سُورَةُ التَّكَاثُرِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانِي آياَتٍ

مكّيّة و هى ثمان آيات

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

أَلْهاكُمُ اى إلهكم فى اللّهو و هو الباطل من الأمر و ما لا يعيد فائدة معتبرة و شغلكم عن طاعة اللّه و ما ينجيكم من سخطه التَّكاثُرُ التباهي و التفاخر بكثرة المال و الجاه و العدد.

٢

حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ط يعنى حتى متم و دفنتم بالمقابر اخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن اسلم قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ألهيكم التكاثر عن الطاعة حتى زرتم المقابر حتى يأتيكم الموت قال قتادة كانت اليهود يتفاخرون بكثرتهم و يقولون نحن اكثر من بنى فلان شغلهم ذلك حتى ماتوا فنزلت هذه الاية فيهم فعلى هذا حتى للغاية

و اخرج ابن ابى حاتم عن ابن بريدة قال نزلت الاية فى قبيلتين من قبائل الأنصار بنى حارثة و بنى الحارث تفاخروا و تكاثروا فقالت إحداهما فيكم مثل فلان و فلان و قال آخرون مثل ذلك تفاخروا بالاحباء ثم قال انطلقوا بنا الى القبور فجعلت احدى الطائفتين يقول فيكم مثل فلان و مثل فلان و يشيرون الى القبور و قال الكلبي نزلت فى حيين من قريش بنى عبد مناف و بنى قصى و بنى سهم قالت كل واحد نحن اكثر سيدا و أعز عزيزا و اكثر عددا فكثرهم بنو عبد مناف ثم قالوا نعد موتانا حتى زارو القبور فعدوهم فقالوا هذا القبر فلان و هذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لانهم كانوا فى الجاهلية اكثر عددا فانزل اللّه تعالى هذه الاية و على هذين الروايتين معنى قوله حتى زرتم المقابر حتى عددتم الأموات لاجل التكاثر بالأموات بعد ما استوعبتم عدد الاح ياء فعبر عن انتقالهم الى ذكر الأموات بزيارة القبور مجازا او يحمل على زيارة القبور حقيقة حيث انطلقوا الى المقابر بعد القبور حتى هذا للسببية عن عبد اللّه ابن السخير قال انتهيت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هو يقرأ هذه الاية ألهيكم التكاثر قال ابن آدم مالى مالى و هل لك من مالك الا ما أكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت رواه البغوي و عن انس بن مالك قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتبع الميت ثلثة فيرجع اثنان و يبقى معه واحد يتبعه اهله و ماله و عمله فيرجع اهله و ماله و يبقى عمله رواه البخاري و عن عياض بن حمار المجاشعي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان اللّه اوحى الى ان تواضعوا حتى لا يفتخر أحد على أحد و لا يبغى أحد على أحد رواه مسلم و عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لينتهين أقوام يفخرون بآبائهم الذين ماثوا انما هم محم من جهنم او ليكونن أهون على اللّه من الجعل الذي يد هده الخراء بانفه ان اللّه قد اذهب عنكم عبية الجاهلية و فخرها بالآباء انما هو مؤمن تقى او فاجر شقى الناس كلهم بنو آدم و آدم من تراب رواه الترمذي و ابو داود عن عقبة بن عامر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انسابكم هذه ليست بمسبة على أحد كلكم بنو آدم طف الصاع بالصاع لم تملوه ليس لاحد على أحد فضل الآبدين و تقوى كفى بالرجل ان يكون بذيا فاحشا بخيلا رواه احمد و البيهقي و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا كان يوم القيامة امر اللّه مناديا ينادى الا انى جعلت نسبا و جعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فابيتم الا ان تقولوا فلان ابن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم ارفع نسبى واضع نسبكم اين المتقون رواه الطبراني فى الأوسط.

٣

كَلَّا ردع عن التكاثر سَوْفَ تَعْلَمُونَ حذف مفعوله لدلالة السياق اى سوف تعلمون سوأ عاقبة تفاخركم و تكاثركم حين تعذبون عليه.

٤

ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ط تكرير لتأكيد الوعيد او تنصيص بوعيد اخر و فى ثم دلالة على ان الثاني ابلغ من الاول قيل الاول عند الموت او فى القبر و الثاني بعد البعث اخرج ابن جرير عن على قال كنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت إلهكم التكاثر الى كلا سوف تعلمون فى عذاب القبر.

٥

كَلَّا تأكيد للردع بعد تأكيد لَوْ تَعْلَمُونَ ما بين ايديكم عِلْمَ الْيَقِينِ ط اى علما كعلم الأمر المتيقن الموجود عندكم و جواب لو محذوف لتفخيمه يعنى لشغلكم ذلك عن غيره او لما تكاثرتم قال قتادة كنا نحدث ان علم اليقين ان يعلم ان اللّه باعث بعد الموت قلت يعنى علما بالغيب حاصلا بالاستدلال و لا يجوز ان يكون.

٦

لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ جوابا للشرط لانه محقق الوقوع بل هو جواب قسم محذوف أكد به الوعيد و أوعد ما انذرهم به بعد إبهامه تفخيما لشانه قلت و جاز ان يكون لو مجازا عن إذا تعلمون علم اليقين و ذلك عند الموت لترون الجحيم و لا ينفعكم علمكم حينئذ لفوات وقت التدارك قرا ابن عامر و الكسائي لترون بضم التاء على البناء للمجهول من اريت الشي ء و الباقون بفتح التاء و المراد بالروية هاهنا المعرفة و العلم و جاز ان يكون الروية بالأبصار فى القبور فان الكافرين يعرضون على النار فى القبور غدوا و عشيا كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى و ما هم عنها بغائبين.

