١٧٣وقوله : إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ... (١٧٣) نصب لوقوع «حَرَّمَ» عليها. وذلك أن قولك «إِنَّما» على وجهين : أحدهما أن تجعل «إِنَّما» حرفا واحدا ، ثم تعمل الأفعال التي تكون بعدها [فى ] «٢» الأسماء ، فإن كانت رافعة رفعت ، وإن كانت ناصبة نصبت فقلت : إنما دخلت دارك ، وإنما أعجبتنى دارك ، وإنّما مالى مالك. فهذا حرف واحد. (٢) زيادة يقتضيها السياق ، خلت منها الأصول. و أمّا الوجه الآخر فأن يجعل «ما» منفصلة من (إنّ) فيكون «ما» على معنى الذي ، فإذا كانت كذلك وصلتها بما يوصل به الذي ، ثم يرفع الاسم الذي يأتى بعد الصلة كقولك إنّ ما أخذت مالك ، إن ما ركبت دابّتك. تريد : إن الذي ركبت دابتك ، وإن الذي أخذت مالك. فأجرهما على هذا. و هو فى التنزيل فى غير ما موضع من ذلك قوله تبارك وتعالى : «أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ» «١» ، «إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ» «٢» فهذه حرف واحد ، هى وإنّ ، لأن «الذى» لا تحسن فى موضع «ما». وأما التي فى مذهب (الذي) فقوله : «إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ» «٣» معناه : إن الذي صنعوا كيد ساحر. ولو قرأ قارئ «إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ» نصبا كان صوابا إذا جعل إنّ وما حرفا واحدا. وقوله «إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ» «٤» قد «٥» نصب المودّة قوم ، ورفعها آخرون على الوجهين اللذين فسّرت لك. وفى قراءة عبد اللّه «إنما مودّة بينكم فى الحياة الدنيا» «٦» فهذه حجّة لمن رفع المودّة لأنها مستأنفة لم يوقع الاتّخاذ عليها ، فهو بمنزلة قولك : إن الذي صنعتموه ليس بنافع ، مودّة بينكم ثم تنقطع بعد. فإن شئت رفعت المودّة ب «بين» وإن شئت أضمرت لها اسما قبلها يرفعها كقوله «سُورَةٌ أَنْزَلْناها» «٧» وكقوله «لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ» «٨». (١) آية ١٧١ سورة النساء ، وهذه أمثلة لإنما التي هى حرف واحد. وأما الأخرى فستذكر عند قوله : و أما التي فى مذهب الذي إلخ. (٢) آية ١٢ سورة هود. (٣) آية ٦٩ سورة طه. (٤) آية ٢٥ سورة العنكبوت. (٥) فى ج ، ش : «و قد». (٦) فى نسخ الأصل : «مودة بينهم» على الغيبة وهى قراءة أبى. (٧) آية ١ سورة النور. (٨) آية ٣٥ سورة الأحقاف. و(بلاغ) خبر مبتدأ محذوف قدّره بعضهم بقوله تلك الساعة بلاغ لدلالة قوله (إلا ساعة من نهار) وقيل تقديره : هذا (أي القرآن أو الشرع بلاغ) وانظر العكبري والسمين. فإذا رأيت «إنما» فى آخرها اسم من الناس وأشباههم ممّا يقع عليه «من» فلا تجعلنّ «ما» فيه على جهة (الذي) لأن العرب لا تكاد تجعل «ما» للناس. من ذلك : إنّما ضربت أخاك ، ولا تقل : أخوك لأن «ما» لا تكون للناس. فإذا كان الاسم بعد «إنما» وصلتها من غير الناس جاز فيه لك الوجهان فقلت : إنّما سكنت دارك. وإن شئت : دارك. وقد تجعل العرب «ما» فى بعض الكلام للناس ، وليس بالكثير. وفى قراءة عبد اللّه «و النّهار إذا تجلّى ، والذّكر والأنثى» «١» وفى قراءتنا «وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى » فمن جعل «ما خَلَقَ» للذكر والأنثى جاز أن يخفض «الذَّكَرَ وَالْأُنْثى » كأنه قال والذي خلق : الذكر والأنثى. ومن نصب «الذَّكَرَ» جعل «ما» و«خَلَقَ» كقوله : وخلقه الذكر والأنثى ، يوقع خلق عليه. والخفض فيه على قراءة عبد اللّه حسن ، والنصب أكثر. ولو رفعت «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ» كان وجها. وقد قرأ بعضهم «٢» : «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ» ولا يجوز هاهنا إلا رفع الميتة والدم لأنك إن جعلت «إِنَّما» حرفا واحدا رفعت الميتة والدم لأنه فعل لم يسمّ فاعله ، وإن جعلت «ما» على جهة (الذي) رفعت الميتة والدم لأنه خبر ل (ما). (١) آية ٣ سورة الليل. فى الشواذ قراءة الحسن «و الذكر والأنثى» بالكسر كما فى قراءة عبد اللّه. وعند الكسائي «ما خلق الذكر والأنثى» بالكسر أيضا ، فالأولى بإسقاط «و ما خلق». (٢) هو أبو جعفر. وانظر القرطبي ٢/ ٢١٦. وقوله : وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ... (١٧٣) الإهلال : ما نودى به لغير اللّه على الذباح [وقوله ] «٣» فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ [ (غير) «٤» فى هذا الموضع حال للمضطرّ كأنك قلت : فمن اضطرّ لا باغيا (٣ ، ٤) زيادة فى أ. [.....] و لا عاديا] فهو له حلال. والنصب هاهنا بمنزلة قوله «أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ» «١» ومثله «إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ» «٢» و«غَيْرِ» هاهنا لا «٣» تصلح «لا» فى موضعها لأنّ «لا» تصلح فى موضع غير. وإذا رأيت «غَيْرَ» يصلح «لا» فى موضعها فهى مخالفة «لِغَيْرِ» التي لا تصلح «لا» فى موضعها. ولا تحلّ الميتة للمضطرّ إذا عدا على الناس بسيفه ، أو كان فى سبيل من سبل المعاصي. ويقال : إنه لا ينبغى لآكلها أن يشبع منها ، ولا أن يتزوّد منها شيئا. إنما رخّص له فيما يمسك نفسه. (١) آية ١ سورة المائدة. (٢) آية ٥٣ سورة الأحزاب. (٣) كذا فى الأصول. فإن صح هذا فالمعنى أن (غيرا) هنا تساوى فى المعنى (لا) كما قدر قبل ، وقوله : «تصلح لا ...» تفسير لهذا. وأقرب من هذا أن تكون (لا) زيدت فى النسخ. |
﴿ ١٧٣ ﴾