معاني القرآن للأخفشلأبي الحسن سعيد بن مسعدة البلخي ثم البصري الأخفش الأوسط (ت ٢١٥ هـ ٨٣١ م) _________________________________ كتاب مهم جداً في تفسير ما يشكل على القرّاء من الفاظ وتراكيب ومعاني القرآن الكريم، فقد شرح عدداً كبيراً من المعاني الغامضة التي يصعب فهمها على اكثر الناس. ويعدّ هذا الكتاب اضافة الى كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة وكتاب معاني القرآن للفراء من الكتب الأولى التي كانت السباقة في خوض هذا النوع من التفاسير، وقد ألفه الأخفش بعد اتصاله بالكسائي ببغداد.يمتاز اسلوب الكتاب بالدقة والتحرّي والسهولة والوضوح، واعتمد على اقوال العرب واشعارهم في توضيح المعاني سورة الفاتحة١{ب سْم اللّه الرّحْمن الرّح يم }: "اسم" [في التسمية] صلة زائدة، زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم الى قصد التبرّك, لان اصل الكلام "باللّه" وحذفت الألف من "بسم" من الخط تخفيفاً لكثرة الاستعمال واستغناء عنها بباء الالصاق في اللفظ والخط فلو كتبت "باسم الرحمن" او "باسم القادر" أو "باسم القاهر" لم تحذف الالف. والألف في "اسم" ألف وصل، لانك تقول: "سُمْيّ" وحذفت لانها ليست من اللفظ. (اب) اسمٌ، لانك تقول اذا صغّرته: "سُميّ"، فتذهب الاف. وقوله: {وامْرأتُهُ حمّالة الْحطب }، وقوله: {وبعثْنا م نهُمُ اثْنيْ عشر نق يباً} فهذا موصول لانك تقول: "مُريّة" و "ثُنيّا عشر" . و [قوله]: {فانفجرتْ م نْهُ اثْنتا عشْرة عيْناً} موصول: لانك تقول: "ثُنيّتا عشرة"، وقال: {إ ذْ أرْسلْنآ إ ليْه مُ اثْنيْن فكذّبُوهُما}، وقال: {ما كان أبُوك امْرأ سوْءٍ}، لانك تقول في "اثنين": "ثُنيّ يّن" وفي "آمرىء": "مُرىّء " فتسقط الالف. وانما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها لما ارادوا استئنافه فلم يصلوا الى الابتداء بساكن، فأحدثوا هذه الالف ليصلوا الى الكلام بها. فاذا اتصل [الكلام] بشيء قبله استغنى عن هذه الالف. وكذلك كل الف كانت في اول فعل او مصدر، وكان "يفْعل" من ذلك الفعل ياؤه مفتوحة فتلك ألف وصل نحو قوله: {وإ يّاك نسْتع ينُ} {اهْد نا}. لانك تقول: "يهْد ي" فالياء مفتوحة. وقوله: { أُوْلائ ك الّذ ين اشْترُواْ الضّلالة} و [قوله]: {ياهامانُ ابْن ل ي صرْحاً}، وقوله: {عذابٌ [٤١] ارْكُضْ ب ر جْل ك}، وأشباه هذا في القرآن كثيرة. والعلة فيه كالعلّة في "اسم"، و "اثنين" وما أشبهه، لانه لما سكن الحرف الذي في اول الفعل جعلوا فيه هذه الالف ليصلوا الى الكلام به اذا استأنفوا. وكل هذه الالفات (٢ء) اللواتي في الفعل اذا استأنفتهنّ مكسورات، فاذا استأنفت قلت {اهْد نا الصّراط}, {ابْن ل ي}, {اشْترُواْ الضّلالة}، الا ما كان منه ثالث حروفه مضموما فانك تضم أوله اذا استأنفت، تقول: {ارْكُضْ ب ر جْل ك}، وتقول{اذْكُرُواْ اللّه كث يراً}. وانما ضمت هذه الالف اذا كان الحرف الثالث مضموماً لانهم لم يروا بين الحرفين إلا حرفاً ساكنا, فثقل عليهم ان يكونوا في كسر ثم يصيروا الى الضم. فارادوا أن يكونا جميعاً مضمومين اذا كان ذلك لا يغير المعنى. وقالوا في بعض الكلام في "المُنْت ن": م نْت ن". وانما هي من ""أنتن" فهو "مُنْت ن"، مثل "أكرم" فهو "مُكْر م". فكسرو الميم لكسرة