٧

ثُمَّ لَتَرَوُنَّها بفتح التاء بلا خلاف يعنى ثم لترون الجحيم بعد النشور عَيْنَ الْيَقِينِ منصوب على المصدرية عن غير لفظ الفعل فان راى و عاين بمعنى واحد و به اندفع احتمال ان يكون الروية هاهنا بمعنى العلم و المعنى لترون رويته موجبة لليقين و من هاهنا سمى عين اليقين علما حاصلا بالروية و المشاهدة و لا شك ان الروية أقوى من اسباب العلم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليس الخبر كالمعائنة أخرجه الخطيب عن ابى هريرة و الطبراني عن انس بسند حسن و روى احمد و الطبراني بسند صحيح و الحاكم عن ابن عباس هذا و مع زيادة ان اللّه تعالى اخبر موسى بما صنع قومه فى العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا القى الألواح فانكسرت و قيل عين اليقين صفة لمصدر محذوف اى روية هى نفس اليقين مبالغة.

٨

ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ يعنى لم تركتم شكر النعم و كفرتم بها

قال البغوي فيسألون يوم القيمة عن شكر ما كانوا فيه قال مقاتل كان كفار مكة فى الدنيا فى الخير و النعمة و لم يشكروا رب النعم حيث عبدوا غيره ثم يعذبون على ترك الشكر هذا قول الحسن و عن ابن مسعود رفعه انتهى و الخطاب فى الاية مخصوص بالكفار الذين ألهاكم التكاثر و جاز ان يكون قوله تعالى لترون الجحيم الى اخر السورة خطابا عاما للناس أجمعين كقوله تعالى ان منكم الا واردها الاية و قد مر فى الحديث ان المؤمن يرى فى القبر اولا مقعدا من النار الذي أبدل منها مقعدا فى الجنة ليزداد شكرا (فائده) السؤال عن النعيم و ان كان بدلالة سياق الاية واحد تأويلها مختصا باهل التكاثر لكن ثبت بما تواتر من الأحاديث ان السؤال عام يسأل الكفار و المؤمنون اخرج ابن ابى حاتم عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هذه الاية قال الا من و الصحة و كذا عن ابن عباس فى الاية قال صحة الأبدان و الاسماع و الابصار يسال اللّه العباد فيما استعملوها

و اخرج الفريابي و ابو نعيم عن مجاهد فى هذه الاية قال كل شى ء من لذة الدنيا و عبد الرزاق عن قتادة فى هذه الاية انه قال ان اللّه سائل كل نعمة فيما أنعم عليه

و اخرج احمد فى الزهد عن ابى قلابة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هذه الاية قال ناس من أمتي يعقدون الثمن و العسل بالنفي فياكلونه

و اخرج الترمذي عن ابى هريرة قال لما نزلت هذه الاية قال الناس يا رسول اللّه عن اى النعيم نسال و انما هى الأسود ان و العدو حاضر و سيوفنا على عواتقنا قال اما ان ذلك سيكون

و اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة قال لما نزلت هذه الاية قالوا يا رسول اللّه و اى نعيم نحن فيه و انما نأكل فى انصاف بطوننا خيز الشعير فاوحى إليهم أ ليس تتخذون النعال و تشربون الماء البارد فهذا من النعيم و عن على رضى اللّه عنه قال من أكل خبز البرّ و كان له ظل و شرب الماء الفرات فذلك من النعيم الذي يسئل عنه و روى الحاكم فى المستدرك عن ابى هريرة فى حديث مسيره صلى اللّه عليه و سلم و ابى بكر و عمر الى بيت ابى الهيثم و أكلهم الرطب و اللحم و شربهم الماء قوله صلى اللّه عليه و سلم ان هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة فلما كبر أصحابه قال إذا أصبتم مثل هذا و خبزتم بايديكم فقولوا بسم اللّه و على بركة اللّه و إذا أشبعتم فقولوا الحمد للّه الذي هو أشبعنا و أروانا و أنعم علينا و أفضل فان هذا و عن ابن عباس هذه القصة نحوه و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تناصحوا فى العلم و لا يكتم بعضكم بعضا فانه خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانة فى ماله و ان اللّه يسألكم عنه رواه الطبراني و الاصبهانى و عن ابى الدرداء أول ما يسئل عنه العبد ما عملت فيما علمت رواه احمد و ابن المبارك و عن ابن عمر مرفوعا يسئل العبد عن جاهه كما يسئل عن ماله رواه الطبراني و عن ابن عباس ما من عبد يخطو خطوة الا يسئل اللّه عنها ما أراد بها رواه ابو نعيم و عن معاذ مرفوعا ان المؤمن يسئل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه رواه ابو نعيم و ابن ابى حاتم عن الحسن مرفوعا ما من عبد يخطب الا اللّه سائله منها ماذا أراد بها مرسل جيد الاسناد رواه البيهقي و كلمة ثم فى الاية تدل على ان السؤال بعد روية الجحيم قلت و ذلك لاجل ان السؤال يكون على الصراط قال اللّه تعالى وقفوهم انهم مسئولون و عن ابى هريرة الأسلمي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يزال قد ما عبد عن الصراط حتى يسئل عن اربع عن عمره فيما أفناه و عن جسده فيما أبلاه و عن علمه فيما عمل فيه و عن ماله من اين اكتسبه و فيما أنفقه رواه مسلم و روى الترمذي و ابن مردويه عن ابن مسعود مثله قال القرطبي هذه العمومات مخصوصة بأحاديث من يدخل الجنة بغير حساب عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم لا يستطيع أحدكم ان يقرأ الف اية فى كل يوم قالوا و من يستطيع ان يقرأ الف اية فى يوم قال اما يستطيع أحدكم ألهيكم التكاثر رواه الحاكم و البيهقي و اللّه تعالى اعلم

﴿ ٠