١٠٢وقوله : وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ... (١٠٢) (كما تقول فى ملك سليمان) «٦». تصلح «فى» و«على» فى مثل هذا الموضع تقول : أتيته فى عهد سليمان وعلى عهده سواء. (٦) سقط ما بين القوسين فى أ. و قوله : وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ... (١٠٢) القرّاء يقرءون «الْمَلَكَيْنِ» من الملائكة. وكان ابن عباس يقول : «الْمَلَكَيْنِ» من الملوك. وقوله : فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ ... (١٠٢) أما السّحر فمن عمل الشياطين ، فيتعلمون من الملكين كلاما إذا قيل أخذ «١» به الرجل عن امرأته. ثم قال : ومن قول الملكين إذا تعلّم منهما ذلك : لا تكفر. إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ، فَيَتَعَلَّمُونَ ليست بجواب لقوله : وَما يُعَلِّمانِ إنما هى مردودة على قوله : يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فيتعلّمون ما يضرهم ولا ينفعهم فهذا وجه. ويكون «فَيَتَعَلَّمُونَ» متصلة بقوله : «إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ» فيأبون فيتعلّمون ما يضرّهم ، وكأنه أجود الوجهين فى العربية «٢». واللّه أعلم. (١) أخذ (بتشديد الخاء) : حبس ومنع. وقد أخذت الساحرة الرجل تأخيذا. (٢) لعل الوجه الأوّل هو ما أشار إليه المؤلف أوّلا ، وهو عطف «فيتعلمون» على موضع «ما يعلمان» وقد أجازه بعضهم لأن قوله : «و ما يعلمان» وإن دخلت عليه ما النافية فمضمنه الإيجاب فى التعليم. وهناك أعاريب أخرى. وقوله : وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ... (١٠٢) من فى موضع رفع وهى جزاء «٤» لأن العرب «٥» إذا أحدثت على الجزاء هذه اللام صيّروا فعله على جهة فعل. ولا يكادون يجعلونه على يفعل كراهة أن يحدث على الجزاء حادث وهو مجزوم ألا ترى أنهم يقولون : سل عمّا شئت ، وتقول : لا آتيك ما عشت ، ولا يقولون ما تعش لأن «ما» فى تأويل جزاء (٤) «و لقد علموا لمن اشتراه ما له فى الآخرة من خلاق» اللام للقسم و«من» اسم موصول مبتدأ وجملة «اشتراه» صلة الموصول ، وجملة «ما له فى الآخرة من خلاق» مبتدأ وخبر ، و«من» زائدة فى المبتدأ «خلاق» للتوكيد ، و«فى الآخرة» متعلق بمحذوف حال منه ، ولو أخر عنه لكان صفة له ، وهذه الجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «من» والجملة كلها «لمن اشتراه ما له فى الآخرة من خلاق» فى محل نصب سادة مسدّ مفعولى «علموا». هذا هو الظاهر عند النحويين وقال الفرّاء : إن «من» أداة شرط مبتدأ ، واللام فى «لمن» موطئة للقسم. والمشهور أن اللام الداخلة على «قد» فى مثل الآية إنما هى لام القسم ، أما اللام الداخلة على أداة الشرط فهى للإيذان بأن الجواب بعدها مرتب على قسم قبلها لا على الشرط ، ولذلك تسمى اللام المؤذنة ، وتسمى الموطئة أيضا لأنها وطأت الجواب للقسم أي مهدته له. وحيث أغنى جواب القسم عن جواب الشرط لزم كون فعل الشرط ماضيا ولو معنى كالمضارع المنفي بلم غالبا - هذا - وقد يغنى عن القسم جوابه لدليل يدل عليه كما إذا وقع بعد «لقد» أو بعد «لئن» نحو «و لقد صدقكم اللّه وعده» و«لئن متم أو قتلتم لإلى اللّه تحشرون». وراجع إعراب الآية فى تفسير الطبري. (٥) فى ج ، ش : «إلا أن العرب». و قد وقع ما قبلها عليها ، فصرفوا الفعل إلى فعل لأن الحزم لا يستبين فى فعل ، فصيّروا حدوث اللام - وإن كانت لا تعرّب شيئا - كالذى يعرّب ، ثم صيّروا جواب الجزاء