معاني القرآن للأخفش

لأبي الحسن سعيد بن مسعدة البلخي ثم البصري
الأخفش الأوسط (ت ٢١٥ هـ ٨٣١ م)

 

كتاب مهم جداً في تفسير ما يشكل على القرّاء من الفاظ وتراكيب ومعاني القرآن الكريم، فقد شرح عدداً كبيراً من المعاني الغامضة التي يصعب فهمها على اكثر الناس. ويعدّ هذا الكتاب اضافة الى كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة وكتاب معاني القرآن للفراء من الكتب الأولى التي كانت السباقة في خوض هذا النوع من التفاسير، وقد ألفه الأخفش بعد اتصاله بالكسائي ببغداد.يمتاز اسلوب الكتاب بالدقة والتحرّي والسهولة والوضوح، واعتمد على اقوال العرب واشعارهم في توضيح المعاني

سورة الفاتحة

١

{ب سْم اللّه الرّحْمن الرّح يم }: "اسم" [في التسمية] صلة زائدة، زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم الى قصد التبرّك, لان اصل الكلام "باللّه" وحذفت الألف من "بسم" من الخط تخفيفاً لكثرة الاستعمال واستغناء عنها بباء الالصاق في اللفظ والخط فلو كتبت "باسم الرحمن" او "باسم القادر" أو "باسم القاهر" لم تحذف الالف.

والألف في "اسم" ألف وصل، لانك تقول: "سُمْيّ" وحذفت لانها ليست من اللفظ.

(اب) اسمٌ، لانك تقول اذا صغّرته: "سُميّ"، فتذهب الاف.

وقوله: {وامْرأتُهُ حمّالة الْحطب }،

وقوله: {وبعثْنا م نهُمُ اثْنيْ عشر نق يباً} فهذا موصول لانك تقول: "مُريّة" و "ثُنيّا عشر" .

و [قوله]: {فانفجرتْ م نْهُ اثْنتا عشْرة عيْناً} موصول: لانك تقول: "ثُنيّتا عشرة"،

وقال: {إ ذْ أرْسلْنآ إ ليْه مُ اثْنيْن فكذّبُوهُما}،

وقال: {ما كان أبُوك امْرأ سوْءٍ}، لانك تقول في "اثنين": "ثُنيّ يّن" وفي "آمرىء": "مُرىّء " فتسقط الالف. وانما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها لما ارادوا استئنافه فلم يصلوا الى الابتداء بساكن، فأحدثوا هذه الالف ليصلوا الى الكلام بها. فاذا اتصل [الكلام] بشيء قبله استغنى عن هذه الالف. وكذلك كل الف كانت في اول فعل او مصدر، وكان "يفْعل" من ذلك الفعل ياؤه مفتوحة فتلك ألف وصل نحو قوله: {وإ يّاك نسْتع ينُ} {اهْد نا}. لانك تقول: "يهْد ي" فالياء مفتوحة.

وقوله: { أُوْلائ ك الّذ ين اشْترُواْ الضّلالة}

و [قوله]: {ياهامانُ ابْن ل ي صرْحاً}،

وقوله: {عذابٌ [٤١] ارْكُضْ ب ر جْل ك}، وأشباه هذا في القرآن كثيرة. والعلة فيه كالعلّة في "اسم"، و "اثنين" وما أشبهه، لانه لما سكن الحرف الذي في اول الفعل جعلوا فيه هذه الالف ليصلوا الى الكلام به اذا استأنفوا.

وكل هذه الالفات (٢ء) اللواتي في الفعل اذا استأنفتهنّ مكسورات، فاذا استأنفت قلت {اهْد نا الصّراط}, {ابْن ل ي}, {اشْترُواْ الضّلالة}، الا ما كان منه ثالث حروفه مضموما فانك تضم أوله اذا استأنفت، تقول: {ارْكُضْ ب ر جْل ك}، وتقول{اذْكُرُواْ اللّه كث يراً}. وانما ضمت هذه الالف اذا كان الحرف الثالث مضموماً لانهم لم يروا بين الحرفين إلا حرفاً ساكنا, فثقل عليهم ان يكونوا في كسر ثم يصيروا الى الضم. فارادوا أن يكونا جميعاً مضمومين اذا كان ذلك لا يغير المعنى.

