٢

وأما قوله {الْحمْدُ للّه} فرفعه على الابتداء. وذلك ان كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع، وخبره ان كان هو هو فهو ايضاً مرفوع، نحو قوله {مُّحمّدٌ رّسُولُ اللّه} وما أشبه ذلك . وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها. فانما رفع [٤ب] المبتدأ ابتداؤك اياه، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم [و] كما كانت "أنّ" تنصب الاسم وترفع الخبر فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر.

وقال بعضهم: "رفع المبتدأ خبره" وكل حسن، والأول أقيس.

وبعض العرب يقول {الْحمْد للّه} فينصب على المصدر، وذلك ان اصل الكلام عنده على قوله "حمْداً للّه" يجعله بدلا من اللفظ بالفعل، كأنه جعله مكان "أحْمدُ" ونصبه على "أحْمدُ" حتى كأنه قال: "أحْمدُ حمْداً" ثم ادخل الالف واللام على هذه.

وقد قال بعض العرب {الْحمْد للّه} فكسره، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة، وذلك ان الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرّك اواخرها حركة واحدة لا تزول علتها نحو "حيْثُ" جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال، وبعضهم يقول "حوْثُ" و "حيْث" ضم وفتح. ونحو "قبْلُ" و "بعْدُ" جعلتا مضمومتين على كل حال. وقال اللّه تبارك وتعالى {للّه الأمْرُ م ن قبْلُ وم ن بعْدُ} فهما مضموتان الا ان تضيفهما، فاذا اضفتهما صرفتهما. قال {لا يسْتو ي م نكُم مّنْ أنفق م ن قبْل الْفتْح وقاتل} و {كالّذ ين م ن قبْل كُمْ} و {والّذ ين جآءُوا م ن بعْد ه مْ}

وقال {مّ ن قبْل أن نّبْرأهآ} وذلك ان قوله {أن نّبْرأهآ} اسم أضاف اليه {قبْل} [٥ء]

وقال {م ن بعْد أن نّزغ الشّيْطانُ}. وذلك ان قوله {أن نّزغ} اسم هو بمنزلة "النزْغ"، لأن "أنْ" الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم، فأضاف اليها" بعْد". وهذا في القرآن كثير.

ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال اللّه عز وجل {إ نّ هؤُلآء ضيْف ي} و {هآأنْتُمْ أُوْلاء تُح بُّونهُمْ} مكسورة على كل حال. فشبهوا "الحمد" وهو اسم متمكن في هذه اللغة بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة، كما قالوا "يا زيدُ". وفي كتاب اللّه {ياهامانُ ابْن ل ي صرْحاً} هو في موضع النصب، لان الدعاء كلّه في موضع نصب، ولكن شبه بالأسماء التي ليست بمتمكنة فترك على لفظ واحد، يقولون: "ذهب أمس بما فيه" و "لق يتهُ أمس يا فتى"، فيكسرونه في كل موضع في بعض اللغات.

وقد قال بعضهم: "لق يتهُ الأمسّ الأحدث" فجرّ أيضاً وفيه الف ولام، وذلك لا يكاد يعرف.

وسمعنا من العرب من يقول: {أفرأيْتُمُ اللاّت والْعُزّى}، ويقول: "هي اللات قالت ذاك" فجعلها تاء في السكوت، و "هي اللات فاعلم" جرّ في موضع الرفع والنصب.

وقال بعضهم "من الآن إلى غد" فنصب لانه اسم غير متمكن. واما قوله: "اللات فاعلم" [٥ب] فهذه مثل "أمس " وأجود، لان الالف واللام التي في "اللات" لا تسقطان وان كانتا زائدتين. واما ما سمعنا في "اللات والعزى" في السكت عليها فـ"اللاه" لانها هاء فصارت تاءً في الوصل وهي في تلك اللغة مثل "كان من الأمر كيت وكيت ". وكذلك "ههيات " في لغة من كسر. الا انه يجوز في "هيهات" ان تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث، ولا يجوز ذلك في "اللات "، لان "اللات" و "كيت" لا يكون مثلهما جماعة، لان التاء لا تزاد في الجماعة الا مع الألف فان جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد.

وزعموا ان من العرب من يقطع ألف الوصل. أخبرني من أثق به أنه سمع من يقول: "يا إ بني" فقطع. وقال قيْس بن الخطيم [من الطويل وهو الشاهد الأول].

اذا جاوز الإ ثنين سرٌّ فإنّه * بنشرٍ وتكثير الوشاة قمين

وقال جميل: [من الطويل وهو الشاهد الثاني]:

ألا لا أرى إ ثنين أكرم شيمةً * على حدثان الدهر مني ومن جُمْل

وقال الراجز: [وهو الشاهد الثالث].

يا نفسُ صبراً كلُّ حي لاق * وكلُّ إثنين إلى افتراق

[٦ء] وهذا لا يكاد يعرف.

وقوله: {للّه} جر باللام كما انجر قوله: ربّ الْعالم ين

﴿ ٢