سُورَةُ الْعَلَقِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ تِسْعَ عَشَرَةَ آيَةً

مكيّة و هى تسع عشرة اية

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

 روى البغوي بسنده عن عائشة قالت أول سورة نزلت اقرأ باسم ربك و عليه اكثر المفسرين و أول ما نزل خمس الآيات من أولها الى قوله تعالى ما لم يعلم عن عائشة أم المؤمنين انها قالت ما بدأ به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم و كان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء و كان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه و هو تعبد الليالى ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله و يتزود لذلك ثم يرجع الى خديجة فيتزود امثلها حتى جاءه الحق و هو فى حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال

_________________________________

١

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي

٢

خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ

٣

اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ

٤

الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ

٥

عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ فرجع بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة و أخبرها الخبر و قال لقد خشيت على نفسى فقالت كلا و اللّه ما يحزنك اللّه ابدا انك لتصل الرحم و تحمل الكل و تكسب المعدوم و تقرى الضيف و تعين على توايب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسيد بن عبد العزى ابن عم خديجة و كان امرأ تنصر بالجاهلية و كان يكتب الكتاب العبرى فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء اللّه ان يكتب و كان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ما ذا ترى فاخبره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خبر ما راى فقال له ورقة هذا الناموس انزل اللّه على موسى يا ليتنى فيها جذعا يا ليتنى أكون حيا او يخرجك قومك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم او مخرجىّ هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به الا أوذي و ان يدركنى يومك ينصرك نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة ان توفى و فتر الوحى متفق عليه و قيل المدثر أول القرآن نزولا و قد ذكرنا هناك و قيل أول ما انزل سورة الفاتحة لما روى البيهقي فى الدلائل ان خديجة قالت لابى بكر يا عتيق اذهب به الى ورقة فاخذه ابو بكر فقص عليه ما راى فقال عليه الصلاة و السلام إذا خلوت وحدي سمعت نداء يقول يا محمد يا محمد فانطلق هاربا فقال لا تفعل إذا قال فاثبت حتى تسمع ثم انتهى فأخبرنى فلما خلا فناداه يا محمد فثبت فقال قل بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعالَمِينَ الى آخرها ثم قال قل لا اله الا اللّه الحديث و الصحيح هو الاول

قال البغوي و هو الصواب الذي عليه جماهير الخلف و السلف و ما قيل انه أول ما نزل فيها يايها المدثر فمحمول على انه أول ما نزل بعد فترة الوحى و أول سورة نزلت بكمالها الفاتحة او يقال أوليتها اضافية أول اكثر القران بعد اقرأ و المدثر و اختلفوا فى مدة الخلو بغار حراء و فى الصحيحين جاورت بحراء شهرا و هو شهر رمضان كما رواه ابن اسحق فى السيرة و أفاد الزرقانى انه لم يصح اكثر منه و روى مسوار بن مصعب أربعون يوما لكنه متروك الحديث قاله الحاكم و غيره و رجح بعض العلماء هذا قياما على ميقات موسى عليه السلام و استدلالا بقوله صلى اللّه عليه و سلم من أخلص للّه أربعين يوما ظهر ينابيع الحكمة من قلبه الى لسانه رواه ابو نعيم فى الحلية عن أيوب لكن الحديث ضعيف و كذا القياس لان ميعاد موسى كان ثلثين ليلة فاتمها اللّه أربعين بعارضة قال اللّه تعالى وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً و اختلفوا فى كيفية تعبده فقيل مشرع نوح و ابراهيم و عيسى و ليس بشئ لكونه اميا و الصحيح انه كان يتعبد بالانقطاع عن الخلق و النيل الى الحق و التفكر قال القسطلاني و لم تكن الرجفة المذكورة فى الحديث خوفا من جبرئيل عليه السلام فانه صلى اللّه عليه و سلم أجل من ذلك و اثبت جنانا بل خشية ان يشتغل بغير اللّه عنه تعالى قيل خاف من ثقل أعباء النبوة و روى ابو نعيم ان جبرئيل و ميكائيل شقا صدره هنا و غسلاه ثم قالا اقرأ باسم ربك الآيات

