١٥٠

و قوله : لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ... (١٥٠)

يقول القائل : كيف استثنى الذين ظلموا فى هذا الموضع؟

و لعلهم توهّموا أن ما بعد إلّا يخالف ما قبلها فإن كان ما قبل إلّا فاعلا كان الذي بعدها خارجا من الفعل الذي ذكر ، وإن كان قد نفى عما قبلها الفعل ثبت لما بعد إلا كما تقول : ذهب الناس إلّا زيدا ، فزيد خارج من الذهاب ، ولم يذهب الناس إلا زيد ، فزيد ذاهب ، والذهاب مثبت لزيد.

فقوله «١» «إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا» [معناه «٢» : إلا الذين ظلموا منهم ] ، فلا حجّة لهم «فَلا تَخْشَوْهُمْ» وهو كما تقول فى الكلام : الناس كلّهم [لك ] «٣» حامدون إلا الظالم لك المعتدى عليك ، فإن ذلك لا يعتدّ بعداوته ولا بتركه الحمد لموضع العداوة.

وكذلك الظالم لا حجّة له. وقد سمّى ظالما.

وقد قال بعض النحويين «٤» : إلا فى هذا الموضع بمنزلة الواو كأنه قال : «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ» ولا للذين ظلموا. فهذا صواب فى التفسير ، خطأ فى العربية إنما تكون إلا بمنزلة الواو إذا عطفتها على استثناء قبلها ، فهنالك تصير بمنزلة الواو كقولك : لى على فلان ألف إلا عشرة إلا مائة ، تريد : (إلّا) الثانية أن ترجع على الألف ، كأنك أغفلت المائةفاستدركتها فقلت : اللهمّ

(١) هذا أخذ منه فى الردّ على الاعتراض السابق وكأن هنا سقطا فى الكلام. وفى هامش أفى هذا الموطن سطران لم تحسن قراءتهما. وكأن فيهما هذا السقط.

(٢) زيادة من اللسان فى إلا فى آخر الجزء العشرين.

(٣) زيادة من اللسان فى الموطن السابق.

(٤) القائل بهذا أبو عبيدة ، وقد أبطل الزجاج والفراء هذا القول.

إلا مائة. فالمعنى له علىّ ألف ومائة ، وأن تقول : ذهب الناس إلا أخاك ، اللهمّ إلا أباك ، فتستثنى الثاني ، تريد : إلا أباك وإلا أخاك كما قال الشاعر «١» :

ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروانا

كأنه أراد : ما بالمدينة دار إلا دار الخليفة ودار مروان.

(١) نسب فى كتاب سيبويه ١/ ٣٧٣ إلى الفرزدق. وانظر فى تخريج إعرابه السيرافي على الكتاب ٣/ ٣٠٦ من التيمورية.

وقوله : وَاخْشَوْنِي ... (١٥٠)

أثبتت فيها الياء ولم تثبت فى غيرها ، وكلّ ذلك صواب ، وإنما استجازوا حذف الياء لأن كسرة النون تدلّ عليها ، وليست تهيّب العرب حذف الياء من آخر الكلام إذا كان ما قبلها مكسورا ، من ذلك «رَبِّي أَكْرَمَنِ - و - أَهانَنِ» فى سورة «الفجر» «٣» وقوله : «أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ» «٤» ومن غير النون «الْمُنادِ» «٥» و«الدَّاعِ» «٦» وهو كثير ، يكتفى من الياء بكسرة ما قبلها ، ومن الواو بضمّة ما قبلها مثل قوله :

(٣) آيتا ١٥ ، ١٦ من السورة.

(٤) آية ١٢٦ سورة النمل. [.....]

(٥) آية ٤١ سورة ق.

(٦) آيتا ٦ ، ٨ سورة القمر.

«سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ» «١» - «وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ» «٢» وما أشبهه ، وقد تسقط العرب الواو وهى واو جماع ، اكتفى بالضمّة قبلها فقالوا فى ضربوا : قد ضرب ، وفى قالوا : قد قال ذلك ، وهى فى هوازن وعليا قيس أنشدنى بعضهم :

إذا ما شاء ضرّوا من أرادوا ولا يألو لهم أحد ضرارا «٣»

و أنشدنى الكسائي :

متى تقول خلت من أهلها الدار كأنهم بجناحي طائر طاروا

و أنشدنى بعضهم :

فلو أن الأطبّاء كان عندى وكان مع الأطباء الأساة «٤»

و تفعل ذلك فى ياء التأنيث كقول عنترة :

إن العدوّ لهم إليك وسيلة إن يأخذوك تكحّلى وتخضّب «٥»

يحذفون (ياء التأنيث) «٦» وهى دليل على الأنثى اكتفاء بالكسرة.

(١) آية ١٨ سورة العلق.

(٢) آية ١١ سورة الإسراء.

(٣) أورده البغدادىّ فى شرح شواهد المغني ٢/ ٨٥٩ وقال : «و هذا البيت مشهور فى تصانيف العلماء ، ولم يذكر أحد منهم قائله».

(٤) بعده :

إذا ما أذهبوا ألما بقلبي وإن قيل : الأساة هم الشفاة

و الأساة جمع آس ، وهو هنا من يعالج الجرح. وانظر الخزانة ٢/ ٣٨٥.

(٥) نسب هذا البيت فى أبيات أخر الجاحظ فى البيان ٣/ ١٧٦ وفى الحيوان ٤/ ٣٦٣ إلى خزز بن لوذان ، وكذلك رجّح صاحب الأغانى ١٠/ ١٨٠ طبعة الدار نسبتها إلى خزز. وذكر صاحب الخزانة ٣/ ١١ عن الصاغاني أن الشعر فى ديوانى الرجلين. وانظر اللسان (نعم).

(٦) نسخة أ: (الياء). والحق أن لا حذف فى البيت لأن القافية مطلقة ، والياء ثابتة فى اللفظ ، كما يجب أن تثبت فى الكتابة. نعم هناك طريقة فى الإنشاء تقطع الترنم ، فتسكن الياء. وقد روى أحد الأبيات التي منها هذا بالإسكان. وانظر سيبويه ٢/ ٣٠٢.

﴿ ١٥٠