سُورَةُ الْقَارِعَةِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ إِحْدَى عَشَرَةَ آيَةً مكّيّة و هى احدى عشرة اية بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ _________________________________ ١ الْقارِعَةُ سبق بيانه فى الحاقة و التاء اما لتانيث الساعة او للمبالغة فى القرع. ٢ مَا الْقارِعَةُ ٣ وَ ما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ ٤ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ الظرف اما متصف بفعل مضمر دلت عليه القارعة اى تقرع الناس يوم يكون الناس او مبنى على الفتح لاضافته الى الجملة فى محل الرفع على انه خبر مبتداء محذوف اى هى يوم يكون بيان للقارعة كَالْفَراشِ الطير التي يتهافت فى النار الْمَبْثُوثِ المفرق وجه الشبه كثرتهم و هو انهم و تموج بعضهم فى بعض و ركوب بعضهم على بعض بشدة الهول. ٥ وَ تَكُونُ الْجِبالُ عطف على يكون كَالْعِهْنِ الصوف ذى الألوان لاجل اختلاف ألوان الجبال الْمَنْفُوشِ ط المندوف لتفرق اجزائها و تطائرها فى الجو. ٦ فَأَمَّا تفصيل لما أجمل حاله من الناس عطف على يكون ذكر الناس فريقين مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ جمع موزون يعنى اعماله التي توازن معه و المراد بها الأعمال الصالحة فانها المقص بوجودها او هو جمع ميزان و على هذا ايضا المراد به كفة الحسنات من ميزانه و قد صح ان الميزان له لسان و كفتان أخرجه ابن المبارك فى الزهد و الآجري و ابو الشيخ فى تفسير عن ابن عباس و اخرج ابن مردوية عن عائشة قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول خلق اللّه عز و جل كفتى الميزان مثل السماء و الأرض و أورد الموازين بلفظ الجمع لان من ثقلت جمع معنى و افراد الضمير الراجع اليه نظرا الى افراد لفظه فمقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد على الآحاد لكن على هذا التأويل تدل الاية على كون الميزان كل رجل على حدة و جاز ان يعتبر تعدد الموازين من حيث تعدد من يوزن أعمالهم. ٧ فَهُوَ هذا ايضا باعتبار لفظة من فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ط أسند الرضى الى العيشة مجازا و هى صفة لصاحبها كما فى ناصية كاذبة و قيل الفاعل هاهنا بمعنى المفعول اى عيشة مرضية كعكسه فى وعدا ماتيا او بمعنى ذات رضى. ٨ وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ اى اعماله الحسنة او كفة حسناته و هذا يعم الكافر الذي لا حسنة له لفقد الايمان الذي هو شرط إتيان الحسنات و المؤمن الفاسق الذي ترجحت سيئاته على حسناته بخلاف الاول يعنى من ثقلت موازينه فانه لا يكون الا مؤمنا معصوما او مغفورا او ترجحت حسناته على سياته قال القرطبي قال علماؤنا الناس فى الاخرة على ثلث طبقات فرقة متقون لا كبائر لهم توضع حسناته فى اكفة النيرة فلا ترتفع و ترتفع المظلمة ارتفاع الفارغ الخالي و فرقة كفار توضع كفرهم و أوزارهم فى الكفة المظلمة و ان كان له عمل برّ كصلة الرحم و نحوها وضعت فى الكفة الاخرى فلا يقاومها و يرتفع كفة الحسنات ارتفاع الفارغ الخالي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه لياتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا تزن عند اللّه جناح بعوضة ثم قرا لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا متفق عليه من حديث ابى هريرة و فرقة فساق المؤمنين يوضع حسناتهم فى كفة النيرة و سيئاتهم فى كفة المظلمة ان كانت كفة الحسنات أثقل دخل الجنة او السيئات أثقل ففى مشية اللّه يعنى ان شاء ادخل النار و ان شاء غفروا دخل الجنة و ان كان مساويا كان من اصحاب الأعراف هذا إذا كانت الكبائر بينه و بين اللّه و ان كان عليه تيعات اختص من ثواب حسناته بقدرها فان لم يوف زيد عليه من أوزار من ظلمة ثم يعذب على الجميع قال احمد بن حرث يبعث الناس يوم القيامة ثلث فرق فرقة اغنياء بالأعمال الصالحة و فرقة الفقراء و فرقة اغنياء ثم يصيرون فقراء مفاليس بالتبعات و قال سفيان الثوري انك ان تلقى اللّه تبارك و تعالى بسبعين ذنبا فيما بينك و بينه أهون عليك من ان تلقاه بذنب واحد فيما بينك و بين العباد و اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال تحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته اكثر من سياته بواحدة دخل الجنة و من كانت سياته اكثر من حسناته دخل النار قال و ان الميزان يخف بمثقال حبة و يرجح و من استوت حسناته و سياته كان من اصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط يعنى حتى يوفوا جزاء بعض سياته و يرجح حسناته فيدخل الجنة قال السيوطي و انما يوزن اعمال المتقى من لا سيئة عليه اظهار الفضلة و اعمال الكافر اظهار الذلة قلت و المذكور فى القران غالبا جزاء الكفار فى مقابله جزاء الصلحاء المؤمنين و اما حال الذين خلطوا صالحا و اخر سيئا من المؤمنين فمسكوت عنه غالبا فى القران فالظاهر ان المراد هاهنا بمن خفت موازينه هم الكفار