(مسئلة) و هذه القصة تدل على ان التسمية ليست جزء من كل سورة لكن روى ابن جرير عن ابن عباس قال أول ما نزل جبرئيل على محمد صلى اللّه عليه و سلم قال يا محمد استعذ قال أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال قل بسم اللّه الرحمن الرحيم ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق و هذه الرواية شاذة فى مقابلة الصحاح- (فائده) و مدة فترة الوحى ذكر السهيلي ان الفترة كانت سنتين و نصفا و وقع فى التاريخ الامام احمد عن الشعبي أنزلت عليه النبوة و هو ابن أربعين فقرن نبوته اسرافيل ثلث سنين فكان يعلمه الكلمة و الشي ء و لم ينزل عليه القران على لسانه فلما مضت ثلث سنين قرن نبوته جبرئيل فينزل عليه القران على لسانه عشرين سنة و قد ذكرنا حزن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى ايام الفترة فى سورة و الضحى قوله تعالى اقْرَأْ امر بالقراءة و المفعول محذوف اى اقرأ القران مفتحا او متبركا بِاسْمِ رَبِّكَ فهو منصوب على الحال يعنى قل باسم اللّه ثم اقرأ القران و يحتمل ان يكون باسم ربك فى محل النصب على المفعولية و الباء زائدة يعنى اقرأ اسم ربك و لم يقل اسم اللّه لان اللّه علم لذات الواجب و لا بسبيل الى معرفة الذات الا بالتفكر فى الآثار و الصفات و اظهر الصفات بالنسبة إلينا صفة الخلق و التربية التي تنبه على التحول احوال الممكنات الدال على حدوث العالم الموصل الى العلم بالمحدث القديم المنزه عن شوايب النقص و الزوال و احتمال التحول عن حال الى حال و فيه اشارة الى ان الصوفي يلتزم او لا على ذكر الاسم لكى يهتدى به الى المسمى لكن الصوفية اختاروا من الأسماء اسم الذات لان سلوك الطريقة يكون بعد الايمان المجازى بذات الواجب فالاول فى حقه اسم الذات لاستجماعه فى الدلالة على الصفات كلها و لو اجمالا و لكونه اقرب من الذات و المقصود هو الذات و قال الطيبي هذا امر بايجاد القراءة مطلقا و هو لا يختص بمفرد دون مفرد فهو بمنزلة اللام و الباء للاستعانة و الجملة فى جواب قوله صلى اللّه عليه و سلم ما انا بقاري و المعنى قاريا لا بقوتك و معرفتك بل باعانة ربك و قوته لفظة اسم على هذا مقحم كما فى قوله تعالى سبح اسم ربك الَّذِي خَلَقَ ج صفة موضحة للرب فان الربوبية يقتضى الخلق و التربية من النقصان الى الكمال و حذف مفعول خلق للدلالة على التعميم اى خلق كل شى ء و من جملته خلق القدرة على القراءة و نزل خلق منزلة اللازم يعنى الذي له صفة الخلق و التكوين و لا يمكن اتصاف أحد غيره بتلك الصفة خَلَقَ الْإِنْسانَ الظاهر انه جملة مستانفة كانه فى جواب سوال ما خلق و انما خص الإنسان بالذكر بوجوه أحدها انه أشمل المخلوقات اجزاء فان كل ما هو فى العالم الكبير فهو ثابت فيه و لذا سمى عالما صغيرا فالحكم بانه خلق الإنسان حكم بخلق كل شى ء من عوالم الخلق و الأمر ثانيها انه اشرف المخلوقات مستعد لتجليات الصفات و الذات اولى بالمعرفة التي هى المقصود بخلق الكائنات قال اللّه تعالى و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون اى ليعرفون و فى الحديث القدسي لولاك لما خلقت الافلاك و لما أظهرت الربوبية خص النبي صلى اللّه عليه و سلم هاهنا بالذكر لكونه أكمل افراد الناس معرفة و فى الحديث كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق فخص الإنسان فى هذه الاية بالذكر إظهارا لشرفه و بيانا لانه المقصود بالخلق و ثالثها انه هو المخاطب بالشرائع و المكلف بالتكليفات الشرعية اولا و انه اعرف بحاله من حال غيره فاستدلاله على الصانع بانقلابات أحواله اولى و اقرب لحصول المعرفة و يجوز ان يكون المحذوف من الجملة الاولى كاف الخطاب اى الذي خلقك الجملة الثانية مستانفة فى جواب سوال مقدر و هو من اى شى ء خلقه قال اللّه تعالى خلق الإنسان بلفظ الجنس لاشتراك افراد الإنسان فيه اختصاص ما منه الخلق بالمخاطب و يحتمل ان يكون المفعول المحذوف من الجملة الاولى هو الإنسان و الجملة الثانية تأكيد لها فسر بعد الإبهام تفخيما لخلقه و ليكون أوقع فى النفس و يحتمل ان يكون المراد بالإنسان هو النبي صلى اللّه عليه و سلم خص بالذكر إظهارا لشرفه و لانه هو المخاطب به مِنْ عَلَقٍ ج جمع علقة أورد صيغة جمع لان الإنسان جنس فى معنى الجمع و لعل العدول من قوله خلق الإنسان من نطفة او من تراب لمراعاة الفواصل و الاشارة الى جميع أطوار