وقالوا في بعض الكلام في "المُنْت ن": م نْت ن". وانما هي من ""أنتن" فهو "مُنْت ن"، مثل "أكرم" فهو "مُكْر م". فكسرو الميم لكسرة التاء. وقد ضم بعضهم التاء فقال "مُنْتُن" لضمة الميم. وقد قالوا في "النق د": "الن ق د" فكسروا النون لكسرة القاف. وهذا ليس من كلامهم الا فيما كان ثانيه احد الحروف الستة نحو "شعير". والحروف الستة: الخاء والحاء والعين والغين والهمزة والهاء

وما كان على "فُع ل" مما في أوله هذه الالف الزائدة فاستئنافه ايضاً مضموم نحو: {اجْتُثّتْ م ن فوْق الأرْض } لان أول "فُع ل" ابداً مضموم، [٢ب] والثالث من حروفها ايضاً مضموم.

وما كان على "أفعلُ أنا" فهو مقطوع الالف وإن كان من الوصل، لأن "أفْعلُ" فيها ألف سوى ألف الوصل، وهي نظيرة الياء في "يفْعل". وفي كتاب اللّه عز وجل {ادْعُون ي أسْتج بْ لكُمْ}، و {أناْ آت يك ب ه }و {وقال الْمل كُ ائْتُون ي ب ه أسْتخْل صْهُ ل نفْس ي}.

وما كان من نحو الالفات اللواتي ليس معهن اللام في أول اسم، وكانت لا تسقط في التصغير فهي مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال نحو قوله: {هذآ أخ ي لهُ ت سْعٌ}،

وقوله {ياأبانآ}،

وقوله، {إ نّها لإ حْدى الْكُبر }، و {قالتْ إ حْداهُما} {حتّى إ ذا جآء أحدهُمُ}, لانها اذا صغرت ثبتت الالف فيها، تقول في تصغير "إحدى": "أُحيْدى"، و "أحد": "أُحيْد", و "أبانا": "أُبيُّنا" و كذلك "أُبيّان " و "أُبيُّون". وكذلك [الالف في قوله] {م ن الْمُهاج ر ين والأنْصار }و {أُخْر جْنا م ن د يار نا وأبْنآئ نا}، لانك تقول في "الأنصار": "أُنيْصار"، وفي "الأنباء ": "أُبيْناء" و "أُبيْنُون".

وما كان من الالفات في أول فعل أو مصدر، وكان "يفْعل" من ذلك الفعل ياؤه مضمومة, فتلك الالف مقطوعة. تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله {ب مآ أُنْز ل إ ليْك}، لأنك تقول: "يُنْزل". فالياء مضمومة. و {ربّنآ آت نا} تقطع لان الياء مضمومة، لأنك تقول: "يُؤْت ى".

وقال {وب الْوال ديْن إ حْساناً}و {وإ يتآء ذ ي الْقُرْبى} لأنك تقول: "يُؤت ي"، و "يُحْس ن" [٣ء].

وقوله: {وقال الْمل كُ ائْتُون ي ب ه أسْتخْل صْهُ ل نفْس ي}، و {وقال ف رْعوْنُ ائْتُون ي ب كُلّ ساح رٍ عل يمٍ} فهذه موصولة لأنك تقول: "يأتي"، فالياء مفتوحة. وانما الهمزة التي في قوله: {وقال الْمل كُ ائْتُون ي ب ه } همزة كانت من الاصل في موضع الفاء من الفعل، الا ترى انها ثابتة في "أتيت" وفي "أتى" لا تسقط. وسنفسر لك الهمز في موضعه إن شاء اللّه.