التاء. وقد ضم بعضهم التاء فقال "مُنْتُن" لضمة الميم. وقد قالوا في "النق د": "الن ق د" فكسروا النون لكسرة القاف. وهذا ليس من كلامهم الا فيما كان ثانيه احد الحروف الستة نحو "شعير". والحروف الستة: الخاء والحاء والعين والغين والهمزة والهاء وما كان على "فُع ل" مما في أوله هذه الالف الزائدة فاستئنافه ايضاً مضموم نحو: {اجْتُثّتْ م ن فوْق الأرْض } لان أول "فُع ل" ابداً مضموم، [٢ب] والثالث من حروفها ايضاً مضموم. وما كان على "أفعلُ أنا" فهو مقطوع الالف وإن كان من الوصل، لأن "أفْعلُ" فيها ألف سوى ألف الوصل، وهي نظيرة الياء في "يفْعل". وفي كتاب اللّه عز وجل {ادْعُون ي أسْتج بْ لكُمْ}، و {أناْ آت يك ب ه }و {وقال الْمل كُ ائْتُون ي ب ه أسْتخْل صْهُ ل نفْس ي}. وما كان من نحو الالفات اللواتي ليس معهن اللام في أول اسم، وكانت لا تسقط في التصغير فهي مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال نحو قوله: {هذآ أخ ي لهُ ت سْعٌ}، وقوله {ياأبانآ}، وقوله، {إ نّها لإ حْدى الْكُبر }، و {قالتْ إ حْداهُما} {حتّى إ ذا جآء أحدهُمُ}, لانها اذا صغرت ثبتت الالف فيها، تقول في تصغير "إحدى": "أُحيْدى"، و "أحد": "أُحيْد", و "أبانا": "أُبيُّنا" و كذلك "أُبيّان " و "أُبيُّون". وكذلك [الالف في قوله] {م ن الْمُهاج ر ين والأنْصار }و {أُخْر جْنا م ن د يار نا وأبْنآئ نا}، لانك تقول في "الأنصار": "أُنيْصار"، وفي "الأنباء ": "أُبيْناء" و "أُبيْنُون". وما كان من الالفات في أول فعل أو مصدر، وكان "يفْعل" من ذلك الفعل ياؤه مضمومة, فتلك الالف مقطوعة. تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله {ب مآ أُنْز ل إ ليْك}، لأنك تقول: "يُنْزل". فالياء مضمومة. و {ربّنآ آت نا} تقطع لان الياء مضمومة، لأنك تقول: "يُؤْت ى". وقال {وب الْوال ديْن إ حْساناً}و {وإ يتآء ذ ي الْقُرْبى} لأنك تقول: "يُؤت ي"، و "يُحْس ن" [٣ء]. وقوله: {وقال الْمل كُ ائْتُون ي ب ه أسْتخْل صْهُ ل نفْس ي}، و {وقال ف رْعوْنُ ائْتُون ي ب كُلّ ساح رٍ عل يمٍ} فهذه موصولة لأنك تقول: "يأتي"، فالياء مفتوحة. وانما الهمزة التي في قوله: {وقال الْمل كُ ائْتُون ي ب ه } همزة كانت من الاصل في موضع الفاء من الفعل، الا ترى انها ثابتة في "أتيت" وفي "أتى" لا تسقط. وسنفسر لك الهمز في موضعه إن شاء اللّه. وقوله: {آت نا} يكون من "آتى" و "آتاه اللّه"، كما تقول: "ذهب" و "أذهبه اللّه" ويكون على "أعطنا". قال {فآت ه مْ عذاباً} على "فعل"و "أفْعلهُ غيرُه". وأما قوله: {الرحمن الرّح يم الْحمْدُ} فوصلت هذه الأسماء التي في أوائلها الالف واللام حتى ذهبت الالف في اللفظ. وذلك لان كل اسم في أوله ألف ولام زائدتان فالالف تذهب اذا اتصلت بكلام قبلها. واذا استأنفتها كانت مفتوحة ابداً لتفرق بينها وبين الالف التي تزاد مع غير اللام, ولان هذه الالف واللام هما جميعاً حرف واحد كـ"قد" و "بل". وانما تعرف زيادتهما بأن تروم الفا ولاما اخريين تدخلهما عليهما، فان لم تصل الى ذلك عرفت انهما [٣ب] زائدتان الاترى ان قولك "الحمدُ للّه" وقولك: "العالمين" وقولك "التي" و "الذي" "و اللّه" لا تستطيع أن تدخل عليهن الفا ولاما أخريين؟ فهذا يدل على زيادتهما، فكلما اتصلتا بما قبلهما ذهبت الالف. الا أن توصل بالف الاستفهام فتترك مخففة، [و] لا يخفف فيها الهمزة الاناس من العرب قليل، وهو قوله {ءآللّه أذ ن لكُمْ} وقوله {ءآللّه خيْرٌ أمّا يُشْر كُون} وقوله {آلآن وقدْ عصيْت قبْلُ}. وانما مدت في الاستفهام ليفرق بين الاستفهام والخبر. الا ترى انك لو قلت وأنت تستفهم: "الرجل قال كذا وكذا" فلم تمددها صارت مثل قولك "الرجل قال كذا وكذا" اذا اخبرت. وليس سائر الفات الوصل هكذا. قال{أصْطفى الْبنات على الْبن ين}، وقال {أفْترى على اللّه كذ باً أم ب ه ج نّةٌ}. فهذه الالفات مفتوحة مقطوعة، لأنها ألف استفهام، وألف الوصل التي كانت في "اصطفى" [و "افترى"] قد ذهبت، حيث اتصلت الصاد [والفاء] بهذه الالف التي قبلها للاستفهام. وقال من قرأ هذه الآية {كُنّا نعُدُّهُمْ مّ ن الأشْرار } {أتّخذْناهُمْ} فقطع الف "أتخذناهم" فانما جعلها ألف استفهام وأذهب ألف الوصل التي كانت بعدها، لانها اذا اتصلت بحرف قبلها ذهبت. وقد قرىء هذا الحرف موصولا، وذلك انهم حملوا قوله {أمْ زاغتْ [٤ء] عنْهُمُ الأبْصار}على قوله {ما لنا لا نرى ر جالاً كُنّا نعُدُّهُمْ مّ ن الأشْرار } {أمْ زاغتْ عنْهُمُ الأبْصار}. وما كان من اسم في اوله الف ولام تقدر أن تدخل عليهما الفا ولاما أخريين، فالالف من ذلك مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله {ما لكُمْ مّ نْ اله غيْرُهُ} لانك لو قلت "الإ له" فأدخلت عليها الفا ولاما جاز ذلك . وكذلك "ألواح" و إلهام" و "إلقاء" مقطوع كله، لأنه يجوز ادخال الف ولام أخريين. فأما "إلى" فمقطوعة ولا يجوز ادخال الالف واللام عليها لأنها ليست باسم، وانما تدخل الالف واللام على الاسم. ويدلك على ان الالف واللام في "إلى" ليستا بزائدتين انك انما وجدت الالف واللام تزادان في الأسماء، ولا تزادان في غير الأسماء، مثل "إلى" و "ألاّ". ومع ذلك تكون الف "إلى" مكسورة والف اللام الزائدة لا تكون مكسورة. ٢وأما قوله {الْحمْدُ للّه} فرفعه على الابتداء. وذلك ان كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع، وخبره ان كان هو هو فهو ايضاً مرفوع، نحو قوله {مُّحمّدٌ رّسُولُ اللّه} وما أشبه ذلك . وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها. فانما رفع [٤ب] المبتدأ ابتداؤك اياه، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم [و] كما كانت "أنّ" تنصب الاسم وترفع الخبر فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر. وقال بعضهم: "رفع المبتدأ خبره" وكل حسن، والأول أقيس. وبعض العرب يقول {الْحمْد للّه} فينصب على المصدر، وذلك ان اصل الكلام عنده على قوله "حمْداً للّه" يجعله بدلا من اللفظ بالفعل، كأنه جعله مكان "أحْمدُ" ونصبه على "أحْمدُ" حتى كأنه قال: "أحْمدُ حمْداً" ثم ادخل الالف واللام على هذه. وقد قال بعض العرب {الْحمْد للّه} فكسره، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة، وذلك ان الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرّك اواخرها حركة واحدة لا تزول علتها نحو "حيْثُ" جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال، وبعضهم يقول "حوْثُ" و "حيْث" ضم وفتح. ونحو "قبْلُ" و "بعْدُ" جعلتا مضمومتين على كل حال. وقال اللّه تبارك وتعالى {للّه الأمْرُ م ن قبْلُ وم ن بعْدُ} فهما مضموتان الا ان تضيفهما، فاذا اضفتهما صرفتهما. قال {لا يسْتو ي م نكُم مّنْ أنفق م ن قبْل الْفتْح وقاتل} و {كالّذ ين م ن قبْل كُمْ} و {والّذ ين جآءُوا م ن بعْد ه مْ} وقال {مّ ن قبْل أن نّبْرأهآ} وذلك ان قوله {أن نّبْرأهآ} اسم أضاف اليه {قبْل} [٥ء] وقال {م ن بعْد أن نّزغ الشّيْطانُ}. وذلك ان قوله {أن نّزغ} اسم هو بمنزلة "النزْغ"، لأن "أنْ" الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم، فأضاف اليها" بعْد". وهذا في القرآن كثير. ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال اللّه عز وجل {إ نّ هؤُلآء ضيْف ي} و {هآأنْتُمْ أُوْلاء تُح بُّونهُمْ} مكسورة على كل حال. فشبهوا "الحمد" وهو اسم متمكن في هذه اللغة بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة، كما قالوا "يا زيدُ". وفي كتاب اللّه {ياهامانُ ابْن ل ي صرْحاً} هو في موضع النصب، لان الدعاء كلّه في موضع نصب، ولكن شبه بالأسماء التي ليست بمتمكنة فترك على لفظ واحد، يقولون: "ذهب أمس بما فيه" و "لق يتهُ أمس يا فتى"، فيكسرونه في كل موضع في بعض اللغات. وقد قال بعضهم: "لق يتهُ الأمسّ الأحدث" فجرّ أيضاً وفيه الف ولام، وذلك لا يكاد يعرف. وسمعنا من العرب من يقول: {أفرأيْتُمُ اللاّت والْعُزّى}، ويقول: "هي اللات قالت ذاك" فجعلها تاء في السكوت، و "هي اللات فاعلم" جرّ في موضع الرفع والنصب. وقال بعضهم "من الآن إلى غد" فنصب لانه اسم غير متمكن. واما قوله: "اللات فاعلم" [٥ب] فهذه مثل "أمس " وأجود، لان الالف واللام التي في "اللات" لا تسقطان وان كانتا زائدتين. واما ما سمعنا في "اللات والعزى" في السكت عليها فـ"اللاه" لانها هاء فصارت تاءً في الوصل وهي في تلك اللغة مثل "كان من الأمر كيت وكيت ". وكذلك "ههيات " في لغة من كسر. الا انه يجوز في "هيهات" ان تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث، ولا يجوز ذلك في "اللات "، لان "اللات" و "كيت" لا يكون مثلهما جماعة، لان التاء لا تزاد في الجماعة الا مع الألف فان جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد. وزعموا ان من العرب من يقطع ألف الوصل. أخبرني من أثق به أنه سمع من يقول: "يا إ بني" فقطع. وقال قيْس بن الخطيم [من الطويل وهو الشاهد الأول]. اذا جاوز الإ ثنين سرٌّ فإنّه * بنشرٍ وتكثير الوشاة قمين وقال جميل: [من الطويل وهو الشاهد الثاني]: ألا لا أرى إ ثنين أكرم شيمةً * على حدثان الدهر مني ومن جُمْل وقال الراجز: [وهو الشاهد الثالث]. يا نفسُ صبراً كلُّ حي لاق * وكلُّ إثنين إلى افتراق [٦ء] وهذا لا يكاد يعرف. وقوله: {للّه} جر باللام كما انجر قوله: ربّ الْعالم ين ٣{الرحمن الرّح يم } لانه من صفة قوله {للّه}. فان قيل: "وكيف يكون جرّا وقد قال: {إ يّاك نعْبُدُ [٥]}. وأما فتح نون {الْعالم ين} فانها نون جماعة، وكذلك كل نون جماعة [زائدة] على حدّ التثنية فهي مفتوحة.