خلقه حيث أشار الى ما توسط منها فان هذا خلقه من الطين ثم من الاغذية التي تصير بعد تحويلات منيا ثم تصير المنى علقة ثم العلقة مضغة ثم المضغة عظاما ثم تكسى العظام لحما ثم ينفخ فيه الروح فذكر المتوسط يشعر بما سبقه و ما لحقه من الأطوار اقْرَأْ تكرير للتاكيد و للمبالغة و الاول مطلق و الثاني للتبليغ او فى الصلاة و جاز ان يكون باسم ربك متعلقا بهذا و يكون الاول نازلا منزلة اللازم و الثاني مستانفة تقديره اقرأ اى صرقاريا فكانه قال ما اقرء و كيف اقرء فقال اللّه تعالى اسم ربك اقرأ او باسم ربك اقرأ القران و على هذا يحتمل ان يكون ما فى قوله صلى اللّه عليه و سلم ما انا بقاري فى جواب قول جبرئيل اقرأ استفهامية و الباء فى الخبر زائدة على لغة اهل المصر و يمكن ان يقال ما فى المرتبة الاولى نافية و بعد ما غطه جبرئيل كانت استفهامية وَ رَبُّكَ مبتداء و الواو للحال الْأَكْرَمُ صفة للمبتداء او خبر له الزائد فى الكرم على كل كريم فرض وجوده حيث ينعم بلا غرض ما لا يمكن إحصاءه كمّا و كيفا و مورد او بحلم عن جهل العباد فاما ان يعفو اولا يعجل فى العقوبة مع العلم و كمال القدرة على الانتقام فورا فالافضلية على سبيل الفرض و لو كان المفروض محالا او فى الحقيقة هو الكريم وحده لا شريك له فى الذات و لا فى صفة من الصفات و لذا قالوا افعل و فعيل فى صفات اللّه تعالى بمعنى واحد فاطلاق لفظ الكريم او الرحيم او السميع او البصير و نحو ذلك على غيره تعالى كأنه بالمجاز لكونه مرأة لصفة كرمه و رحمته و غير ذلك الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ قيل بالقلم متعلق بمفعول محذوف بعلم تقديره علم الخط بالقلم ليفيد به العلوم و الكتب المنزلة فيبقى بعد مضى الدهور و يعلم به البعيد و انما خص علم الخط اولا بذكر اظهار الشرفة فان الغرض من التعلم الحفظ و تبقية العلوم و حفظها غالبا بالكتابة عادة قيل أول من خط إدريس عليه السلام قلت و الظاهر ان قوله بالقلم متعلق بعلم معنى علم العلوم بتوسط القلم و انما قدمه فى الذكر لكون التعليم بالقلم اسبق التعليمات قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان أول ما خلق اللّه القلم الحديث و قد مر فى سورة ن و القلم و الموصول مع الصلة خبر للمبتداء اولا او بعد خبر او صفة بعد صفة كاشفة للتكريم فان من كمال كرمه تعليم العلوم و تعليم ما يفيد به العلوم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ بخلق العقل و القوى و نصب الدلائل و الوحى و الإلهام و خلق العلم الضروري فى الأذهان و إنزال الكتب و إرسال الرسل و تواتر الاخبار و غير ذلك هذه الجملة خبر للمبتداء ان كان ما سبق صفات و بدل اشتمال من علم بالقلم ان كان الموصول خبر للمبتداء تقييد العلم اولا بالقلم مع حذف المفعول الاول على التعميم و عدم تقييده به ثانيا مع تقييده بالإنسان دليل على ان علوم العالمين بعض علم الإنسان و أخص و لو من وجه فان علوم الملائكة مثلا بتوسط القلم و قد أحاط بها اللوح المحفوظ الذي لا يغادر صغيرة و لا كبيرة الا أحصاها و لا رطب و لا يابس الا فيه و اما علم الإنسان فمنها ما هو فى اللوح مكتوب بالقلم و منها ما لا يحيط به الكتاب و لا يتصد به القلم يدل عليه قوله تعالى و علم آدم الأسماء كلها الاية و ذلك لان العلم بكنه ذات اللّه تعالى ليس من قبيل العلم الحصولى حتى يتسعه اللوح و يكتبه القلم بل هو من قبيل العلم الحضوري بل وراء العالمين يحصل للانسان بعد ماهية اللّه تعالى ذاتا موهوما و من هاهنا قال قائل فان من جودك الدنيا و حزنتها و من علومك علم اللوح و القلم و جملة و ربك الأكرم حال من فاعل اقرأ فانه لما قيل للنبى صلى اللّه عليه و سلم اقرأ فقال ما انا بقاري قيل له اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان يعنى آدم عليه السلام او جنس الإنسان الشامل لجميع الأنبياء ما لم يعلم فيعلمك القراءة و ان لم يكن قاريا و يحتمل ان يكون المراد بالإنسان محمدا صلى اللّه عليه و سلم فلعله قال النبي صلى اللّه عليه و سلم ما انا بقاري فأخذه جبرئيل فغطه ثلثا حتى بلغ منه الجهد و افعال العباد كلها مخلوقة للّه تعالى فاللّه سبحانه علم نبيه صلى اللّه عليه و سلم بتلك اللفظات الثلاث علوم الأولين و الآخرين ثم عد نعمة عليه فقال علّم الإنسان ما لم يعلم و قال فى موضع اخر و علّمك ما لم تكن تعلم

