١٩٦

وقوله : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ... (١٩٦)

و فى قراءة عبد اللّه «و أتمّوا الحجّ والعمرة إلى البيت للّه» «٤» فلو قرأ قارئ «وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» فرفع العمرة «٥» لأن المعتمر إذا أتى البيت فطاف به وبين الصفا والمروة حلّ من عمرته. والحج يأتى فيه عرفات وجميع المناسك وذلك قوله «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» يقول : أتموا العمرة إلى البيت «٦» فى الحج إلى أقصى مناسكه.

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ العرب تقول للذى يمنعه من الوصول إلى إتمام حجّه أو عمرته خوف أو مرض ، وكل «٧» ما «٨» لم يكن مقهورا كالحبس والسّجن (يقال للمريض) «٩» : قد

 (٤) الذي فى الطبري : «فى قراءة عبد اللّه : وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت». ويدل قول الطبري على أن ابن مسعود يقرأ بنصب العمرة ، على خلاف ما فى الشواذ لابن خالويه فإنه ذكر قراءة عبد اللّه : والعمرة للّه بالرفع.

(٥) هنا حذف «بعد العمرة». والأصل : جاز. ويتعلق به قوله بعد : «لأن المعتمر ...»

و قد قرأ بالرفع على رضى اللّه عنه والشعبي ، ورويت أيضا عن ابن مسعود. وانظر الشواذ لابن خالويه والبحر ٢/ ٧٢

(٦) كأن «فى» محرّفة عن واو العطف. [.....]

(٧) معطوف على «الذى يمنعه من الوصول ...».

(٨) أوقع «ما» موقع من ذهابا إلى الوصف كقوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء ...

(٩) هذا تأكيد لقوله قبل : «العرب تقول ...» فقوله : «قد أحصر ...» مقول «تقول».

أحصر ، وفى الحبس والقهر : قد حصر. فهذا فرق بينهما. ولو نويت فى قهر السلطان أنها علّة مانعة ولم تذهب إلى فعل الفاعل جاز لك أن تقول : قد أحصر الرجل.

ولو قلت فى المرض وشبهه : إن المرض قد حصره أو الخوف ، جاز أن تقول :

حصرتم. وقوله «وَ سَيِّداً وَحَصُوراً» «١» [يقال ] «٢» إنه المحصر عن النساء لأنها علّة وليس بمحبوس. فعلى هذا فابن.

(١) آية ٣٩ سورة آل عمران.

(٢) زيادة من اللسان فى حصر.

وقوله : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ... (١٩٦)

«ما» فى موضع رفع لأن أكثر ما جاء من أشباهه فى القرآن مرفوع.

ولو نصبت على قولك : أهدوا «فَمَا اسْتَيْسَرَ» «٣».

وتفسير الهدى فى هذا الموضع بدنة «٤» أو بقرة أو شاة.

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الهدى صام ثلاثة أيام يكون آخرها يوم عرفة ، واليومان فى العشر ، فأما السبعة فيصومها إذا رجع فى طريقه ، وإن شاء إذا وصل إلى أهله و«السبعة» فيها الخفض على الإتباع للثلاثة. وإن نصبتها «٥» فجائز على فعل «٦» مجدّد كما تقول فى الكلام : لا بدّ من لقاء أخيك وزيد وزيدا.

وقوله : ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يقول : ذلك لمن كان من الغرباء من غير أهل مكّة ، فأما أهل مكة فليس ذلك عليهم. و«ذلِكَ» فى موضع رفع. وعلى تصلح فى موضع اللام أي ذلك على الغرباء.

 (٣) الجواب محذوف أي جاز مثلا. وفى الطبري : «و لو قيل : موضع (ما) نصب بمعنى فإن أحصرتم فأهدوا ما استيسر من الهدى لكان غير مخطئ قائله».

(٤) يراد بالبدنة هنا الناقة أو البعير.

(٥) وهى قراءة زيد بن على ، كما فى البحر.

(٦) تقديره : صوموا ، أو ليصوموا.