وهي النون الزائدة التي لا تغيّر الاسم عما كان عليه: نحو نون "مسلمين" و "صالحين" و "مؤمنين" فهذه النون زائدة لأنك تقول: "مسلم" و "صالح" فتذهب النون [٦ب]، وكذلك "مؤمن" قد ذهبت النون الآخرة، وهي المفتوحة، وكذلك "بنون". ألا ترى [انك] انما زدت على "مؤمن" واوا ونونا, وياء ونونا, وهو على حاله لم يتغير لفظه، كما لم يتغير في التثنية حين قلت "مؤمنان" و "مؤمنين". الاّ انك زدت ألفا ونونا، أو ياء ونونا للتثنية. وانما صارت هذه مفتوحة ليفرق بينهما وبين نون الاثنين. وذلك أن نون الاثنين مكسورة أبدا. قال: {قال رجُلان م ن الّذ ين يخافُون أنْعم اللّه} وقال {أرْسلْنآ إ ليْه مُ اثْنيْن فكذّبُوهُما} والنون مكسورة. وجعلت الياء للنصب والجرّ نحو "العالمين" و "المتقين", فنصبهما وجرهما سواء، كما جعلت نصب "الاثنين " وجرهما سواء، ولكن كسر ما قبل ياء الجميع وفتح ما قبل ياء الاثنين ليفرق ما بين الاثنين والجميع، وجعل الرفع بالواو ليكون علامة للرفع، وجعل رفع الاثنين بالالف. وهذه النون تسقط في الاضافة كما تسقط نون الاثنين، نحو قولك: "بنوك" "ورأيت مسلميك" فليست هذه النون كنون "الشياطين" و "الدهاقين" و "المساكين". لان "الشياطين" و "الدهاقين" و "المساكين" نونها من الاصل [٧ ء] ألا ترى انك تقول: [شيطان] و "شُييطين" و "د هقان" "دُهيْقين" و "م سْكين" و "مُسيْكين" فلا تسقط النون. فأما "الذين" فنونها مفتوحة، لانك تقول: "الذي" فتسقط النون لانها زائدة، ولانك تقول في رفعها: "اللذون" لان هذا اسم ليس بمتمكن مثل "الذي". ألا ترى أن "الذي" على حال واحدة. الا انّ ناسا من العرب يقولون: "هم اللذون يقولون كذا وكذا". جعلوا له في الجمع علامة للرفع، لان الجمع لا بد له من علامة، واو في الرفع، وياء في النصب والجرّ وهي ساكنة. فأذهبت الياء الساكنة التي كانت في "الذي" لانه لا يجتمع ساكنان، كذهاب ياء "الذي" اذا ادخلت الياء التي للنصب، ولانهما علامتان للاعراب. والياء في قول من قال "هم الذين" مثل حرف مفتوح او مكسور بني عليه الاسم وليس فيه اعراب. ولكن يدلك على انه المفتوح او المكسور في الرفع والنصب والجر الياء التي للنصب والجرّ لأنها علامة للاعراب. وقد قال ناس من العرب "الشياطون" لانهم شبّهوا هذه الياء التي كانت في "شياطين" اذا كانت بعدها نون، وكانت في جميعٍ وقبلها كسرة، بياء الاعراب التي في الجمع. فلما صاروا الى الرفع ادخلوا الواو. وهذا يشبه "هذاجُحرُ ضبٍّ خر بٍ" [٧ب] فافهم. ٤وأما قوله: {مال ك يوْم الدّ ين } فانه يجرّ لانه من صفة "اللّه" عز وجل. وقد قرأها قوم {مالك} نصب على الدعاء وذلك جائز, يجوز فيه النصب والجرّ, [وقرأها قوم {ملْك}] الا أن "الملْك" اسم ليس بمشتق من فعل نحو قولك: "ملْك ومُلوك" وأما "المالك" فهو الفاعل كما تقول: "ملك فهو مال كٌ" مثل "قهر فهو قاهر". ٥{إ يّاك نعْبُدُ} فلأنه اذا قال "الحمدُ ل مال ك يوم الدين" فانه ينبغي ان يقول "إيّاهُ نعبد" فانما هذا على الوحي. وذلك ان اللّه تبارك وتعالى خاطب النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: "قل يا محمد": "الحمدُ للّه" وقل: "الحمدُ لمالك يوم الدين" وقل يا محمد: {إ يّاك نعْبُدُ وإ يّاك نسْتع ينُ}. وأما قوله {إيّاك نعْبُدُ} ولم يقل "أنت نعبد" [ف] لان هذا موضع نصب. واذا لم يقدر في موضع النصب على الكاف أو الهاء وما أشبه ذلك من الاضمار الذي يكون للنصب جعل "أ يّاك" أو "إيّاهُ" أو