فان قيل اى فائدة فى إيراد قوله ما لم يعلم مع ان التعليم لا يتصور الا فيما لا يعلم

قلنا فائدته التصريح بعجز الإنسان التعرف بجهله من قبل العلم و يشكر على تلك النعمة العظمى و ذكر فى مواهب اللدنية روى ان جبرئيل بدأ له صلى اللّه عليه و سلم فى احسن صورة و أطيب رائحة فقال يا محمد ان اللّه يقرأك السلام و يقول لك أنت رسول الى الجن و الانس فادعهم الى قول لا اله الا اللّه ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء فتوضا منها جبرئيل ثم امره ان يتوضا و قام جبرئيل يصلى و امره ان يصلى معه فعلمه الوضوء و الصلاة ثم عرج الى السماء و رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يمر بحجر و لا مدر و لا شجر و هو يقول السلام عليكم يا رسول اللّه حتى اتى خديجة فاخبرها فغشى عليها من الفرح ثم أمرها فتوضأ و صلى بها كما صلى له جبرئيل فكان ذلك أول فرضها ركعتين ثم ان اللّه أمرها فى السفر كذلك و أتمها فى الحضر و قال ابن حجر فى فتح الباري كان صلى اللّه عليه و سلم قبل الاسراء يصلى قطعا و كذلك أصحابه و لكن اختلف هل فرض قبل الخمس شى ء من الصلاة فقيل ان الفرض كان صلوة قبل طلوع الشمس و غروبها انتهى و قال أول ما وجب الانذار و الدعاء الى التوحيد ثم فرض من قيام الليل ما ذكره فى أول سورة المزمل ثم نسخه بما فى آخرها ثم نسخه بايجاب الصلاة الخمس ليلة الاسراء بمكة و اما ذكره فى هذه الرواية من ان جبرئيل علمه الوضوء و امره فيدل على فرضية الوضوء قبل الاسراء و اللّه تعالى اعلم

