سُورَةُ الْاِنْشِرَاحِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانِي آياَتٍ

مكية و هى ثمان آيات

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ هذه الجملة و ما بعدها على ما روى البغوي عن ابن عباس متصل بقوله تعالى الم يجدك يتيما فاوى الى قوله تعالى فاغنى فان صح تلك الرواية فذلك و الا فالظاهر ان هذه السورة ايضا نازلة فى مثل تلك الحالة بعد سوال من النبي صلى اللّه عليه و سلم محققا او مقدرا و معنى الاية على مثل ما سبق شرحنا لك صدرك حتى اتسع فى صدرك من العلوم الحقة و المعارف الدينية المبصرة بنور اللّه تعالى ما لا سبيل إليها لعقل العقلاء و اجمع فيه التوجه الى اللّه تعالى و الحضور التام مع التوجه الى الخلق لاجل الدعوة فى مرتبة النزول فليس لك فى حالة النزول انقطاعا عن اللّه تعالى فى الحقيقة حتى تغتم به و شرح الصدر قد وقع للنبى صلى اللّه عليه و سلم فى مرتبة العيان مرتين مرة فى صباه كما روى مسلم عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتاه جبرئيل و هو يلعب فى الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله فى طشت من ماء الزمزم ثم لأمه و إعادة فى مكانه و جاء الغلمان يسعون الى امه اى ظئره فقالوا ان محمدا قد قتل فاستقبلوه و هو منتقع اللون قال انس فكنت ارى اثر المخيط فى صدره و مرة ثانية ليلة المعراج كما فى الصحيحين عن انس قال كان أبو ذر يحدث ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ذكر ايضا قصة المعراج و فيه فنزل جبرئيل ففرج صدرى ثم غسله بماء الزمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلى حكمة و ايمانا فافرغه فى صدرى ثم اطبقه و فى رواية فى الصحيحين عن انس عن مالك بن صعصعة ان نبى اللّه حدثهم فشق ما بين هذه الى هذه يعنى من ثغرة نحره الى شعرته فاستخرج قلبى ثم أتيت بطست من ذهب مملو ايمانا فغسل قلبى ثم حشى ثم أعيد و فى رواية ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملى ايمانا و حكمة الحديث قلت و العلقة التي أخرجت من قلب النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم هى رزائل العناصر و النفس و القلب الداعية للنفس على كونها امارة بالسوء و باعثة للجوارح على المعاصي ثم عطف على شرحنا لك صدرك المفهوم من الم نشرح قوله تعالى.

٢

وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الوزر فى الأصل الجبل قال اللّه تعالى كلّا لا وزر يعنى جبل هناك يلتجى اليه و المراد هاهنا الثقل على سبيل الاستعارة و ذلك الثقل اما ان يراد به غم الفراق و توهم الوداع الذي احزن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و انقض ظهره فزال اللّه سبحانه ذلك الغم و الحزن بانزال الآيات من سورة الضحى و الم نشرح حتى سكن للنبى صلى اللّه عليه و اله و سلم جاشه و استقر نفسه و علم ان ذلك الفراق ليس على سبيل الوداع و القلى بل لحكمة و منفعة فعد اللّه سبحانه ازالة هذا النعم من النعم و اما ان يراد به ثقل التكاليف الشرعية من دعوة الحق و تبليغ الاحكام و إتيان ما امر اللّه به و انتهاء كل ما نهى فان التكاليف الشرعية شاق إتيانها الم تر ان السموات و الأرض و الجبال أبين ان يحملنها و أشفقن منها و قال اللّه تعالى و انها لكبيرة الا على الخاشعين فلما شرح اللّه صدره صلى اللّه عليه و سلم للايمان و الحكمة و أزال عنه حظ الشيطان و رزائل النفس التي جبلت عليها النفوس صارت التكاليف الشرعية له صلى اللّه عليه و اله و سلم طبيعته و مرغوبة و محبوبة حتى قال و جعلت قرة عينى فى الصلاة و هذه المرتبة التي عبر اللّه سبحانه عنها بوضع الوزر يسمونها الصوفية بالايمان الحقيقي و هذا هو المعنى من قولهم بسقوط التكليف عن الصوفي و هذه المرتبة العليا اعنى شرح الصدر و وضع الوزر حصلت للنبى صلى اللّه عليه و سلم ظاهرا و عيانا كما روينا و تحصل لاولياء أمته بوراثته باطنا بحيث يظهر فى المثال و ذلك بعد فناء النفس و زوال العين و الأثر و هناك يحكم الصوفية العلمية و يبشرون بشرح الصدر و الايمان الحقيقي كذا قال المجدد رض و استعدنا من المشائخ الكرام عليهم الرحمة و الرضوان و ما قال عبد اللّه بن يحى و ابو عبيدة يعنى حققنا عنك أعباء النبوة و القيام بامرها يناسب التأويل الثاني مما

