٧

وقوله تعالى : خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ... (٧)

انقطع معنى الختم عند قوله : «وَ عَلى سَمْعِهِمْ». ورفعت «الغشاوة» ب «عَلى » ، ولو نصبتها بإضمار «و جعل» لكان صوابا.

وزعم المفضّل «٤» أن عاصم بن أبى النّجود كان ينصبها ، على مثل قوله فى الجاثية : «أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً» «٥» ومعناهما واحد ، واللّه أعلم.

وإنما يحسن الإضمار فى الكلام الذي يجتمع ويدلّ أوّله على آخره كقولك : قد أصاب فلان المال ، فبنى الدور والعبيد والإماء واللباس الحسن فقد ترى البناء لا يقع على العبيد والإماء ولا على الدوابّ ولا على الثياب ، ولكنه من صفات اليسار

(١) «بمرافعة» كذا فى ش. وفى غيرها : «بمرافعه». هذا ومذهب الكوفيين ومنهم الفراء أنّ المبتدأ والخبر ترافعا يعنى أن المبتدأ رفع الخبر والخبر رفع المبتدأ لأن كلا منهما طالب للآخر ومحتاج إليه وبه صار عمدة. [.....]

(٢) أي عدم اشتغاله بمرافع.

(٣) «اللّه» مبتدأ و«غفور رحيم» خبران ، فإذا دخل على الجملة كان يكون لفظ الجلالة مرفوعا بها ، وينصب ما بعده.

(٤) هو المفضل الضبّىّ. كان من أكابر علماء الكوفة ، توفى سنة ١٧١ ه.

(٥) آية ٢٣ من السورة المذكورة.

فحسن الإضمار لمّا عرف. ومثله فى سورة الواقعة : «يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ» «١» ثم قال : «وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ» فخفض بعض القراء ، ورفع بعضهم الحور العين.

«٢» قال الذين رفعوا : الحور العين لا يطاف بهنّ فرفعوا على معنى قولهم : وعندهم حور عين ، أو مع ذلك حور عين فقيل «٣» : الفاكهة واللحم لا يطاف بهما إنما يطاف بالخمر وحدها - واللّه أعلم - ثم أتبع آخر الكلام أوّله. وهو كثير فى كلام العرب وأشعارهم ، وأنشدنى بعض بنى أسد يصف فرسه :

علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همّالة عيناها «٤»

و الكتاب أعرب وأقوى فى الحجة من الشعر. وأما ما لا يحسن فيه الضمير «٥» لقلّة اجتماعه ، فقولك : قد أعتقت مباركا أمس وآخر اليوم يا هذا وأنت تريد : واشتريت آخر اليوم لأن هذا مختلف لا يعرف أنك أردت ابتعت. ولا يجوز أن تقول :

ضربت فلانا وفلانا وأنت تريد بالآخر : وقتلت فلانا لأنه ليس هاهنا دليل.

ففى هذين الوجهين ما تعرف به ما ورد عليك إن شاء اللّه.

﴿ ٧