و اخرج ابن المنذر عن ابى هريرة قال قال ابو جهل هل يغفر محمد وجهه بين أظهركم فقيل نعم فقال و اللات و العزى لئن رايته يفعل لاطان على رقبته و لاغفرن وجهه فى التراب فأنزل اللّه تعالى.

٦

كَلَّا ردع لمن كفر باللّه لطغيانه و ينهى عن الصلاة و ان لم يذكر فى الكلام لدلالة الكلام او الحال عليه او هى بمعنى حقا تحقيقا لما بعده إِنَّ الْإِنْسانَ اطلق لفظ الجنس باعتبار بعض افراده يعنى أبا جهل لَيَطْغى ليجاوز حده فى الكفر و التكبر على ربه.

٧

أَنْ رَآهُ قرأ قنبل بقصر الهمزة و الباقون بالمد اسْتَغْنى ط ان راى نفسه منصوب على العلية او على الظرفية بتقدير المضاف اى لان راى او وقت ان راى نفسه غنيا استغنى مفعول ثان للروية فانها من افعال القلوب و لو كان بمعنى الابصار لا متنع كون الشي ء الواحد مرجعا للضميرين المرفوع و المنصوب كان ابو جهل إذا أصاب ما لا ارتفع فى طعامه و ثيابه و مركبه.

٨

إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى ط الرجعى مصدر كالبشرى اسم ان و الظرف خبره و الجملة مستأنفة للتهديد و التحذير كانه فى جواب ما عاقبة الطاغي و الخطاب للانسان على سبيل الالتفات اى رجوعك الى ربك فيجازيك على طغيانك

و اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يصلى فجاءه ابو جهل فنهاه فانزل اللّه تعالى.

٩

أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى الى قوله كاذبة خاطئة قوله تعالى أَ رَأَيْتَ يا محمد استفهام عن الروية للتقرير فهو بمعنى قد رايت فأقر به او يقال الغرض من الاستفهام الروية ان يخبر المخاطب عما راى فحاصل المعنى أخبرني و يستعمل فى مقام التعجب و الروية من الافعال القلوب يتعدى الى المفعولين و هما مبتداء او خبر فى المعنى و الغرض هاهنا تقرير نسبة بينهما و الاستخبار عنها الَّذِي يَنْهى

١٠

عَبْداً إِذا صَلَّى ط الظرف متعلق بينهى و المراد بالموصول ابو جهل و بالعبد محمد صلى اللّه عليه و سلم على الالتفات من الخطاب الى الغيبة أورد اللّه سبحانه لفظ العبد موقع كاف الخطاب للدلالة على كمال عبوديته و كونه على الحق المبين فان المقتضى العبودية العبادة و على كمال طغيان الناهي و تقبيحه و الموصول مع الصلة أحد مفعولى رايت و مفعول الثاني محذوف فى حكم المذكور حملا على ذكره فى قوله تعالى ليطغى تقديره أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى كيف يطغى.

١١

أَ رَأَيْتَ يا محمد إِنْ كانَ العبد عَلَى الْهُدى حين يصلى.

