٣٨

قال {فإ مّا يأْت ينّكُم مّ نّ ي هُدًى فمن تب ع هُداي}[٣٢ء] وذلك أن "إمّا" في موضع المجازاة وهي "إما" لا تكون "أما" وهي "إنْ" زيدت معها "ما" وصار الفعل الذي بعدها بالنون الخفيفة أو الثقيلة وقد يكون بغير نون. وإنّما حسنت فيه النون لما دخلته "ما" لأنّ "ما" نفي وهو ما ليس بواجب وهي من الحروف التي تنفي الواجب فحسنت فيه النون نحو قولهم "ب عينٍ مّا أرينّك" حين أدخلت فيها "ما" حسنت النون. ومثل "إمّا" ها هنا قوله {فإ مّا تري نّ م ن البشر أحداً}

وقوله {قُل رّبّ إ مّا تُر ينّ ي ما يُوعدُون [٩٣] ربّ فلا تجْعلْن ي ف ي الْقوْم الظّال م ين} فالجواب في قوله {فلا تجْعلْن ي}. وأشباه هذا في القرآن والكلام كثير. واما "إمّا" في غير هذا الموضع الذي يكون للمجازاة فلا تستغني حتى ترد "إمّا" مرتيْن نحو قوله {إ نّا هديْناهُ السّب يل إ مّا شاك راً وإ مّا كفُوراً} ونحو قوله {حتّى إ ذا رأوْاْ ما يُوعدُون إ مّا العذاب وإ مّا السّاعة} وانما نصب لأنّ "إمّا" هي بمنزلة "أوْ" ولا تعمل شيئاً كأنه قال "هديْناهُ السبيل شاكراً أوْ كفُورا" فنصبه على الحال و "حتى رأوْا ما يُوعدُون العذاب أوْ الساعة" فنصبه على البدل.

وقد يجوز الرفع بعد "إمّا" في كل شيء يجوز فيه الابتداء [و]* لو قلت: "مررت برجل إمّا قاعدٍ وإمّا قائمٍ" جاز. وهذا الذي في القرآن جائز ايضاً، ويكون رفعا الا انه لم يقرأ.

وأما التي تستغني عن التثنية فتلك تكون مفتوحة الالف [٣٢ب] أبدا نحو قولك "أمّا عبد اللّه فمنطلق"

وقوله {فأمّا الْيت يم فلا تقْهرْ [٩] وأمّا السّآئ ل فلا تنْهرْ} و {وأمّا ثمُودُ فهديْناهُمْ}. فكلُّ ما لم يحتج فيه الى تثنية "أمّا" فألفها مفتوحة الا تلك التي في المجازاة.

و "أمّا" ايضاً لا تعمل شيئا الا ترى انك تقول {وأمّا السّآئ ل فلا تنْهرْ} فتنصبه بـ"تنهر" ولم تغيّر "أمّا" شيئا منه.

باب الاضافة.

اما قوله {فمن تب ع هُداي فلا خوْفٌ عليْه مْ} فانفتحت هذه الياء على كل حال لان الحرف الذي قبلها ساكن. وهي الالف التي في "هُدى". فلما احتجت الى حركة الياء حركتها بالفتحة لانها لا تحرك الا بالفتح. ومثل ذلك قوله {عصاي أتوكّأُ عليْها} ولغة للعرب يقولون "عصيّ يا فتى" و { هُديّ فلا خوْفٌ عليْه مْ} لما كان قبلها حرف ساكن وكان الفا، قلبته الى الياء حتى تدغمه في الحرف الذي بعده فيجرونها مجرى واحدا وهو أخف عليهم. واما قوله {هذاما لديّ عت يدٌ} و {هذا ص راطٌ عليّ مُسْتق يمٌ} [و] {ثُمّ إ ليّ مرْج عُكُمْ}. فانما حركت بالاضافة لسكون ما قبلها وجعل الحرف الذي قبلها ياء ولم يقل "علاي" ولا "لداي" كما تقول "على زيد" و "لدى زيد" ليفرقوا بينه وبين الأسماء، لان هذه ليست بأسماء. و "عصاي" و "هُداي" [٣٣ء] و "قفاي" اسماء. وكذلك {أفْتُون ي ف ي رُؤْياي} و {يابُشْرايا هذاغُلامٌ} لأنّ آخر "بُشْرى" ساكن.

وقال بعضهم {يا بُشْراي هذا غلام} لا يريد الاضافة، كما تقول "يا بشارة".