قلنا و ما ذكرنا من التأويلين اولى مما قيل ان معناه خططنا عنك ما سلف منك فى الجاهلية من الزلات لان النبي صلى اللّه عليه و سلم ارفع شانا من ان يصدر عنه زلة و ما قيل المراد بالوزر ترك الأفضل مع إتيان الفاضل و غيرها من التكلفات.

٣

الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ اى أثقله فاوهنه حتى سمع له نقيض اى صوت مثل صوت الرجل عند ثقل الحمل صفة الوزر فان كان المراد من الوزر غم الفراق كما ذكرنا اولا فلا حاجة الى التكلف و التأويل فأنه كان انقض ظهره و ان كان المراد به كلفة التكليف كما ذكرنا ثانيا فمعناه لو لا شرحنا صدرك و وضعنا وزرك انقض كلفة التكليف ظهرك و لم تستطع إذا ما وجب عليك حق ادائه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لو لا اللّه ما اهتدينا و لا تصدقنا و لا صلينا يعنى لو لا فضل اللّه و لما كان كلفة التكليف موجبا لنقض الظهر فى الدنيا مانعا عن إتيان الواجبات أورد النقض بصيغة الماضي كما قيل مع كون النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم معصوما كان المناسب حينئذ إيراد صيغة المستقبل فان المعاصي لا تنقض الظهر الا فى الاخرة حين يجازى عليها.

٤

وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ط روى البخاري عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم انه سال جبرئيل عن هذه الاية و رفعنا لك ذكرك قال اللّه تعالى إذا ذكرت ذكرت معى قلت هذه الاية و الحديث يقتضى ان الملأ الأعلى إذا يذكرون اللّه تعالى يذكرون معه محمدا صلى اللّه عليه و اله و سلم و قد سبق انه مكتوب على ساق العرش و قد مر فى سورة البروج ما روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال ان فى صدر اللوح لا اله الا اللّه وحده دينه الإسلام و محمد عبده و رسوله الحديث قال عطاء عن ابن عباس يريد الاذان و الاقامة و التشهد و الخطبة على المنابر و لو ان عبدا عبد اللّه و صدقه فى كل شى ء و لم يشهد ان محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم ينفع بشئ و كان كافرا قال الحسان ابن ثابت رض أعز عليه بالنبوة خاتم من اللّه مشهود يلوح و يشهد و ضم الإله اسم النبي باسمه إذا قال فى الخمس الاذان اشهد فشق له من اسمه لحله فذو العرش محمود ذاك محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم و قيل رفعه بأخذ ميثاقه على النبيين و الزمهم الايمان به و الإقرار بفضله.