١٢

أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى ط حين يدعون الناس الى التوحيد و الصلاة و الظاهر النهى كان عن الصلاة و عن الأمر بالتقوى معا فاقتصر فى الجملة الاولى على أحدهما اكتفاء بذكرهما فى الثانية و لانه دعوة بالفعل و لان نهى العبد إذا صلى يحتمل ان يكون لها و لغيرها و عامة أحواله محصورة فى تكميل نفسه بالعبادة و تكميل غيره بالدعوة و هذا شرط حذف جزاءه بدلالة السياق و هو كيف ينهاه او فيهلك الناهي و يفوز العبد و الشرطية قايم مقام مفعولين لرايت و كذا فى قوله تعالى.

١٣

أَ رَأَيْتَ يا محمد إِنْ كَذَّبَ الناهي ما هو الحق وَ تَوَلَّى ط عن الايمان كيف ينجو من عذاب اللّه بل يهلك و الدليل على المحذوف فى الجملتين قوله تعالى.

١٤

أَ لَمْ يَعْلَمْ استفهام إنكاري للتوبيخ و الوعيد فان انكار النفي اثبات تقديره و قد علم بِأَنَّ اللّه يَرى ط متعلق بيعلم قايم مقام مفعولية و يرى بمعنى يعلم حذف مفعولية بدلالة ما سبق اى يرى اللّه الناهي ناهيا عن الهدى و الأمر بالتقوى بكذبا بالحق متوليا عن الايمان و العبد على الهدى و الأمر بالتقوى و علم اللّه يستلزم الجزاء على حسب ما علم فاطلق الروية و أريد به الجزاء تسمية اللازم باسم الملزوم فتقدير الكلام و قد علم الناهي ان اللّه يجزى كلا من الناهي و العبد المصلى على حسب ما علم فهذه جمل اربع و قال صاحب البحر المواج مثل ما قلت غير انه قال الم يعلم جزاء الشرطية الثانية و جزاء الشرطية اولى محذوف يقدر مثل الثانية تقديره ارايت ان كان على الهدى أو أمر بالتقوى الم يعلم بان اللّه يرى و قيل الخطاب فى ارايت الاولى و الثالثة الى النبي صلى اللّه عليه و سلم و فى الثانية الى الكافر تقديره ارايت يا محمد الذي ينهى إذا صليت طغى ارايت يا أبا جهل ان كان محمد على الهدى أو أمر بالتقوى كيف نهاه ارايت يا محمد ان كذب ابو جهل و تولى فكيف ينجو الم يعلم بان اللّه يرى كما ان الحاكم بين الخصمين يخاطب تارة هذا و تارة ذاك و قال الشيخ الجلال الدين المحلى معناه و عجب منه يا مخاطب من حيث نهيه عن الصلاة و من حيث ان المنهي على الهدى امر بالتقوى و من حيث ان الناهي مكذب متول عن الايمان فعلى هذا ايضا الجمل اربع و قيل معناه ارايت يا محمد الذي ينهى عبدا إذا صلى كيف صددناه عنك ارايت يا محمد ان كان ابو جهل على الهدى او امر بالتقوى لكان خيرا له ارايت يا محمد ان كذب ابو جهل و تولى لاعذبنه الم يعلم بان اللّه يرى فيجازى على حسب ما عمل و كرر لفظ ارايت ثلثا و لم يكتف على الاول و لم يعطف الشرطيتين على الذي ينهى لغاية التعجب و

قال البيضاوي الذي ينهى أول مفعولى ارايت و الشرطتين مفعوله الثاني على التوزيع و جزاء الشرطية الثانية قوله تعالى الم يعلم بان اللّه يرى و جزاء الاولى محذوف اكتفاء بذكره فى الثانية و كلمة ارايت فى الأخريين لتكرير الاولى غير عاملة فى ما بعدها و المعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد اللّه عن صلوته ان كان ذلك الناهي على الهدى فيما ينهى عنه أو أمر بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده او ان كان على التكذيب بالحق و التولي عن الصواب كما تقول الم يعلم ذلك الناهي بان اللّه يرى و يطلع على أحواله من هداه و ضلاله فالكل على هذا جملة واحدة

