سُورَةُ الزِّلْزَالِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِي آياَتٍ مدنيّة و هى ثمان آيات بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها اى حركت حركة و اضطرابا مناسبا بشأنها فى العظمة و لابقاء بها فى الحكمة او حركة ممكنا لها او مقدرا لها اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال تحركت من أسفلها و اختلفوا فى تلك الزلزلة هل هى بعد النفخة الثانية و قيام الناس من قبورهم او قبل النفخة الاولى فى الدنيا من اشراط الساعة فاختاره الحليمي و غيره الاول و ابن العربي و من معه الثاني محتجين بقوله تعالى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و أجاب اهل المقالة الاولى انه خرج مخرج المجاز و التمثيل لشدة الهول لا على حقيقته مستدلين بما اخرج الترمذي و صححه عن عمران ابن حصين قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزلت يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ ءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كل مرضعة الاية فقال أ تدرون اى يوم ذلك يوم يقول اللّه لادم ابعث بعث النار الحديث و له طرق و فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول اللّه يوم القيامة لادم قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول اى رب و ما بعث النار فيقول من كل الف تسعمائة و تسعة و تسعون و يبقى واحد فعتد ذلك يشيب الصغير و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب اللّه شديد فشق ذلك على الناس فقالوا يا رسول اللّه و أينا ذلك الواحد فقال من يأجوج و ماجوج الف و منكم واحد و هل أنتم فى الأمم الا كالشعرة السوداء فى الثور الأبيض او كالشعر البيضاء فى الثور الأسود و قال اهل المقالة الثانية هذا الحديث لا يدل على ان الزلزلة يكون حين الأمر ببعث النار بل فى ذلك اليوم و الأمر متاخر عنها فكانه صلى اللّه عليه و سلم لما اخبر عن الزلزلة التي يكون متقدمة على النفخة الاولى ذكر ما يكون فى ذلك اليوم من الأهوال الى العظام قلت و عبارة حديث الصحيحين يابى عن هذا التأويل فانه فيه فعند ذلك اى عند بعث النار يشيب الصغير و تضع كل ذات حمل حملها و اللّه تعالى اعلم قلت جاز ان يتكرر الزلزلة مرة فى اشراط الساعة و مرة بعد البعث. ٢ وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ اسناد الإخراج الى الأرض مجازى أَثْقالَها اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يعنى الموتى من القبور كذا اخرج الفريابي عن ابن مجاهد و على هذا فهى حكاية عما بعد النفخة الثانية و اخرج ابن ابى حاتم عن عطية قال يعنى ما فيها من الكنوز عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يلقى الأرض أفلاذ كبدها أمثال أسطوان من الذهب و الفضة و يجئ القاتل فيقول فى هذا قتلت و يجئ القاطع فيقول فى هذا قطعت رحمى فيقول فى هذا قطعت يدى ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا رواه مسلم و فى الصحيحين عنه مرفوعا يوشك الفرات ان يحسر عن اكثر من ذهب فمن حضر فلا يأخذ منه شيئا و فى رواية لمسلم عنه لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فتقتل الناس عليه فتقتل من مائة تسعة و تسعون و يقول كل رجل منهم لعلى أكون انا الذي أنجو قلت لعل القتال يكون فى بادى الأمر ثم يؤل الأمر الى ان لا يأخذ أحد منهم شيئا. ٣ وَ قالَ الْإِنْسانُ تعجبا ما لَها ج اى ما للارض تزلزل هذه الزلزلة الشديدة و تلفظ ما فى بطنها قيل المراد بالإنسان الكافر يقول ذلك حين يبعث و لم يكن يرجو البعث و اما المؤمن فيقول هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون قال البغوي فى الاية تقديم و تأخير تقديره. ٤ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ الأرض أَخْبارَها فيقول الإنسان مالها تخبر و تتكلم بما عمل عليها يومئذ بدل من إذا زلزلت و العامل فيه تحدث و يحتمل ان يكون يومئذ أصلا و إذا اقتضى بمحذوف اى لتحاسبن إذا زلزلت يومئذ تحدث اخبارها عن ابى هريرة قال قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذه الاية فقال أ تدرون ما اخبارها قالوا اللّه و رسوله اعلم قال فان اخبارها ان تشهد على كل عبدو امة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا و كذا فذاك اخبارها رواه احمد و الترمذي و صححه و