سُورَةُ التِّينِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِي آياَتٍ مكّيّة و هى ثمان آيات بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ قال ابن عباس و المجاهد و الحسن و ابراهيم و عطاء و مقاتل و الكلبي تينكم الذي تأكلون و زيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت قيل خص التين بالقسم لانه فاكهة مخلقة لا عجم لها شبيهة بفاكهة الجنة قيل فى الحديث انه بقطع البواسير و ينفع من النقرس رواه الثعلبي و ابو نعيم فى الطب من حديث ابى ذر بإسناد مجهول و الزيتون شجرة مباركة و هو ثمر دهن يصلح للاصطباع و قال عكرمة هما جبلان و قال قتادة التين الجبل الذي عليه دمشق و الزيتون مسجد بيت المقدس و قال ابو محمد بن كعب التين مسجد اصحاب كهف و الزيتون ايليا. ٢ وَ طُورِ يعنى الجبل الذي كلم اللّه تعالى موسى عليه السلام بين مصر و ايلة سِينِينَ قال الضحاك هو لغة نبطية و معناه الحسن و قال مقاتل كل جبل فيه أشجار شمرة فهو سنين و سينا بلغة بنط و قال عكرمة اسم للمكان الذي به هذا الجبل و كذا سيناء و قيل سريانية معناه الملتف بالأشجار و قيل لغة حبشية و قال مجاهد معناه البركة اى جبل مبارك و قال قتادة معناه الحسن اى جبل حسن و قال الكلبي معناه الشجر اى جبل ذو شجر و قيل اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها بوجودها عنده. ٣ وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ اى ذا امانة يحفظ من دخل فيه كما يحفظ الامين ما ائتمن عليه او بمعنى فاعل او مفعول يعنى أمن من دخل فيه او المأمون فيه يا من فيه من دخله و المراد به مكة يا من الناس فيه فى الجاهلية و الإسلام اقسم اللّه سبحانه بهذه الأشياء لان منبت التين و الزيتون مهاجر ابراهيم و مقر الأنبياء و مهبط الوحى و طور المكان الذي نودى به موسى و مكة بيت اللّه الحرام و مولد النبي صلى اللّه عليه و سلم و مهبط الوحى اليه جواب القسم. ٤ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى الجنس فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ تفعيل من القيام و القوام قال فى الصحاح القيام و القوام اسم لما يقوم به الشي ء اى تثبت قلت و هو ما يتحقق به الشي ء يعنى احسن حقيقته و ماهيته و ذلك لاستجماعه ما فى عالم الكبير من لطائف عالم الأمر و عناصر عالم الخلق و النفس الناطقة المنشاة عن العناصر و لذلك الاستجماع يظهر فيه خصائص الكائنات كلها من الصفات الملكية و السبعية و البهيمية و الشيطانية و يتصف بالصفات الكاملة المنعكسة من الصفات الالهية من الحيوة و العلم و القدرة و الارادة و السمع و البصر و الكلام و المجنة التي سميت بناء العشق يتزين بنور العقل و يستعد للتجليات الظلية و الصفاتية و الذاتية و من ثم اعطى خلعة الخلافة انى جاعل فى الأرض خليفة و قيل معنى احسن تقويم اى احسن صورة فان التقويم مصدر بمعنى التعديل فى القاموس قومته عدلته فهو قويم و مستقيم و المصدر هاهنا بمعنى المفعول او بمعنى الفعيل اى احسن صورة و معدل قويم و ذلك لان كل حيوان خلق مكبا على وجهه الا الإنسان خلق مستقيم القامة بادى البشرة يتناول ماكوله بيده. ٥ ثُمَّ رَدَدْناهُ اى صيرناه أَسْفَلَ سافِلِينَ قال البغوي نكرة تعم الجنس يعنى بمعونة المقام كما يقال كريم قائم و يؤيده ما فى مصحف ابن مسعود أسفل سافلين و ان لم تعم فهو مهملة فى قوة الجزئية فيجوز ان يكون بعض السافلين أسفل منه و يوافق هذه الاية اعنى خلق الإنسان فى احسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين قوله عليه الصلاة و السلام ما من مولد الا يولد على فطرة الإسلام ثم أبويه يهوادنه و ينصرانه و يمجسانه متفق عليه من حديث ابى هريرة غير ان فى الاية أسند الرد الى اللّه تعالى نظرا الى انه خالق لافعال العباد و فى الحديث الى الأبوين نظرا الى الكسب و لعل المراد بالسافلين ما جعله اللّه سبحانه سافل الاستعداد بحيث لا يمكنه تحصيل كمال من الكمالات الانسانية و الصعود الى مصاعد القرب و التجليات الرحمانية من السباع و البهائم و الشياطين و الاجنة و جمعه سالما تغليبا للعقلاء منهم على غيرهم و هم الشياطين و مردة الجن فالانسان لما ضيع استعداده و ترك شكر المنعم و إتيان موجبات الفوز و رضوان اللّه تعالى و اتى بموجبات سخطه من الكفر و مقتضياته جعل أخبث من كل خبيث و أحط مرتبة من كل دنى و أسوأ حالا و ابتر مالا من الكلاب و الخنازير بل من الشياطين ايضا لما ورد فى حديث انس قال و يعرج له اى للكافر فرجة قبل الجنة فينتظر الى زمرتها و ما فيها فيقال به انظر الى ما صرف اللّه عنك ثم يعرج له فرجة الى النار الحديث رواه ابن ماجة من حديث ابى هريرة و ذلك ليفرح المؤمن كمال الفرح و يتحسر الكافر كمال الحسرة و روى البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يدخل الجنة أحد الا ارى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا و لا يدخل النار أحد الا ارى مقعده من الجنة لو احسن ليكون عليه حسرة و اما الشياطين