وقوله: {آت نا} يكون من "آتى" و "آتاه اللّه"، كما تقول: "ذهب" و "أذهبه اللّه" ويكون على "أعطنا". قال {فآت ه مْ عذاباً} على "فعل"و "أفْعلهُ غيرُه".

وأما قوله: {الرحمن الرّح يم الْحمْدُ} فوصلت هذه الأسماء التي في أوائلها الالف واللام حتى ذهبت الالف في اللفظ. وذلك لان كل اسم في أوله ألف ولام زائدتان فالالف تذهب اذا اتصلت بكلام قبلها. واذا استأنفتها كانت مفتوحة ابداً لتفرق بينها وبين الالف التي تزاد مع غير اللام, ولان هذه الالف واللام هما جميعاً حرف واحد كـ"قد" و "بل". وانما تعرف زيادتهما بأن تروم الفا ولاما اخريين تدخلهما عليهما، فان لم تصل الى ذلك عرفت انهما [٣ب] زائدتان الاترى ان قولك "الحمدُ للّه" وقولك: "العالمين" وقولك "التي" و "الذي" "و اللّه" لا تستطيع أن تدخل عليهن الفا ولاما أخريين؟ فهذا يدل على زيادتهما، فكلما اتصلتا بما قبلهما ذهبت الالف. الا أن توصل بالف الاستفهام فتترك مخففة، [و] لا يخفف فيها الهمزة الاناس من العرب قليل، وهو قوله {ءآللّه أذ ن لكُمْ}

وقوله {ءآللّه خيْرٌ أمّا يُشْر كُون}

وقوله {آلآن وقدْ عصيْت قبْلُ}. وانما مدت في الاستفهام ليفرق بين الاستفهام والخبر. الا ترى انك لو قلت وأنت تستفهم: "الرجل قال كذا وكذا" فلم تمددها صارت مثل قولك "الرجل قال كذا وكذا" اذا اخبرت.

وليس سائر الفات الوصل هكذا. قال{أصْطفى الْبنات على الْبن ين}،

وقال {أفْترى على اللّه كذ باً أم ب ه ج نّةٌ}. فهذه الالفات مفتوحة مقطوعة، لأنها ألف استفهام، وألف الوصل التي كانت في "اصطفى" [و "افترى"] قد ذهبت، حيث اتصلت الصاد [والفاء] بهذه الالف التي قبلها للاستفهام. وقال من قرأ هذه الآية {كُنّا نعُدُّهُمْ مّ ن الأشْرار } {أتّخذْناهُمْ} فقطع الف "أتخذناهم" فانما جعلها ألف استفهام وأذهب ألف الوصل التي كانت بعدها، لانها اذا اتصلت بحرف قبلها ذهبت. وقد قرىء هذا الحرف موصولا، وذلك انهم حملوا قوله {أمْ زاغتْ [٤ء] عنْهُمُ الأبْصار}على قوله {ما لنا لا نرى ر جالاً كُنّا نعُدُّهُمْ مّ ن الأشْرار } {أمْ زاغتْ عنْهُمُ الأبْصار}.

وما كان من اسم في اوله الف ولام تقدر أن تدخل عليهما الفا ولاما أخريين، فالالف من ذلك مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله {ما لكُمْ مّ نْ اله غيْرُهُ} لانك لو قلت "الإ له" فأدخلت عليها الفا ولاما جاز ذلك . وكذلك "ألواح" و إلهام" و "إلقاء" مقطوع كله، لأنه يجوز ادخال الف ولام أخريين. فأما "إلى" فمقطوعة ولا يجوز ادخال الالف واللام عليها لأنها ليست باسم، وانما تدخل الالف واللام على الاسم. ويدلك على ان الالف واللام في "إلى" ليستا بزائدتين انك انما وجدت الالف واللام تزادان في الأسماء، ولا تزادان في غير الأسماء، مثل "إلى" و "ألاّ". ومع ذلك تكون الف "إلى" مكسورة والف اللام الزائدة لا تكون مكسورة.

﴿ ١