نحو ذلك مما يكون في موضع نصب. قال: {وإ نّآ أوْ إ يّاكُمْ لعلى هُدًى} لان هذا موضع نصب، تقول: "إني أو زيداً منطلق". و {ضلّ منْ تدْعُون إ لاّ إ يّاهُ}. هذا في موضع نصب. كقولك: "ذهب القوم الاّ زيدا". [و] انما صارت {إ يّاك} [في {إ يّاك نعْبُدُ}]في موضع نصب من اجل {نعْبُدُ} وكذلك : {إ يّاك نسْتع ينُ} أيضاً. واذا كان موضع رفع جعلت فيه "أنت" و "أنتما" و "أنتم"، و "هو" و "هي" واشباه ذلك . سورة ( الفاتحة ) ٦واما قوله {اهْد نا الصّر اط الْمُسْتق يم } فيقول: "عرّ فْنا". واهل الحجاز يقولون: "هديتُه الطريق" أي: عرّفته، وكذلك "هديتُه البيت" في لغتهم. وغيرهم يُلّحق به "الى". ٧{ص راط الّذ ين أنْعمْت عليْه مْ} نصب على البدل. و {أنْعمْت} مقطوع الالف لانك تقول "يُنع م" فالياء مضمومة فافهم. وقوله: {غيْر الْمغْضُوب عليْه م} هؤلاء صفة {الّذ ين أنْعمْت عليْه مْ} لان "الصراط" مضاف اليهم، فهم جرّ للاضافة. وأجريت عليهم "غير" صفة أو بدلا. و "غيْرٌ" و "م ثْلٌ" قد تكونان من صفة المعرفة التي بالالف واللام، نحو قولك: " إني لأمرّ بالرجل غير ك وبالرجل مثل ك فما يشتمني"، و "غيرٌ" و "مثلٌ" انما تكونان صفة للنكرة، ولكنهما [٨ء] قد احتيج اليهما في هذا الموضع فأجريتا صفة لما فيه الالف واللام، والبدل في "غير" أجود من الصفة، لان "الذي" و "الذين" لا تفارقهما الالف واللام، وهما أشبه بالاسم المخصوص من "الرجل" وما أشبهه. و "الصراط" فيه لغتان، السين والصاد، الاّ انا نختار الصاد لان كتابها على ذلك في جميع القرآن. وقد قال العرب "هم فيها الجمّاء الغفير" فنصبوا، كأنهم لم يدخلوا الالف واللام، وان كانوا قد اضهروهما كما أجروا "مثلك" و "غيرك" كمجرى ما فيه الالف واللام وان لم يكونا في اللفظ. وانما يكون هذا وصفا للمعرفة التي تجيء في معنى النكرة. الا ترى انك اذا قلت: "إنّي لأمرُّ بالرجل م ثلك" انما تريد "برجلٍ مثل ك". لأنك لا تحدّ له رجلا بعينه ولا يجوز اذا حددت له ذلك ، الا ان تجعله بدلا ولا يكون على الصفة. ألا ترى أنه لا يجوز "مررت بزيدٍ مثل ك" الا على البدل. ومثل ذلك : "إنّي لأمُرُّ بالرجل من اهل البصرة" ولو قلت: "إنّي لأمُرُ بزيدٍ من أهل البصرة" لم يجز الاّ ان تجعله في موضع حال. فكذلك {غيْر الْمغْضُوب عليْه م }. وقد قرأ قوم {غيْر الْمغْضُوب عليْه م} جعلوه على الاستثناء [٨ب] الخارج من اول الكلام. ولذلك تفسير سنذكره ان شاء اللّه، وذلك انه اذا استثنى شيئا ليس من أول الكلام في لغة أهل الحجاز فانه ينصب [و] * يقول "ما فيها أحدٌ إلاّ حماراً"، وغيرهم يقول: "هذا بمنزلة ما هو من الأول" فيرفع. فذا يجرّ {غيْر الْمغْضُوب } في لغته. وان شئت جعلت "غير" نصبا على الحال لانها نكرة والأول معرفة، وانما جرّ لتشبيه "الذي بـ"الرجل". وليس هو على الصفة بحسن ولكن على البدل نحو {ب النّاص ية }{ناص يةٍ كاذ بةٍ}. ومن العرب من يقول: "ه يّاك" بالهاء ويجعل الالف من "إيّاك" هاء فيقول "ه يّاك نعبد" كما تقول: "إيه " و "ه يه " وكما تقول: "هرقت" و "أرقْتُ". وأهل الحجاز يؤنثون "الصراط" كما يؤنثون "الطريق" و "الزُقاق" و "السبيل" و "السوق" و "الكلاّء". وبنو تميم يذكّرون هذا كله. وبنو أسد يؤنثون "الهُدى". |
﴿ ٠ ﴾