٥٨

وقوله : وَقُولُوا حِطَّةٌ ... (٥٨)

يقول - واللّه أعلم - قولوا : ما أمرتم به أي هى حطة فحالفوا إلى كلام بالنّبطية ، فذلك قوله : فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ.

وبلغني أنّ ابن عباس قال : أمروا أن يقولوا : نستغفر اللّه فإن يك كذلك فينبغى أن تكون «حِطَّةٌ» منصوبة فى القراءة «٣» لأنك تقول : قلت لا إله إلا اللّه ، فيقول القائل : قلت كلمة صالحة ، وإنما تكون الحكاية إذا صلح قبلها إضمار ما يرفع أو يخفض أو ينصب ، فإذا ضممت ذلك كله فجعلته كلمة كان منصوبا بالقول كقولك : مررت بزيد ، ثم تجعل هذه كلمة فتقول : قلت كلاما حسنا ثم تقول :

قلت زيد قائم ، فيقول : قلت كلاما «٤». وتقول : قد ضربت عمرا ، فيقول أيضا :

قلت كلمة صالحة.

فأما قول اللّه تبارك وتعالى : «سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ» «٥» إلى آخر ما ذكر من العدد فهو رفع لأن قبله ضمير أسمائهم سيقولون : هم ثلاثة ، إلى آخر الآية.

وقوله : «وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ» «٦» رفع أي قولوا : اللّه واحد ، ولا تقولوا

 (٣) النصب على وجهين

أحدهما - إعمال الفعل فيها وهو «قولوا» أي قولوا كلمة تحط عنكم أو زاركم.

والثاني - أن تنسب على المصدر بمعنى الدعاء والمسألة أي حط اللهم أوزارنا وذنوبنا حطة. وبالنصب قرأ ابن أبى عبلة وطاوس اليماني. والقراءة العامة بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي مسئلتنا حطة ، أو أمرك حطة قال النيسابورى : وأصله النصب ، ومعناه اللهم حط عنا ذنوبنا فرفعت لإفادة الثبوت.

(٤) ما بين النجمتين ساقط من ج ، ش.

(٥) آية ٢٢ سورة الكهف.

(٦) آية ١٧١ سورة النساء.

الآلهة ثلاثة. وقوله : «قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ» «١» ففيها وجهان : إن أردت : ذلك الذي قلنا معذرة إلى ربكم رفعت ، وهو الوجه. وإن أردت : قلنا ما قلنا معذرة إلى اللّه فهذا وجه نصب «٢».

وأما قوله : «وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا» «٣» فإن العرب لا تقوله إلّا رفعا وذلك أنّ القوم يؤمرون بالأمر يكرهونه فيقول أحدهم : سمع وطاعة ، أي قد دخلنا أوّل هذا الدّين على أن نسمع ونطيع فيقولون : علينا ما ابتدأناكم به ، ثم يخرجون فيخالفون ، كما قال عز وجل :

«فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ [بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ]» [أي ] فإذا خرجوا من عندك بدّلوا «٤». ولو أردت فى مثله من الكلام : أي نطيع ، فتكون «٥» الطاعة جوابا للأمر بعينه جاز النصب ، لأنّ كلّ مصدر وقع موقع فعل ويفعل جاز نصبه ، كما قال اللّه تبارك وتعالى : «مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ» «٦» [معناه واللّه أعلم نعوذ باللّه أن نأخذ].

ومثله فى النور : «قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ» «٧» الرفع على ليكن منكم ما يقوله أهل السّمع والطاعة.

وأما قوله فى النحل : «وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» «٨» فهذا قول أهل الجحد لأنهم قالوا لم ينزل شيئا ، إنما هذا أساطير الأوّلين وأما الذين آمنوا فإنهم أقرّوا فقالوا : أنزل ربّنا خيرا «٩» ، ولو رفع خير على : الذي أنزله خير لكان صوابا ، فيكون بمنزلة قوله :

«يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ» «١٠» و«قُلِ الْعَفْوَ» النّصب على الفعل : ينفقون

(١) آية ١٦٤ سورة الأعراف. [.....]

(٢) فى ش ، ج : «النصب».

(٣) آية ٨١ سورة النساء.

(٤) فى الأصول : «فإذا خرجوا من عندك بدلوا» ، وقد زدنا «أي» وأكلنا الآية كما ترى ، ليكون هذا تفسيرا لها.

(٥) فى أ: «تكون».

(٦) آية ٧٩ سورة يوسف.

وما بين المربعين ساقط من أ.

(٧) آية ٥٣ من السورة المذكورة.

(٨) آية ٢٤ وما بين النجمتين ساقط من ج ، ش.

(٩) يشير إلى قوله تعالى : «قالُوا خَيْراً» آية ٣٠ من سورة النحل.

(١٠) آية ٢١٩ سورة البقرة.

العفو ، والرفع على : الذي ينفقون عفو الأموال. وقوله : «قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ» «١» فأما السلام (فقول يقال) «٢» ، فنصب لوقوع الفعل عليه ، كأنّك قلت : قلت كلاما.

وأما قوله : «قالَ سَلامٌ» فإنه جاء فيه نحن «سَلامٌ» وأنتم «قَوْمٌ مُنْكَرُونَ».

وبعض المفسرين يقول : «قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ» يريد سلّموا عليه فردّ عليهم ، فيقول القائل : ألا كان السّلام رفعا كلّه أو نصبا كلّه

 قلت : السّلام على معنيين :

إذا أردت به الكلام نصبته ، وإذا أضمرت معه «عليكم» رفعته. فإن شئت طرحت الإضمار من أحد الحرفين وأضمرته فى أحدهما ، وإن شئت رفعتهما معا ، وإن شئت نصبتهما جميعا. والعرب تقول إذا التقوا فقالوا سلام : سلام ، على معنى قالوا السلام عليكم فردّ عليهم الآخرون. والنصب يجوز فى إحدى القراءتين «قالوا سلاما قال سلاما». وأنشدنى بعض بنى عقيل :

فقلنا السّلام فاتّقت من أميرها فما كان إلّا ومؤها بالحواجب

فرفع السّلام لأنه أراد سلّمنا عليها فاتّقت أن تردّ علينا. ويجوز أن تنصب السلام على مثل قولك «٣» : قلنا الكلام ، قلنا السلام ، ومثله : قرأت «الحمد» «٤» وقرأت «الحمد» إذا قلت قرأت «الحمد» أوقعت عليه الفعل ، وإذا رفعت جعلته حكاية «٥» على قرأت «الْحَمْدُ لِلَّهِ».

(١) آية ٦٩ سورة هود.

(٢) فى ج ، ش : «فتسليمهم» بدل «فقول يقال».

(٣) «قلنا الكلام» : ساقط من ج ، ش.

(٤) فى ش ، ج : «الحمد للّه».

(٥) سقط هذا الحرف فى أ. [.....]

﴿ ٥٨