٤٨باب اضافة الزمان الى الفعل. قال {واتّقُواْ يوْماً لاّ تجْز ي نفْسٌ عن نّفْسٍ شيْئاً} فنون اليوم لانه جعل "فيه" مضمرا، وجعله من صفة اليوم كأنه قال "يوماً لا تجْز ى نفسٌ عن نفسٍ فيه شيئاً". وانما جاز إضمار "فيه" كما جاز اضافته الى الفعل تقول: "هذا يومُ يفعل زيد". وليس من الأسماء شيء يضاف الى الفعل غير اسماء الزمان، وذلك جاز اضمار "فيه". وقال قوم: "إنّما أضمر الهاء اراد "لا تجْز يه " وجعل هذه الهاء اسما لليوم مفعولا، كما تقول: "رأيتُ رجلاً يحبُّ زيدٌ" تريد: "يحبُّه زيد". وهو في الكلام يكون مضافا، تقول: "اذكر يوم لا ينفعُك شيء" أي: "يوم لا منفعة" [٤٠ء] وذلك أن اسماء الحين قد تضاف الى لفعل قال {هذايوْمُ لا ينط قُون} أي "يومُ لا نطق"، وقد يجوز فيه "هذا يومُ لا ينط قون" اذا أضمرت "فيه " وجعلته من صفة "يوم" لأنّ يوما نكرة وقد جعلت الفعل لشيء من سببه وقدمت الفعل. فالفعل يكون كله من صفة النكرة كأنك أجريته على اليوم صفة له اذا كان ساقطا على سببه، وقد قال بعضهم {هذايوْمُ لا ينط قُون} وكذلك {هذايوْمُ الْفصْل } وكل ما أشبه هذا فهو مثله. ولا يضاف الى الفعل شيء الا الحين، الا انهم قد قالوا [من الوافر وهو الشاهد الثامن والستون]: بآية تقد مون الخيل زُورا * كأنّ على سناب ك ها مُداما [وقالوا] [من الوافر وهو الشاهد التاسع والستون]: ألا من مُبْل غٌ عنّي تميماً * بآية ما تُح بّون الطّعاما فأضاف "آية" الى الفعل. وقالوا: "إذهبْ بذي تسْلم" و"بذي تسْلمان" فقوله: "ذي" مضاف الى "تسلم" كأنه قال: "اذهبْ ب ذ ي سلامت ك" وليس يضاف الى الفعل غير هذا. ولو قلت في الكلام: "واتقوا يوم لا تجزى نفسٌ فيه " فلم تنون اليوم جاز، كأنك أضفت وأنت لا تريد ان تجيء بـ"فيه " ثم بدالك بعد فجئت به، كما تقول: "اليوم آتيك فيه" فنصبت "اليوم" لانك جئت بـ"فيه" بعد ما أوجبت النصب [٤٠ب] وقال قوم: "لا يجوز اضمار "فيه". الا ترى انك لا تقول: "هذا رجلٌ قصدتُ" وأنت تريد "إليه" ولا "رأيتُ رجلاً أرغبُ" وأنت تريد "فيه " والفرقُ بينهما أن اسماء الزمان يكون فيها ما لا يكون في غيرها، وان شئت حملتها* على المفعول في السعة كأنك قلت: "واتقوا يوما لا تجزيه نفسٌ" ثم القيت الهاء كما تقول: "رأيتُ رجلاً أُح بُّ" وأنت تريد "أحبه". باب من التأنيث والتذكير. اما قوله {تجْز ي نفْسٌ عن نّفْسٍ شيْئاً} فهو مثل قولك: "لا تجْز ي عنك شاة" و"يجزى عنك درهم" و "جزى عنك درهمٌ" و"وجزتْ عنك شاةٌ". فهذه لغة أهل الحجاز لا يهمزون. وبنو تميم يقولون في هذا المعنى: "أجْزأتْ عنهُ وتُجز ىءُ عنه شاة" وقوله "شيئا" كأنه قال: "لا تُجْز ىءُ الشاةُ مُجْزى ولا تُغْن ي غناءٌ". وقوله {عن نّفْسٍ} يقول: "م نْها" أي: لا تكون مكانها. وأما قوله {ولا يُقْبلُ م نْها شفاعةٌ} فانما ذكر الاسم المؤنث لان كل مؤنث فرقت بينه وبين فعله حسن أن تذكر فعله، إلاّ أنّ ذلك يقبح في الانس وما أشبههم مما يعقل. لأنّ الذي يعقل أشد استحقاقا للفعل. وذلك ان هذا انما يؤنث ويذكر ليفصل بين [٤١ء] معنيين. والموات كـ"الارض" و "الجدار" ليس بينهما معنى كنحو ما بين الرجل والمرأة. فكل ما لا يعقل يشبه بالموات، وما يعقل يشبه بالمرأة والرجل نحو قوله {رأيْتُهُمْ ل ي ساج د ين} لما أطاعوا صاروا كمن يعقل، قال {ولوْ كان ب ه مْ خصاصةٌ} فذكر الفعل حين فرّق بينه وبين الاسم، وقال {لا يُؤْخذُ م نكُمْ ف دْيةٌ} وتقرأ {تُؤْخذُ}. وقد يقال أيضاً ذاك في الانس، زعموا أنهم يقولون "حضر القاضي امرأةٌ". فأما فعل الجميع فقد يذكّر ويؤنث لأن تأنيث الجميع ليس بتأنيث الفصل الا ترى أنك تؤنث جماعة المذكرّ فتقول: "ه ي الرّ جالُ" و"ه ي القومُ"، وتسمي رجلا بـ"بعال" فتصرفه لان هذا تأنيثٌ مثلُ التذكير، وليس بفصل. ولو سميته بـ"عناق " لم تصرفه، لان هذا تأنيث لا يكون للذكر، وهو فصل مابين المذكر والمؤنث تقول: "ذهب الرجل" و"ذهبت المرأة" فتفصل بينهما. وتقول: "ذهب النساء" و"ذهبت النساء" و"ذهب الرجال" و"ذهبت الرجال". وفي كتاب اللّه: {كذّبتْ قوْمُ نُوحٍ الْمُرْسل ين} و {وكذّب ب ه قوْمُك}. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السبعون]: [٤١ب] فما تركتْ قومي لقوم ك حيّةً * تقلّبُ في بحْرٍ ولا بلدٍ قفْر وقال {جآءهُمُ الْبيّ ناتُ} [و] {وقال ن سْوةٌ ف ي الْمد ينة }. [و] قال الشاعر اشد من ذا وقد أخر الفعل، قال: [من المتقارب وهو الشاهد الثاني والثلاثون]: فإمّا تريْ ل مّت ى بُدّ لّتْ * فإنّ الحواد ث أوْداى بها اراد "أودتْ بها" مثل فعل المرأة الواحدة يجوز ان يذكر [فـ] ذكر هذا. وهذا التذكير في الموات اقبح وهو في الانس أحسن، وذلك ان كل جماعة من غير الانس فهي مؤنثة تقول: "هي الحمير" ولا تقول "هم". الا انهم قد قالوا: "أولئك الحمير"، وذلك أن "أولئك" قد تكون للمؤنث والمذكر تقول: "رأيت اولئك النساء". قال الشاعر:[من الكامل وهو الشاهد الحادي والسبعون]: ذُمّى المناز لُ بعد منز لة اللّ وى * والعيش بعد أولئك الأيّام |
﴿ ٤٨ ﴾