقبة مسلمة أعتق اللّه بدل عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه متفق عليه و قال عكرمة قوله فك رقبة يعنى من الذنوب بالتوبة.

فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ

١٥

يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ.

١٦

أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ المسغبة و المتربة و المقربة مفعلات من مسغب إذا جاع و قرب فى النسب و الترب إذا أفقر اى التصق بالتراب بشدة الحاجة و وصف اليوم لمسغبة مجازى و الظرف متعلق باطعام و انتصب على المفعولية يتيما و مسكينا.

١٧

ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على اقتحم أو فك و عطفه بثم لتباعد الايمان عن العتق و الإطعام بالرتبة و استقلاله و اشتراط الطاعات به وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ عن المعاصي و على الطاعة و المصائب وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ عباد اللّه او بموجبات رحمة اللّه.

١٨

أُولئِكَ اشارة الموصوفين بتلك الأوصاف أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ط اى اصحاب اليمين و البركة فى أنفسهم و الجملة مستانفة كانه فى جواب ما شان من اقتحم.

١٩

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا الذي نصبنا دلايل على الحق من كتاب و حجة او بالقران هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ اى اصحاب الشمال او الشوم و التكرير ذكر المؤمنين بالاشارة و الكفار بالضمير الشان لا يخفى.

٢٠

عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ مطبقة من أوصدت الباب إذا طبق او اغلق قرا حفص و ابو عمرو حمزة و هناد فى سورة الهمز بالهمزة و همزة إذا وقف أبدلها واوا و الباقون بغير همزة و هما لغتان- و اللّه تعالى اعلم.

﴿ ٠