النسائي و ابن حبان و البيهقي و اخرج الطبراني عن ربيعة الحرثى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال تحفظوا من الأرض فانها امكم و انه ليس من أحد عمل عليها خيرا و شرا الا و هى مخبرة و كذا اخرج الطبراني عن مجاهد. ٥ بِأَنَّ اى بسبب ان رَبَّكَ أَوْحى لَها ط اللام بمعنى الى يعنى اوحى ربك إليها ان تخبر او بمعناها اذن لها فى ذلك تشقى فى العصاة و جاز ان يكون بان ربك بدلا من اخبارها يقول أخبرته كذا و أخبرته هكذا و حينئذ يكون جوابا لقول الإنسان مالها يعنى تقول اوحى ربك الى و حكم بالزلزلة و إخراج الأثقال. ٦ يَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده يَصْدُرُ اى يرجع النَّاسُ عن موقع الحساب بعد عرض أَشْتاتاً متفرقين فاخذ ذات اليمين الى الجنة و أخذ ذات الشمال الى النار قوله تعالى يومئذ يتفرقون لِيُرَوْا متعلق بيصدر اى لكن يروا أعمالهم قال ابن عباس اى ليروا جزاء أَعْمالَهُمْ ط يعنى يرجعون عن الموقف لينزلوا منازلهم من الجنة او النار و جملة يومئذ يصدر مستأنفة و قول. ٧ فَمَنْ يَعْمَلْ الى اخر السورة تفصيل ليروا و اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير انه لما نزلت و يطعمون الطعام على حبه كان المسلمون يرون انهم يوجرون على الشي ء القليل إذا اعطوا و كان آخرون يرون انهم لا يلامون على الذنبا ليسير الكذبة و النظرة و أشباه ذلك و انما وعد اللّه على الكبائر فانزل اللّه تعالى فمن يعمل مِثْقالَ ذَرَّةٍ الاية اى وزن نملة صغيرة او أصغر من نملة خَيْراً تميز المثقال ذرة يَرَهُ ط قرا هشام بإسكان الهاء فى الموضعين و الباقون بالإشباع فيهما اى يرى جزاءه قال مقاتل يرغبهم فى القليل من الخير ان يعطوه فانه يوشك ان يكبر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب و لا يقبل اللّه الا الطيب فان اللّه يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربى أحدكم فلوة حتى تكون مثل الجبل متفق عليه و عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تحقرن من المعروف شيئا و لو ان تلقى أخاك بوجه طليق رواه مسلم و هذا الاية حجة لاهل السنة على المعتزلة ان المؤمن و ان كان مرتكبا للكبائر لا يخلد فى النار بل يصير عاقبته الى الجنة فان اللّه وعد بايفاء الجزاء على مثقال ذرة من الخير و الخلف عن وعد اللّه محال و الايمان نفسه راس الخيرات و أساس العبادات كلها فكيف يتلاشى بارتكاب المعاصي و محل روية الجزاء انما هو الجنة فالمؤمن و ان كان فاسقا و مات من غير توبة يصير لا محالة الى الجنة و عليه انعقد الإجماع و به تواترت الروايات عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يخرج من النار من قالها و فى قلبه وزن ذرة من خير و من ايمان متفق عليه من حديث انس و عند مسلم عن عثمان بلفظ من مات و هو يعلم ان لا اله الا اللّه دخل الجنة و عنده عن جابر بلفظ من مات يشرك باللّه دخل النار و من مات لا يشرك باللّه دخل الجنة و عنده عن عبادة بن الصامت بلفظ من شهد ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه حرم اللّه عليه النار و كذا عن انس و عن عتبان بن مالك فى الصحيحين و عن عمر عند الحاكم و عن معاذ عند مسلم و عنده عن ابن مسعود بلفظ لا يدخل النار أحد فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان يعنى حرم اللّه عليه النار المؤبد و لا يدخل نارا مقدر الخلود فيه و عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ما من عبد قال لا اله الا اللّه ثم مات على ذلك دخل الجنة قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق قلت و ان زنى و ان سرق قال و ان زنى و ان سرق على رغم انف ابى ذر متفق عليه و عند احمد و البزاز و الطبراني مثله قال السيوطي الأحاديث فى ذلك كثيرة زائدة على التواتر فان قيل هذه الاية يشتمل من عمل صالحا كانفاق و صلة الرحم و نحو ذلك من الكفار مع دلالة النصوص و الإجماع على خلودهم فى النار قلنا الاية لا يشملهم لان شرط إتيان الحسنات الايمان باللّه و اخلاص العمل له تعالى قال عليه الصلاة و السلام انما الأعمال بالنيات فاذا فات منهم شرط فات المشروط فمثل حسناتهم كمثل صلوة بلا وضوء فانها ليست بصلوة حقيقة بل يعد استهزاء و معصية و من ثم قال العلماء انه من نذر بالصلوة او بالصوم او بالاعتكاف فى حالة الكفر ثم اسلم لا يجب