فهم المحكوم عليهم بقوله تعالى. ٩ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ط يعنى مسكنه النار يسمى المسكن اما لان الأصل سكون الأولاد الى الأمهات و الهاوية اسم من اسماء جهنم و هو المهواة لا يدرك قعرها الا اللّه و قال قتادة كلمة عربية كان الرجل إذا وقع فى امر شديد يقال هوت امه و قيل أراد راسه يعنى انهم يهوون فى النار على رؤسهم قال البغوي و الى هذا التأويل ذهب قتادة و ابو صالح قلت و كذا الكفار هم المرادون فى مقابلة المتقين فى حديث انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يوفى ابن آدم فيوقف بين كفتى الميزان به ملك فان ثقلت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعده ابدا و ان خفت ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعده ابدا و حال المخلط مسكوت فى الحديث و الظاهر ان الملك لا ينادى عليه شى ء من الصوتين و لذلك لم يذكر- (فائدة) قال القرطبي الميزان لا يكون فى حق كل أحد و ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان و كذلك من يعجل به الى النار بغير حساب و هم المذكورون فى قوله تعالى يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي و الاقدام و قال السيوطي يحتمل تخصيص الكفار الذين يوزن أعمالهم و لا يجدون ثقلا بالمنافقين فانهم يبقون فى المسلمين بعد لحوق كل مسلم امة بما يعيدوهم يصلون و يصومون مع المؤمنين فى الدنيا رياء و سمعة فيميز اللّه الخبيث من الطّيّب بالميزان و قال الغزالي السبعون الف الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يوضع لهم ميزان و لا يأخذون صحفا انما هى براة مكتوبة هذه براة فلان بن فلان اخرج الاصبهانى عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تنصب الموازين و يوتون باهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين و يوتون بأهل الحج فيوفور أجورهم بالموازين و يوتون باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان و لا ينشر لهم ديوان و يصب لهم أجرا صبا بغير حساب حتى يتمنى اهل العافية انهم كانوا فى الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء من الفضل و ذلك انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب و اخرج الطبراني و ابو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يوتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب ثم يوفى بالمتصدق فينصب للحساب ثم يوتى باهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان و لا ينشر لهم ديوان فيصب عليهم الاجر صبا حتى ان اهل العافية ليتمنون بالموقف ان أجسادهم قرضت بالمقاريض من حيث ثواب اللّه لهم و قد ذكر فيما سبق ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الصوفية العلية لعل المراد بأهل البلاء هاهنا ايضا بلاء العشاق المحبين للّه لرضائهم بالبلاء كرضائهم بالعطاء و كذا المراد بالبكاء فى قوله صلى اللّه عليه و سلم ما من شى ء الا و له مقدار و ميزان الا الدمعة فانها يطفى بها بحار من نار رواه البيهقي من حديث معقل بن يسار بكاء اهل العشق و الا فقد صح فى الأحاديث وزن اعمال اهل البلاء كما فى قوله صلى اللّه عليه و سلم بخ بخ بخمس ما أثقلهن فى الميزان لا اله الا اللّه و سبحان اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر و الولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فتحبسه رواه النسائي و ابن حبان و الحاكم و البزار و احمد و الطبراني من حديث ثوبان و ابو سلمى و لا شك ان وفات الولد من البلاء و الشهادة التي ذكرت فى حديث ابن عباس ايضا من البلاء و اللّه تعالى اعلم فان قيل روى احمد بسند صحيح عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوضع الموازين يوم القيامة فيوتى بالرجل فيوضع فى كفة و يوضع ما احصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به الى النار فاذا أدبر إذ صايح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا فانه قد بقي له فيوتى ببطاقة فيها لا اله الا اللّه فيوضع مع الرجل حتى يميل به الميزان و روى الحاكم و صححه و ابن حبان و الترمذي عنه نحوه و عن ابى سعيد و ابن عباس و غيرهما ما يؤيده فى عمره فكيف يخف ميزان المؤمن فانه لا يخلو مؤمن من قول لا اله الا اللّه و لو مرة واحدة فى عمره قلنا احكام الاخرة كلها يعنى أكثرها من القضايا المهملة فى قوة الجزئية فلما تكون منها كلية و الأمر منوط بفضل اللّه و مدار الأعمال على الإخلاص و مقداره و اللّه اعلم. ١٠ وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ ط قرا حمزة ما هى بغير الهاء وصلا فقط و الباقون بالهاء للسكت فى الحالين و الضمير راجع الى الهاوية و الاستفهام للتهويل و جملة ما أدريك معترضة لاستعظام أمرها و قوله تعالى نار بدل من هاوبة او بيان لها او خبر مبتداء المحذوف اى هى. ١١ نارٌ حامِيَةٌ ع ذات حمى بلغت النهاية فى الحرارة. |
﴿ ٠ ﴾