٦

فأما قوله {سوآءٌ عليْه مْ أأنذرْتهُمْ أمْ لمْ تُنْذ رْهُمْ لا يُؤْم نُون} فانما دخله حرف الاستفهام وليس باستفهام لذكره السواء، لانه اذا قال في الاستفهام: "أزيدْ عندك أم عمْرو" وهو يسأل ايهما عندك فهما مستويان عليه، وليس واحد منهما أحق بالاستفهام من الآخر. فلما جاءت التسوية في قوله {أأنذرْتهُمْ} أشبه بذلك الاستفهام، اذ أشبهه في التسوية. ومثلها {سوآءٌ عليْه مْ أسْتغْفرْت لهُمْ أمْ لمْ تسْتغْف رْ لهُمْ} [١٤ء] ولكن {أسْتغْفرْت} ليست بممدودة, لان الالف التي فيها ألف وصل لانها من "اسْتغْفر" "يستغ فرُ" فالياء مفتوحة من "يفْعل" واما (أأنْذرتهم) ففيها الفان الف {أنْذرت} وهي مقطوعة لانه يقول "يُنْذ رُ" فالياء مضمومة ثم جعلت معها الف الاستفهام فلذلك مددت وخففت الآخرة منهما لانه لا يلتقي همزتان.

وقال {أفلا تُبْص رُون} {أمْ أنآ خيْرٌ مّ نْ هذاالّذ ي هُو مه ينٌ}.

وقال بعضهم انه على قوله {أفلا تُبْص رُون} وجعل قوله {أمْ أنآ خيْرٌ مّ نْ هذاالّذ ي هُو مه ينٌ} بدلا من {تُبْص رُون}. لان ذلك عنده بصرا منهم ان يكون عندهم هكذا وهذه "أم" التي تكون في معنى "أيهما". وقد قال قوم "انها يمانية" وذلك ان أهل اليمن يزيدون "أم" في جميع الكلام. واما ما سمعنا من اليمن فيجعلون "أم" مكان الالف واللام الزائدتين، يقولون "رأيت امْرجُل" و "قام امرجل" يريدون "الرجل". ولا يشبه ان تكون {أمْ أنآ خيْرٌ} على لغة أهل اليمن. وقد زعم ابو زيد انه سمع اعرابياً فصيحا ينشدهم:

[من الرجز وهو الشاهد الثاني عشر]:

يا دهرُ أمْ كان مشْي ي رقصا * بلْ قدْ تكونُ مشيتي ترقُّصا

فسأله فقال: "معناه ما كان مشيي رقصا فـ"أم" ها هنا زائدة. وهذا [١٤ب] لا يعرف. وقال علقمة بن عبدة: [من الطويل وهو الشاهد الثالث عشر]:

وما القلب أمْ ما ذكرُهُ ربع يّةً * يُخطُّ لها من ثرْمداء قل يبُ

يريد "ما ذكرُهُ ربيعةً " يجعله بدلا من "القلب"، وقال بعض الفقهاء: "ان معناه انه قال فرعون {أفلا تُبْص رُون} أم انتم بصراء". و

قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر]:

فيا ظبية الوعساء بين جُلاج لٍ * وبين النّقا أأنت أمْ أُمُّ سال م

يريد: "أأنت أحسن أمْ أمُّ سال م" فأضمر "أحْسن". يريد: "أليس أنا خيراً من هذا الذي هو مهين". ولها موضع آخر تكون فيه منقطعة من الكلام كأنك تميل الى أوله قال {لا ريْب م ن رّبّ الْعالم ين} {أمْ يقُولُون افْتراهُ}. وهذا لم يكن قبله استفهام, وهذا قول العرب: "إنّها لإ بل" ثم يقولون * "أمْ شاءٌ" [وقولهم]** "لقد كان كذا وكذا أمْ حدّثتُ نفسي"، ومثل قول الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس عشر]:

