سُورَةُ الْفِيلِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ خَمْسُ آياَتٍ

مكيّة و هى تسع آيات

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

أَ لَمْ تَرَ خطاب للنبى صلى اللّه عليه و سلم و الاستفهام للانكار و انكار النفي اثبات و الغرض منه التقرير يعنى قد رايت يا محمد و هو صلى اللّه عليه و سلم و ان لم يشهد تلك الوقعة لكن شاهد اثارها و سمع بالتواتر اخبارها فكانه راها و جاز ان يكون الروية بمعنى العلم و الجملة الاستفهامية التي بعدها سدت مسد مفعولى ترو فيه اشارة الى نظره صلى اللّه عليه و سلم و ان يفعل باعدائه مثل ما فعل باصحاب الفيل كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ استفهام للتعجب و لذا لم يقل ما فعل لان المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم اللّه و قدرته و عزة بيته و شرف نبيه صلى اللّه عليه و سلم فانها من الارهامات و كانت قصة الفيل توطية لنبوته و مقدمة لظهوره و بعثته و الا فاصحاب الفيل كما قال ابن نعيم كانوا نصارى اهل الكتاب و كان دينهم خيرا من دين اهل مكة إذ ذلك لانهم كانوا عبدة الأوثان و كان قدوم الفيل يوم الأحد لثلث عشر ليلة بقيت من المحرم و به قال ابن عباس و من العلماء من حكى الاتفاق عليه و قال كل قول يخالفه و هم و فى ذلك العام ولد النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد نحو من الشهرين فى شهر ربيع الاول من تلك السنة كذا قال الأكثرون و هر الأصح و قيل بعده بثلثين عاما و قال مقاتل بأربعين عاما و قيل بسبعين عاما و قال الكلبي بثلث و عشرين سنة و الاول أصح كذا فى خلاصة السير بِأَصْحابِ الْفِيلِ و هم ابرهة ملك اليمن و أصحابه قال الضحاك و كانت الفيلة ثمانية و قيل اثنى عشر سوى الفيل الأعظم الذي يقال له المحمود و انما وحد لانه نسبهم الى الفيل الأعظم و قيل لوفاق رءوس الآي و قصة اصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن اسحق عن بعض اهل العلم عن سعيد بن جبير و عكرمة عن ابن عباس و ذكره الواقدي ان النجاشي ملك الحبشة كان قد بعث ارياطا الى الأرض اليمن فغلب عليها فقام رجل يقال له ابرهة بن الصباح من رجال الحبشة فساخط ارياط فى امر الحبشة حتى انصدعوا صدعين فكانت طائفة مع ارياط و طائفة مع ابرهة فتزاحما فقتل ابرهة ارياطا و اجتمعت الحبشة لابرهة و غلب على اليمن و أفرد النجاشي ثم ان ابرهة راى الناس يتجهزون ايام الموسم الى مكة لحج بيت اللّه فبنى كنيسة بصنعاء و كتب الى النجاشي انى صنعت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها بيت فتهيأ حتى اصرف إليها حج العرب فسمع به رجل من بنى مالك بن كنانة فخرج إليها ليلا فقعد فيها ليلا و لطخ بالعذرة قبلتها فبلغ ذلك ابرهة فحلف ابرهة ليسيرن الى كعبة حتى يهدمها فكتب الى النجاشي يخبره بذلك و ساله ان يبعث اليه بفيلة يقال له محمود و لم ير مثله عظيما و قوة فبعث اليه فخرج ابرهة سايرا الى مكة فسمعت العرب بذلك فعظموه و رأو جهاده حقا عليهم فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر مقاتله فهزمه ابرهة و أخذ ذا نفر و لم يقتله و أوثقه ثم سار حتى إذا دنى من بلاد خثعم خرج نفيل بن حبيب الخثعمي فى خثعم و اجتمع اليه قبائل اليمن فقاتلوه و أخذ نفيلا فقال نفيل ايها الملك انى دليل بأرض العرب فاستبقاه و خرج معه يدله على الطريق حتى إذا مر بالطائف خرج مسعود بن مغيث الثقفي فى رجال من ثقيف فقال ايها الملك نحن عبيدك ليس لك عندنا خلاف انما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه فبعثوا بارغال مولى لهم فخرج حتى إذا كان بالمغمس يأت ابو رغال و هو الذي يرجم قبره فبعث ابرهة من المغمس رجلا من الحبشة يقال له الأسود يسوق اليه اموال الحرم و أصاب لعبد المطلب مأتى بعير ثم ان ابرهة بعث بحناطة الحميرى الى اهل مكة فقال أسأل عن شريفها ثم أخبره انى لم ات لقتال انما جئت لاهدم هذا البيت فانطلق حتى دخل مكة فلقى عبد المطلب و قال له ما قال ابرهة فقال عبد المطلب ماله عندنا قتال فتخلى به و بين ما جاء به فان هذا بيت اللّه الحرام و بيت خليل عليه السلام فان يمنعه فهو بيته و حرمه و ان يخل بينه و بين ذلك فو اللّه ما لنا به قوة فقدم عبد المطلب العسكر لطلب ابله و كان ذو نفر صديقا له فاتاه فقال له ذو نفر الى رجل أسير و لكن سابعثك الى أنيس سائس الفيل فانه لى صديق قال ذو نفر لا تيس هذا سيد القريش و صاحب عير مكة الذي يطعم الناس فى السهل و الوحوش فى الجبال ليستاذن عليك و قد جاء غير ناصب لك و لا مخالف عليك فاذن له و كان عبد المطلب رجلا جسيما و سيما فلما رآه ابرهة أعظمه و أكرمه و كره ان يجلس معه على سريره و ان يجلس تحته فهبظ الى البساط فجلس عليه ثم دعاه فاجلسه معه و قال لترجمانه قل له ما حاجتك الى الملك فقال عبد المطلب حاجتى مأتى بغير فقال ابرهة لقد كنت أعجبتني حين رايتك و لقد زهدت فيك جيئت الى بيت هو دينك و دين ابائك و هو شرفكم و عصمتكم لاهدمه لم لا تكلمنى فيه و تكلمنى فى مائتى بعير أصبتها فقال عبد المطلب انا رب هذا الإبل و ان لهذا البيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمنعه منى فأمر بإبله