١٠٨

وقوله : أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ ... (١٠٨)

أَمْ (فى المعنى) «٢» تكون ردّا على الاستفهام على جهتين إحداهما : أن تفرّق «٣» معنى «أى» ، والأخرى أن يستفهم بها. فتكون «٤» على جهة النسق ، والذي ينوى بها الابتداء إلّا أنه ابتداء متّصل بكلام. فلو ابتدأت كلاما ليس قبله كلام ، ثم استفهمت لم يكن إلّا بالألف أو بهل ومن ذلك قول اللّه : «الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ» «٥» ، فجاءت «أَمْ» وليس قبلها استفهام ، فهذا دليل على أنها استفهام مبتدأ على كلام قد سبقه. وأما قوله :

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ فإن شئت جعلته على مثل هذا ، وإن شئت قلت : قبله استفهام فردّ عليه وهو قول اللّه : «أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». وكذلك قوله : «ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ. أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ» «٦» فإن شئت جعلته استفهاما مبتدأ قد سبقه كلام ، وإن شئت جعلته مردودا على قوله : «ما لَنا لا نَرى رِجالًا» وقد قرأ بعض

(٢) سقط فى أ.

(٣) فى الطبري : «تعرّف».

(٤) هذا إيضاح لجهتى (أم). فهى فى الجهة الأولى أداة نسق ، وفى الجهة الثانية ليست أداة نسق بل ينوى بها الابتداء على ما وصف.

(٥) آية ٣ سورة السجدة.

(٦) آية ٦٢ ، ٦٣ سورة ص.

القرّاء : «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا» يستفهم فى «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا» بقطع الألف لينسّق عليه «أَمْ» لأن أكثر ما تجىء مع الألف وكلّ صواب. ومثله : «أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي» ثم قال : «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا» والتفسير فيهما واحد. وربّما جعلت العرب «أَمْ» إذا سبقها استفهام لا تصلح أىّ فيه على جهة بل فيقولون : هل لك قبلنا حق أم أنت رجل معروف بالظّلم.

يريدون : بل أنت رجل معروف بالظّلم وقال الشاعر :

فو اللّه ما أدرى أسلمى تغوّلت «١» أم النّوم أم كلّ إلىّ حبيب

معناه [بل كلّ إلىّ حبيب ] «٢».

وكذلك تفعل العرب فى «أو» فيجعلونها نسقا مفرّقة لمعنى ما صلحت فيه «أحد» ، و«إحدى» كقولك : اضرب أحدهما زيدا أو عمرا ، فإذا وقعت فى كلام لا يراد به أحد وإن صلحت جعلوها على جهة بل كقولك فى الكلام :

اذهب إلى فلان أو دع ذلك فلا تبرح اليوم. فقد دلّك هذا على أن الرجل قد رجع عن أمره الأوّل وجعل «أو» فى معنى «بل» ومنه قول اللّه :

«وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» وأنشدنى بعض العرب «٣» :

بدت مثل قرن الشّمس فى رونق الضّحى وصورتها أو أنت فى العين أملح «٤»

يريد : بل أنت.

(١) تغوّلت المرأة : تلونت.

(٢) الزيادة من تفسير الطبري.

(٣) آية ١٤٧ سورة والصافات.

(٤) قرن الشمس : أعلاها. «و صورتها» بالجرّ عطف على قرن. وأملح : من ملح الشيء (بالضم) ملاحة أي بهج وحسن منظره. والبيت نسبه ابن جنى فى المحتسب إلى ذى الرمة ، ولم نجده فى ديوانه.

و قوله : فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨) و«سَواءَ» «١» فى هذا الموضع قصد ، وقد تكون «سَواءَ» «٢» فى مذهب غير كقولك للرجل : أتيت سواءك.

(١) فى ج : «سواء للسبيل».

(٢) كذا فى أ، وفى ج : «على».

﴿ ١٠٨