٥

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ الذي أنت فيه يُسْراً عظيما فان تنكيره للتعظيم و هذه الجملة واقع موقع التعليل المحذوف تقديره لا تحزن على ما أصابك من العسر فان مع العسر يسرا انّ مع العسر يسرا قيل التنكير لتاكيد الوعد و تعظيم الرجاء و الصحيح انه استيناف وعده بان العسر مشفوع ميسر اخر لما روى عبد الرزاق فى تفسيره و الحاكم فى المستدرك و البيهقي فى شعب الايمان مرسلا انه لما نزلت هذه الاية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ابشروا قد جاءكم اليسر انه لن يغلب عسر يسرين و رواه ابن مردويه بإسناد ضعيف عن جابر و له شاهد موقوف على عمر رواه مالك فى الموطإ و الحاكم و قال هذا أصح طرقه و

قال البغوي قال ابن مسعود لو كان العسر فى حجر لطلبه اليسر حتى يدخله انه لن يغلب عسر يسرين قال اهل العربية ان الكلمة إذا أعيد معرفة فالثانية عين الاولى سواء كانت اولى معرفة او نكرة لان الأصل فى اللام العهد و إذا أعيدت نكرة فالثانية غير الاولى سواء كانت اولى معرفة او نكرة لان حمل الكلام على التأسيس اولى من حمله على التكرير و التأكيد قال فى تنقيح الأصول ان أقر بألف مقيدا بصك مرتين يجب الالف و ان أقربه منكرا يجب الفان عند ابى حنيفة رحمة اللّه تعالى الا ان يتحد المجلس قلت معنى إذا قامت القرينة ان المراد بالثاني هو الاول

فان قيل هذا قول مدخول فيه فانه إذا قال الرجل ان مع الفارس سيفا ان مع الفارس سيفا لا يوجب ان يكون الفارس واحدا و السيف اثنان

قلنا نعم إذا قامت القرينة ان الثانية هى الاولى يحمل على الاتحاد و مثال الفارس و السيف من هذا القبيل و اما الاية فانه تصلح التأويلين لكن ما فسر به النبي صلى اللّه عليه و سلم و الصحابة رضى اللّه تعالى عنهم هو التأويل الصحيح و

قال البغوي ما حاصله ان المراد بالآية ان مع العسر الواحد يسران لكن لا لتكرير النكرة بل لاجل ان قوله تعالى مع العسر يسرا متصل بما سبق ليليه و وعده النبي صلى اللّه عليه و سلم خاصة باليسر و الغنى فى الدنيا عاجلا بعد الفقر الذي كان فيه ثم أنجز ما وعد و فتح عليه القرى و وسع ذات يده حتى كان يعطى المائتن من الإبل و يهب الهبات المسنية و قوله.

٦

إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ط كلام مبتداء يدل عليه بقرينة عن الفاء و الواو و هذا وعد لجميع المؤمنين و مجازة ان مع العسر فى الدنيا للمومنين يسر فى الاخرة فصار للنبى صلى اللّه عليه و سلم مع عسر واحد يسران يسر فى الدين و يسر فى الاخرة و قوله لن يغلب عسر يسرين فانه و ان غلب يسرا واحدا و هو اليسر فى الدنيا فلن يغلب يسر الاخرة البتة و هو قوى أبدى

قال البغوي رحمة اللّه تعالى جعل اللام فى العسر للعهد و فى الثاني للجنس و اللّه تعالى اعلم فبعض المفسرين قالوا المراد بالعسر الفقر و الشدة و البلاء من المشركين الذين كان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم فيه و اشتكى منه الى ربه و المراد باليسر الاول زوال تلك الحالة بنصر اللّه تعالى و الغنى بعد الفقر و