كذبتْك عينُك أمْ رأيت بواس طٍ * غلس الظلام م ن الرّباب خيالا

وليس قوله {أمْ يقُولُون افْتراهُ} لانه شك، ولكنه قال هذا ليقبّح صنيعهم كما تقول: "ألست الفاعل كذا وكذا" ليس تستفهم انما توبخّه. ثم قال {بلْ هُو الْحقُّ م ن رّبّ ك}. ومثل هذا في القرآن كثير, قال {فذكّ رْ فمآ أنت [١٥ء] ب ن عْمة ربّ ك ب كاه نٍ ولا مجْنُونٍ} ثم قال {أمْ يقُولُون شاع رٌ نّتربّصُ ب ه } [و] ** {أمْ ع ندهُمْ خزآئ نُ ربّ ك} كل هذا على استفهام الاستئناف. وليس لـ"أمْ" غير هذين الموضعين لانه اراد أن ينبه، ثم ذكر ما قالوا عليه يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم ليقبح ما قالوا عليه، نحو قولك للرجل "ألْخيْرُ أحبُّ إليك أمْ الشرّ"؟ وأنت تعلم انه يقول "الخير" ولكن أردت أن تقبح عنده ما صنع. وأما قوله {ولا تُط عْ م نْهُمْ آث ماً أوْ كفُوراً} فقد نهاه عن الآثم والكفور جميعا. وقد قال بعض الفقهاء: : "إنّ" "أوْ" تكون بمنزلة الواو وقال [من المتقارب وهو الشاهد السادس عشر]:

يُه ينُون من حقروا شأيهُ * وإنْ كان فيه مْ يف ي أو يبرّ

يقول: "يف ي ويبرّ". وكذلك هي عندهم ها هنا وانما هي بمنزلة "كلُ اللحم أو التمر" اذا رخصت له في هذا النحو. فلو أكل كله أو واحدا منه لم يعص. فيقع النهي عن كل ذا في هذا المعنى فيكون ان ركب الكل او واحداً [قد] عصى. كما كان في الامر ان صنع واحداً أطاع.

وقال {وأرْسلْناهُ إ لى م ئة ألْفٍ أوْ يز يدُون} ومعناه "ويز يدُون" ومخرجها في العربية انك تقول: "لا تجالسْ زيداً أو عمراً أوْ خال داً" فإنْ أتى واحداً منهم أو كُلّهُم كان عاصياً. كما أنك إذا قلت: "إ جْل س الى فلان أو فلان [١٥ب] أوْ فلان "فجلس الى واحد منهم أوْ كل هّ م كان مطيعا. فهذا مخرجه من العربية. وأرى الذين قالوا: "إنّما" أو "بمنزلة الواو" انما قالوها لأنهم رأوها في معناها. واما {وأرْسلْناهُ إ لى م ئة ألْفٍ أوْ يز يدُون} فانما يقول {أرْسلْناهُ إ لى م ئة ألْفٍ} ع نْد الناس ", ثم قال {أوْ يز يدُون} عند الناس" لأنّ اللّه تبارك وتعالى لا يكون منه شكّ. وقد قال قوم" إنّما "أو" ها هنا بمنزلة "بل" وقد يقول الرجل "لأذْهبنّ إلى كذا وكذا" ثم يبدو له بعدُ فيقول "أوْ أقْعُد" فقال ها هنا {أرْسلْناهُ إ لى م ئة ألْفٍ} عند الناس" ثم قال {أوْ يزيدون}عند الناس" اي ان الناس لا يشكون أنهم قد زادوا. والوجه الآخر هكذا. أي "فكذا حال الناس فيهم "أي: ان الناس يشكون فيهم. وكذا حال "أم" المنقطعة ان شئت جعلتها على "بل" فهو مذهب حسن. وقال مُتمّ م بن نويرة [من الوافر وهو الشاهد السابع عشر]:

فلو كان البكاءُ يردُّ شيئاً * بكيْتُ على جُبيْرٍ أو ع فاقٍ

على المرْأيْن إذْ هلكا جميعا * بشأنهما وحزنٍ واشتياق

وقال ابنُ أحمر [من الطويل وهو الشاهد الثامن عشر]:

فقلتُ الب ثي شهْريْن أوْ ن صْف ثالثٍ * إلى ذاك ما قد غيّبتن ي غ ياب يا

[١٦ء] واما قوله {أإ نّا لمبْعُوثُون}{أو آبآؤُنا الأوّلُون } فان هذه الواو واو عطف كأنهم قالوا: {أإ نا لمبْعُوثُون}فقيل لهُم: "نعم وآباؤكم الأوّلُون" فقالوا {أو آبآؤُنا},

وقوله {أولمْ ير الإ نسانُ} {أولمْ يهْد لهُمْ} وأشباه هذا في القرآن كثير. فالواو مثل الفاء في قوله {أفلمْ يهْد لهُمْ}

وقوله {أفلمْ يدّبّرُواْ الْقوْل} وان شئت جعلت هذه الفاءات زائدة. وان شئت جعلتها جواباً لشيء كنحو ما يقولون "قد جاءني فلان" فيقول "أفلمْ أقض حاجته" فجعل هذه الفاء معلقة بما قبلها.

﴿ ٦