فليس كذلك و لم يكن لهم مقعد فى الجنة لعدم استعدادهم دخولها و قال الحسن و مجاهد و قتادة معنى الاية ثم رددناه أسفل سافلين يعنى الى النار لان جهنم بعضها أسفل من بعض و قال ابو العالية يعنى الى النار فى شر صورة فى صورة خنزير و نحوه. ٦ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الص َّالِحاتِ استثناء متصل من الإنسان لاخراجهم من حكم الرد فانهم لا يرددون الى النار و لا يصيرون الى أخبث الأحوال فَلَهُمْ اى للمومنين الصالحين أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ط اى غير مقطوع او لا يمن به عليهم الفاء للسببية و الجملة فى مقام التعليل للاستثناء مقرر له و قيل معنى الاية خلقنا الإنسان فى احسن تقويم اى اعدل صورة او أقوم حالة بحيث تيسر له كل ما أراد به و بتسخير له الحيوانات كلها و البر و البحر بل الجن و الشياطين ايضا ثم رددناه فى بعض الافراد اى صيرناه بالهرم و أرذل العمر أسفل السافلين و السافلون هم الضعفاء و الزمناء و الأطفال فان الشيخ الكبير إذا زال عقله و ضعف بدنه و غلب عليه العوارض و الأمراض يصير أضعف من الضعفاء فعلى هذا قوله تعالى الا الذين أمنوا و عملوا الصالحات استثناء منقطع بمعنى لكن للاستدراك و دفع توهم نشأ و هو ان المؤمنين ايضا بعد الهرم و سوء الكبر يكونون أسوأ حالا من الضعفاء و وجودهم فى هذه الحالة و بال عليهم فقال اللّه لكن الذين أمنوا و عملوا الصالحات قبل الهرم فى حالة القوة و الشباب فاجورهم غير مقطوعة لا يزال يكتب حسناتهم على حسب ما كانوا يعملون قال الضحاك اجرا بغير عمل اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس فى هذه الاية قال هم نفر ردوا الى أرذل العمر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسئل حين اسفت عقولهم فأنزل اللّه عذرهم ان لهم أجرهم الذي عملوا قبل ان تذهب عقولهم قال البغوي قال عكرمة لا يضر هذا الشيخ كبره إذا ختم اللّه له بأحسن ما كان يعمل و روى العاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال الا الذين أمنوا و عملوا الصالحات قال الا الذين قرؤا القران لم يردوا الى ارزل العمر و قال جلال الدين المحلى رحمة اللّه تعالى إذا بلغ المؤمن من الكبر بالعجز عن العمل كتب له ما كان يعمل و روى عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا ابتلى المسلم ببلاء فى جسده قال للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل و عن عبد اللّه ابن عمر و نحوه رواهما البغوي فى شرح السنة و روى البخاري عن ابى موسى نحوه فى المريض و المسافر فان قيل مقتضى البلاغة تأكيد الكلام على قدر انكار المخاطب و كون الإنسان مخلوقا على احسن صورة ثم رده بالهرم الى ضعف امر بديهي لا ينكره أحد فكيف أورد الكلام بالقسم و لام التأكيد و كلمة قد على هذا التأويل قلنا لما كان تحول الأحوال على الإنسان دليلا واضحا على جواز الاعادة و الجزاء و الكفار كانوا ينكرون الاعادة و الجزاء كانهم أنكروا التحول لانه من أنكر المدلول فكانه أنكر الدليل الواضح لاستلزام أحدهما الاخر. ٧ فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ المخاطب به الإنسان على سبيل الالتفات يعنى فاى شى ء يحملك ايها الإنسان على التكذيب بالجزاء أو اى شى ء جعلك كاذبا حيث تقول خلاف الحق ان لا بعث و لا جزاء بعد تلك الدلائل الواضحة من نفسك ان خلقك فقويك ثم ضعفك فاماتك قادر على اعادتك و جزاء أعمالك و الاستفهام للتوبيخ و الإنكار يعنى لا ينبغى لك التكذيب بالجزاء او المخاطب به النبي صلى اللّه عليه و سلم و ما للنفى و للاستفهام الإنكاري و المعنى لا شى ء يكذبك او فاى شى ء يكذبك اى يدل على كذبك فى قولك بالجزاء بالدلائل الواضحة على صدقك فينظر هذه الاية قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين و قيل ما بمعنى من و الاستفهام للتعجب يعنى من ينسبك الى الكذب بعد تلك الشواهد على الصدق عجبا منه. ٨ أَ لَيْسَ اللّه بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ ع استفهام إنكاري للنفى و نفى النفي اثبات فهو تحقيق و تقرير لما سبق و المعنى أ ليس الذي فعل ذلك من الخلق و الرد باحكم الحاكمين صنعا و تدبير او من كان كذلك كان قادرا على الاعادة و الجزاء و الجملة لتسلية النبي صلى اللّه عليه و سلم على تكذيب الكفار إياه مكابرة و عنادا او وعيد للكفار و المعنى أ ليس اللّه باقضى القاضين فهو يحكم بينك و بين من كذبك يا محمد كذا قال مقاتل او هى فى مقام التعليل بقوله تعالى فما يكذبك لا ينبغى لك ايها الإنسان التكذيب قال اللّه احكم الحاكمين عليك بالعذاب عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم من قرا بالتين فانتهى الى آخرها أ ليس اللّه باحكم الحاكمين فليقل بلى و انا على ذلك من الشاهدين رواه ابو داود و عن البراء ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم كان فى سفر فقرأ فى العشاء فى أحد الركعتين بالتين و الزيتون رواه البخاري و اللّه تعالى اعلم. |
﴿ ٠ ﴾