فردت عليه و جاء عبد المطلب و اخبر قريشا الخبر و أمرهم ان يتفرقوا فى الشعاب و يتحرزوا فى رؤس الجبال تخوفا عليهم من معرفة الحبش ففعلوا و اتى عبد المطلب الكعبة و أخذ بحلقة الباب و جعل يقول يا رب لا رجو لهم سواك يا رب فامنع منهم حماك ان عدو البيت من عداك امنعهم ان يخربوا قراك و قال ايضا لا هم ان العبد يمنع رحلة فامنع رحالك و انصر على ال الصليب و عابد له اليوم الك لا يغلبن صليبهم و محالهم و عدو محالك جروا هموع بلادهم و الفيل كى يسبو عيالك عمدوا حماك بكيدهم جهلا و ما رقبوا جلالك ان كنت تاركهم و كعبتنا فامر ما بدا لك ثم ترك عبد المطلب الحلقة و توجه فى بعض تلك الوجوه مع قومه و أصبح ابرهة بالمغمس قد تهيا للدخول و هيأ جيشه و هيأ فيله و كان فيلا لم ير مثله فى العظمة و القوة و يقال كانت معه اثنى عشر فيلا فأقبل نفيل الى الفيل الأعظم ثم أخذ باذنه و قال ابرك محمود و ارجع راشدا من حيث جئت فانك فى بلد اللّه الحرام فبرك الفيل فبعثوه فأبى فضربوه بالمعول راسه فأبى فادخلوا محاجنهم تحت مراثقة ففزعوه ليقوم فأبى فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول و وجهوه الى الشام ففعل ذلك و وجهوه الى المشرق ففعل مثل ذلك فصرفوه الى الحرم فابى ان يقوم و خرج نفيل يشتد حتى صعد الى الجبل و أرسل اللّه عز و جل طيرا من البحر مثل الخطاطيف مع كل طاير منها ثلثة أحجار حجران فى رجليه و حجر فى منقاره مثل الحمص و العدس فلما غشين القوم ارسلنها عليهم فلم يصب تلك الحجارة أحدا الا هلك و ليس كل القوم أصاب و خرجوا هاربين لا يهتدون الى الطريق الذين جاؤا يتساءلون عن نفيل بن حبيب ليدلهم الى الطريق الى اليمن و نفيل ينظر إليهم من بعض تلك الجبال و صرح القوم و ماج بعضهم فى بعض يتساقطون كل طريق و يهلكون على كل منهل ما كان على الطريق و بعث اللّه الى ابرهة داء فى جسده فجعل يتساقط أنامله كلما سقطت انملة اتبعتها مدة من قيح و دم فانتهى الى صنعاء و هو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه و ما مات حتى انصدع صدره من قبله ثم هلك قال الواقدي و اما محمود فيل النجاشي فركض و لم يشجع على الحرم فنجا و الفيل الاخر شجع يضرب اى رمى بالحصاء و زعم مقاتل بن سليمن ان السبب الذي جرى اصحاب الفيل ان فئة من قريش خرجوا تجارا الى الأرض النجاشي فدنوا من ساحل البحر ثم بيعة النصارى تسميا قريش الهيكل فنزلوا فاججوا نارا فاشتورا فلما ارتحلوا تركوا النار كما هى فى يوم عاصف فهبت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ الى النجاشي فاسف غضبا للبيعة فبعث ابرهة لهدم الكعبة و قال انه كان بمكة يومئذ سعيد الثقفي و كان مكفوف البصر يصيف بالطائف و يشتوا بمكة و كان رجلا نبيها و نبيلا يستقيم الأمور برايه و كان خليل عبد المطلب فقال له عبد المطلب ماذا عندك هذا يوم يستغنى فيه من رايك فقال ابو مسعود اصعد بنا الى حراء و صعد الجبل فقال ابو مسعود لعبد المطلب اعمد الى مائة ابل فاجعلها اللّه و قلدها فعلا ثم ابعثها فى الحرم لعل بعض هذا السودان يعقر منها فيغضب رب هذا البيت فياخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم الى تلك الإبل فحملوا عليها و عقروا بعضها و جعل عبد المطلب يدعو فقال ابو مسعود ان لهذا البيت ربا يمنعه و قد نزل تبع ملك من اليمن صحن هذا البيت و أراد هدمه فمنعه اللّه و ابتلاه و اظلم عليه ثلثة ايام فلما راى تبع ذلك كساه القباطي البيض و عظمه و نحر له الجزور فنظر ابو مسعود الى البحر فراى شيئا فقال لعبد المطلب فانظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال ارى طيرا بيضا نشأت من شاطى البحر فقال ارفعها يبصرك اين قرارها فدارت على رؤسنا قال هل تعرفها قال و اللّه ما اعرفها ما هى نجدية و لا تهامية و لا عربية و لا شامية قال ما قدرها قال أشباه اليعاسيب فى منقارها حصى كانها حصى الحذف قد أقبلت كالليل يتبع امام كل فرقة طير يقودها احمر المنقار اسود الراس طويل العنق فجاءت حتى حاذت بعسكر القوم ركدت فوق رؤسهم فلما توافقت الرجال كلها اهالت الطير ما فى مناقيرها على ما تحتها مكتوب فى كل حجر اسم صاحبه ثم انها انضاغت راجعة من حيث جاءت فلما أصبحا تحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يونسا أحدا ثم أتوا ربوة فلم يسمعها حسا فقال بات القوم خامدين فاصبحوا نياما فلما دنوا عن عسكر القوم فاذا هم خامدون فكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع فى دماغه و يخرق الفيل و الدابة و يغيب الحجر فى الأرض من شدة وقعة فعمد عبد المطلب فاخذ فأسا من قوسهم فتحفر حتى اعمق من الأرض فملاه من الذهب الأحمر و الجوهر و حفر لصاحبه فملاه ثم قال لانى مسعود هات فاختر ان شئت حفرتى و ان شئت حفرتك و ان شئت فهما لك معا قال ابو مسعود اختر على نفسك قال عبد المطلب انى لم ال ان اجعل أجود المتاع فى حفرتى فهو لك و جلس كل منها على حفرته و نادى عبد المطلب فى الناس فراجعوا و أصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا و ساد عبد المطلب بذلك قريشا فاعطته القادة فلم يزل عبد المطلب و ابو مسعود فى أهلها فى غناء من ذلك المال و دفع اللّه عن كعبة.

