٢وقوله تعالى : ذلِكَ الْكِتابُ ... (٢) يصلح فيه ذلِكَ من جهتين ، وتصلح فيه «هذا» من جهة فأما أحد الوجهين من «ذلِكَ» فعلى معنى : هذه الحروف يا أحمد «١» ، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك. والآخر أن يكون «ذلِكَ» على معنى يصلح فيه «هذا» لأن قوله «هذا» و«ذلِكَ» يصلحان فى كل كلام إذا ذكر ثم أتبعته بأحدهما بالإخبار عنه. ألا ترى أنك تقول : قد قدم فلان فيقول السامع : قد بلغنا ذلك ، وقد بلغنا هذا الخبر ، فصلحت فيه «هذا» لأنه قد قرب من جوابه ، فصار كالحاضر الذي تشير إليه ، وصلحت فيه «ذلِكَ» لانقضائه ، والمنقضى كالغائب. ولو كان شيئا قائما يرى لم يجز مكان «ذلِكَ» «هذا» ، (١) فى ج ، ش «محمد». و لا مكان «هذا» «ذلِكَ» وقد قال اللّه جل وعز : «وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ» إلى قوله : «وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ» ثم قال : «هذا ذِكْرُ» «١». وقال جلّ وعزّ فى موضع آخر : «وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ» ثم قال : «هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ» «٢». وقال جلّ ذكره : «وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» ثم قال : «ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ» «٣». ولو قيل فى مثله من الكلام فى موضع «ذلِكَ» : هذا» أو فى موضع «هذا» : «ذلِكَ» لكان صوابا. وفى قراءة عبد اللّه بن مسعود «هذا فذوقوه» وفى قراءتنا «ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ» «٤». فأما ما لا يجوز فيه «هذا» فى موضع «ذلِكَ» ولا «ذلِكَ» فى موضع «هذا» فلو رأيت رجلين تنكر أحدهما لقلت للذى تعرف : من هذا الذي معك؟ ولا يجوز هاهنا : من ذلك؟ لأنك تراه بعينه. وأما قوله تعالى : هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) فإنه رفع من وجهين ونصب من وجهين إذا أردت ب «الْكِتابُ» أن يكون نعتا ل «ذلِكَ» كان الهدى فى موضع رفع لأنه خبر ل «ذلِكَ» كأنك قلت : ذلك هدى لا شكّ فيه «٥». وإن جعلت لا رَيْبَ فِيهِ خبره رفعت أيضا (هُدىً) تجعله تابعا لموضع «لا رَيْبَ فِيهِ» كما قال اللّه عزّ وجلّ : «وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ» «٦» كأنه قال : وهذا كتاب ، وهذا مبارك ، وهذا من صفته كذا وكذا. وفيه وجه ثالث من الرفع : إن شئت رفعته على الاستئناف لتمام ما قبله ، كما قرأت القرّاء «الم. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ» «٧» بالرفع (١) الآيات ٤٥ - ٤٩ سورة ص. [.....] (٢) آية ٥٢ ، ٥٣ سورة ص. (٣) آية ١٩ سورة ق. (٤) آية ١٤ سورة الأنفال. (٥) وجملة «لا ريب فيه» على هذا اعتراض أو حال. (٦) آية ٩٢ و١٥٥ سورة الأنعام. (٧) آية ١ - ٣ سورة لقمان. و النصب. وكقوله فى حرف عبد اللّه : «أَ أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شيخ» «١» وهى فى قراءتنا «شَيْخاً». فأما النصب فى أحد الوجهين فأن تجعل «الْكِتابُ» خبرا ل «ذلِكَ» فتنصب «هُدىً» على القطع لأن «هُدىً» نكرة اتصلت بمعرفة قد تمّ خبرها فنصبتها لأن النكرة لا تكون دليلا على معرفة. وإن شئت نصبت «هُدىً» على القطع «٢» من الهاء التي فى «فِيهِ» كأنك قلت : لا شك فيه هاديا. واعلم أن «هذا» إذا كان بعده اسم فيه الألف واللام جرى على ثلاثة معان : أحدها - أن ترى الاسم الذي بعد «هذا» كما ترى «هذا» ففعله حينئذ مرفوع «٣» كقولك : هذا الحمار فاره. جعلت الحمار نعتا لهذا إذا «٤» كانا حاضرين ، ولا يجوز هاهنا النصب «٥». والوجه الآخر - أن يكون ما بعد «هذا» واحدا يؤدّى عن جميع جنسه ، فالفعل حينئذ منصوب كقولك : ما كان من السباع غير مخوف فهذا الأسد مخوفا ألا ترى أنك تخبر عن الأسد كلّها بالخوف. والمعنى الثالث - أن يكون ما بعد «هذا» واحدا لا نظير له فالفعل حينئذ أيضا منصوب. وإنما نصبت الفعل لأن «هذا» ليست بصفة للأسد إنما دخلت تقريبا «٦» ، وكان الخبر بطرح «هذا» أجود ألا ترى أنك لو قلت : ما لا يضرّ «٧» من السباع فالأسد ضار ، كان أبين. وأما معنى التقريب : فهذا أوّل ما أخبركم عنه ، فلم يجدوا بدّا من أن (١) آية ٧٢ سورة هود. (٢) يريد بالقطع الحال. (٣) يعنى أن مدلول «هذا» والاسم المحلى بأل بعده واحد مساو له ، بأن يكون هو إياه لا يزيد عنه ، ومراده بفعله الاسم الواقع بعد المحلى بأل ، وعبر عنه بفعله لأنه من أحواله وصفاته ، وقد يكون حدثا من أحواله وصفاته نحو الفراهة والإخافة ، والضياء والنور فى الأمثلة التي أتى بها. (٤) كذا فى الأصول.والأنسب (إذ). (٥) عدم جواز النصب هنا أنه لو نصب «فاره» حالا ، لتعين أن يكون «الحمار» خبر الاسم الإشارة فتكون الجملة الاسمية لا فائدة فيها لأنك تخبر عن شىء مشاهد بنفسه. (٦) انظر فى التقريب عند الكوفيين الهمع ١/ ١١٣ (٧) كذا بالأصول ، وقد يكون الأصل : ما لا يضرى من السباع فالأسد ضار. يرفعوا هذا «بالأسد» ، وخبره منتظر ، فلما شغل الأسد بمرافعة «١» «هذا» نصب فعله الذي كان يرافعه لخلوته «٢». ومثله «وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «٣» فإذا أدخلت عليه «كان» ارتفع بها والخبر منتظر يتم به الكلام فنصبته لخلوته. وأما نصبهم فعل الواحد الذي لا نظير له مثل قولك : هذه الشمس ضياء للعباد ، وهذا القمر نورا فإن القمر واحد لا نظير له ، فكان أيضا عن قولك «هذا» مستغنيا ألا ترى أنك إذا قلت : طلع القمر ، لم يذهب الوهم إلى غائب فتحتاج أن تقول «هذا» لحضوره ، فارتفع بهذا ولم يكن نعتا ، ونصبت خبره للحاجة إليه. |
﴿ ٢ ﴾