٤٠

أما قوله {يابن ي إ سْرائ يل} فمن العرب من يهم زُ ومنهم من لا يهمز. ومنه من يقول {إسرائ ل} يحذف الياء التي بعد الهمزة ويفتح الهمزة ويكسرها.

باب المجازاة.

فاما قوله {وأوْفُواْ [٣٤ب] ب عهْد ي أُوف ب عهْد كُمْ} فانما جزم الآخر لانه جواب الامر، وجواب الامر مجزوم مثل جواب ما بعد حروف المجازاة، كأنه تفسير "إنْ تفْعلوا" أُوف بعهْد كُم وقال في موضع آخر {ذرُونا نتّب عْكُمْ}

وقال {فذرْهُمْ ف ي خوْض ه مْ يلْعبُون} فلم يجعله جوابا، ولكنه كأنهم كانوا يلعبون فقال "ذرْهُم في حال لعبهم"

وقال {ذرْهُمْ يأْكُلُواْ ويتمتّعُواْ ويُلْه ه مُ الأملُ} وليس من أجل الترك يكون ذلك ، ولكن قد علم اللّه انه يكون وجرى على الاعراب كأنه قال: "إنْ تركتهم ألْهاهُم الامل" وهم كذلك تركهم او لم يتركهم. كما ان بعض الكلام يعرف لفظه والمعنى على خلاف ذلك , وكما ان بعضهم يقول: "كذب عليكُمُ الحجّ".

فـ"الحجُّ" مرفوع وانما يريدون ان يأمروا بالحج.

قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثامن والاربعون]:

كذب العتيقُ وماءُ شنٍّ باردٍ * إن كنت سائ لتي غبوقاً فاذْهبي

وقال: [من الوافر وهو الشاهد التاسع والاربعون]:

وذُبْيان يةٌٍ توصي بينها * ألا كذب القراط فُ والقُروفُ

قال ابو عبد اللّه: "القراط فُ"، واحدها "قرْطفٌ": وهو كل ما له خملٌ من الثياب. و "القُروفُ"، واحدها "قرْفٌ": وهو وعاءٌ من جلود الابل [٣٥ء] كانوا يغلون اللحم ويحملونه فيه في أسفارهم". ويقولون "هذا جُحرُ ضبٍّ خر بٍ" والخرب هو الجُحْرُ. ويقولون، [أحدهم]: "هذا حبُّ رُمّاني". فيضيف الرُمّان اليه وانما له الحبّ وهذا في الكلام كثير.

وقوله {قُل لّ لّذ ين آمنُواْ يغْف رُواْ ل لّذ ين لا يرْجُون أيّام اللّه} و{وقُل لّ ع باد ي يقُولُواْ الّت ي ه ي أحْسنُ} فأجراه على اللفظ حتى صار جوابا للامر. وقد زعم قوم ان هذا انما هو على "فلْيغْف روا" و"قُلْ لع بادي فليقولوا" وهذا لا يضمر كله يعني الفاء واللام. ولو جاز هذا [لـ] جاز قول الرجل: "يقُمْ زيْدٌ"، وهو يريد "ليقُمْ زيْدٌ". وهذا الكلمة أيضاً أمثل لانك لم تضمر فيها الفاء مع اللام.

وقد زعموا ان اللام قد جاءت مضمرة,

قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الخمسون]:

مُحمّدُ تفْد نفْسك كُلُّ نفْسٍ * إذا ما خ فْت من شيْءٍ تبالا

يريد: "ل تفْد ", وهذا قبيح.

وقال: "تق اللّه امرُؤٌ فعل كذا وكذا" ومعناه: "ليتّق اللّه". فاللفظ يجيء كثيرا مخالفاً للمعنى. وهذا يدل عليه.