و قوله : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ معناه : وقت الحج هذه الأشهر. فهى وإن كانت «فى» تصلح فيها فلا يقال إلّا بالرفع ، كذلك كلام العرب ، يقولون : البرد شهران ، والحرّ شهران ، لا ينصبون لأنه مقدار الحج. ومثله قوله : «وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ» «١» ولو كانت الأشهر أو الشهر معروفة على هذا المعنى لصلح «٢» فيه النصب. ووجه الكلام الرفع لأن الاسم إذا كان فى معنى صفة «٣» أو محلّ قوى إذا أسند إلى شىء ألا ترى أن العرب يقولون : هو رجل دونك وهو رجل دون ، فيرفعون إذا أفردوا ، وينصبون إذا أضافوا. ومن كلامهم المسلمون جانب ، والكفّار جانب ، فإذا قالوا : المسلمون جانب صاحبهم نصبوا. وذلك أن «٤» الصاحب يدلّ على محلّ كما تقول : نحو صاحبهم ، وقرب صاحبهم. فإذا سقط الصاحب لم تجده محلّا تقيده قرب شىء أو بعده.

والأشهر المعلومات شوّال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة. والأشهر الحرم المحرّم ورجب وذو القعدة وذو الحجة. وإنما جاز أن يقال له أشهر وإنما هما شهران وعشر من ثالث لأن العرب إذا كان الوقت لشىء يكون فيه الحج وشبهه جعلوه فى التسمية للثلاثة والاثنين ، كما قال اللّه تبارك وتعالى : «وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ» وإنما يتعجّل فى يوم ونصف ، وكذلك هو فى اليوم الثالث من أيام التشريق وليس منها شىء تامّ ، وكذلك تقول العرب : له اليوم يومان منذ لم أره ، وإنما هو يوم وبعض آخر ، وهذا ليس بجائز فى غير المواقيت لأن العرب قد تفعل الفعل فى أقلّ من الساعة ، ثم يوقعونه على اليوم وعلى

(١) آية ١٢ سورة سبأ.

(٢) ذلك أن الظرف سبيله عنده أن يكون معروفا حتى يصح التوقيت به ، فالنكرة غير المحصورة لا تصلح لذلك.

(٣) الصفة هنا الجارّ والمجرور. والمحل الظرف.

وهذا عند الكوفيين.

(٤) فى أ: «لأن».

العام والليالى والأيام ، فيقال : زرته العام ، وأتيتك اليوم ، وقتل فلان ليالى الحجّاج أمير ، لأنه «١» لا يراد أوّل الوقت وآخره ، فلم يذهب به على معنى العدد كله ، وإنما يراد به (إذ ذاك الحين) «٢».

وأما قوله : فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ يقال : إن الرفث الجماع ، والفسوق السباب ، والجدال المماراة فِي الْحَجِّ فالقراء على نصب ذلك كله بالتبرئة «٣» إلا مجاهدا فإنه رفع الرفث والفسوق ونصب الجدال. وكلّ ذلك جائز. فمن نصب أتبع آخر الكلام أوّله ، ومن رفع بعضا ونصب بعضا فلان التبرئة فيها وجهان : الرفع بالنون «٤» ، والنصب بحذف النون. ولو نصب الفسوق والجدال بالنون لجاز ذلك فى غير القرآن لأن العرب إذا بدأت بالتبرئة فنصبوها لم تنصب بنون ، فإذا عطفوا عليها ب «لا» كان فيها وجهان ، إن شئت جعلت «لا» معلّقة يجوز حذفها فنصبت على هذه النية بالنون لأن «لا» فى معنى صلة ، وإن نويت بها الابتداء كانت كصاحبتها ، ولم تكن معلّقة فتنصب بلا نون قال فى ذلك الشاعر :

رأت إبلى برمل جدود أ[ن ] لا مقيل لها ولا شربا نقوعا «٥»

فنّون فى الشرب ، ونوى ب «لا» الحذف كما قال الآخر :

فلا أب وابنا مثل مروان وابنه إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا «٦»

(١) سقط فى أ. [.....]

