٢٢٩

وقوله : إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ ... (٢٢٩)

و فى قراءة عبد اللّه «إلا أن تخافوا» فقرأها حمزة على هذا المعنى «إِلَّا أَنْ يَخافا» ولا يعجبنى ذلك. وقرأها بعض «٧» أهل المدينة كما قرأها حمزة. وهى فى قراءة أبيّ

 (٧) هو أبو جعفر يزيد بن القعقاع أحد القراء العشرة ، وانظر البحر ٢/ ١٩٧.

«إلا أن يظنّا ألّا يقيما حدود اللّه» والخوف والظنّ متقاربان فى كلام العرب.

من «١» ذلك أن الرجل يقول : قد خرج عبدك بغير إذنك ، فتقول أنت : قد ظننت ذاك ، وخفت ذاك ، والمعنى واحد. وقال الشاعر :

أتانى كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلّام أنك عائبى «٢»

و قال الآخر :

إذا مت فادفنّى إلى جنب كرمة تروّى عظامى بعد موتى عروقها

[ولا تدفننّى فى الفلاة فإننى أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها] «٣»

و الخوف فى هذا الموضع كالظنّ. لذلك رفع «أذوقها» كما رفعوا «٤» «وَ حَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ» «٥» وقد روى عنه صلى اللّه عليه وسلّم (أمرت بالسواك «٦» حتى خفت لأدردنّ «٧») كما تقول : ظنّ ليذهبنّ.

وأما ما قال حمزة فإنه إن كان أراد اعتبار قراءة عبد اللّه فلم يصبه - واللّه أعلم - لأن الخوف إنما وقع على (أن) وحدها إذ قال : ألا يخافوا أن لا ، وحمزة قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة وعلى أن «٨» ألا ترى أن اسمهما فى الخوف مرفوع بما لم يسمّ فاعله. فلو أراد ألّا يخافا على هذا ، أو يخافا بذا ، أو من ذا ، فيكون على غير

(١) فى ش ، ج : «فى» وهو تحريف.

(٢) كذا فى ش. وفى ج «عاينى».

(٣) سقط هذا البيت فى ش ، ج ، ولا بد منه لأنه موضع الشاهد. وهما لأبى محجن الثقفي.

(٤) أي القراء.

(٥) آية ٧١ سورة المائدة. [.....]

(٦) فى ج : «بالسؤال» وما هنا عن ش. ويبدو فيه أثر الإصلاح.

(٧) الدرد : ذهاب الأسنان. ولفظ الحديث فى الجامع الصغير : «أمرت بالسواك حتى خفت على أسنانى».

(٨) يريد أنه على قراءة حمزة (يخافا ألا يقيما) ببناء الفعل للمفعول يكون الفعل قد عمل فى نائب الفاعل : وفى أن ومعمولها ، وكأن الفعل قد عمل فى أكثر من معمول واحد الرفع ، وهذا غير مألوف إلا على وجه التبعية. والنحويون يصححون هذا الوجه بأن يكون (ألا يقيما) بدل اشتمال من نائب الفاعل.

اعتبار قول عبد اللّه [كان ] «١» جائزا كما تقول للرجل : تخاف لأنك خبيث ، وبأنك ، وعلى أنك ....

وقوله : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما يقال كيف قال :

فلا جناح عليهما ، وإنما الجناح - فيما يذهب إليه الناس - على الزوج لأنه أخذ ما أعطى؟

ففى ذلك وجهان :

أن يراد الزوج دون المرأة ، وإن كانا قد ذكرا جميعا فى «٢» سورة الرحمن «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ» «٣» وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح لا من العذب. ومنه «نَسِيا حُوتَهُما» «٤» وإنما الناسي صاحب موسى وحده. ومثله فى الكلام أن تقول : عندى دابّتان أركبهما وأستقى عليهما ، وإنما يركب إحداهما ويستقى على الأخرى وقد يمكن أن يكونا جميعا تركبان ويستقى عليهما. وهذا من سعة العربية التي يحتجّ بسعتها. ومثله من كتاب اللّه «وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» «٥» فيستقيم فى الكلام أن تقول : قد جعل اللّه لنا ليلا ونهارا نتعيّش فيهما وننام فيهما. وإن شئت ذهبت بالنوم إلى الليل وبالتعيّش إلى النهار.

والوجه الآخر أن يشتركا جميعا فى ألّا يكون عليهما جناح إذ كانت تعطى ما قد نفى عن الزوج فيه الإثم ، أشركت فيه لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت هى إلى مثل ذلك. ومثله قول اللّه تبارك وتعالى : «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» «٦» وإنما موضع طرح الإثم فى المتعجّل ، فجعل

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) هذا استئناف كلام لذكر نظير لما سلف. وفى الطبري :

«كما قال فى سورة ...».

(٣) آية ٢٢ سورة الرحمن.

(٤) آية ٦١ سورة الكهف.

(٥) آية ٧٣ سورة القصص.

(٦) آية ٢٠٣ سورة البقرة.

للمتأخّر - وهو الذي لم يقصّر - مثل ما جعل على المقصّر. ومثله فى الكلام قولك : إن تصدّقت سرّا فحسن [وإن تصدّقت جهرا فحسن ] «١».

وفى قوله «وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» وجه آخر وذلك أن يريد : لا يقولنّ هذا المتعجل للمتأخر : أنت مقصّر ، ولا المتأخّر للمتعجل مثل ذلك ، فيكون قوله «فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» أي فلا يؤثّمنّ أحدهما صاحبه.

وقوله : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا يريد : فلا جناح عليهما فى أن يتراجعا «٢» ، (أن) فى موضع نصب إذا نزعت الصفة «٣» ، كأنك قلت : فلا جناح عليهما أن يراجعها ، قال وكان الكسائىّ يقول : موضعه خفض. قال الفرّاء : ولا أعرف ذلك.

وقوله إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما (أن) فى موضع نصب لوقوع الظنّ عليها.

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) كذا فى ج. وفى ش : «يراجعا».

(٣) يريد بها حرف الجرّ.

﴿ ٢٢٩