٧

و قوله تعالى : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ... (٧)

بخفض «غَيْرِ» لأنها نعت للذين ، لا للهاء والميم من «عَلَيْهِمْ». وإنما جاز أن تكون «غَيْرِ» نعتا لمعرفة لأنها قد أضيفت إلى اسم فيه ألف ولام ، وليس بمصمود «١» له ولا الأوّل أيضا بمصمود له ، وهى فى الكلام بمنزلة قولك : لا أمرّ إلا بالصادق غير الكاذب كأنك تريد بمن يصدق ولا يكذب. ولا يجوز أن تقول : مررت بعبد اللّه غير الظريف إلا على التكرير لأن عبد اللّه موقّت «٢» ، و«غَيْرِ» فى مذهب «٣» نكرة غير موقتة ، ولا تكون نعتا إلا لمعرفة غير موقتة. «٤» والنصب جائز فى «غَيْرِ» ، تجعله قطعا «٥» من «عَلَيْهِمْ». وقد يجوز أن تجعل «الَّذِينَ» قبلها فى موضع توقيت ، وتخفض «غَيْرِ» على التكرير : «صراط غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ».

(١) أي لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم ، لأن «الذين» مع كونه معرفة فتعريفه بالصلة فهو قريب من النكرة لأنه عام. و«غَيْرِ الْمَغْضُوبِ ...» أيضا لم يقصد به معين فمن ثم صلح أن تكون (غير) وصفا للمعرفة. ويرى بعضهم أن (غيرا) وإن كانت فى الأصل نكرة إلا أنها هنا قريب من المعرفة ، لأنها إذا وقعت بين متضادين وكانا معرفتين تعرفت بالإضافة ، أو قربت من المعرفة كقولك : تعجبنى الحركة غير السكون ، فالحركة دأب الحي غير الميت ، وكذلك الحال هنا لأن المنعم عليهم والمغضوب عليهم متضادان معرفتان. ويجوز فى «غَيْرِ» فى الآية أن تكون بدلا من «الَّذِينَ» أو من الهاء فى «عَلَيْهِمْ».

(٢) يعنى كونه علما معينا معرّفا بالعلمية. [.....]

(٣) المذهب : مكان الذهاب يراد به الطريق. أي أن «غَيْرِ» فى طريق النكرة ، وهذا كناية عن أنها نكرة.

(٤) قال المبرد : والفراء يأبى أن يكون «غَيْرِ» نعتا إلا للذين لأنها بمنزلة النكرة ، وقال الأخفش : «غَيْرِ» بدل قال ثعلب : وليس بممتنع ما قال ، ومعناه التكرير ، كأنه أراد صراط غير المغضوب عليهم.

(٥) يريد بالقطع أنه منصوب حالا من الهاء فى «عَلَيْهِمْ» كأنه قيل :

أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم. وجوز أن يكون منصوبا بالاستثناء من «الَّذِينَ» أو من الضمير فى «عَلَيْهِمْ» أي إلا المغضوب عليهم.

و أما قوله تعالى : وَلَا الضَّالِّينَ» (٧) فإن معنى «غَيْرِ» معنى «لَا» فلذلك ردّت عليها «وَ لَا». هذا كما تقول :

فلان غير محسن ولا مجمل فإذا كانت «غَيْرِ» بمعنى سوى لم يجز أن تكرّ عليها «لَا» ألا ترى أنه لا يجوز : عندى سوى عبد اللّه ولا زيد.

وقد قال بعض من «١» لا يعرف العربية : إن معنى «غَيْرِ» فى «الْحَمْدُ» «٢» معنى «سوى» ، وإن «لَا» صلة فى الكلام ، واحتجّ بقول الشاعر «٣» :

فى بئر لا حور سرى وما شعر

و هذا [غير] جائز لأن المعنى وقع على ما لا يتبين فيه عمله ، فهو جحد محض. وإنما يجوز أن تجعل «لَا» صلة إذا اتصلت بجحد قبلها مثل قوله :

ما كان يرضى رسول اللّه دينهم والطيّبان أبو بكر ولا عمر «٤»

فجعل «لَا» صلة لمكان الجحد الذي فى أوّل الكلام هذا التفسير أوضح أراد فى بئر لا حور ، «لَا» الصحيحة فى الجحد لأنه أراد فى : بئر ماء لا يحير عليه شيئا كأنك قلت : إلى غير رشد توجه وما درى. والعرب تقول : طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا «٥» أي لم يتبين لها أثر عمل.

(١) هو أبو عبيدة. وانظر اللسان (غير).

(٢) أي سورة الفاتحة. والحمد من أسمائها.

(٣) هو العجاج ، من أرجوزة له طويلة يمدح بها عمر بن عبيد اللّه بن معمر ، وكان عبد الملك بن مروان وجهه لقتال أبى فديك الحروري فأوقع به وبأصحابه. ومطلعها :

قد جبر الدين الإله فجبر وعور الرحمن من ولى العور

و قوله : «فى بئر لا حور» يريد فى بئر نقص سرى الحروري وما شعر يقول : نقص الحروري ومادرى.

ويقال : فلان يعمل فى حور أي فى نقصان. وهذا على ما يرى أبو عبيدة. ويرى الفرّاء أن الحور الرجوع ولا للنفى ، أي سرى فى بئر غير رجوع ، أي بئر منسوبة إلى عدم الرجوع لأنها لا ترجع عليه بخير. والحور يأتى فى معنى النقصان ومعنى الرجوع ، فأخذ أبو عبيدة بالأول ، والفرّاء بالثاني. وانظر الخزانة ٢/ ٩٥ والبيت محرف فى الأصل والتصويب من ديوان العجاج.

(٤) من قصيدة لجرير فى هجو الأخطل. وانظر الديوان طبعة الصاوى ٢٦٣.

(٥) أي ما ردت شيئا من الدقيق ، والمراد أنه لم يتبين لها أثر عمل كما قال المؤلف.

﴿ ٧