قال البغوي تقدير النظم ارايت الذي ينهى عبدا إذا صلى و هو على الهدى امر بالتقوى الناهي مكذب متولى عن الايمان فما اعجب من هذا فالشرطتين فى محل النصب على الحالية اولى عن مفعول ينهى و الثانية عن فاعله و الم يعلم جملة مستأنفة للوعيد و ضمير الفاعل راجع الى الذي ينهى.

١٥

كَلَّا ردع للناهى الذي كذب و تولى لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الذي ينهى عما هو فيه من النهى عن المعروف و تكذيب الحق و التولي عن الايمان لَنَسْفَعاً جواب للقسم لفظا و للشرط معنى و يكتب النون الخفيفة كتنوين المنصوب على صورة الالف و السفع القبض على الشي ء و جذبه بشدة اى لنا جذبة فلنجذبه الى النار بِالنَّاصِيَةِ و هى مقدم الراس اى ناصيه و الاكتفاء باللام عن الاضافة للعلم بان المراد ناصية المذكور.

١٦

ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ ج وصف الناصية بالكذب و الخطأ و هما لصاحبها على الاسناد المجازى المبالغة و ناصية بدل من الناصية و انما جاز لوصفها و جملة لئن لم ينته مستانفة كانها من جواب ما يفعل اللّه بالطاغي اخرج الترمذي و صححه و ابن جرير عن ابن عباس قال كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يصلى فجاء ابو جهل فقال الم أنهك عن هذا فزجره النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ابو جهل أشهرني فو اللّه لأملان عليك هذا الوادي خيلا جردا و رجالا مردا فانزل اللّه تعالى.

١٧

فَلْيَدْعُ نادِيَهُ النادي المكان الذي يجتمع فيه القوم و المراد اهل النادي اى قومه و عشيرته بحذف المضاف فى اللفظ او بالمجاز بالإسناد.

١٨

سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قال ابن عباس يريد زبانية جهنم قال الزجاج هم الملائكة الغلاظ الشداد و الزبانية جمع زنبى او زبينة كعفرية و فى الأصل الشرط ماخوذ من الزبن بمعنى الدفع قال ابن عباس لو دعا ناديه لاخذته زبانية اللّه عيانا و ذكر المحلى هذا الحديث مرفوعا.

١٩

كَلَّا ط اى حقا ما ذكر من السفع بالناصية و دعاء الزبانية ان دعانا به او المعنى لا يستطيع ان يدعو ناديه- لا تُطِعْهُ فى ترك الصلاة جملة مستانفة كانه فى جواب ماذا اصنع حين ينهى- وَ اسْجُدْ عطف على لا تطعه لفظا و تأكيد معنى وَ اقْتَرِبْ ع من اللّه بالصلوة روى ابو داود و غيره عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال اقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد فاكثروا الدعاء امال حمزة و الكسائي اواخر هذه السورة من قوله عز و جل ليطفى الى قوله بان اللّه يرى و اما ابو عمرو يرى وحده و ما عداه بين بين و درش جميع ذلك بين بين و الباقون بالفتح و قد ذكرنا بحث سجدة التلاوة فى سورة انشقت فعند ابى حنيفة رحمه اللّه تعالى اسجد امر بسجدة التلاوة بدلالة فعله عليه الصلاة و السلام انه صلى اللّه تعالى عليه و سلم سجد فى إذا السماء انشقت و اقرأ رواه مسلم من حديث ابى هريرة و الجمهور على انه امر بالصلوة تسمية الكل باسم الجزء فانه معطوف على لا تطعه عطفا تفسير يا قالوا بسنية السجود اقتداء بفعله صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم و ذا لا يقتضى الوجوب- و اللّه تعالى اعلم.

﴿ ٠