فاذا لم يكن الحرف ساكنا كنت في الياء بالخيار, ان شئت أسكنتها وان شئت فتحتها نحو {إ نّ يْ أنا اللّه} و {إ نّ ي أنا اللّه}، و {ول من دخل بيْت يْ مُؤْم ناً} و {بيْت ي}[و] {فلمْ يز دْهُمْ دُعآئ يْ إ لاّ ف راراً} و {دُعآئ ي إ لاّ}. وكذلك اذا لقيتها الف ولام زائدتان فان شئت حذفت الياء لاجتماع الساكنين وان شئت فتحتها كيلا يجتمع حرفان ساكنان. الا ان احسن ذلك الفتح نحو قول اللّه تبارك وتعالى {جآءن ي الْبيّ ناتُ م ن رّبّ ي} و {ن عْمت ي الّت ي} وأشباه ذا. وبه نقرأ. وإنْ لقيته ايضاً ألف وصل بغير لام فأنت فيه أيضاً بالخيار إلاّ أن أحسنه في هذا الحذف وبها نقرأ {إ نّ ي اصْطفيْتُك على النّاس } و { هارُون أخ ي اشْدُدْ ب ه أزْر ي}.

فاذا كان شيء من هذا الدعاء حذفت منه الياء نحو {ياع باد فاتّقُون } و {ربّ قدْ آتيْتن ي م ن الْمُلْك } و {رّبّ إ مّا تُر ينّ ي ما يُوعدُون}.

ومن العرب من يحذف هذه الياءات في الدعاء وغيره من كل شيء. وذلك قبيح قليل الا ما في رؤوس الآيْ، فانه يحذف الوقف. [٣٣ب] كما تحذف العرب في أشعارها من القوافي نحو قوله : [من الطويل وهو الشاهد الرابع والاربعون]:

[أبا مُنْذ رٍ أفنيت فاستبق بعضنا] * حنانيك بعضُ الشرّ أهونُ من بعْض

وقوله: [من الوافر وهو الشاهد الخامس والأربعون]:

[ألا هُبّ ي ب صحْن ك فاصبحينا] * ولا تُبْق ي خُمور الأنْدرين

اذا وقفوا فاذا وصلوا قالوا: "من بعض" و "الأنْدرينا" وذلك في رؤوس الاي كثير نحو قوله {بل لّمّا يذُوقُواْ عذاب } [و] {وإ يّاي فاتّقُون }. فاذا وصلوا أثبتوا الياء. وقد حذف قوم الياء في السكوت والوصل وجعلوه على تلك اللغة القليلة وهي قراءة العامة وبها نقرأ لان الكتاب عليها.

وقد سكت قوم بالياء ووصلوا بالياء، وذلك على خلاف الكتاب، لان الكتاب ليست فيه ياء وهي اللغة الجيدة. وقد سمعنا عربيا فصيحا ينشد: [من الطويل وهو الشاهد السادس والاربعون]:

فما وجد النّهْد يُ وجْداً وجدْتُهُ * ولا وجد العُذْر يُّ قبل جم يلُ

يريد "قبل ي" فحذف الياء. وقد أعمل بعضهم "قبْل" اعمال ما ليس فيه ياء فقال: "قبلُ جميل" وهو يريد "قبلي". كما قال بعضُ العرب "يا ربُّ اغف ر لي" فرفع وهو يريد "يا ربّي".

واما قوله {وتظُنُّون ب اللّه الظُّنُوناْ} و {أضلُّونا السّب يلاْ} فتثبت فيه الالف لانهما رأس آية، لان قوما من العرب يجعلون أواخر القوافي اذا سكتوا عليها على مثل حالها اذا وصلوها وهم اهل الحجاز. [٣٤ء] وجميع العرب اذا ترنموا في القوافي أثبتوا في أواخرها الياء والواو والالف. وأما قوله {ياأبت إ نّ ي أخافُ} فأنث هذا الاسم بالهاء كقولك "رجُلٌ ربْعةٌ" و "غُلامٌ يفعةٌ". او يكون ادخلها لما نقص من الاسم عوضا. وقد فتح قوم كأنهم أرادوا "يا أبتا" فحذفوا الالف كما يحذفون الياء, كما

قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الحادي والاربعون]:

[ولست بمدرك ما فات مني] * "لهف" ولا بـ"ليت" ولا لوآني"

يريد: "لهْفاه". ومما يدلك على ان هذا الاسم أنث بالهاء قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والاربعون]:

تقولُ ابنتي لما رأتن ي شاح باً * كأنّك فينا يا أبات غريبُ

فرد الالف وزاد عليها الهاء كما أنث في قوله "يا أمتاه" فهذه ثلاثة أحرف. ومن العرب من يقول: "يا أمّ لا تفعلي" رخّم كما قال: "يا صاح ". ومنهم من يقول "يا أميّ" و"يا أبي" على لغة الذين قالوا: "يا غلام ي. ومنهم من يقول "يا أب " و"يا أمّ " وهي الجيدة في القياس.

﴿ ٣٨