قال الشاعر في ضمير اللام: [من الطويل وهو الشاهد الحادي والخمسون]:

على مثل أصحاب البعوضة فاخم شي * لك الويلُ حُرّ الوجْه أو يبْك من بكى

يريد "ليبك منْ بكى" فحذف [٣٥ب] وسمعت من العرب من ينشد هذا البيت بغير لام: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والخمسون]:

فيبْك على الم نْجاب أضيافُ قفْرةٍ * سروْا وأُسارى لم تُفكّ قيودُها

يريد: "فلْيبْك " فحذف اللام.

باب تفسير أنا وأنت وهو

باب تفسير أنا وأنت وهو.

وأما قوله {وإ يّاي فارْهبُون } [و] {وإ يّاي فاتّقُون } [٤١] فقال {وإيّاي} وقد شغلت الفعل بالاسم المضمر الذي بعده الفعل. لان كل ما كان من الأمر والنهي في هذا النحو فهو منصوب نحو قولك: "زيداً فاضْر بْ أخاهُ". لان الامر والنهي مما يضمران كثيراً ويحسن فيهما الاضمار، والرفع ايضاً جائز على ان لا يضمر.

قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون]:

وقائ لةٍ خولان فانكحْ فتاتهُمْ * وأُكْرومةُ الحيّيْن خ لّوُكما ه يا

وأما قوله {الزّان يةُ والزّان ي فاجْل دُواْ كُلّ واح دٍ مّ نْهُما} [و] {والسّار قُ والسّار قةُ فاقْطعُواْ أيْد يهُما} فزعموا - و اللّه أعلم - ان هذا على الوحي، كأنه يقول "وم مّا أقُصُّ عليكمُ الزانيةُ والزاني، والسارقة والسارقُ". ثم جاء بالفعل من بعد ما اوجب الرفع على الأول على الابتداء وهذا على المجاز كأنه قال "أمرُ السارق والسار قة وشأنُهما مما نقُصّ عليكم" [٣٦ء] ومثله قوله {مّثلُ الْجنّة الّت ي وُع د الْمُتّقُون} ثم قال {ف يهآ أنْهارٌ مّ ن مّآءٍ} كأنه قال: "وم مّا أقُصُّ عليكُمْ مثلُ الجنة" ثم أقبل يذكر ما فيها بعد أن اوجب الرفع في الأول على الابتداء. وقد قرأها قوم نصبا اذ كان الفعل يقع على ما هو من سبب الأول، وهو في الامر والنهي. وكذلك ما وقع عليه حرف الاستفهام نحو قوله {أبشراً م نّا واح داً نتّب عُه}. وانما فُع ل هذا في حروف الاستفهام لانه اذا كان بعده اسم وفعل كان أحسن ان يبتدأ بالفعل قبل الاسم، فان بدأت بالاسم أضمرت له فعلا حتى تحسن الكلام به واظهار ذلك الفعل قبيح.

وما كان من هذا في غير الامر والنهي والاستفهام والنفي فوجه الكلام فيه الرفع، وقد نصبه ناس من العرب كثير. وهذا الحرف قد قرىء نصباً ورفعا {وأمّا ثمُودُ فهديْناهُمْ}.

وأما قوله {إ نّا كُلّ شيْءٍ خلقْناهُ ب قدرٍ} فهو يجوز فيه الرفع وهي اللغة الكثيرة غير ان الجماعة اجتمعوا على النصب، وربما اجتمعوا على الشيء كذلك مما يجوز والاصل غيره. لان قولك: "إنّا عبدُ اللّه ضربْناهُ". مثل قولك: "عبدُ اللّه ضربْناهُ" لان معناهما في الابتداء سواء.

قال الشاعر [من المتقارب وهو الشاهد الرابع والخمسون]:

[٣٦ب] فأمّا تم يمٌ تميمُ بنُ مُرٍّ * فألْفاهُمُ القومُ روْبى ن ياما

وقال [من الطويل وهو الشاهد الخامس والخمسون]:

إذا ابنُ أبي مُوسى بلالٌ بلغت ه * فقام بفأسٍ بين وصْليك جاز رُ

ويكون فيهما النصب. فمن نصب {وأما ثمُود} نصب على هذا.

