٧٩

{فويْلٌ لّ لّذ ين يكْتُبُون الْك تاب } يرفع "الويلُ" لانه اسم مبتدأ جعل ما بعده خبره. وكذلك "الويْحُ و"الويْلُ" و"الويْسُ" إذا كانت بعدهنّ هذه اللام ترفعهن. واما "التعْسُ" و"البُعْدُ" وما أشبههما فهو نصب أبدا، وذلك أنّ كل ما كان من هذا النحو تحسن أضافته بغير لام فهو رفع باللام ونصب بغير لام نحو {ويْلٌ لّ لْمُطفّ ف ين} و"ويْلٌ ل زيْدٍ" ولو ألقيت اللام قلت: "ويل زيدٍ" و"ويح زيدٍ" و"ويس زيدٍ"، فقد حسنت إضافته بغير لام فلذلك رفعته باللام مثل {ويْلٌ يوْمئ ذٍ لّ لْمُكذّ ب ين}. وأما قوله {ألا بُعْداً لّ مدْين} و{ألا بُعْداً لّ ثمُود} و{والّذ ين كفرُواْ فتعْساً لّهُمْ} فهذا لا تحسن إضافتهُ بغير لام. ولو قلت: "تعْسهُم" أو "بُعْدهُم" لم يحسن. وانتصاب هذا كله بالفعل، كأنك قلت: "أتْعسهُم اللّه تعْساً" "وأبْعدهُم اللّه بُعدا". واذا قلت "ويْل زيدٍ" فكأنك قلت [٥٣ب] "ألْزمهُ اللّه الويْل". وأما رفعك اياه باللام فانما كان لانك جعلت ذلك واقعا واجبا لهم في الاستحقاق. ورفعه على الابتداء، وما بعده مبني عليه، وقد ينصبه قوم على ضمير الفعل وهو قياس حسن، فيقولون: "ويْلاً لزيد" و"ويْحاً ل زيد".

قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والتسعون]:

كسا اللُؤْمُ تيْماً خُضْرةً في جُلُودها * فويْلاً ل تيْمٍ من سرابيلها الخُضْر

قال الاخفش: "حدثني عيسى بن عمر أنه سمع الاعراب ينشدونه هكذا بالنصب, ومنهم من يرفع ما ينصب في هذا الباب. قال أبو زُبيد: [من الطويل وهو الشاهد المئة]:

أغار وأقْوى ذات يومٍ وخيْبةٌ * لأوّل منْ يلْقى غيٌ مُيسّرُ

باب اللام.

وقوله {ل يشْترُواْ ب ه ثمناً قل يلاً} فهذه اللام إذا كانت في معنى "كيْ" كان ما بعدها نصبا على ضمير "أنْ"، وكذلك المنتصب بـ"كيْ" هو أيضاً على ضمير "أنْ" كأنه يقول: "الاشتراء "، فـ"يشترُوا" لا يكون اسما الا بـ"أنْ"، فـ"أنْ" مضمرة وهي الناصبة وهي في موضع جر باللام. وكذلك {كيْ لا يكُون دُولةً} "أنْ" مضمرة وقد جرتها "كيْ" وقالوا: "كيْمهْ" فـ"مهْ" اسم لانه "ما" التي في الاستفهام وأضاف "كيْ" اليها. وقد تكون "كيْ" بمنزلة "أنْ" هي الناصبة [٥٤ء] وذلك قوله {لّ كيْلا تأْسوْاْ} فاوقع عليها اللام. ولو لم تكن "كيْ" وما بعدها اسما لم تقع عليها اللام وكذلك ما انتصب بعد "حتّى" إنّما انْتصب بضمر "أنْ" قال {حتّى يأْت ي وعْدُ اللّه} و{حتّى تتّب ع م لّتهُمْ} إنّما هو "حتّى أنْ يأْت ي " و"حتّى أنْ تتّبع"، وكذلك جميع ما في القرآن من "حتّى". وكذلك {وزُلْز لُواْ حتّى يقُول الرّسُولُ} اي: "حتّى أنْ يقول" لأنّ "حتّى" في معنى "إلىّ"، تقول "أقمْنا حتّى الليل " أيْ: "إلى اللّيْل ".