(٢) فى الطبري : «إذ ذاك ، وفى ذلك الحين».

(٣) يعنى : بلا التبرئة. وهى لا النافية للجنس.

(٤) يعنى نون التنوين يقال : نون الاسم ألحقه التنوين قال فى التاج : وتزاد - أي النون - للصرف فى كل اسم منصرف.

(٥) جدود : موضع فى أرض بنى تميم على سمت اليمامة. والمقيل : موضع القيلولة ، وهى الاستراحة نصف النهار. والشرب : النصيب من الماء ، والنقوع : المجتمع. وترى زيادة النون فى «أن» وهى لا بدّ منها ، وقد سقطت من الأصول.

(٦) ورد هذا البيت فى سيبويه ١/ ٣٤٩. وهو من أبياته الخمسين التي لا يعرف قائلها. ونسبه ابن هشام لرجل من بنى عبد مناة يمدح مروان بن الحكم وابنه عبد الملك ، ونسب فى شرح شواهد الكشاف للفرزدق وانظر الخزانة ٢/ ١٠٢ ، والعيني على هامشها ٢/ ٣٥٥

و هو فى مذهبه بمنزلة المدعوّ «١» تقول : يا عمرو والصّلت أقبلا. فتجعل الصلت تابعا لعمرو وفيه الألف واللام لأنك نويت به أن يتبعه «٢» بلا نيّة «يا» فى الألف واللام. فإن نويتها قلت : يا زيد ويا أيها الصّلت أقبلا. فإن حذفت «يا أيها» وأنت تريدها نصبت كقول اللّه عز وجل «يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ» «٣» نصب الطير على جهتين : على نيّة النداء المجدّد له إذ لم يستقم دعاؤه بما دعيت به الجبال ، وإن شئت أوقعت عليه فعلا : وسخرنا له «الطَّيْرَ» فتكون النية على سخرنا. فهو فى ذلك متبع كقول الشاعر :

و رأيت زوجك فى الوغى متقلّدا سيفا ورمحا «٤»

و إن شئت رفعت بعض «٥» التبرئة ونصبت بعضا ، وليس من قراءة القراء ولكنه يأتى فى الأشعار قال أميّة :

فلا لغو ولا تأثيم فيها وما فاهوا به لهم مقيم «٦»

و قال الآخر «٧» :

ذاكم - وجدّكم - الصّغار بعينه لا أمّ لى إن كان ذاك ولا أب

(١) أي المنادى.

(٢) فى أ. «تتبعه».

(٣) آية ١٠ سورة سبأ.

(٤) فالتقدير : وحاملا رمحا لأن الرمح لا يتقلد وإنما يتقلد السيف. والبيت ورد فى اللسان (قلد) غير معزوّ. وفيه : «يا ليت» فى مكان : «رأيت».

(٥) قوله : بعض التبرئة يعنى ما بعد لا التبرئة.

(٦) هذا من قصيدة يذكر فيها أوصاف الجنة وأهلها وأحوال يوم القيامة ، وأوّلها :

سلامك ربنا فى كل فجر بريئا ما تليق بك الذموم

و انظر العيني على هامش الخزانة ٢/ ٣٤٦.

(٧) هو رجل من مذحج عند سيبويه ١/ ٣٥٢.

وقيل فى نسبته غير ذلك. وانظر العيني على هامش الخزانة ٢/ ٣٣٩. وكان لقائل هذا الشعر أخ يسمى جندبا ، وكان أهله يؤثرونه عليه ويفضلونه ، فأنف من ذلك وقال هذه.

و قبله :

و إذا تكون شديدة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب «١»

(١) الحيس : لبن وأقط وسمن وتمر يصنع منه طعام لذيذ. وقد أورد هذا البيت ليبين أن الروىّ مرفوع إذ لا شك فى رفع «جندب» ويروى : وإذا تكون كريهة.

﴿ ١٩٦