٢

أَ لَمْ يَجْعَلْ استفهام للانكار مثل الم تر كَيْدَهُمْ مكرهم و سعيهم فى تخريب البيت فِي تَضْلِيلٍ تضيع و ابطال.

٣

وَ أَرْسَلَ عطف على مضمون الم يجعل اى جعل عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ صفة طيراى كثيرة متفرفة تبع بعض جماعة جماعة اخرى يقال جاءت الخيل ابابيلا من هاهنا و من هاهنا جمع ابالة و هى الحزمة الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير فى تضامها كذا قال ابو عبيد و قال الفراء لا واحد لها من لفظها و قال الكسائي جمع أبول مثل عجول و عجاجيل و قيل جمع ابل.

٤

تَرْمِيهِمْ اى اصحاب الفيل صفة اخرى للطير بِحِجارَةٍ كائنة مِنْ سِجِّيلٍ من طين متحجر معرب سنك كل و قيل مشتق من السجل و هو الدلو الكبير او الاسجال و هو إرسال او من السجل و معناه من الجملة العذاب المكتوب لاجلهم قال ابن عباس طيرا لها خراطيم الطير و اكف كاكف الكلاب قال عكرمة لها روس كرؤس السباع و قال الربيع لها أنياب كانياب السباع و قال سعيد بن جبير طير خضر لها مناقير صفر و قال قتادة طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا قال ابن مسعود صاحب الطير ورقهم بالحجارة و بعث اللّه له بها فضربت الحجارة فزادته شدة فما وقع منها حجر على رجل الا خرج من الجانب الاخر و ان وقع فى راسه خرج من دبره.

٥

فَجَعَلَهُمْ عطف على أرسل كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ع مفعول ثان لجعل اى جعلهم كزرع و تبن أكلته الدواب فراتّه و تفرقت اجزاءه شبه تقطع أوصالهم بتفرق اجزاء الروث

و قال مجاهد العصف ورق الحنطة و قال قتادة هو التبن و قال ابن عباس هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف و معنى مأكول يعنى أكلته الدواب- و اللّه تعالى اعلم.

﴿ ٠