بما تلقى به اليمين - يريد تستقبل به - إمّا بلام ، وأما ب «لا» ، وأما «إن» وأما ب «ما» فتقول فى «ما» : لئن أتيتنى ما ذلك لك بضائع ، وفى «إن» : لئن أتيتنى إنّ ذلك لمشكور لك - قال الفراء : لا يكتب لئن إلا بالياء ليفرق بينها وبين لأن «١» - وفى «لا» : «لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ» «٢» وفى اللام «وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ» «٣» وإنما صيّروا جواب الجزاء كجواب اليمين لأن اللام التي دخلت فى قوله : «وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ» وفى قوله : «لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ» «٤» وفى قوله : «لَئِنْ أُخْرِجُوا» إنما هى لام اليمين كان موضعها فى آخر الكلام فلمّا صارت فى أوله صارت كاليمين ، فلقيت بما يلقّى به اليمين ، وإن أظهرت الفعل بعدها على يفعل جاز ذلك وجزمته فقلت : لئن تقم لا يقم إليك ، وقال الشاعر «٥» : لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ليعلم ربّى أنّ بيتي واسع (١) ما بين الخطين ساقط من ج ، ش. (٢ ، ٣) آية ١٢ سورة الحشر. [.....] (٤) آية ٨١ من سورة آل عمران : «وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ» اللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي فى ضمن أخذ الميثاق ، وجواب القسم جملة «لتؤمنن به» و«ما» جعلها الفراء شرطية ، والأولى أن تكون موصولا مبتدأ خبره محذوف. وقال العكبري : وفى الخبر وجهان أحدهما أنه «من كتاب وحكمة» أي الذي أوتيتموه من الكتاب ، والنكرة هنا كالمعرفة. والثاني أن الخبر جملة القسم المحذوف وجوابه الذي هو جملة «لتؤمنن به». وراجع السمين والزمخشري فى الآية. (٥) البيت للكميت بن معروف ، وهو شاعر مخضرم ، والشاهد فيه أن فعل الشرط المحذوف جوابه قد جاء مضارعا فى ضرورة الشعر ، والقياس «لئن كانت». وفيه شاهد آخر وهو أن المضارع الواقع جوابا للقسم إن كان للحال لا للمستقبل وجب الاكتفاء فيه باللام ، وامتنع توكيده بالنون كما هنا فإن المعنى : ليعلم الآن ربى. و أنشدنى بعض «١» بنى عقيل : لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا أصم فى نهار القيظ للشّمس باديا و أركب حمارا بين سرج وفروة وأعر من الخاتام صغرى شماليا «٢» فألقى جواب اليمين من الفعل ، وكان الوجه فى الكلام أن يقول : لئن كان كذا لآتينك ، وتوهم إلغاء اللام كما قال الآخر «٣» : فلا يدعنى قومى صريحا لحرّة لئن كنت مقتولا ويسلم عامر فاللام فى «لئن» ملغاة ، ولكنها كثرت فى الكلام حتى صارت بمنزلة «٤» «إن» ، ألا ترى أن الشاعر قد قال : فلئن قوم أصابوا غرّة وأصبنا من زمان رققا «٥» للقد كانوا لدى أزماننا لصنيعين لبأس وتقى «٦» (١) يريد امرأة منهم. ويقول الفراء فى سورة الإسراء فى هذين البيتين : «و أنشدتنى امرأة عقيلية فصيحة». (٢) الشاهد أنه جاء الفعل «أصم» جوابا مجزوما لإن الشرطية بعد تقدم القسم المشعر به اللام الموطئة ، وهو قليل فى الشعر. وقيل إن اللام زائدة. و«ما» عبارة عن الكلام. والقيظ : شدة الحر. والبادي : البارز. وركوب الحمار بين الفروة والسرج هيئة من يندد به ويفضح بين الناس. وأعر : مضارع أعراه أي جعله عاريا. والخاتام لغة فى الخاتم. وصغرى الشمال خنصرها فإن الخاتم يكون زينة للشمال ، واليمين لها فضيلة اليمين. يقول : إن كان ما نقل لك عنى من الحديث صحيحا فجعلنى اللّه صائما فى تلك الصفة الشاقة ، وأركبنى حمارا للخزى والفضيحة وجعل شمالى عارية من حسنها وزينتها بقطعها. (خزانة الأدب ج ٤ : ٥٣٨). (٣) قائله قيس بن زهير العبسي ، وتقدير البيت : لئن قتلت و«عامر» سالم من القتل فلست بصريح النسب حر الأم وأراد عامر بن الطفيل. و«يسلم» على القطع والاستئناف ، ولو نصب بإضمار «أن» لأن ما قبله من الشرط غير واجب لجاز. (هامش سيبويه ج ١ : ٤٢٧). وقال ابن مالك : وقد يستغنى بعد «لئن» عن جواب لتقدم ما يدل عليه فيحكم بأن اللام زائدة ، فمن ذلك قول عمر بن أبى ربيعة : ألمم بزينب إن البين قد أفدا قل الثواء لئن كان الرحيل غدا و مثله : فلا يدعنى قوم ... البيت. وقال فى شرح الكافية : لا قسم فى مثل هذه الصورة ، فلا يكون إلا شرط. (٤) فى ج ، ش : «كأنها». (٥) «غرة» فى شعراء ابن قتيبة ١/ ٤٧ : «عزة». الرقق : رقة الطعام وقلته ، وفى ماله رقق أي قلة ، وذكره القراء بالنفي فقال : يقال ما فى ماله رقق ، أي قلة. (٦) كذا. والمعنى غير واضح. وقد يكون الأصل : للقد أ... ... فأدخل على «لقد» لا ما أخرى لكثرة ما تلزم العرب اللام فى «لقد» حتى صارت كأنها منها. وأنشدنى بعض بنى أسد : لددتهم النّصيحة كلّ لدّ فمجّوا النّصح ثم ثنوا فقاءوا فلا واللّه لا يلفى لما بي ولا للمابهم أبدا دواء «١» و مثله قول الشاعر : كما ما امرؤ فى معشر غير رهطه ضعيف الكلام شخصه متضائل قال : «كما» ثم زاد معها «ما» أخرى لكثرة «كما» فى الكلام فصارت كأنها منها. وقال الأعشى : لئن منيت بنا عن غبّ معركة لا تلفنا من دماء القوم ننتفل «٢» فجزم «لا تلفنا» والوجه الرفع كما قال اللّه : «لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ» «٣» ولكنه لمّا جاء بعد حرف ينوى به الجزم صيّر جزما جوابا للمجزوم وهو فى معنى رفع. وأنشدنى القاسم بن معن (عن العرب) «٤» : (١) البيتان من قصيدة طويلة لمسلم بن معبد الوالبي. والشاهد فى قوله : «للما» حيث كررت فيه اللام للتأكيد وهى حرف واحد بدون ذكر مجرور الأولى ، وهو على غاية الشذوذ والقلة ، والقياس (لما بهم لما بهم). ولددتهم هنا بمعنى ألزمتهم يقول : ألزمتهم النصيحة كل الإلزام فلم يقبلوا ، ولا يوجد شفاء لما بي من الكدر ولا لما بهم من داء الحسد. ويروى عجز البيت : و ما بهم من البلوى دواء وانظر الخزانة ١/ ٣٦٤. (٢) منيت : أي بليت وقدر لك. و«عن غب معركة» «عن» بمعنى بعد ، والغب : العاقبة. وانتقل من الشيء : انتفى منه وتنضل. والشاهد فى البيت أن الشرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه ، وهو قليل خاص بالشعر. وقال ابن هشام : إن اللام فى «لئن» زائدة وليست موطئة كما زعم الفراء. (٣). ١٢ آية سورة الحشر. (٤) سقط فى أ. حلفت له إن تدلج اللّيل لا يزل أمامك بيت من بيوتى سائر «١» و المعنى حلفت له لا يزال أمامك بيت ، فلما جاء بعد المجزوم صيّر جوابا للجزم. ومثله فى العربية : آتيك كى (إن تحدّثنى «٢» بحديث أسمعه منك ، فلما جاء بعد المجزوم جزم). (١) البيت شاهد على جزم «لا يزل» فى ضرورة الشعر بجعله جواب الشرط وكان القياس أن يرفع ويجعل جوابا للقسم ، لكنه جزم للضرورة ، فيكون جواب القسم محذوفا مدلولا عليه بجواب الشرط. وتدلج : مضارع أدلج أي سار الليل كله. وأراد بالبيت جماعة من أقاربه يقول : إن سافرت بالليل أرسلت جماعة من أهلى يسيرون أمامك يخفرونك ويحرسونك إلى أن تصل إلى مأمنك. (٢) فى ج ، ش : «إن تحدث بحديث أسمعه منك ، فلما جاء بعد الجزم جزم». [.....] |
﴿ ١٠٢ ﴾