عليه الوفاء لان الصلاة و الصوم و الاعتكاف من الكافر ليس للّه خالصا فهى كفر و معصية ليس من الطاعة فى شى ء و لا نذر بالمعصية و أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللّه عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَ اللّه سَرِيعُ الْحِسابِ. ٨ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ع اى يرى جزاءه ان لم يتداركه المغفرة و الدليل على هذا التقييد الآيات و الأحاديث الدالة على جواز مغفرة المعاصي من غير توبة قال اللّه تعالى ان اللّه لا يغفر ان يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء و قال اللّه تعالى يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء و قال من يقنط من رحمة ربه الا الضالون و قال لا تقنطوا من رحمة اللّه و نحو ذلك و عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذي نفسى بيده ليغفر اللّه يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس و جاء ان يصيبه رواه البيهقي و فى الباب أحاديث كثيرة بالغة حد التواتر و هذه الاية حجة لاهل السنة على المرجئة فى قولهم ان اللّه لا يعذب المؤمن و ان كان فاسقا و ان المؤمن لا يضره سيئة كما ان الكافر لا ينفعه حسنة و قد ورد فى تعذيب المؤمنين على الصغائر و الكبائر آيات و أحاديث كثيرة لا يحصى يطول الكلام بذكرها فثبت ان الحق ما قال اهل السنة ان اللّه سبحانه ان شاء يعذب على صغيرة عدلا و ان شاء يغفر الكبائر فضلا قال مقاتل الإثم الصغير فى عين صاحبه أعظم من الجبال يوم القيامة عن سعيد بن حبان قال لما فرغ النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم من حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيها شى ء فقال النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم اجمعوا من وجد شيئا فليات به قال فما كان الا ساعة حتى اجمعوا ركابا فقال النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم أ ترون هذا فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق اللّه عز و جل فلا يذنب صغيرة و لا كبيرة فانها محصاة عليه رواه الطبراني و عن عائشة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال يا عائشة إياك و محقرات الذنوب فان لها من اللّه طالبا رواه النسائي و ابن ماجة و صححه ابن حبان و عن انس انكم لتعملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الموبقات رواه البخاري و لاحمد مثله من حديث ابى سعيد بسند صحيح قال ابن مسعود احكم اية فى كتاب اللّه فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ و ورد فى الحديث الطويل عن انس عند مسلم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سمى هذه الاية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره و قال الربيع بن حيثم مر رجل بالحسن و هو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال حسبى قد انتهيت الموعظة عن عبد اللّه بن عمرو قال اتى رجل النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال أقرأني يا رسول اللّه قال اقرأ ثلثا من ذوات الرا قال كبر سنى و اشتد قلبى و غلظ لسانى قال فاقرأ ثلثا من ذوات حم فقال مثل مقاله فقال الرجل يا رسول اللّه أقرأني سورة الجامعة فاقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم إذا زلزلت الأرض حتى فرغ منها فقال الرجل و الذي بعثك بالحق لا أزيد عليه ابدا ثم أدبر الرجل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم أفلح الرويجل مرتين رواه احمد و ابو داود و عن انس و ابن عباس قالا قال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم إذا زلزلت تعدل نصف القران و قل هو اللّه أحد يعدل ثلث القران و قل يايها الكافرون ربع القران رواه الترمذي و البغوي و فى رواية عند الترمذي و ابن ابى شيبة عن انس إذا زلزلت الأرض ربع القران قال الجزري كونها ربع القران لانها مشتملة على الحسنات و هو بالنسبة الى الحيوة و الموت و البعث و الحساب ربع و كونها نصف القران لان ها مشتملة على احوال الاخرة و احوال الاخرة بالنسبة الى احوال الدنيا و الاخرة نصف فهى ربع من وجه و نصف من وجه و روى من حديث على بسند ضعيف جدا قوله صلى اللّه عليه و اله و سلم من قرا إذا زلزلت اربع مرات كان كمن قرا القران كله- و اللّه تعالى اعلم. |
﴿ ٠ ﴾