٩٠وقوله : بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ... (٩٠) معناه - واللّه أعلم - باعوا به أنفسهم. وللعرب فى شروا واشتروا مذهبان ، فالأكثر منهما أن يكون شروا : باعوا ، واشتروا : ابتاعوا ، وربّما جعلوهما جميعا فى معنى باعوا ، وكذلك البيع يقال : بعت الثوب. على معنى أخرجته من يدى ، وبعته : اشتريته ، وهذه اللّغة فى تميم وربيعة. سمعت أبا ثروان يقول لرجل : بع لى تمرا بدرهم. يريد اشتر لى وأنشدنى بعض ربيعة «٢» : و يأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتا ولم تضرب له وقت موعد على معنى لم تشتر له بتاتا قال الفرّاء : والبتات الزاد. وقوله : بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا «أن يكفروا» فى موضع خفض ورفع فأما الخفض فأن تردّه على الهاء التي فى «به» على التكرير على كلامين «٣» كأنّك قلت اشتروا أنفسهم بالكفر «٤». وأما الرفع فأن يكون مكرورا أيضا على موضع «ما» التي تلى «بئس «٥»». ولا يجوز أن يكون رفعا على قولك بئس الرجل عبد اللّه ، وكان الكسائىّ يقول ذلك «٦» قال الفراء : وبئس لا يليها مرفوع موقّت ولا منصوب موقّت ، ولها (٢) البيت لطرفة من معلقته. (٣) فى نسخة (أ) على كلامهم. (٤) يريد أن المصدر من أن والفعل فى محل جر بدل من الهاء فى «به» والبدل على نية تكرار العامل. (٥) وجه الرفع أن يكون المصدر فى محل رفع على أنه المخصوص بالذم ، وفى الآية أعاريب أخرى فى كتب التفسير. (٦) الكسائي يقول : «ما» و«اشتروا» بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه ، والتقدير : بئس اشتراؤهم أن يكفروا. وهذا مردود فإن «نعم» و«بئس» لا يدخلان على اسم معين معروف ، والشراء قد تعرف بإضافته إلى الضمير. وجهان فإذا وصلتها بنكرة قد تكون معرفة بحدوث ألف ولام فيها نصبت تلك النكرة ، كقولك : بئس رجلا عمرو ، ونعم رجلا عمرو ، وإذا أوليتها معرفة فلتكن غير موقّتة ، فى سبيل النكرة ، ألا ترى أنك ترفع فتقول : نعم الرجل عمرو «١» ، وبئس الرجل عمرو «٢» ، فإن أضفت النكرة إلى نكرة رفعت ونصبت ، كقولك : نعم غلام سفر زيد ، وغلام سفر زيد وإن أضفت إلى المعرفة شيئا رفعت ، فقلت : نعم سائس الخيل زيد ، ولا يجوز النّصب إلا أن يضطرّ إليه شاعر ، لأنهم حين أضافوا إلى النكرة رفعوا ، فهم إذا أضافوا إلى المعرفة أحرى ألّا ينصبوا. وإذا أوليت نعم وبئس من النكرات ما لا يكون معرفة مثل «مثل» و«أى» كان الكلام فاسدا خطأ أن تقول : نعم مثلك زيد ، ونعم أىّ رجل زيد لأن هذين لا يكونان مفسّرين «٣» ، ألا ترى أنك لا تقول : [للّه ] «٤» درّك من أىّ رجل ، كما تقول : للّه درّك من رجل ، ولا يصلح أن تولى نعم وبئس «الذى» ولا «من» ولا «ما» إلا أن تنوى بهما الاكتفاء «٥» دون أن يأتى بعد ذلك اسم مرفوع «٦». من ذلك قولك : بئسما صنعت ، فهذه مكتفية ، وساء ما صنعت. ولا يجوز ساء ما صنيعك. وقد أجازه الكسائي فى كتابه على هذا المذهب. قال الفراء : ولا نعرف ما جهته ، وقال «٧» : أرادت العرب أن تجعل «ما» بمنزلة الرجل حرفا تامّا ، ثم أضمروا لصنعت «ما» كأنّه قال : بئسما ما صنعت ، فهذا قوله وأنا لا أجيزه. فإذا جعلت «نعم» (صلة لما) «٨» بمنزلة قولك «كلما» و«إنما» كانت بمنزلة «حبّذا» فرفعت بها الأسماء من ذلك قول اللّه عز وجل : «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ» رفعت «هِيَ» ب «نعما» ولا تأنيث فى «نعم» (١ ، ٢) فى أ: «عبد اللّه». (٣) لاشتراط النحاة فى فاعل نعم وبئس أن يكون غير متوغل فى الإبهام بخلاف نحو «غير» و«مثل» و«أي». (٤) زيادة يقتضيها المثال. (٥) أي الاستغناء عن المخصوص. وهذا إذا كان هذان اللفظان موصولين بما يوصل به الذي. (٦) أي مخصوص. (٧) أي الكسائىّ. (٨) كذا فى الأصول. والوجه فى العبارة : «موصولة بما» أو «جعلت ما صلة نعم» كما سيأتى له. وقد ركب الفراء متن التسامح فى هذا. و لا تثنية إذا جعلت «ما» صلة لها فتصير «ما» مع «نعم» بمنزلة «ذا» من «١» «حبّذا» ألا ترى أنّ «حبذا» لا يدخلها تأنيث ولا جمع. ولو جعلت «ما» على جهة الحشو «٢» كما تقول : عما قليل آتيك ، جاز فيه التأنيث والجمع ، فقلت : بئسما رجلين أنتما ، وبئست ما جارية جاريتك. وسمعت العرب تقول فى «نعم» المكتفية بما : بئسما «٣» تزويج ولا مهر ، فيرفعون التزويج ب «بِئْسَمَا». (١) فى ش ، ج : «مع». (٢) يريد بالحشو أنها زائدة غير كافة عن العمل. [.....] (٣) يريد رفع التزويج ببئس ، و«ما» لا موضع لها لتركيبها مع بئس تركيب «ذا» مع «حب». وقوله : بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... (٩٠) موضع «أن» جزاء ، وكان الكسائي يقول فى «أن» : هى فى موضع خفض ، وإنما هى جزاء «٤». إذا كان الجزاء لم يقع عليه شىء قبله (وكان) «٥» ينوى بها الاستقبال كسرت «إن» وجزمت بها فقلت : أكرمك إن تأتنى. فإن كانت ماضية قلت : أكرمك أن تأتينى. وأبين من ذلك ان تقول : أكرمك أن أتيتنى كذلك قال الشاعر : أ تجزع أن بان الخليط المودّع وحبل الصّفا من عزّة المتقطّع يريد أتجزع بأن ، أو لأن كان ذلك. ولو أراد الاستقبال ومحض الجزاء لكسر «إن» وجزم بها ، كقول اللّه جلّ ثناؤه : «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا» «٦» فقرأها القرّاء بالكسر ، ولو قرئت بفتح «أن» على معنى [إذ لم يؤمنوا «٧»] ولأن لم يؤمنوا ، ومن أن لم يؤمنوا [لكان صوابا] «٨» وتأويل «أن» فى موضع نصب ، لأنها إنما كانت «٩» أداة بمنزلة «إذ» فهى فى موضع نصب إذا ألقيت الخافض وتمّ (٤) فى ش ، ج بعد هذا زيادة : «فى قول الفراء». (٥) فى أ: «فكان». (٦) آية ٦ سورة الكهف. (٧) ساقط من أ. (٨) زيادة تقتضيها العبارة. (٩) فى ج ، ش : «إنما أداة إلخ». وكتب فى ش فوق السطر «هى» بين «إنما» و«أداة». ما قبلها ، فإذا جعلت لها الفعل أو أوقعته عليها أو أحدثت لها خافضا فهى فى موضع ما يصيبها من الرفع والنصب والخفض «١». (١) راجع الطبري فى تفسير قوله تعالى : «أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ» سورة «الزخرف» ففيه الكلام على فتح همزة «إن» وكسرها. وقوله : فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ... (٩٠) لا يكون باؤ مفردة حتى توصل بالباء. فيقال : باء بإثم يبوء بوءا. وقوله بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ أن اللّه غضب على اليهود فى قولهم : «يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ» «٢». ثم غضب عليهم فى تكذيب محمد صلى اللّه عليه وسلّم حين دخل المدينة ، فذلك قوله : «فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ». (٢). ٦٤ سورة المائدة. [.....] |
﴿ ٩٠ ﴾