قال البيضاوي المراد بالعسر ضيق الصدر و الوزر المنقض للظهر و ضلال القوم و إيذائهم و باليسر الاول شرح الصدر و وضع الوزر و التوفيق للاهتداء و الطاعة و اما اليسر الثاني فالمراد به عند كلهم ثواب الاخرة قالوا معنى الكلام ان بعد العسر يسرا و انما أورد مع موضع بعد مبالغة فى معاقبة اليسر للعسر و اتصاله به اتصال المتقاربين و عندى المراد بالعسر التوجه الى الخلق فى مقام النزول الموجب للحزن و الغم و المراد باليسر الاول التوجه الى الخالق فى عين مقام النزول فان الصوفي فى تلك الحالة و ان كان فى بادى النظر معرضا من اللّه تعالى متوجها الى الخلق لكنه فى الحقيقة ليس بمعرض عنه تعالى بل مقبل اليه ايضا و اتسع صدره للتوجهين جميعا بل التوجه الى الخلق لما كان بإذن اللّه و على حسب امره و مرضاته فهو ايضا فى الحقيقة توجه الى اللّه سبحانه و من ثم سمى هذا اليسر السير من اللّه باللّه فعلى هذا كلمة مع فى قوله تعالى فان مع العسر يسرا بمعناه الحقيقي بمعنى المقارنة و اما كلمة مع فى الجملة الثانية فلا شك انه على المجاز كما قالوا او معنى الكلام على هذا التأويل لا تحزن فان مع العسر و التوجه الى الخلق الموجب لحزنك يسرا و توجها الى الخالق ليست بهجوب عنه الاخرة و خلوص التوجه الى اللّه تعالى فى الاخرة من غير شائبة حجاب و غيبة.

٧

فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ قال المفسرون النصب التعب و المعنى فاذا فرغت من دعوة الخلق فانصب و اتعب بالعبادة شكرا لما عددنا عليك من النعم السابقة و وعدناك بالنعم الآتية او المعنى إذا فرغت من عبادة فانصب فى عبادة اخرى و لا تجعل وقتا من أوقاتك ضائعا خاليا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ليس يتحسر اهل الجنة الأعلى ساعة مرت بهم و لم يذكروا اللّه فيها و قال ابن عباس و قتادة و الضحاك و مقاتل و الكلبي إذا فرغت من الصلاة المكتوبة او مطلق الصلاة فانصب الى ربك فى الدعاء و ارغب اليه فى المسألة يعنى قبل السلام بعد التشهد او بعد السلام و قال الشعبي إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك و آخرتك و قال ابن مسعود إذا فرغت من الفرائض فانصب فى قيام الليل و قال الحسن و زيد بن اسلم إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب فى عبادة ربك و هذا معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر و قال منصور عن مجاهد إذا فرغت من امر الدنيا فانصب فى عبادة ربك و قال حبان عن الكلبي إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب اى استغفر لذنبك و للمومنين فوجه اتصال هذه الاية بما سبق ان عند النعماء سبب للشكر و اما على تأويلنا فمعنى الاية إذا فرغت من دعوة الخلق المقصود من النزول الأتم فانصب اى انتصب و ارتفع الى مدارج العروج و مقام الشهود فى الصحاح نصب الشي ء وضعه وضعا ثانيا كنصب الزرع و البناء و الحجر و فى القاموس نصب كفرج اعنى و هم ناصب اى منصب و نصب الشي ء وضعه و رفعه ضد كنصبه فانتصب و تنصب و ناقة نصباء مرتفعة الصدر و تنصب الغراب ارتفع فعلى هذا التأويل هذه الاية فى مقام التسلية مرادف بقوله تعالى ان مع العسر يسرا الاية.

٨

وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ ع عطف تفسيرى يقوله فانصب يعنى ارغب بالسؤال الى ربك و لا تسال غيره قال عطاء تضرع اليه راهبا من النار راغبا فى الجنة و قيل فارغب اليه فى جميع أحوالك قال الزجاج اجعل رغبتك الى اللّه وحده و الجار و المجرور متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده يعنى فانصب و ارغب الى ربك فارغب قلت تكرار الأمر بالرغبة لان الرغبة الاولى الى آلاء اللّه و صفاته و الثانية الى ذاته المجردة الرفيعة عن الشيون و الاعتبارات قرأة سورة الم نشرح لك صدرك يؤيد فى مقام النزول كما ان سبح اسم ربك الأعلى يؤيد فى مقام العروج و قد ذكرنا هناك و اللّه تعالى اعلم.

﴿ ٠