وأما قوله {يُدْخ لُ من يشآءُ ف ي رحْمت ه والظّال م ين أعدّ لهُمْ}

وقوله {أأنتُمْ أشدُّ خلْقاً أم السّمآءُ بناها} ثم قال {والأرْض بعْد ذل ك دحاها}

وقال {الرحمن[١] علّم الْقُرْآن [٢] خلق الإ نسان [٣] علّمهُ البيان} ثم قال {والسّمآء رفعها ووضع الْم يزان}

وقال {وكُلاًّ ضربْنا لهُ الأمْثال وكُلاًّ تبّرْنا تتْب يراً} فهذا انما ينصب وقد سقط الفعل على الاسم بعده لان الاسم الذي قبله قد عمل فيه فأضمرت فعلا فأعملته فيه حتى يكون العمل من وجه واحد. وكان ذلك أحسن قال [الشاعر]: [من الوافر وهو الشاهد السادس والخمسون].

نغالي اللحم للأضياف نيْئاً * ونُرْخ صُه إذا نض ج القُدور

يريد "نُغالي باللحم" فان قلت {يُدْخ لُ من يشآءُ} ليس بنصب في اللفظ فهو في موضع نصب قد عمل فيه فعل كما قلت: "مررت بزيدٍ وعمْراً ضربتُه، كأنك قلت: "مررت زيداً" وقد يقول هذا بعض الناس.

قال الشاعر: [من المنسرح وهو الشاهد السابع والخمسون]:

أصبحتُ لا أحْم لُ السلاح ولا * آم لْكُ رأس البعي ر إنْ نفرا

والذيب أخشاهُ إنْ مررْتُ به * وحد ي وأخشى الرياح والمطرا

[٣٧ء] وكلُّ هذا يجوز فيه الرفع على الابتداء والنصب أجود وأكثر.

وأما قوله {يغْشى طآئ فةً مّ نْكُمْ وطآئ فةٌ قدْ أهمّتْهُمْ أنْفُسُهُمْ} فانما هو على قوله "يغْشى طائفةً منكم وطائفةٌ في هذه الحال". [و] هذه واو ابتداء لا واو عطف، كما تقول: "ضربتُ عبْد اللّه وزيدٌ قائم". وقد قرئت نصبا لأنها مثل ما ذكرنا، وذلك لانه قد يسقط الفعل على شيء من سببها وقبلها منصوب بفعل فعطفتها عليه وأضمرت لها فعلها فنصبتها به. وما ذكرنا في هذا الباب من قوله {والسّار قُ والسّار قةُ فاقْطعُواْ أيْد يهُما} [

وقوله] {الزّان يةُ والزّان ي فاجْل دُواْ} ليس في قوله {فاقْطعُواْ} و{فاجْل دُواْ} خبر مبتدأ لان خبر المبتدأ هكذا لا يكون بالفاء. [فـ] لو قلت "عبدُ اللّه فينْطل قُ" لم يحسن. وانما الخبر هو المضمر الذي فسرت لك من قوله "ومما نقص عليكم" وهو مثل قوله: [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون]:

وقائلةٍ خولانُ فانكحْ فتاتهُم * [وأكرومةُ الحيّيْن خلوٌ كما ه يا]

كأنه قال: "هؤلاء خولانُ" كما تقول: "الهلالُ فانظرْ اليه " كأنك قلت: "هذا الهلالُ فانظُر إليه" فأضمر الاسم.

فأما قوله {واللّذان يأْت يان ها م نكُمْ فآذُوهُما} فقد يجوز ان يكون هذا خبر المبتدأ، لان "الذي" اذا كان صلته فعل جاز ان يكون خبره بالفاء نحو قول اللّه عز وجل {إ نّ الّذ ين توفّاهُمُ الْملائ كةُ [٣٧ب] ظال م ي أنْفُس ه مْ} ثم قال{فأُوْلائ ك مأْواهُمْ جهنّمُ}.

﴿ ٤٠