فإن قيل: إظهارُ "أنْ" ها هنا قبيح

قلتُ: "قد تُضمر أشياءُ يقبحُ إظهارها إذا كانوا يستغنون عنها". ألا ترى أنّ قولك: "إنْ زيداً ضربْتهُ" منتصب بفعل مضمر لو اظهرته لم يحسن. وقد قرئت هذه الآية {وزُلْز لُواْ حتّى يقُول الرّسُولُ}يريد: "حتّى الرّسُولُ قائلٌ"، جعل ما بعد "حتّى" مبتدأ. وقد يكون ذلك نحو قولك: "س رْتُ حتّى أدْخُلُها" إذا أردت: "سرت فإذا أنا داخ لٌ فيها" و"س رْتُ أمس حتّى أدْخُلُها اليوم" أيْ: حتّى "أنا اليوم أدْخُلْها فلا أُمْنعْ". واذا كان غاية للسير نصبته. وكذلك ما لم يجب مما يقع عليه "حتّى" نحو {لا أبْرحُ حتّى أبْلُغ مجْمع

الْبحْريْن أوْ أمْض ى حُقُباً}. واما {ولن يُخْل ف اللّه وعْدهُ} فنصب بـ"لنْ" كما نصب بـ"أنْ" وقال [٥٤ب] بعضهم: إنما هي "أنْ" جُع لتْ "لا" كأنه يريد "لا أنْ يُخْل ف اللّه وعْدهُ" فلما كثرت في الكلام حذفت، وهذا قول، وكذلك جميعُ "لنْ" في القرآن. وينبغي لمنْ قال ذلك القول أن يرفع "أزيدٌ لنْ تضْر بُ" لأنّه في معنى "أزيدُ لا ضرْب له". وكذلك ما نصب بـ"إذنْ" تقول: "إذنْ آتيك" تنصب بها كما تنصب بـ"أنْ" وبـ"لنْ" فاذا كان قبلها الفاء أوْ الواو رفعت نحو قول اللّه عز وجل {وإ ذاً لاّ تُمتّعُون إ لاّ قل يلاً}

وقال {فإ ذاً لاّ يُؤْتُون النّاس نق يراً} وقد يكون هذا نصبا أيضاً عنده على اعمال "إذنْ". وزعموا أنّهُ في بعض القراءة منصوب وإنّما رفع لأنّ معتمد الفعل صار على الفاء والواو ولم يحمل على "إذنْ"، فكأنه قال: "فلا يُؤتُون الناس إذاً نق يرا" [و] "ولا تُمتّعُون إذنْ"

وقوله {لّ ئلاّ يعْلم أهْلُ الْك تاب أنْ لا يقْد رُون على شيْءٍ} [و] {وحس بُواْ أنْ لا تكُون ف تْنةٌ} و {أنْ لا يرْج عُ إ ليْه مْ قوْلاً} فارتفع الفعل بعد "أنْ لا" لأنّ ["أنْ"] هذه مثقّلة في المعنى، ولكنها خففت وجعل الاسم فيها مضمرا، والدليل على ذلك أنّ الاسم يحسن فيها والتثقيل. ألا ترى أنّك تقول "أفلا يروْن أنّه لا يرجعُ إليه مْ"، وتقول: "أنّهُمْ لا يقْد رون على شيْء" [و] "أنّهُ لا تكونُ [٥٥ء] فتنة".

وقال {آيتك أنْ لا تُكلّ م الناس} نصب لأن هذا ليس في معنى المثقّل, انما هو {آيتُك أنْ لا تُكلّ م} كما تقول: {آيتُك أنْ تُكلّ م} وأدخلت {لا} للمعنى الذي أريد من النفي. ولو رفعت هذا جاز على معنى آيتك أنك لا تكلم, ولو نصب الآخر جاز على أن تجعلها "أنْ" الخفيفة التي تعمل في الأفعال. ومثل ذلك {إ نّهُ ظنّ أن لّن يحُور}

