٣٥

وقوله : وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا ... (٣٥)

إن شئت جعلت فَتَكُونا جوابا نصبا ، وإن شئت عطفته على أوّل الكلام فكان جزما مثل قول امرئ القيس :

فقلت له صوّب ولا تجهدنّه فيذرك من أخرى القطاة فتزلق «٣»

 (٣) من قصيدته التي أولها :

ألا أنعم صباحا أيها الربع وانطق وحدّث حديث الركب إن شئت واصدق

و الضمير فى «له» يعود للغلام المذكور فى بيت قبله. وانظر ديوان امرئ القيس برواية الطوسي المخطوط بالدار. ووقع فى سيبويه ١/ ٤٥٢ نسبته الى عمرو بن عمار الطائي. ويقال : صوب الفرس أرسله فى الجري. وجهد دابته «كمنع» وأجهدها : بلغ جهدها وحمل عليها فى السير فوق طاقتها.

وأذرت الدابة راكبها : صرعته ، وطعنه فأذراه عن فرسه أي صرعه. والقطاة : العجز أو ما بين الوركين ، أو مقعد الرديف من الدابة خلف الفارس. وزلق كفرح ونصر : زل وسقط. ويروى الشطر الثاني :

فيذرك من أعلى القطاة فتزلق فجزم. ومعنى الجزم كأنّه تكرير النهى ، كقول القائل : لا تذهب ولا تعرض لأحد. ومعنى الجواب والنّصب لا تفعل هذا فيفعل بك مجازاة ، فلمّا عطف حرف على غير ما يشاكله وكان فى أوّله حادث لا يصلح فى الثاني نصب.

ومثله قوله : «وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي» «١» و«لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ» «٢» و«فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» «٣».

وما كان من نفى ففيه ما فى هذا ، ولا يجوز الرفع فى واحد من الوجهين إلا أن تريد الاستئناف بخلاف المعنيين كقولك للرجل : لا تركب إلى فلان فيركب إليك تريد لا تركب إليه فإنه سيركب إليك ، فهذا مخالف للمعنيين لأنه استئناف ، وقد قال الشاعر :

ألم تسأل الرّبع القديم فينطق وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق «٤»

أراد : ألم تسأل الربع فإنه يخبرك عن أهله ، ثم رجع إلى نفسه فأكذبها ، كما قال زهير بن أبى سلمى المزنىّ :

قف بالدّيار التي لم يعفها القدم بلى وغيّرها الأرواح والدّيم

فأكذب نفسه. وأما قوله : «وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ» «٥» فإنّ جوابه قوله : «فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» والفاء التي فى قوله : «فَتَطْرُدَهُمْ»

(١) آية ٨١ سورة طه.

(٢) آية ٦١ سورة طه.

(٣) آية ١٢٩ سورة النساء.

(٤) البيت مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذرى ، ويروى صدره :

ألم تسأل الربع القواء فينطق والقواء : القفر الذي لا ينبت. والبيداء : القفر الذي يبيد من سلكه أي يهلكه. والسملق : الأرض التي لا تنبت شيئا أو السهلة المستوية الخالية. وانظر الخزانة ٣/ ٦٠١

(٥) آية ٥٢ سورة الأنعام.

جواب لقوله : «ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ» ففى قوله : «فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» الجزم والنصب على ما فسّرت لك ، وليس فى قوله : «فَتَطْرُدَهُمْ» إلا النصب ، لأنّ الفاء فيها مردودة على محلّ وهو قوله : «ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ» و«عَلَيْكَ» لا تشاكل الفعل ، فإذا كان ما قبل الفاء اسما لا فعل فيه ، أو محلّا مثل قوله : «عندك وعليك وخلفك» ، أو كان فعلا ماضيا مثل : «قام وقعد» لم يكن فى الجواب بالفاء إلا النصب. وجاز فى قوله :

فيذرك من أخرى القطاة فتزلق لأن الذي قبل الفاء يفعل والذي بعدها يفعل ، وهذا مشاكل بعضه لبعض لأنه فعل مستقبل فيصلح أن يقع على آخره ما يقع على أوّله ، وعلى أوّله ما يقع على آخره لأنه فعل مستقبل «١».

﴿ ٣٥