وقال {تظُنُّ أن يُفْعل ب ها فاق رةٌ}

وقال {إ ن ظنّآ أن يُق يما حُدُود اللّه} وتقول: "عل مْت أنْ لا تُكرّ مُني" و"حس بْتُ أنْ لا تُكْر مُن ي". فهذا مثل ما ذكرت لك. فانما صار "عل مْتُ" و"اسْتيْقنْتُ" ما بعده رفع لأنه واجب. فلما كان واجبا لم يحسن أن يكون بعده "أنْ" التي تعمل في الأفعال، لأن تلك إنما تكون في غير الواجب، الا ترى أنك تقول "أُريدُ أنْ تأْت يني" فلا يكون هذا الا لأمر لم يقع، وارتفع ما بعد الظن وما أشبهه لأنه مشاكل للعلم لأنه يعلم بعض الشيء اذا كان يظنه. وأما "خش يتُ أنْ لا تُكْر مني" فهذا لم يقع. ففي مثل هذا تعمل ان الخفيفة ولو رفعته على أمر قد استقر عندك وعرفته كأنك جريته فكان لا يكرمك فقلت: "خش يتُ أنْ لا تُكْر مُني" أي: خشيتُ أنّك [٥٥ب] لا تُكْر مُني جاز.

وزعم يونس أن ناسا من العرب يفتحون اللام التي في مكان "كيْ"

وانشدوا هذا البيت فزعم انه سمعه مفتوحا: [من الوافر وهو الشاهد الحادي بعد المئة]:

يُؤام رُني ربيعةُ كُلّ يومٍ * لأُهْل كهُ وأقْت ني الدّجاجا

وزعم خلف أنها لغة لبني العنبر وانه سمع رجلا ينشد هذا البيت منهم مفتوحا: [من الطويل وهو الشاهد الثاني بعد المئة]:

فقُلْتُ لكلْب يّيْ قُضاعة إنّما * تخبّرْ تُماني أهْل فلْجٍ لأمْنعا

يريد "م نْ أهل فلْجٍ". وقد سمعت أنا ذلك من العرب، وذلك أن اصل اللام الفتح وانما كسرت في الاضافة ليفرق بينها وبين لام الابتداء. وزعم أبو عبيدة انه سمع لام "لعلّ" مفتوحة في لغة من يجرّبها ما بعدها في قول الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث بعد المئة]:

ل علّ اللّه يُمْك نُن ي عليْها * ج هاراً من زُهيْرٍ أوْ أس يد

يريد "ل علّ عبد اللّه" فهذه اللام مكسورة لأنها لام اضافة. وقد زعم انه قد سمعها مفتوحة فهي مثل لام "كيْ". وقد سمعنا من العرب من يرفع بعد "كيما"

وأنشد: [من الطويل وهو الشاهد الرابع بعد المئة]:

إذا أنْت لم تنْفعْ فضُرّ فإنّما * يُرجّى الفتى كيما يضُرُّ وينْفعُ

فهذا جعل "ما" اسما وجعل "يضرُّ" و"ينْفعُ" من صلته جعله اسما للفعل وأوقع "كيْ" [٥٦ء] عليه وجعل "كيْ" بمنزلة اللام.

وقوله {ألمْ يعْلمُواْ أنّهُ من يُحاد د اللّه ورسُولهُ فأنّ لهُ نار جهنّم}

وقوله {أنّهُ من عم ل م نكُمْ سُوءًا ب جهالةٍ ثُمّ تاب م ن بعْد ه وأصْلح فأنّهُ غفُورٌ رّح يمٌ} فيشبه ان تكون الفاء زائدة كزيادة "ما" ويكون الذي بعد الفاء بدلا من "أن" التي قبلها. وأجوده أن تكسر "إن" وأن تجعل الفاء جواب المجازاة. وزعموا أنه يقولون "أخُوك فوُج د" "بل أخوك فجُه د" يريدون "أخوك وُج د" و"بل أخوك جُه د" فيزيدون الفاء. وقد فسر الحسن {حتّى إ ذا جآءُوها وفُت حتْ أبْوابُها وقال لهُمْ خزنتُها} على حذف الواو.

وقال: "معناها: قال لهُمْ خزنتُها"، فالواو في هذا زائدة.

قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس بعد المئة]:

فإذا وذل ك يا كُبيْشةُ لمْ يكُنْ * إلاّ كلمّة حال مٍ ب خيال

وقال: "من الكامل وهو الشاهد السادس بعد المئة]:

فإذا وذلك ليس إلاّ حينُه * واذا مضى شيْءٌ كأنْ لمْ يُفْعل

كأنه زاد الواو وجعل خبره مضمرا, ونحو هذا مما خبره مضمر كثير.

﴿ ٧٩